تمثل زيارة وزير الدفاع المجري، كريستوف سالاي بوبروفينسكي، إلى السعودية، أول حوار دفاعي رسمي بين البلدين، وتشكل لحظة محورية في العلاقات الثنائية.

وفي مقابلة حصرية مع صحيفة “عرب نيوز”، شدد الوزير على تنامي نفوذ السعودية كمحور للاستقرار الإقليمي، وأشاد بنهجها الاستباقي في الدبلوماسية. 

وركزت مناقشاته مع وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، على تعزيز الروابط العسكرية، وإطلاق مبادرات تدريب مشترك، واستكشاف مجالات التعاون التكنولوجي. 

وأعرب الجانبان عن التزام مشترك بتعزيز التعاون الدفاعي، وتطوير شراكة رسمية من خلال مذكرة تفاهم استراتيجية. 

هدف الزيارة 

وأشار وزير الدفاع المجري، إلى أن هذه الزيارة تمثل أول لقاء رسمي بين وزيري دفاع المجر والسعودية، وتأتي في وقت يشهد فيه الوضع الأمني العالمي “تحولات عميقة ومعقدة”.

وقال: “هذه هي زيارتي الثانية إلى المملكة، وكانت الأولى قبل نحو عقد من الزمن. التحول الذي شهدته البلاد مذهل”. وأضاف: “ما كان بالفعل دولة متقدمة، شهد تطوراً لافتاً. 

وأشاد سالاي بوبروفينسكي بوتيرة التقدم، واعتبر أن “رؤية 2030″، “ليست مجرد شعار، بل حقيقة ملموسة تعيد تشكيل مستقبل المملكة” من البنية التحتية والتخطيط الحضري إلى منظومات الابتكار والديناميكية المجتمعية.

وأضاف أن السعودية “تمضي بما تمتلكه من إرث تاريخي عريق، وثقل اقتصادي متنام، وحضور دولي آخذ في التوسع، نحو دور قيادي عالمي بثقة وثبات”.

وتابع سالاي بوبروفينسكي في حديثه للصحيفة قائلاً: “نحن نعيش في عصر لم يعد فيه الاستقرار أمراً مسلماً به. وفي مثل هذا المناخ، يحتاج العالم إلى قوى إقليمية راسخة، وحكومات ذات رؤية قادرة على بث الاستقرار داخل حدودها وخارجها. وتؤدي المملكة العربية السعودية بوضوح هذا الدور”. 

وعبر عن تقديره لـ”الدور البناء الذي تطلع به المملكة في الدبلوماسية الدولية. لا سيما كمحور للحوار في سياق النزاع الروسي الأوكراني”.

وذكر وزير الدفاع المجري بأن بلاده دعت باستمرار إلى وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات سلام فورية، وأضاف في هذا الصدد: “نحن نؤمن بشدة بأنه لا يوجد حل عسكري لهذه الحرب، بل حل دبلوماسي فقط. وتتماشى حيادية السعودية المسؤولة والمعتدلة مع دعوتنا طويلة الأمد لحوار جاد وخفض التصعيد”.

آفاق التعاون

وحول التعاون الدفاعي بين البلدين، أكد سالاي-بوبروفنيتسكي أن هذه الزيارة تؤسس “لقاعدة جديدة”، معلناً عن إطلاق مناقشات حول مذكرة تفاهم بين وزارتي الدفاع، وهي الخطوة التي قال إنها ستوفر إطاراً رسمياً لتعاون “منظم وتطلعي”. 

وعبر وزير الدفاع المجري عن استعداد بلاده لتقديم فرص تدريب ضمن نظامها التعليمي العسكري، الذي يستقبل بالفعل عدداً كبيراً من المشاركين الدوليين، مشيراً إلى مناقشة الجانبين لإمكانية تنفيذ تدريبات مشتركة مستقبلاً. 

وأضاف: “لكن أكثر الآفاق إثارة تكمن في مجال التعاون في الصناعات الدفاعية والابتكار. فقد أصبحت السعودية، من خلال مؤسسات مثل الشركة السعودية للصناعات العسكرية، قوة رئيسية في مجال التصنيع الدفاعي الحديث والتطور التكنولوجي”، مؤكداً على أن المجر تشارك في هذا التركيز. 

وذكر سالاي بوبروفينسكي، أن المجر أنشأت مؤخراً “معهد الابتكار البحثي الدفاعي المجري”، والذي يُعد المركز الوطني للتقنيات الدفاعية المتقدمة، والبحوث التطبيقية، والابتكار ثنائي الاستخدام. ويجمع هذا المعهد بين الأوساط الأكاديمية والصناعة والمستخدمين العملياتيين لضمان أن يكون الابتكار متقدماً وملائماً للمهمات على حد قوله. 

وفي ظل مشهد الدفاع المتغير بسرعة، الذي تُشكله الأنظمة غير المأهولة، والمنصات المدفوعة بالذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار المتطورة والحروب الهجينة، اعتبر وزير الدفاع المجري، أن “التعاون بين دول متشابهة في الطموح التكنولوجي أمر بالغ الأهمية”.

وشدد سالاي بوبروفينسكي خلال حديثه، على أن المجر والسعودية، تمتلكان “النية والقدرة المؤسسية لتأسيس شراكة مبنية على التطوير المشترك، والاستثمار المتبادل، والحلول الدفاعية القائمة على الابتكار”. 

“ركيزة للاستقرار”

واعترف وزير الدفاع المجري، بأن التعاون الدفاعي بين المجر والسعودية، لايزال في مراحله التكوينية، لكنه أكد في الوقت ذاته على وجود إرادة سياسية قوية من الطرفين لدفعه قدماً.

وكشف عن خطط لزيارة وفد خبير من السعودية للمجر في المستقبل القريب، وقال في هذا الصدد: “سنعرض إمكانياتنا الكاملة، بما في ذلك في مجالات التدريب العسكري وتطوير القوات والتكنولوجيا الدفاعية. وستكون هذه هي الخطوة الأولى نحو بناء شراكة استراتيجية وهيكلية قائمة على المصالح المشتركة والثقة والأهداف طويلة الأمد”. 

وصرح سالاي بوبروفينسكي للصحيفة: “السعودية ليست فقط قوة إقليمية، بل فاعل عالمي يزداد نفوذه. ورؤية السعودية 2030 ليست مجرد خطة طموحة، بل برنامج يتم تنفيذه بوضوح والتزام ونتائج ملموسة”. 

وشدد كذلك على “الدور الفريد” الذي تلعبه السعودية على الصعيد الدبلوماسي في إرساء الاستقرار، وقال إنها “تتعامل بشكل بناء مع طيف واسع من الفاعلين، من إيران وتركيا إلى الولايات المتحدة وروسيا وغيرها”. واعتبر أنه في ظل “عالم منقسم ومشحون بالتوترات، برزت السعودية كوسيط موثوق، قادر على جمع الأطراف المتنازعة على طاولة المفاوضات”. 

وأبرز المسؤول المجري على أن هذا الدور القيادي، واضح بشكل خاص فيما يتعلق بالنزاع الروسي الأوكراني، الذي يؤثر بشكل مباشر على الأمن الأوروبي والاستقرار الاقتصادي. وصرح بأن المجر تثمن “جهود المملكة النشطة في الوساطة، ليس فقط كموقع محايد للحوار، بل كدولة تقدم قيادة موثوقة في السعي لتحقيق السلام”. 

شاركها.