تشهد المنطقة حراكًا دبلوماسيًا لافتًا بعد انتهاء الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران، والتي دامت 12 يومًا وأسفرت عن تهدئة مؤقتة بضمانات أمريكية وقطرية، وهذه الحرب، بحسب مراقبين، مهّدت لمشاريع سلام جديدة في المنطقة، على رأسها ملف سوريا وإسرائيل، حيث تشير الأنباء لقرب توقيع اتفاق سلام بينهما.

 

أجواء التفاوض.. مؤشرات حقيقية أم تكتيك سياسي؟

مصادر دبلوماسية غربية كشفت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب رسميًا من إدارة ترامب، عبر مبعوثها إلى دمشق توماس بارّاك، الوساطة لعقد تفاهمات سلام مع دمشق.

ويُعتبر هذا الطلب أول اختراق جاد في ملف السلام السوريالإسرائيلي منذ توقف المفاوضات غير المباشرة عام 2011، والتي كانت تجري في الكواليس بعهد نظام بشار الأسد.

من جانبه توماس بارّاك كان قد رفع العلم الأمريكي فوق مقر السفارة بدمشق في مايو الماضي لأول مرة منذ 2012، في إشارة واضحة إلى ذوبان جليد القطيعة بين واشنطن ودمشق. وقال بارّاك في تصريحات نقلتها وكالة رويترز: “السلام بين سوريا وإسرائيل قابل للحل… البداية تكون باتفاق عدم اعتداء وحدود واضحة، وإزالة اسم سوريا من قائمة الإرهاب الأمريكية ممكن إذا تقدمت الحلول”.

وكانت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض، ولقائه المفاجئ بالرئيس السوري أحمد الشرع، قد أضافت بعدًا جديدًا للمشهد، خاصة بعد توقيع اتفاق طاقة ثلاثي (أمريكيسوريقطري) لإعادة إعمار محطات الكهرباء المدمرة في سوريا.

وبدورها قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، صباح اليوم الجمعة، “نحن على أعتاب حقبة جديدة، نتوقع فيها انضمام بعض الدول العربية والخليجية إلى اتفاقيات إبراهيم”، فيما أفادت مصادر إسرائيلية بأن المفاوضات بين إسرائيل وسوريا “تتقدم بوتيرة أسرع بكثير مما تبدو عليه”.

 

المطالب الإسرائيلية.. الأمن أولًا

بحسب تقرير لموقع Axios، فإن إسرائيل طالبت دمشق عبر واشنطن بسلسلة شروط مقابل أي سلام قادم، من أبرزها: ضمان إخراج القوات الإيرانية من سوريا بالكامل، ومنع إنشاء قواعد تركية في الشمال السوري، وإنهاء أي دعم عسكري لحزب الله اللبناني، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح في الجنوب، مع وجود قوات مراقبة دولية وأمريكية.

هذه المطالب تتقاطع مع الضغوط الأمريكية على دمشق، رغم الإعلان عن رفع العقوبات كاملة، إلا أنّ الولايات المتحدة عادت ورهنت الأمر ببضع شروط.

كما كشف صحيفة “إسرائيل هيوم” الإسرائيلية، أن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، يشرف شخصياً على جهود التنسيق الأمني والسياسي بين إسرائيل وسوريا، مؤكدا أن هناك اتصالا حكوميا شاملا ومباشرا بين الجانبين.

 

تفاهمات أم اتفاق سلام؟!

 

في حديث خاص لـ “وكالة ستيب نيوز”، يقول المحلل السياسي السوري أسامة بشير: إن ما يجري اليوم “ليس اتفاق سلام مباشرًا، بل تفاهمات ضرورية لوقف التصعيد وإيجاد أرضية لحوار أوسع”.

ويضيف: “هذه التفاهمات ضرورية للحالة السورية حاليًا، حيث أوقفت مؤقتًا التصعيد الإسرائيلي، لكنها مجرد بداية لمسار طويل، ومن المبكر جدًا الحديث عن اتفاقيات سلام وتطبيع شامل، لأن الحكومة السورية تركّز حاليًا على أولوية الاستقرار الداخلي والاقتصاد، لكنها لا تهمّش الوضع السياسي الخارجي إطلاقًا”.

ويشير بشير إلى أن أي اتفاق سلام لن يكون بقرار فردي: “سيكون قرارًا جماعيًا عبر مجلس الشعب بعد تشكيله، وأعتقد أنه لو أُجري استفتاء شعبي حقيقي، فإن نسبة عالية ستوافق، لأن الشعب السوري سئم الحروب والدماء ويريد العيش بأمان”.

 

السلام بشروط لا إملاءات

بحسب بشير، أي اتفاق سلام سيحمل شروطًا وتفاهمات وليس إملاءات، ويشرح: “إسرائيل تغازل الحكومة السورية وأمريكا أيضًا من خلال تصريحاتها الأخيرة. السلام مصلحة مشتركة للطرفين ولأمريكا كذلك، لأن موافقة الحكومة السورية ستعطيها ميزات سياسية واقتصادية واستقرارًا داخليًا حقيقيًا”.

لكنه يستدرك: “لا أعتقد أن أي تفاوض سيكون على حساب سوريا. الجولان لن يتم التنازل عنه، إنما ستتم تفاهمات حول وضعه. الحكومة السورية تعتبر الجولان خطًا أحمر، وأي تنازل عنه غير وارد، لكن الحلول المطروحة ستكون ضمن إطار يرضي الطرفين”.

وكان رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي قال حول الأمر ذاته: “إذا حدثت عملية تطبيع، فسننظر في الأمر”، في إشارة إلى ملف الجولان.

 

إيران وحزب الله في صلب المفاوضات

يؤكد بشير أن أحد أهم دوافع إسرائيل للسلام مع دمشق هو إنهاء التواجد الإيراني في سوريا: “إسرائيل أصبحت بحاجة ماسّة للسلام بعد حربها الأخيرة مع إيران. تريد منع عودة النفوذ الإيراني في حال حدوث فوضى مستقبلية، وكذلك قطع أي دعم عن حزب الله اللبناني، لأن سوريا كانت تاريخيًا الرئة التي يتنفس منها الحزب”.

 

ويرى بشير أن أي اتفاق سلام سيقسم الشارع العربي إلى قسمين: “قسم سيشجع، وقسم سيدين، لكن ذلك لن يوقف العملية. في النهاية، هذا أمر يخص سوريا وشعبها. ربما تكون الاتفاقات الأمنية هي مقدمة لطريق السلام الكامل، وأعتقد أن السلام قادم، عاجلًا أو آجلًا”.

 

بين روسيا وأمريكا.. تغيير البوصلة

يختتم بشير تحليله بالإشارة إلى تغيير الاستراتيجية السورية، بعد التقارب الكبير من دمشق باتجاه واشنطن والابتعاد عن موسكو.

ويقول: “ما أراه أن سوريا غيّرت هواها الروسي البارد واتجهت نحو الهوى الأمريكي، وهذا هو الخيار الصحيح حاليًا. شعار السلام مقابل الأرض قديم ولم ينتج عنه لا سلام ولا أرض. اليوم هناك حلول أخرى، تفاهمات تضمن الحقوق والسيادة دون تنازل عن الجولان”.

 

ويبقى الملف مفتوحاً على كل الاحتمالات، في ظل غموض بنود التفاهمات الأمنية وغياب الموقف الرسمي الصريح من دمشق حتى الآن، لكن المعطيات الميدانية والدبلوماسية تؤكد أن سلامًا سوريًاإسرائيليًا برعاية أمريكية لم يعد مجرد حلم بعيد، بل مسار تتشكل ملامحه بهدوء خلف الكواليس.

 

السلام بين سوريا وإسرائيل برعاية أمريكية.. هل اقترب الموعد وما هي الشروط؟

اقرا أيضاً|| التواصل بين سوريا وإسرائيل من المحرّمات إلى العلن لأول مرة.. ماذا يجري خلف الكواليس وما يحمله ترامب من “مفاجآت”؟

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.