الرياض غير متحمسة والنظام يعطّل.. اللجنة الدستورية مصيرها غامض
– حسام المحمود
قبل أكثر من أسبوعين مر الموعد الذي كان مقررًا لعقد الجولة التاسعة من أعمال اللجنة الدستورية (22-26 من نيسان) بهدوء لا يشوبه سوى تصريح يعرب فيه المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، عن خيبته، دون خروج عن سياق المألوف فيما يتعلق باجتماعات المسار السياسي المعطل منذ نحو عامين، بسبب تعنت موسكو، ورفضها متابعة الاجتماعات في جنيف (سويسرا)، وانسجام موقف النظام السوري معها.
وخلال إحاطة قدمها أمام مجلس الأمن الدولي، في 25 من نيسان الماضي، قال بيدرسون، إن “شبح الصراع الإقليمي الكئيب” خيّم على سوريا مرة أخرى، مشيرًا إلى أنه في ظل الظروف الحالية، لا توجد مؤشرات على استئناف عمل اللجنة الدستورية بسبب قضايا لا علاقة بها بسوريا.
وأضاف أن الوضع في سوريا يشكل دافعًا للمضي قدمًا في تهيئة “بيئة آمنة وهادئة ومحايدة” لبدء عملية سياسية من أجل الوصول لعودة آمنة وكريمة وطوعية للسوريين.
وأشار إلى أن أفضل ما بذله من جهود مع الآخرين بهدف معالجة هذه الأوضاع من خلال تدابير ملموسة من كلا الجانبين “لم تسفر بعد عن التغييرات المطلوبة”، وبدلًا من ذلك، يرغب المزيد من السوريين بمغادرة سوريا ومغادرة الدول المجاورة أيضًا مخاطرين بحياتهم على طرق محفوفة بالمخاطر.
المبعوث الخاص إلى سوريا اعتبر أن مزيجًا من خفض التصعيد، والاحتواء، والمساعدات الإنسانية التي يتم التوصل إليها من خلال ترتيبات جزئية، تسهم في تحسين الوضع، لكنها من غير الممكن أن تحقق الاستقرار في سوريا تمامًا كما لا تفعل في أي مكان آخر بالمنطقة.
وقال إن السوريين يحتاجون إلى رؤية مسار سياسي للخروج من “الصراع”، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي “2254”، وقد يكون “تجديد اللجنة الدستورية” جزءًا من هذا المسار، لكن رغم الجهود المكثفة، لا توجد مؤشرات على استئناف اجتماعات اللجنة بسبب “قضايا لا علاقة لها بسوريا”.
وأضاف، “إنني منفتح على أي مكان بديل لجنيف يحظى بإجماع الأطراف السورية والدولة المضيفة، ومشاركتي مستمرة في هذا الشأن، لكن في هذه الأثناء، أواصل الدعوة إلى استئناف الجلسات في جنيف كخيار انتقالي، وإلى قيام الأطراف بالتحضير من حيث الجوهر، بما في ذلك المقترحات الدستورية”.
خيبة بيدرسون، وبقاء الجولة التاسعة معلقة لم يكن ذلك الحدث المفاجئ، إذ سبقه ما مهد له وقرّب هذه النتيجة من التوقعات، فبعد تصاعد واضح في التصريحات، وموجة مكثفة من اللقاءات والتحركات السياسية في هذا الإطار، بدأت منذ نهاية شباط الماضي، غاب الحديث عن الجولة التاسعة منذ الثلث الأخير من نيسان، بعدما أعلن بيدرسون، في 27 من شباط، أنه سيوجه الدعوات لجولة تاسعة في نهاية نيسان، معربًا عن أمله في أن تستجيب الأطراف السورية بشكل إيجابي، كما ناشد الأطراف الدولية الرئيسة لدعم جهود الأمم المتحدة كميسر، والامتناع عن التدخل في مكان اجتماع السوريين.
نحو الرياض؟
في 17 من آذار الماضي، زار بيدرسون العاصمة السورية دمشق، والتقى وزير الخارجية، فيصل المقداد، وطرح خلال اجتماعاته هناك، العاصمة السعودية، الرياض، كمقر بديل لانعقاد هذه الاجتماعات، وبدا ذلك محتملًا في حال موافقة الطرفين والدولة المستضيفة المحتملة.
كما تطرق إلى ضرورة استئناف أعمال اللجنة الدستورية، فالظروف الراهنة في سوريا مرتبطة بالعملية السياسية، وقال، “نعلم جميعًا أنه حتى نتمكن من الابتعاد عن التحدي الأمني والتحدي الاقتصادي، فنحن بحاجة إلى إحراز تقدم على الصعيد السياسي، وأخشى أنه ليس لدي جديد لإخباره بهذا الشأن”.
من جانبه، لم يقدّم النظام موافقة صريحة على الفكرة والطرح الذي جاء بعد زيارة المقداد إلى الرياض في 14 من آذار، لكن المعارضة السورية من جانبها أبدت موقفًا مرحبًا، وفق ما نقلته عن “هيئة التفاوض”، وتبعه حديث على لسان رئيس “الهيئة”، بدر جاموس، مفاده أنه أبلغ “الإخوة في السعودية” برغبة “هيئة التفاوض” في أن تكون الاجتماعات بالرياض، وجرى ذلك في بداية المفاوضات حين كان هناك رفض للعودة إلى جنيف.
كما أجرى بيدرسون، في 25 من آذار، اتصالًا هاتفيًا بوزير الخارجية السعودي، جرى خلاله بحث آخر المستجدات الخاصة بالأوضاع في سوريا، على مختلف الأصعدة، والجهود التي يتم بذلها إزاء حل الأزمة السورية، وفق ما ذكرته الخارجية السعودية.
مصير غامض.. الرياض مستبعدة
رئيس وفد المعارضة المشارك في مباحثات “أستانة”، الدكتور أحمد طعمة، أوضح ل أن مصير اللجنة الدستورية غامض وغير معروف ولا يبدو في الأفق إمكانية لاستئنافها قريبًا.
وقال، لم يكن صحيحًا أبدًا ما أشيع حول أن استضافة الرياض للجنة أمر جدي، والتقديرات تقول إن الرياض غير متحمسة لعدم الإيمان بالتوصل لنتائج، ولا النظام السوري يرغب.
وحول انعكاسات هذا التعطيل المستمر على الملف السوري، أوضح طعمة أن المعارضة أصلًا لا تعلق آمالًا كبيرة على هذه الطروحات الأممية، وهناك اعتقاد قديم جديد بأن غياب الحل الجذري للملف السوري يجعل أي طرح آخر استهلاكًا للوقت وجهدًا ضائعًا، مع إيجابية مهمة وهي تلمّس الحقيقة ومحاولة الاعتماد على الذات.
العملية معطلة بالكامل
نائبة رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” وعضو المجموعة المصغرة في اللجنة الدستورية عن قائمة المعارضة، ديما موسى، قالت ل، إن العملية السياسية برمتها وضمنًا العملية الدستورية متوقفة منذ سنوات بسبب عدم وجود شريك حقيقي للمفاوضات، فالنظام منذ بداية العملية السياسية في جنيف قبل عشر سنوات يعمل على التهرب من الاستحقاق واستخدام جميع الوسائل المتاحة لتعطيل تحقيق أي تقدم باتجاه الحل السياسي وإخراج سوريا والشعب السوري من الكارثة.
وأضاف موسى أن النظام يفعل كل ما هو ممكن لتعميق الأزمة عبر وضع عقبات أكثر تساعده في سياسة التعطيل، مبينة أن الحل في سوريا لا يمكن أن يكون إلا سياسيًا عبر التطبيق الكامل للقرار “2254”.
كما شددت على ضرورة الاستمرار بالضغط والعمل مع الجهات الإقليمية والدولية للتمسك بالعملية السياسية ودعم الشعب السوري للدفع باتجاه استئناف العملية السياسية والتفاوض على كل السلال بما فيها العملية الدستورية.
“نحن جاهزون للعودة إلى طاولة التفاوض حول الدستور من خلال استئناف أعمال اللجنة الدستورية، إضافة إلى الأجزاء الأخرى في العملية السياسية وعلى رأسها سلة الحكم”.
ديما موسى
نائبة رئيس “الائتلاف”
وفيما يتعلق بالانعكاسات التي يخلقها تعطل المسار السياسي، قالت موسى، إن الانعكاس الأكثر كارثية هو استمرار تردي أوضاع الشعب السوري، خصوصًا في مناطق سيطرة النظام، وعلى كل المستويات مع تأثر الملفات الإنسانية وأبرزها ملف المعتقلين واللاجئين، وتحديدًا لاجئي دول الجوار، محملة مسؤولية الكارثة الإنسانية التي يعيشها السوريون للنظام من جهة، وللأطراف الدولية التي تدعم من خلال ممارساتها وسياساتها قدرته على مواصلة التعطيل من جهة أخرى.
تأثيرات إقليمية
المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا قال خلال إحاطته، إنه لا يشعر بالقلق بشأن التأثيرات الإقليمية والمخاطر الناجمة عن سوء التقدير والتصعيد وحسب، إنما يشعر بـ”قلق عميق” إزاء “الصراع” في سوريا نفسها، الذي لا يزال يفسد حياة الشعب السوري الذي طالت معاناته، موضحًا أن أي إغراء لتجاهل أو مجرد احتواء “الصراع السوري” ذاته سيكون خطأ، معتبرًا ما يحدث في سوريا “ليس صراعًا مجمدًا”، ولا يمكن الشعور بآثاره في سوريا فقط.
بيدرسون نوّه إلى أنه لا توجد علامات على هدوء في أي من مناطق سوريا، فالعنف لا يزال متصاعدًا، والأعمال العدائية لا تزال مشتعلة بشكل حاد، وأي منها يمكن أن يكون بمنزلة إشعال حريق كبير جديد، كما أبدى قلقه إزاء هذه “الدوامة الخطيرة والمتصاعدة” من العنف، مشيرًا إلى أنه حذر منذ فترة طويلة من أن كثيرين يعاملون سوريا باعتبارها “مساحة حرة للجميع لتصفية الحسابات”.
تلقي الظروف الإقليمية والأحداث السياسية الطارئة بثقلها على المسارات والخطط وخرائط الطريق السياسية المعدة مسبقًا، فتجمّد بعضها، وتنسف بعضها، وقد تترك بعضها بلا مصير محتوم، قبل العودة إلى التهدئة والمناخ السياسي الطبيعي، ولعل القصف الإسرائيلي الذي طال مبنى القنصلية الإسرائيلية في دمشق، مطلع نيسان الماضي، أحد هذه الظروف المؤثرة.
في 1 من نيسان، استهدفت غارة إسرائيلية مبنى القنصلية الإيرانية الملاصق لمبنى السفارة الإيرانية في دمشق، ما أسفر عن مقتل قياديين اثنين في “الحرس الثوري الإيراني”، وخمسة ضباط مستشارين في “الحرس الثوري” وستة سوريين، جراء تدمير المبنى بالكامل.
اتصالات ولقاءات وزيارات وتصريحات وإدانات وتهديد ووعيد ورد على التهديد ومحاولات للتهدئة وتكهنات بطبيعة الانتقام المحتمل، كلها أمور شغلت الرأي العام والصحافة والسياسيين على مستوى إقليمي ودولي، وصولًا إلى الرد الإيراني في 13 من نيسان.
الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، فالقصف الإسرائيلي لمواقع في سوريا عاد مجددًا، والتوترات والمناوشات العسكرية والقصف على مناطق الشمال أيضًا مستمر، والحراك الشعبي السلمي المطالب بالتغيير السياسي متواصل في السويداء دون من يسمع النداء، على مستوى النظام السوري نفسه، أو المجتمع الدولي المشغول بالحرب الإسرائيلية على غزة، ومخاوف من تصعيد روسي في أوكرانيا يستغل الظروف المناخية الحالية، وحاجة كييف لمزيد من الأسلحة المتطورة الثقيلة من حلفائها الأوروبيين والأمريكيين، واللجنة الدستورية متوقفة منذ الجولة الثامنة في 22 من شباط 2022.
كل ذلك يترك الملف السوري ومساره السياسي مركونًا على الرف أمام أولويات أكثر إلحاحًا على المستوى الدولي وبنظر القوى الفاعلة إقليميًا ودوليًا، في الوقت الذي تتأفف وتتململ به بعض الدول من بقاء اللاجئين في “ضيافتها”، كونها تعتبر “سوريا آمنة”.
العراقيل واضحة
خلال مقابلة أجراها مع قناة “العربية”، في 8 من أيار الحالي، وفيما يتعلق بعمل اللجنة الدستورية، بيّن المبعوث الأممي أن مساعيه للتعامل مع جنيف كمنصة مؤقتة ريثما يجري الاتفاق على بديل قوبلت باعتراض النظام السوري، مشيرًا إلى أن العراقيل واضحة، فـ”الحكومة” لا تريد القدوم إلى جنيف بسبب اعتراض موسكو.
ولفت إلى أنه لا أحد كان يعتقد أن اللجنة الدستورية في ذاتها ستحل “الأزمة السورية”، لكنها قد تفتح الباب نحو المسائل المهمة التي كانت موضوع النقاش، وهذا العمل توقف خلال العامين الأخيرين، لمسائل لا تتصل بسوريا، بل لأن الروس لا يريدون أن يلتقي السوريون في جنيف، كونهم غير راضين عن موقف سويسرا حيال أوكرانيا.
وبحسب بيدرسون، فالأطراف المتنازعة في سوريا تطالب بتطبيق القرار الدولي، لكن كلًا منها يرسم فهمًا خاصًا له، ما يترجم بتعطيل العملية السياسية المنحصرة في السنوات الأخيرة باللجنة الدستورية.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي