اخر الاخبار

“السر” لدى وزير داخلية باريس.. ما قصة التصعيد بين الجزائر وفرنسا بعد طرد 12 دبلوماسياً

شهدت العلاقات بين الجزائر وفرنسا تصعيدًا دبلوماسيًا جديدًا، إثر إعلان الجزائر طرد 12 دبلوماسيًا فرنسيًا، وذلك بعد اعتقال فرنسا لدبلوماسي جزائري متهم بالتورط في قضية اختطاف معارض جزائري على أراضيها. إلا أن باريس حذرت من رد قوي على هذا التحرك، ما يفتح الباب أمام صراع وتحول “خطير” في علاقة البلدين “المعقدة”.

 

ما قصة الخلافات؟

تعود قصة الخلاف الجديد إلى قضية اعتقال المعارض الجزائـري أمير بوخرص قرب باريس، حيث اتهمت وزارة الداخلية الفرنسية مجموعة جزائرية، بينهم موظف قنصلي، بالوقوف وراء القضية، وجرى اعتقالهم. وقد أثار ذلك غضب الجزائـر التي نددت بالعملية التي طالت الموظف القنصلي، والذي يُفترض أن له حصانة دبلوماسية.

 

وأمس، أعلنت الجزائـر طرد 12 دبلوماسيًا فرنسيًا، في حين أعربت فرنسا عن أسفها للقرار الجزائري، مؤكدة أن الدبلوماسيين المطرودين ليس لهم علاقة بالقضية، ومحذرة من اتخاذ إجراءات مماثلة إذا لم يتم التراجع عن القرار.

 

وقالت وزارة الخارجية الجزائـرية في بيان لها إن هذا القرار يأتي “إثر الاعتقال الاستعراضي والتشهيري في الطريق العام، الذي قامت به المصالح التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية بتاريخ الثامن من أبريل/نيسان 2025، بحق موظف قنصلي لدولة ذات سيادة، معتمد في فرنسا”.

 

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو عبر محطة “فرانس 2” يوم الثلاثاء، إن قرار الجزائـر طرد 12 موظفًا رسميًا فرنسيًا من أراضيها، ردًا على إجراءات قضائية في فرنسا، “مؤسف” و”لن يمر من دون عواقب”.

 

وأضاف: “في حال اختارت الجزائـر التصعيد، فسنرد بأكبر حزم ممكن”، مشددًا على أن فرنسا “لن يكون لها خيار آخر غير اتخاذ تدابير مماثلة”. ودافع كذلك عن وزير الداخلية برونو روتايو الذي يتعرض لانتقادات من الجزائر، مؤكدًا أن “لا علاقة له بهذه المسألة القضائية” التي أفضت إلى توقيف موظف في القنصلية الجزائرية بفرنسا.

 

وأمير بوخرص، الملقب بـ”أمير دي زاد”، هو مؤثر جزائري يبلغ من العمر 41 عامًا، ويقيم في فرنسا منذ عام 2016. وقد طالبت الجزائر بتسليمه لمحاكمته.

 

وأصدرت الجزائـر تسع مذكرات توقيف دولية بحقه، متهمة إياه بـ”الاحتيال وارتكاب جرائم إرهابية”. وفي عام 2022، رفض القضاء الفرنسي تسليمه، ومنحه اللجوء السياسي عام 2023.

 

وتدهورت العلاقات بين باريس والجـزائر على مر العقود، لكنها شهدت تدهورًا أكبر في يوليو/تموز الماضي، بعد تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أثار غضب الجزائر بتأكيده على خطة للحكم الذاتي في الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية.

 

وفي الشهر الماضي، حكمت محكمة جزائرية على الكاتب الفرنسيالجزائري بوعلام صنصال بالسجن خمس سنوات، بتهمة تقويض الوحدة الوطنية، ما دفع ماكرون إلى المطالبة بالإفراج عنه.

 

ومع ذلك، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الأسبوع الماضي، أن العلاقات مع الجـزائر عادت إلى طبيعتها، بعد محادثات أجراها مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عقب أشهر من التوترات التي أثرت على المصالح الاقتصادية والأمنية لفرنسا.

 

أسوأ مراحل العلاقات بين البلدين

وفي حديث مع وكالة “ستيب الإخبارية”، قال الدكتور بوحنية قوي، المحلل السياسي وخبير العلاقات الدولية: “العلاقات الجزائريةالفرنسية تمر بإحدى أسوأ محطاتها المفصلية، نتيجة سيطرة اليمين المتطرف على مفاصل الحكم في فرنسا خلال السنوات الثلاث الأخيرة. غير أن الإشكال الأكبر يكمن في نظرة الطبقة السياسية الفرنسية، وخاصة وزير الداخلية برونو روتايو، التي تتسم بالكثير من الاستعلاء تجاه العلاقة مع الجزائر. إذ لا تزال هذه النخب تنظر إلى الجزائر كدولة ما بعد استعمار، لا كقوة فاعلة في محيطها الإقليمي والدولي، وهو ما يثير انزعاج صانع القرار الجزائري، خصوصًا في ظل هيمنة اليمين”.

 

ويضيف: “نحن أمام منزلق سياسي خطير، رغم الاستقرار الملحوظ في التعاون الاقتصادي بين البلدين، والذي لم يتأثر بالتوترات السياسية الأخيرة”.

 

ويؤكد “قوي” أن طريقة تعاطي فرنسا مع قضية الدبلوماسي الجزائري، تتنافى مع المبادئ الدبلوماسية المعترف بها دوليًا، خاصة ما يتعلق بمبدأ الحصانة الدبلوماسية، مشيرًا إلى أن “فرنسا أصبحت ملاذًا آمنًا لعدد كبير من رجال الأعمال الجزائريين الهاربين من العدالة، وكذلك لشخصيات محسوبة على حركات سياسية مصنفة كإرهابية”.

 

ما قصة وزير الداخلية الفرنسي؟

لعب وزير الداخلية الفرنسي دورًا بارزًا في تصعيد التوتر، بحسب خبراء، حيث أعطى أمر الاعتقال للمجموعة الجزائـرية، وبينها الموظف القنصلي. ويتهمه البعض بأنه خارج تيار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يسعى إلى التهدئة.

 

يقول “قوي”: “الوزير برونو روتايو غالبًا ما يتجاوز صلاحياته لتطال ملفات من اختصاص وزارة الخارجية، وهو ما قد يتحول إلى عبء على الحكومة الفرنسية في رسم المسار السياسي للرئيس إيمانويل ماكرون. فمع كونه مرشحًا محتملاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لم يعد يعنيه كثيرًا الالتزام بسياسات ماكرون أو حتى الانسجام مع توجهاته”.

 

ومن جانبه، يتحدث الخبير في العلاقات الدولية طارق زياد وهبي لوكالة “ستيب الإخبارية” عن الأمر، قائلاً: “هناك داخل الحكومة الفرنسية، وحتى داخل السلطة التنفيذية، وجهتا نظر. ويقوم وزير الداخلية السيد روتايو، الذي يسلك مسلكًا سياسيًا ذا أبعاد انتخابية، لا سيما بعد انتخابه على رأس حزب الجمهوريين في فرنسا، بممارسة نهج سياسي يقترب كثيرًا من اليمين المتطرف المتمثل بالسيدة مارين لوبان وحزبها “التجمع الوطني”.

 

أما الوجهة الثانية، بحسب “وهبي”، فهي متمثلة في وزير الخارجية بارو المنسجم مع الرئيس ماكرون حول تهدئة العلاقة مع الجـزائر، لارتباطات داخلية، حيث أن الجالية الجزائرية في فرنسا — والتي تحصل بنسبة 90% على الجنسيتين — تؤثر كثيرًا في الانتخابات، رغم الاختلافات السياسية حول دعم السلطة الجزائـرية أو معارضتها”.

 

ويضيف: “الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي كانت بداية لتخفيف الاحتقان، ولكن وزير الداخلية الفرنسي يلعب خارج التوافق الوزاري، بحجة أن القانون يجب أن يُطبّق، وأن توقيف الموظف القنصلي الجزائري، الذي لا يحظى وفق مصادر قضائية فرنسية بحصانة دبلوماسية، كان شرارة ما يحصل حاليًا”.

 

عقبات في التسوية بين البلدين

لا يخفى أن العقبات والملفات الشائكة بين البلدين تحول دون التوصل إلى توافق، ومن أبرزها دعم فرنسا لسيادة المغرب على إقليم الصحراء، الذي تدعمه الجزائر، إضافة إلى ملفات “الإرث الاستعماري” الشائكة.

 

ويقول “وهبي”: “إن الإرث الفرنسي في الجـزائر هو دائمًا ما يشكل العقبة في تسوية الأوضاع السياسية، وكذلك عدم التزام فرنسا بتعهداتها في الاتفاقيات الموقعة، وبالتحديد بخصوص سمات دخول الجزائـريين إلى فرنسا والمعاملة التي يتلقاها المهاجرون الجزائـريون عمومًا”.

 

ويضيف: “العقدة الأكبر تكمن في موافقة الرئيس ماكرون على موضوع الصحراء، وانتظامه مع الرئيس ترامب في دعم سيادة المملكة المغربية عليها. وقد ردت الجزائـر على ذلك بوقف عقود بيع والاستثمارات الفرنسية في الجزائر حتى اللحظة، رغم تشكيل لجان ثنائية لبحث المواضيع العالقة”.

 

التصعيد الدبلوماسي

تتجه الأمور نحو تصعيد أكبر بين البلدين، لا سيما إذا أقدمت فرنسا على طرد دبلوماسيين جزائريين ردًا على ما فعلته الجزائر، وفق تهديدات وزير الخارجية الفرنسي الأخيرة.

 

وفي هذا السياق، يقول “بوحنية قوي”: “إن طرد الدبلوماسيين الفرنسيين الـ12 جاء بعد دراسة معمقة، أعقبت التأكد من تجاوزهم للأعراف الدبلوماسية، ما استدعى اتخاذ موقف حاسم تجاههم”.

 

أما “طارق وهبي” فيخالفه الرأي، ويقول: “التدبير الإداري الجزائـري، باعتقادي، ليس بالرد المنطقي، خصوصًا أن الموظف القنصلي قد يكون متورطًا في إحدى التهم الموجهة إليه. لذلك يجب التريث وعدم الذهاب إلى استدعاء السفراء للتشاور، لأن ذلك سيصعّد الأزمة دون التوصل إلى حلول. من الطبيعي أن تحاول فرنسا طلب مهلة زمنية إضافية للتحقق من كل ما يحدث، وفقًا للمعاهدات الدبلوماسية الدولية الموقعة في فيينا. لكن أعتقد أن فرنسا ستبادر باستدعاء سفيرها في أقرب فرصة، للوقوف على منهجية الرد على التوجهات الجزائـرية”.

“السر” لدى وزير داخلية باريس.. ما قصة التصعيد بين الجزائر وفرنسا بعد طرد 12 دبلوماسياً
إعداد” جهاد عبد الله

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *