اخر الاخبار

الرياضة تعيد توحيد السوريين –

– هاني كرزي

بعدما فرّقت الرياضة السوريين لسنوات في عهد الأسد الذي سخرها لخدمة أجنداته، عادت لتوحيدهم مجددًا عقب سقوط النظام السوري، لتصبح الرياضة إحدى أدوات تعزيز السلم الأهلي والتواصل بين السوريين، الذين قاطعوا الأندية والمنتخبات السورية لسنوات.

السلم الأهلي في جوهره يعتمد على نبذ كل أشكال النزاع والتقاتل، أو التحريض عليه، أو تكريس ثقافة الكراهية، أو تحويل الاختلاف إلى أيديولوجيا والتنظير لها ونشرها.

وجود السلم الأهلي ضمن مجتمع ما هو دليل عافية وقوة، ويدل على قدرة هذا المجتمع على العمل والتقدم والتنمية، على عكس المجتمعات التي يسودها التشاحن والتوترات العرقية والدينية بين مكونات المجتمع وشرائحه.

النظام ضرب السلم الأهلي

تعزيز السلم الأهلي يعتمد على أدوات كثيرة، وتعتبر الرياضة إحدى تلك الأدوات، لكن النظام السوري حوّل الرياضة إلى وسيلة لضرب السلم الأهلي بدلًا من تعزيزه، بغية خدمة مصالحه وأجنداته.

وقال الصحفي الرياضي أنس عمو، “لم تكن لدينا رياضة”، إذ كان النظام السوري السابق يضع يده عليها لخدمة مصالحه، وكان يُعيّن القائمين على الرياضة من الفروع الأمنية وضباط الجيش أو أصحاب الواسطة، لتنفيذ مخططاته وتلميع صورته.

وأضاف أنس ل، أن النظام كان يسخّر الرياضة لضرب السلم الأهلي بين المدن السورية، من خلال التلاعب بنتائج المباريات، وتحديد الفائز بالدوري مسبقًا، ما كان يتسبب في حالات شغب وشجار بين الجماهير داخل الملعب او خارجه، بينما يبقى الأمن متفرجًا.

في 12 من آذار 2004، شهدت مباراة كرة قدم في القامشلي بين فريقي الجهاد والفتوة، اشتباكات عنيفة بين مشجعي الفريقين داخل الملعب، ثم امتدت إلى شوارع المدينة، عقب رفع مشجعين من الطرفين صورًا وشعارات استفزازية.

النظام السوري استغل أحداث تلك المباراة لتعزيز الكره والحقد بين مشجعي الفريقين، وأصبحت المباريات بينهما تشهد حالات شغب وفوضى متكررة، ما خلق حالة من التوتر بين مدينتي القامشلي التي يمثلها فريق الجهاد، ودير الزور التي يمثلها فريق الفتوة.

وأشار أنس عمو إلى أنه كانت هناك مدن بالكامل مظلومة رياضيًا، ولا يتم الاهتمام بتأهيل المنشآت الرياضية فيها، وهذا خلق فوارق طبقية رياضية بين المدن، وأدى إلى حصول انقسامات بين الجماهير.

ولفت أنس إلى أن “قذارة النظام وصلت إلى درجة أنه إذا أراد خلق مشكلة بين مدينتين”، فهو يقوم بدعم فريقين من تلك المدينتين، ويخلق منافسة حادة بينهما على لقب الدوري ثم يمنح اللقب لأحد الفريقين بسيناريو مشبوه وأخطاء تحكيمية فاضحة، ما يخلق حالة من التراشق الإعلامي، تصل إلى اشتباك بين جماهير الفريقين.

أكبر مثال على تلك الحالة، ما حصل في دوري 2008-2009، حيث تساوى حينها الكرامة والاتحاد بعدد النقاط، لكن وفق القانون كان الدوري من حق الاتحاد، لكن القصر الجمهوري تدخل حينها وفرض إجراء مباراة فاصلة بين الفريقين، انتهت لمصلحة الكرامة الذي أصبح بطلًا للدوري.

وكشفت بعض التسريبات أنه في ذلك الدوري كان النظام السوري يوجّه الحكام ضد نادي الاتحاد، وفي المباراة الفاصلة تم منح مشروبات طاقة للاعبي نادي الاتحاد أثرت على أدائهم في المباراة، التي خلقت بعد نهايتها جدلًا كبيرًا وحالة احتقان بين محافظتي حلب وحمص، التي يمثلها الاتحاد والكرامة.

الصحفي الرياضي حسين مصطفى، قال ل، إن إدارات الأندية كانت ببعض الأوقات تخلق النزاعات بين الجماهير قصدًا لأسباب وغايات مقصودة، ففي عهد النظام كانت أغلب الإدارات من أصحاب النفوذ، وتريد إظهار نجاحها مقابل فشل الآخرين لكسب ثقة القيادة الرياضية، وبنفس الوقت فإن اتحادات كرة القدم من مصلحتها استمرار الشغب لكسب المال من العقوبات المالية التي كانت تفرضها على الأندية المحلية.

من منتخب البراميل إلى منتخب سوريا

بعد سنوات من اندلاع الثورة السورية 2011، ومع خوض منتخب كرة القدم منافسات التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم ووصوله إلى الملحق الآسيوي، انقسم السوريون بين مؤيد ومعارض حول تشجيع المنتخب، فبعضهم رأى أنه لا علاقة للسياسة بكرة القدم في سوريا، وأن المنتخب يعبر عن جميع السوريين بمختلف انتماءاتهم السياسية.

في حين اعتبر آخرون أن النظام السوري استخدم نجاحات المنتخب واللاعبين لتنفيذ مآرب سياسية وإعلامية، بوصفها إنجازًا يضاف إلى ما تحققه قواته في “الحرب ضد الإرهاب”، بحسب الرواية الرسمية.

الإداريون واللاعبون في المنتخب كان يهدون الفوز إلى الأسد، ووصفوه بأنه راعي الرياضة والرياضيين، ما أعاد إلى الأذهان ما حصل في المؤتمر الصحفي لمدرب المنتخب السابق فجر إبراهيم في 2015، قبل مواجهة مضيفه السنغافوري ضمن التصفيات، عندما ارتدى إبراهيم قميصًا عليه صورة الأسد، وعند سؤاله عن سبب ذلك قال إن “رئيسنا يتابع كل خطواتنا ويدعمنا، فنحن نلعب من أجل بلدنا ومن أجله أيضًا”.

إعلان لاعبي ومدربي المنتخب السوري دعم الأسد، في الوقت الذي كان يقتل فيه السوريين ويعتقلهم، دفع كثيرين للعزوف عن تشجيع المنتخب ووصفوه بـ”منتخب البراميل”، لأنه يمثل الأسد لا الشعب.

لكن عقب سقوط الأسد، عاد السوريون للالتفاف حول منتخباتهم الوطنية بعد سنوات من القطيعة.

وقال عماد شيخ تلت (45 سنة) من سكان مدينة إدلب، لأول مرة نشعر أن لدينا منتخبًا يمثلنا، حيث وقفنا جميعًا لتشجيع المنتخب السوري في بطولة كأس آسيا الأخيرة في الصين، رغم أن حظوظ المنتخب كانت ضعيفة بالتأهل، كنا فخورين حين رُفع علم الثورة وعُزف نشيد سوريا الجديد في أرض الصين التي كانت أبرز حلفاء النظام السابق.

وأضاف عماد ل، أنه كان يتجادل دومًا مع الأشخاص الذين كانوا يصرون على تشجيع منتخب سوريا، “تحت مبدأ فصل الرياضة عن السياسة”، بينما قاطع آخرون ذلك المنتخب، لكن عقب سقوط الأسد عادت الرياضة لتوحد السوريين من الجديد خلف منتخبات بلادهم.

شعور توحد السوريين وتعاظم السلم الأهلي، تجلى بشكل أكبر، عقب تأهل منتخب سوريا لكرة السلة إلى كأس آسيا في شباط الماضي، إذ ضجت صفحات التواصل الاجتماعي بمنشورات الفرح والمباركة بتأهل المنتخب.

وقال الصحفي والمذيع الرياضي ميشيل سعد، “صحيح أن الرياضة لا تطعم خبزًا لكنها أقوى مصدر لتوحيد الناس حول أي بلد، بالحب بدنا نعمرها”، إذ إن تأهل سوريا إلى كأس آسيا لكرة السلة جمع السوريين من كل الأعمار على حب البلد، والثناء على اللاعبين من مختلف المناطق.

وأضاف سعد ل، أن الفوز بكرة القدم أو السلة لن يرفع الرواتب لدى السوريين، لكنه يخلق حالة فخر بالانتماء لديهم، رغم كل الصعوبات وهو أمر إيجابي يحتاج إليه أي بلد.

تعويل على روابط المشجعين

الاتحاد الرياضي السوري أعلن استئناف الدوري السوري في 10 من نيسان المقبل، ويأمل عشاق كرة القدم أن تسود روح المحبة والمنافسة الشريفة والروح الرياضية لدى الأندية والمشجعين.

خلال عهد النظام، كانت معظم المباريات تشهد حالات شغب جماهيري، ولا سيما خلال مباريات “الديربي” التي تجمع بين ناديين من نفس المدينة، حيث تكون المباراة أكثر حساسية، وتشهد شغبًا يمتد إلى خارج الملعب.

وقال رئيس رابطة مشجعي نادي الاتحاد (حلب الأهلي)، محمد أبو عباية، ل، إن النظام السوري كان يتبع سياسة “فرق تسد” بين الأندية السورية، لجعلها دومًا في حالة صراع حتى لا تكون يدًا واحدة وتنتفض في وجه فساد الاتحاد الرياضي، وكانت تلك السياسة تطبّق عبر إرسال حكام يختلقون أخطاء متعمدة لقلب نتائج المباريات، ما يتسبب في إثارة الشغب بين جماهير الأندية السورية.

معظم أندية الدوري الممتاز لكرة القدم شكلت روابط لمشجعي فرقها لمؤازرتها، وتسهم تلك الروابط في تنظيم الجمهور وتنسيق الهتافات في أثناء التشجيع.

لكن تلك الروابط لم تكن منظمة جيدًا ولا تجمع كل الجماهير، وتقتصر على جزء معيّن من المشجعين، الأمر الذي كان يتسبب دومًا في حدوث حالات شغب جماهيري.

وقال أبو عباية، إن إدارات الأندية كانت تُعيّن عبر حزب “البعث” والفروع الأمنية، وبالتالي فإن رؤساء الأندية كانوا يتدخلون في تشكيل روابط المشجعين، بحيث يتعمد أعضاء تلك الروابط التغاضي عن حالات الشتم والإساءة والشغب التي تقوم بها جماهير أنديتها، والتي كانت تصب في النهاية بمصلحة النظام السوري، بغية فرض غرامات مالية تُغني خزينته.

وأشار أبو عباية إلى أن رابطة المشجعين تسهم في نشر الوعي والثقافة الرياضية الأخلاقية بين الجماهير، من خلال توزيع أعضاء الرابطة وانتشارهم بين الجماهير داخل المدرجات، وحثهم على التشجيع الرياضي المميز ومنع أي إساءة.

وشدّد على أهمية نشر فكرة أن الرياضة فوز وخسارة بين الجماهير، بحيث يتقبل الجمهور خسارة فريقهم بكل روح رياضية، لافتًا إلى أهمية أن تقوم جميع روابط الأندية السورية ببناء علاقات جيدة مع بعضها، للوصول إلى جماهير حضارية.

في السياق ذاته، طالب حسين مصطفى بإنشاء رابطة لمشجعي الأندية السورية، تضم رؤساء جميع الروابط الرسمية لمشجعي الأندية، بحيث يكون دور هذه الرابطة نشر الوعي والمحبة والتشجيع الحضاري، والعمل على إبعاد كل مشجع مسيء ومنعه من دخول الملاعب والصالات الرياضية.

عقب سقوط النظام، أقام الاتحاد الرياضي الجديد مباريات ودية بين الأندية السورية، تحضيرًا لاستئناف الدوري، حيث استضاف ملعب إدلب البلدي الكثير من المباريات.

وقال يحيى الباشا (36 سنة) من سكان حي الصليبة في اللاذقية، ل، إن إدلب استضافت بكل ود فرقًا من مختلف المحافظات بما فيها فرق تشرين وحطين، حيث “حضرت تلك المباريات وسادت فيها أجواء من الحماس والمحبة، تعكس حالة الترابط بين السوريين”، رغم حالات الاحتقان التي شهدتها بعض مناطق الساحل خلال الفترة الماضية.

 

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *