السجناء السوريون في لبنان يواجهون خطر الترحيل
– عبير الأيوبي
يواجه السوريون ضغوطًا مستمرة وتهديدات بالترحيل من لبنان، ومن ضمنهم السجناء، الذين تركزت حولهم التصريحات والإجراءات اللبنانية في الأسابيع الأخيرة.
وكانت وزارة الداخلية اللبنانية أطلقت، في 5 من آذار الماضي، “خارطة طريق” لتنظيم الوضع القانوني لـ”النازحين” السوريين وآلية عودتهم، وتجسد أحدث هذه التحركات بالاجتماع الذي ضم عددًا من الوزراء ورجال الأمن ومسؤولين قضائيين لبحث ملف السجناء السوريين.
وتصدرت قضية ترحيل السوريين النقاش السياسي والحقوقي في لبنان، وسجلت الأيام الماضية أحداثًا أعادت إلى الواجهة أزمة اللجوء السوري، ومقاربتها سياسيًا وأمنيًا.
كما ضجت المواقع الإخبارية اللبنانية بأنباء حول محاولة أربعة سجناء سوريين (بينهم شقيقان) الانتحار، في آذار الماضي، عبر شنق أنفسهم بأغطية داخل سجن “رومية” المركزي الأكبر في لبنان، احتجاجًا على ترحيل سجين (أخ الشقيقين) إلى سوريا من قبل الأمن العام اللبناني، بعد انقضاء محكوميته بتهمة الإرهاب لمدة عشر سنوات.
تنسيق لبناني- سوري
ترأس رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، في 23 من نيسان الماضي، اجتماعًا ضم عددًا من الوزراء ورجال الأمن ومسؤولين قضائيين، بحثوا فيه ملف السجناء والمحكومين السوريين.
وانتهى الاجتماع بتكليف المدير العام للأمن العام بالإنابة، اللواء إلياس البيسري، بالتواصل مع السلطات السورية لبحث إمكانية تسلمها الموقوفين السوريين.
وعقب الاجتماع أكد وزير العدل، هنري الخوري، وفق ما نقلت عنه “الوكالة الوطنية للإعلام” اللبنانية الرسمية، أن مشكلة الموقوفين والمحكومين السوريين لا يمكن حلها إلا بالتواصل مع الدولة السورية لتسلمهم.
وبعد انتهاء الاجتماع، اتصل ميقاتي بنظيره السوري، حسين عرنوس، لإبلاغه بتكليف البيسري بمتابعة الأمر، علمًا أنه ليس الاتصال الأول بينهما، بحسب ما ذكرته صحيفة “الأخبار“، فيما نشرت صحيفة “الوطن” السورية مقالًا تحت عنوان “لبنان أكد أن حل مشكلة السجناء السوريين لديه بالتواصل مع دمشق”.
وردًا على سؤال حول النتائج التي توصلت إليها اللجنة التي كُلفت سابقًا بمتابعة هذا الملف، قال وزير العدل اللبناني، إن عملها لم يتوقف “بل التواصل مع السلطات السورية هو الذي توقف، وسيعاد هذا التواصل من خلال اللواء البيسري”.
وكان البيسري زار دمشق، في نيسان 2023، والتقى عددًا من المسؤولين الأمنيين السوريين، بهدف التنسيق في ملف عودة النازحين السوريين.
الابتزاز في ملف السجناء
اتهم مدير مركز “سيدار للدراسات القانونية”، المحامي محمد صبلوح، الحكومة اللبنانية بالابتزاز في ملف اللاجئين السوريين من أجل تحصيل الأموال.
وقال المحامي صبلوح ل، إن “السجون في لبنان في ظل كل الحكومات التي تعاقبت عليه لم تلقَ الأولوية أو الاهتمام، حتى قبل الأزمة الاقتصادية التي تعصف به”.
وأوضح أن الأزمة الآن ليست أزمة سجون، ليأتي رئيس الحكومة أو وزير الداخلية ويطرحان قضية ترحيل السجناء السوريين استنادًا إلى أن نسبتهم هي 35% من مجموع نزلاء السجون، لكن النقطة هي أن الضغط بهذه القضية هو الذي يجلب المساعدات، وبطبيعة الحال ما حُصّل من المساعدات لا يذهب للسجون.
وأسف صبلوح للحملة العنصرية الشرسة التي تمارسها بعض الأحزاب اللبنانية ضد اللاجئين واستغلال الحكومة لهذا الأمر في تأليب الرأي العام اللبناني، معتبرًا الدفع بفرضية أن سبب الأزمات في لبنان هم اللاجئون يأتي للتنصل من المسؤولية تجاه الفساد وخلق العداء بين اللبنانيين والسوريين.
وأرجع سبب هذه الحملة إلى انعقاد مؤتمر المانحين في بروكسل، وأن لبنان موعود بـ400 مليون دولار، مشيرًا إلى أنه ليس ضد المساعدات التي يحصل عليها لبنان، لكن يجب أن تكون مشروطة بضمان أين سيكون مآلها، والتي لا تصرف أساسًا لا على اللبنانيين ولا على السوريين أو السجناء، بحسب قوله.
كما ترتبط الحملة بزيارة الرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليدس، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى لبنان، في 2 من أيار الحالي، وارتباطها بقضية اللاجئين عمومًا، وسط حديث عن خطة مع لبنان لمنح مليار دولار مقابل الحد من الهجرة إلى قبرص.
وأشار صبلوح إلى أن لبنان يمارس الضغط على المجتمع الدولي، بطريقة “غض النظر” عن المراكب غير الشرعية التي تنطلق من شواطئ لبنان نحو قبرص ومنها إلى أوروبا.
تذرع لبنان بالاكتظاظ
قال وزير العدل اللبناني، هنري الخوري، إن عدد الموقوفين السوريين في لبنان، بحسب إحصاءات وزارة الداخلية، يبلغ نحو 2500، موضحًا أنه إذا وافقت السلطات السورية على تسلم المحكومين من مواطنيها، فلا مانع من أن يستكملوا محكومياتهم في سجونها.
وأكد الخوري، خلال مشاركته في الاجتماع الذي خصص لبحث ملف السجناء السوريين، أن “الجميع يعلم موضوع السجون في لبنان والاكتظاظ الذي تشهده، والوجود داخل هذه السجون من محكومين وموقوفين سوريين، والذين لم تصدر أحكام في حقهم”.
من جهته، قال صبلوح ل، إن نسبة 35% التي تحدثت عنها الحكومة اللبنانية مبالغ فيها، وأوضح أن عدد السجناء السوريين بين 1700 و1800 سجين.
مخالفات قانونية
ذكر المحامي محمد صبلوح، ل، أن “السجين السوري، الذي تسبب بمحاولة انتحار أشقائه في (رومية)، يعتبر واحدًا من كثر يرحلهم الأمن العام بشكل عشوائي ودون دراسة حساسية كل ملف، ومن بين المرحلين أشخاص بحقهم عقوبات جنائية، كما أن هنالك معارضين سوريين أو منشقين عن الجيش”.
وقال صبلوح، “فوجئنا بمخالفات قانونية ترتكبها الدولة اللبنانية بترحيل المعارضين إلى مناطق سيطرة النظام، والاعتقالات العشوائية على الحواجز”، معتبرًا أن “هذا الترحيل يسلط الضوء على قضايا السجون وهو الذي يحرك المجتمع الدولي، لأن لبنان وقع على اتفاقيات دولية، منها اتفاقية مناهضة التعذيب، التي تمنع ترحيل أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه للتعذيب تحت طائلة المساءلة، ومع ذلك فإن هذه الانتهاكات تحدث”.
وأضاف أن “هذه الانتهاكات التي تسري بحق المرحلين، لا تميز بين شخص معارض أو غير معارض، مع غياب المعايير التي تؤطر مفهوم المعارضة. لدينا كثير من الشهادات الحية، باختفاء وعدم معرفة مصير من سلموا للنظام السوري”.
وقال صبلوح، “بالمقابل، في قضايا السجناء السياسيين نعمد إلى متابعة قضية السجين قانونيًا لمنع ترحيله، وإذا فشلنا بذلك، نعمد إلى إثارة القضية في الإعلام”.
مخاوف حقوقية
التحركات اللبنانية الرسمية الأخيرة ضاعفت من قلق المنظمات الدولية حيال تسليم هؤلاء السجناء إلى النظام السوري، والتي تزامنت مع حملة واسعة يقودها ناشطون وسياسيون لبنانيون، تطالب بترحيل السوريين، واكبتها أيضًا حملة أمنية طالت مخيمات النازحين بحثًا عن أسلحة وممنوعات، وأسفرت عن توقيف أشخاص يخضعون الآن لتحقيقات أولية بإشراف القضاء المختص.
وتثير تلك الخطط الحكومية مخاوف الجهات الحقوقية، منها منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي قالت في تقرير لها، في 25 من نيسان الماضي، إن السلطات اللبنانية احتجزت لاجئين سوريين تعسفيا وعذبتهم وأعادتهم قسرًا إلى سوريا في الأشهر الأخيرة، من بينهم ناشطون معارضون ومنشقون عن جيش النظام السوري.
الناشط الحقوقي السوري صهيب عبدو نقل، في حديث ل، قلق ومخاوف الناشطين والمنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والمعنيين بملف اللجوء السوري.
يعمل الناشط في “المبادرة اللبنانية لمناهضة التمييز والعنصرية” على تفنيد القرارات والنصوص القانونية اللبنانية المتعلقة بقانون الأجانب، والاتفاقيات الدولية التي وقع عليها لبنان، من أجل رفع شكوى أمام مجلس شورى الدولة (المحكمة العليا اللبنانية)، لتوقيف عمليات الترحيل التعسفية والقسرية.
إحصائية وحيدة متداولة للمساجين
“مع غياب الشفافية لدى وزارة الداخلية اللبنانية، وبالتالي المديرية العامة للأمن العام، وبسبب منع دخول المنظمات المحلية والدولية إلى داخل السجون والاطلاع على واقع المساجين، لا يمكن الجزم بمصداقية أعداد المساجين المعلن عنها من قبل الحكومة اللبنانية”، بحسب الناشط الحقوقي صهيب عبدو.
وأوضح عبدو أنه بحسب التصريحات الرسمية، فإن “عدد المحكومين السوريين هم 350 من أصل 2535 سجينًا، ويشكلون نسبة 31% في السجون اللبنانية، وهي الأرقام الوحيدة المتداولة”.
وهؤلاء المحكومون السوريون يجوز ترحليهم وتسليمهم بموجب اتفاقية وقعها لبنان مع سوريا، بينما عدد الموقوفين هو 1500، ولم تصدر بحقهم أحكام، لذلك لا يحق للدولة اللبنانية تسليمهم لسوريا، إضافة إلى 650 موقوفًا احتياطيًا ليسوا في السجون المركزية فقط، ويتوزعون بين المخافر والنظارات، وهؤلاء أيضًا لا يجوز ترحليهم.
ضمن الإحصائية (المعلنة) يوجد 600 سجين قيد المحاكمة، ويمكن اعتبارهم معارضين سياسيين، نظرًا للتهم الموجهة إليهم والمتعلقة بالإرهاب، وأوضح عبدو أن “هذه التهم هي التي تثير القلق ونستطيع القول إنها عشوائية وجزافية، ونحن نستند للدفاع عن هؤلاء تحديدًا إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لعام 1984 التي وقع عليها لبنان”.
أوضاع مروعة في السجون
تحدثت الكثير من التحقيقات الصحفية والتقارير الحقوقية عن تدهور أوضاع السجون في لبنان بشكل خطير، وتدني مستوى الرعاية الصحية، في ظل تقاعس الحكومة عن دفع الفواتير المستحقة والذي يهدد الإمدادات الغذائية للسجون.
وأشار المحامي محمد صبلوح إلى أن “السجون لا تليق بالإنسانية على الإطلاق، وشهدت على مر السنوات الماضية احتجاجات واعتصامات من قبل السجناء بسبب تدني ظروف الإقامة فيها، وسوء الشروط الغذائية والصحية”.
وسُجلت عشرات الوفيات، بسبب الإهمال الطبي وعدم تأمين تكاليف الاستشفاء من وزارتي الداخلية والدفاع، بحسب صبلوح.
وبحسب تقرير لـ “هيومن رايتس ووتش” نشر في آب 2023، فقد شكا أهالي السجناء من أن الطعام داخل السجون أصبح “غير كافٍ ورديء النوعية لدرجة أنه غالبًا ما يكون غير صالح للاستهلاك”.
أما منظمة العفو الدولية فحذرت في تقرير نشر في حزيران 2023، من تضاعف عدد الوفيات في مراكز التوقيف والسجون اللبنانية عام 2022 مقارنة بـ2018 وقبل بدء الأزمة الاقتصادية.
إجراءات تعسفية
وفي مسالة الترحيل العشوائي للسوريين الموجودين في لبنان، وثق مركز “وصول لحقوق الإنسان” في تقرير نشره في كانون الثاني 2024، 1080 حالة اعتقال تعسفي، و763 حالة ترحيل بشكل قسري إلى سوريا منذ مطلع 2023 حتى 30 كانون الأول من العام نفسه.
ومارست السلطات السورية انتهاكات تضمنت الاعتقال والاحتجاز التعسفي، “وفي بعض الحالات تعرض اللاجئون للإخفاء القسري والتعذيب وإساءة المعاملة، وتم تحويل من هم في سن الخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية للالتحاق بالجيش السوري”.
ويواجه العديد من السوريين الذين فروا من الحرب انتهاكات وتجاوزات جسيمة لحقوق الإنسان عند عودتهم إلى سوريا، حسب تقرير صدر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في 13 من شباط الماضي.
وكانت الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، دلال حرب، دعت إلى “احترام مبادئ القانون الدولي، وضمان حماية اللاجئين في لبنان من الإعادة القسرية”، مشيرة إلى أن المفوضية “تتابع بجدية التقارير المتعلقة بذلك”.
وتستند الحكومة اللبنانية بخططها في ترحيل السوريين إلى عدم توقيع لبنان اتفاقية اللجوء الدولية عام 1951، لذا، يمنح لبنان السوريين صفة “نازحين” وليس “لاجئين”، وهو ما يحرمهم من حقوقهم كالحماية القانونية من الترحيل.
تصريحات تشجع الانتهاكات
وكان وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، صنف السوريين بقوله، “هناك ثلاث فئات للوجود السوري، العمال والحرفيون وأصحاب المؤسسات، والنازحون هربًا من الحرب الأهلية والنازحون لأسباب اقتصادية، واللاجئون السياسيون المعارضون وحملة السلاح”، بحسب ما نقلت عنه “الوكالة الوطنية للإعلام“.
وأشار إلى أنه “أمام اللاجئين السياسيين المعارضين وحملة السلاح خيارات، إما الاستفادة من العفو الرئاسي والعودة الى سوريا، وإما الترحيل إلى دولة ثالثة بموجب الأعراف والاتفاقات الدولية، وهو الحل الضاغط على المعرقلين وهم الدول المانحة أمريكا وأوروبا الغربية ومفوضية اللاجئين غير الملتزمين بالأعراف والمعاهدات الدولية لجهة استقبال اللاجئين السوريين، بحسب قوله.
وأضاف أنه “تم تحضير اللوائح للراغبين في العودة وتسليمها إلى مدير عام الأمن العام اللبناني ومنه إلى الأمن الوطني السوري بانتظار التدقيق بالأسماء وإفادتنا بالنتيجة، آملين بتسلم الجواب قريبًا”.
من جهته، قال المحامي محمد صبلوح ل، إن من “شأن هذه التصريحات للمسؤولين اللبنانيين تكريس العنصرية وتأليب الرأي العام اللبناني، وخلق ما يشبه التشجيع والغطاء للأجهزة الأمنية والجيش، لترحيل السوريين بشكل عشوائي وتكريس حالات الانتهاكات بحق المرحلين السوريين”.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي