“الريزن”.. حرفة السيدات لمصدر دخل في إدلب
لشغفها بالأشغال اليدوية، قررت رغد أن تتعلم حرفة صناعة “الريزن” في مدينة إدلب، بهدف تأمين مصدر دخل يساعدها في المعيشة.
تعيش رغد مع والدتها، ولا يوجد مصدر دخل ثابت لهما، سوى بعض الحوالات المالية التي تصلها كل فترة من أخيها المقيم في ألمانيا.
عزمت السيدة (45 عامًا) على الانضمام إلى ورشة تعليمية في إحدى المراكز الخاصة في المدينة، وتتعلم خطوات صنعها، باعتبارها حرفة تتطلب الكثير من الدقة والإبداع، ولها ارتباط بدراستها.
وكانت رغد تخرجت من معهد الفنون النسوية، وعملت بعدة مجالات من الأشغال اليدوية كصناعة الورود الملونة من “السيراميك” وتنسيقها على المرايا واللوحات، كما خاضت تجربة صناعة باقات الورود وأغطية صواني الضيافة والإكسسوار من الريبان.
وتعد الأشغال اليدوية مقصدًا للعديد من السيدات القاطنات في الشمال السوري، لأنها تؤمن مصدر دخل لهن من البيت دون أن يضطررن لترك منازلهن سواء كن عازبات أو متزوجات.
هذه الأعمال تساعد السيدات بالمساهمة في المصروف الذي بات عبئًا، وسط غلاء أسعار السلع، وارتفاع تكاليف المعيشة، وقلة فرص العمل، وانخفاض أجور العمال التي لا تتجاوز 100 ليرة تركية (3 دولارات أمريكية) يوميًا للعمل في الإنشاءات والزراعة.
اعتبرت رغد، وهي نازحة من ريف إدلب إلى المدينة، أنها وجدت ضالتها في حرفة “الريزن”، لأنها جديدة وتلاقي طلبًا من المهتمين بحفظ ذكرياتهم داخل قطعها.
بلغت رسوم الورشة التي انضمت إليها رغد 150 دولارًا أمريكيًا (5150 ليرة تركية)، وهي على مدار شهرين متتاليين بثلاثة أيام في الأسبوع، ويترتب على المركز تأمين المواد لضمان استفادة المتدربات بشكل تام من التدريب، وفق ما قالته رغد.
ما “الريزن”؟.. دافعها الشغف
“الريزن” هو مادة زجاجية شفافة يتشكل من خلط مادة “الإيبوكسي” السائلة مع المصلب بنسب محددة بالإضافة للألوان الكحولية أو الشفافة و”الغليتر” و”المايكا والبجمنت”، ويُسكب داخل قوالب من “السيليكون” لصنع لوحات وصواني وساعات و”ستاندات” لعدة مناسبات منها الخطوبة أو الزواج أو مولود جديد.
وتحتاج كل قطعة لعدة أيام حتى تصبح جاهزة، ويؤثر اختلاف درجات الحرارة بين الصيف والشتاء على مدة التصلب لكل طبقة من “الريزن”، وفق ما قالته الشابة المختصة بصناعته في إدلب، منى سويد.
وتعمل منى (27 عامًا) بصناعة “الريزن” منذ سنوات بمنزلها داخل غرفة مخصصة لذلك، وتشتري المواد الأولية من صفحات للتواصي من تركيا باعتبارها أقل تكلفة من المتوفرة في بعض المحال في الشمال.
منى خريجة تعويضات سنية وتعمل في مخبر خاص بها، لكنها تحب الأشغال اليدوية، فاحترفت “الريزن” بعد مشاهدتها لمقاطع تعليمية على “يوتيوب”.
وذكرت أنها أجرت تجارب سابقة فشل بعضها، ثم توصلت لآلية العمل، والنسب اللازمة لخلط المواد.
مواد أولية مكلفة
منذ عامين، افتتحت ماسة (21 عامًا) متجرها الخاص للأشغال اليدوية في إدلب، وتعلمت هذه الحرفة بعد انضمامها لورشة “أونلاين” ومشاهدتها لعدة مقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي.
السيدة المهجرة من دمشق (أم لطفلين)، قالت ل إنها وجدت صعوبة بتأمين المواد الأولية، لافتة إلى غلاء أسعارها، فسعر الكيلو الواحد من “الإيبوكسي” يتراوح بين 520 ليرة تركية و 1200 ليرة (بين 15 و35 دولارًا)، بحسب جودته واستخدامه.
وذكرت أنها تستخدم النوع الأرخص لصناعة القطع البسيطة خفيفة الوزن كالأحرف وميداليات لمفاتيح الأبواب والسيارات، والنوع الأغلى للقطع التي تحتاج لأكثر من طبقة وتكون ثقيلة الوزن كالصواني والستاندات.
وأضافت ماسة أن بعض المحال تؤمن هذه المواد، لكنها قد تنقطع أحيانًا فتضطر السيدة للانتظار إلى حين توافرها، وتتعطل بذلك عن العمل.
تبيع السيدة الأحرف المصنوعة من “الريزن” بين 25 إلى 40 ليرة تركية، وذلك بحسب مواد الزينة المضافة للقطعة كورق الذهب والملونات، وتبيع علّاقة المفاتيح (ميدالية) بـ75 ليرة تركية (الدولار يقابل 35 ليرة تركية).
لا تزال ماسة في بداية مشروعها، فالمرابح التي تجنيها تشتري بها ما ينقصها من قوالب “سيليكون” ومواد تغليف، فهي تؤسس من الصفر وترمم النقص من المرابح إلى أن توسع عملها.
وتحاول السيدة تحقيق مردود مالي تساعد به زوجها، كدفع إيجار البيت، وتأمين مستلزمات المعيشة الأساسية، وتأمل أن تلقى دعمًا من المنظمات المحلية التي تقدم دعمًا للمشاريع الصغيرة.
مواد خطرة
المواد الداخلة في صناعة “الريزن” كيماوية ينتج عنها غازات سامة قد تسبب الضرر لصحة الإنسان إذا أسيء استخدامها، وتتسبب الأبخرة الناتجة عن التفاعل خطورة على الجهاز التنفسي.
ومن الممكن الإصابة بأمراض الجلد في حال لامسته المواد كالأكزيما وغيرها، لذلك يجب أخذ الاحتياطات الوقائية اللازمة كالعمل في غرفة منعزلة فيها تهوية جيدة للسماح بتجدد الهواء، ووضع المواد بعيدًا عن متناول الأطفال، وارتداء القفازات واستخدام كمامة فيها فلتر لضمان عملية التنفس الآمنة.
في الشمال السوري، تواجه النساء الراغبات في العمل معوقات، أبرزها الافتقار إلى التعليم والخبرة وقلة فرص العمل المتاحة، فضلًا عن صعوبة الموازنة بين رعاية الأسرة والعمل، وعدم توفر وسائل النقل إلى أماكن العمل وعدم وجود شهادة علمية، وفق دراسة لـ”الدفاع المدني السوري“.
ورغم وجود معاهد تدريبية تكسب المرأة بعض الخبرات والمهارات، تنخرط السيدات في مهن مرهقة وخطرة، بغية تأمين حاجاتهن المتعددة، وسط ارتفاع الأسعار وقلة الأجور.
يسكن شمال غربي سوريا 5.1 مليون شخص، منهم 4.2 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.4 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 3.4 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.
اقرأ أيضًا: نساء عاملات يواجهن “دوامة تحديات” في الشمال السوري
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي