السوداني لـ”الشرق”: بغداد تلعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن
قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن بلاده تحرص على الابتعاد عن سياسة المحاور في المنطقة، وتهدف إلى أن تكون نقطة التقاء بحكم علاقاتها الجيدة مع كافة الأطراف.
وفي مقابلة خاصة مع “الشرق”، أجرتها هديل عليّان في العاصمة بغداد، تحدث السوداني عن أهم القضايا التي تقلق العراق في ضوء التغيير المفاجئ الذي حدث في سوريا، والرسائل التي وجهها إلى الإدارة السورية الجديدة، مقدماً نصيحة إلى دمشق بعدم تكرار الأخطاء التي وقع فيها العراق بعد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003.
وأشار إلى أن العراق تجمعه علاقات مع إيران على عدة مستويات، وفي الوقت نفسه يُعتبر شريكاً للولايات المتحدة في “مكافحة الإرهاب”.
وأكد أن العلاقة مع السعودية في أفضل حالاتها، إذ يجري التنسيق بين البلدين في مجال الأمن الإقليمي وسوق الطاقة والاستثمارات.
وعن علاقة المركز مع إقليم كردستان، تحدث السوداني عن وجود إشكالات ترتبط بملف الرواتب وتصدير النفط، لكنه أكد في الوقت نفسه أن بغداد قطعت شوطاً في حل الخلافات مع أربيل.
وبشأن تطورات الوضع في غزة، أكد السوداني رفض العراق أي خطط أو دعوات لتهجير الفلسطينيين، مشيراً إلى أن القمة العربية المقبلة التي تستضيفها بغداد تتزامن مع “ظروف عصيبة” تعيشها المنطقة.
كما تناول رئيس الوزراء العراقي أهم التحديات الاقتصادية التي تواجه بلاده، في ملفات الطاقة، وتشجيع الاستثمارات الخارجية، ومكافحة الفساد.
وإلى نص المقابلة:
- ما هي أبرز التحديات التي واجهتها الحكومة العراقية خلال السنوات الثلاث الماضية؟
بالتأكيد كان هناك مجموعة من التحديات، داخلية وخارجية.. بحكم أن العراق مر بفترة من الحرب ضد الإرهاب، مما أثر بشكل كبير على مستوى التنمية والخدمات وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، فكان هذا واحداً من الاستحقاقات المهمة، وهذا يرتبط بفلسفة إدارة الدولة والموارد واستثمارها بالشكل الصحيح، والذي ينعكس على تحقيق تنمية حقيقية.
لقد كنا أمام استحقاقات إصلاحية اقتصادية، ومالية، ومصرفية، وإدارية. وأيضاً هناك إصلاحات تتعلق بالاستخدام الأمثل للنفط والغاز، حيث كنا نحرق الغاز ونستورد غاز من خارج العراق، وهذا يُمثل هدراً كبيراً وثقلاً على الموازنة.
وكذلك الأنظمة المتعلقة بالأتمتة والحوكمة والدفع النقدي، كانت جميعها غائبة عن سياسات وإجراءات وعمل مؤسسات الدولة، وهي بالنتيجة تُمثل إجراءات مطلوبة لمكافحة الفساد كظاهرة خطيرة تهدد مشاريع الدولة، وبنفس الوقت أيضاً توفر مرونة وسهولة في الخدمات للمواطنين.
كنا أمام هذه التحديات بما في ذلك المحافظة على الأمن والاستقرار، خصوصاً بعد أن انتصرنا على عصابات “داعش”. كان المفترض أن نحافظ على هذا المستوى من الأمن، وجاءت تداعيات 7 أكتوبر لتُمثل منعطفاً جديداً لم يكن في حساباتنا، وأضاف الكثير من التداعيات على المنطقة وتأثيراتها على مجمل الأوضاع. لكن وضعنا في حسابات البرنامج الحكومي خارطة طريق لتنفيذ الأولويات، وعلى هذا الأساس نجحنا بتكاتف جميع القوى السياسية والوطنية ومؤسسات الدولة، في التركيز على أولويات البرنامج، حيث قطعنا شوطاً كبيراً في تنفيذها.
- هل أثّرت الانقسامات الداخلية على أداء الحكومة العراقية؟
أي مراقب يتابع المشهد السياسي العراقي، يجد أن حالة الاختلاف والرؤى في بعض المواقف موجودة، لكن الموقف الوطني كان موحداً تجاه وحدة العراق، ومواجهة الإرهاب، واستحقاقات المرحلة، بما يصب في خدمة أبناء الشعب العراقي. هذه ثوابت مهمة علينا أن نحافظ عليها، وبالفعل حافظت عليها القوى السياسية حتى في ظل اختلافاتها، وكنا عاملاً مساعداً كحكومة أن نوظف كل الجهود باتجاه تنفيذ البرنامج الحكومي الذي ينعكس على آمال وتطلعات المواطنين.
- دائماً ما يتعرض العراق لضغوط سواء دولية أو حتى إقليمية.. كيف تتعامل الحكومة مع هذه الضغوط؟
بصراحة أنا دائماً ما أسمع هذه المفردة (الضغوط). وباعتباري جزءاً من العملية السياسية منذ 2003، مررت بعدة مناصب، فقد كنت وزيراً في حكومتين وتقلدت 7 حقائب، ونائباً في البرلمان، والآن رئيس وزراء. أستطيع أن أقول وبكل ثقة: لم أتعرض إلى أي ضغط، ولم ألاحظ أي ضغط خارجي أو داخلي عليّ كمسؤول، ولا حتى كرئيس حكومة، ولا في أي ظروف صعبة.
وحتى في ظل تداعيات 7 أكتوبر وما حصل في المنطقة، لم أتعرض لضغوط أو إملاءات لتنفيذ رغبات خارجية. نحن بوصلتنا خدمة العراق والعراقيين، واحترامنا للآخرين يرتبط بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومراعاة المصالح المشتركة. هذه هي المبادئ التي تحكم العلاقة مع كل الدول الشقيقة والصديقة.
- هنالك حملة على الفساد ومطالبات أيضاً شعبية بالإصلاح. أين وصلتم في هذا الملف؟
أي مراقب لإجراءات الحكومة العراقية في مكافحة الفساد، يجد منهجاً جديداً، بدأ بإصلاح المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد، التي كان يشوبها بعض الخلل، مروراً باعتماد منهج لاسترداد الأموال والمطلوبين خارج العراق، وقد وضعناه معياراً في علاقاتنا الخارجية، فضلاً عن اعتماد أساليب جديدة في الشفافية وسهولة الإجراءات ومراقبة صرف الأموال. هذه تمثل أساليب وقائية قبل أن نذهب إلى الإجراءات العقابية الرادعة. وهذا المنهج في مكافحة الفساد حقق نتائج عملية في الحد من هذه الظاهرة، والعمل مستمر مع كافة المؤسسات الرقابية والمعنية، خصوصاً الجهة القضائية.
الاكتفاء من الغاز بحلول 2028
- أين وصلتم في ملف الكهرباء والخدمات؟
بالنسبة للكهرباء، إذا قارنا مستوى الإنتاج مع ما كان عليه قبل سنوات، سنلاحظ وجود زيادة مستمرة، وهذا يعني أن هناك محطات إنتاج جديدة وطاقات إنتاجية تضاف إلى مجمل ما تنتجه الحكومة، لكن في المقابل، هناك ارتفاع بالطلب أكثر من الإنتاج الذي يضاف بشكل غير مسبوق بصراحة، وهذه أيضاً تحتاج إجراءات للحد منها.
هذه الحكومة وضعت في سلم أولوياتها كل ما يتعلق بالخدمات والكهرباء على نحو خاص، وتحسين باقي القطاعات التي تواجه خللاً وهدراً في الطاقة، مثل قطاع النقل والتوزيع، وأيضاً ترشيد الاستهلاك والذهاب إلى أنظمة حديثة في إدارة الطاقة المنتجة. الخلل الأساسي الذي يؤثر أيضاً على قدرتنا في تأمين الطاقة الكهربائية، هو أننا نستورد الغاز للأسف. هذا الاستيراد يجعلنا أمام كثير من التحديات الأخرى، حيث مثلاً الغاز الإيراني يخضع جزء منه للعقوبات الأميركية، وهذا يؤدي إلى عدم القدرة على تحويل المستحقات. أيضاً مسألة العرض والطلب تبقى للدولة المصدرة وفق احتياجها أو مشاكلها.
في المحصلة، نحن اليوم لدينا طاقات إنتاجية متوقفة لأن الوقود ليس موجوداً، وبالتأكيد عملنا على تجاوز هذه المشكلة من خلال المشاريع التي أقرت، سواء كانت عبر إبرام عقد مع شركة “توتال”، أو مع شركة الهلال، في الجولة الخامسة، الملحق، والجهد الوطني، ومن المأمول أن نتوقف عام 2028 عن استيراد الغاز، ونؤمِّن كل احتياجات محطات الكهرباء من الوقود.
معالجة النقاط الخلافية مع كردستان
- لنتحدث عن العلاقة مع أربيل. الخلافات غالباً ما تطفو على السطح. كيف تصف العلاقة الآن مع الإقليم؟
بالتأكيد على ضوء الاتفاق السياسي الذي شُكِّلت بموجبه هذه الحكومة، وضعنا هذه النقاط الخلافية التي كانت تؤثر على مستوى العلاقة بين الإقليم وبغداد. وبروح الشراكة والتعاون، قطعنا شوطاً كبيراً في معالجة هذه النقاط الخلافية. ما يحصل من تعثر في قضية معروفة ومهمة بالنسبة للمواطن، وهي رواتب الموظفين، هذه إشكالات فنية وليست موقفاً سياسياً من بغداد أبداً.
الإشكالات الفنية على ضوء ارتباط موظفي الإقليم بالموازنة الاتحادية، وأن يكون الصرف من وزارة المالية الاتحادية على ضوء قرار المحكمة الاتحادية الأخير، الذي رسم آلية تتعلق بالتوطين وتسليم الإيرادات غير النفطية، ولذلك يُفترض على حكومة الإقليم ووزارة المالية الاتحادية أن تكمل الإجراءات التي شهدت تعثراً ومشاكل فنية، وقد تم تجاوزها مؤخراً وسلّمت رواتب الموظفين في يناير 2025، وأيضاً سوف نستمر إن شاء الله في بقية الأشهر بانسيابية على أمل أن يتم إكمال الملاحظات الفنية التي شخّصتها وزارة المالية الاتحادية، والمطلوب من الإخوة في الإقليم مراعاتها.
باقي القضايا تتعلق بالتشريعات، وخصوصاً قانون النفط والغاز. كنا كحكومة حريصين على البدء بهذا النقاش، لأنه ينهي الكثير من المشاكل. مؤخراً أيضاً تم التوافق على تعديل قانون الموازنة لاستئناف تصدير النفط عبر ميناء جيهان، وبالفعل صادق مجلس النواب على النص الحكومي، ومن المؤمل أن نستأنف قريباً إن شاء الله تصدير النفط.
توازن العلاقة مع واشنطن وطهران
- بالانتقال إلى الشأن الإقليمي، كيف تقيمون العلاقة مع إيران بعد التطورات الأخيرة، ولا سيما في سوريا؟
إيران دولة جارة تربطنا بها علاقات سياسية، ثقافية، ودينية، واجتماعية، وقد ساندت العملية السياسية في مختلف المراحل، وتبقى دولة مؤثرة في المشهد الإقليمي، وتعاونها وتفاهمها مع العراق ودول المنطقة بالتأكيد يحافظ على مستوى الأمن والاستقرار.
وما حصل من تداعيات في المنطقة يستدعي إيجاد حوار وتفاهم يجمع كل الدول، والعراق يلعب هذا الدور بحكم علاقاته المتميزة مع أشقائه ومع الدول الجارة، سواء كانت إيران أو تركيا.
- تربط العراق علاقات مع الولايات المتحدة وإيران، ولديه مصالح وعلاقات مع المحيط العربي. كيف يمكن أن يبتعد العراق عن صراع المحاور؟
هذا كان هدفنا. أن نبتعد عن سياسة المحاور، وأن نكون نقطة التقاء للجميع، وهذه ميزة تُحسب للعراق، أنه يتميز بعلاقة طيبة مع إيران وعلاقة طيبة مع الولايات المتحدة، التي نرتبط معها باتفاقية شراكة، بحكم العلاقة من عام 2003.
وإضافة إلى وصفي للعلاقة مع إيران قبل قليل، فهذا المبدأ وهذا الوصف لشكل العلاقة مع هذه الدول، هو قائم على المصالح المشتركة وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، واعتماد الحوار والتفاهم كوسيلة لتقريب وجهات النظر بين إيران ودول المنطقة. وأيضاً نحاول بين إيران والولايات المتحدة. دائماً نتحدث بصراحة معهم، خصوصاً في هذه الفترة حول أهمية استئناف الحوار، وخصوصاً في الاتفاق النووي. هذا من شأنه أن يحافظ على منطقة مستقرة. الموقف المتوازن الذي اتبعته الحكومة خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة، أصبح سمة واضحة تميز الأداء الرسمي للعراق تجاه مختلف القضايا، وهو محل تقدير واحترام من قبل الجميع.
التواصل مع الإدارة السورية الجديدة
- كيف تنظرون إلى مستقبل العلاقات العراقية السورية في ظل الأوضاع السياسية التي شهدناها مؤخراً؟
الكل يعرف طبيعة العلاقة بين العراق وسوريا كدولة شقيقة وأيضاً كجارة وكمشتركات. نحن عندنا قبائل عربية عراقية تنقسم إلى قسمين، في سوريا وفي العراق، فضلاً عن أن التنوع الموجود في سوريا هو شبيه لما هو موجود في العراق، من مكونات وأطياف. لذلك كان الموقف الرسمي للدولة العراقية تجاه المتغيرات الأخيرة هو الوقوف مع إرادة الشعب السوري، ومع قيام عملية سياسية شاملة لا تستثني أحداً من مكوناتها، وأيضاً ركزنا على مبادئ مهمة تُمثل مصدر قلق لنا، وأوضحناها من خلال التواصل مع الإدارة الجديدة.
- ما أبرز المسائل التي تُثير قلق العراق بالنسبة لسوريا؟
أبرزها التخلي عن العنف والتطرف والإرهاب. نريد أن نرى موقفاً صريحاً في اتجاه محاربة “داعش”. موقف واضح تجاه التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية. الموقف من وحدة وسلامة الأراضي السورية، إذ لا نريد لسوريا أن تكون محطة لصراع الإرادات الأجنبية والدخول والتواجد، لأن هذا يؤثر علينا. كنا حريصين أن تستفيد سوريا ممّا واجهنا من أخطاء ومشاكل طيلة العقدين الماضيين منذ 2003، خصوصاً في ظل تشابه التغيير والأنظمة السابقة. هذا هو موقفنا، ونحرص بشكل كبير على استقرار سوريا وازدهارها بعد طول معاناة.
- كيف ترون دور الدول المؤثرة في الشأن السوري مثل تركيا وإيران وروسيا؟
هو ذات المبدأ. أن يترك الأمر للسوريين بدون تدخل من أي طرف آخر. الدول العربية والعراق كان لهم دور رائد في هذا الأمر، في أن تكون حاضنة لعملية التغيير التي حصلت.
كان لدينا تنسيق متواصل مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، والأردن، ومصر، وقطر، أن نرعى كحاضنة عربية عملية سياسية تجمع كل السوريين. ونتحدث مع أصدقائنا وحلفائنا الذين كانوا يشاركوننا نفس التوجه في أن يجدوا الأمن والاستقرار بعيداً عن التدخلات الخارجية. ولغاية أمس، كنا نتحدث مع مبعوث الرئيس الروسي في هذا الإطار. تواصلنا مستمر أيضاً مع الإخوة في إيران وكذلك مع تركيا.
- هل هناك تنسيق بين بغداد ودمشق فيما يتعلق بإعادة اللاجئين من العراق إلى سوريا؟
نعم هناك تنسيق على مستوى اللاجئين، وكذلك على مستوى تأمين الحدود، وأيضاً على مستوى احتياجات سوريا. العراق أبدى استعداده لدعم سوريا في عدة مجالات. نحن حريصون على إعادة الوضع الطبيعي وتخفيف المعاناة عن أبناء الشعب السوري.
تنسيق عراقي سعودي في الأمن والطاقة
- كيف تقيمون علاقة العراق بالدول العربية والخليجية، وتحديداً السعودية على مستوى التنسيق وفي ضوء أزمات المنطقة؟
بالتأكيد تربطنا علاقة متميزة مع أشقائنا في الدول العربية، وبالأخص المملكة العربية السعودية، حيث هناك تنسيق وتواصل مستمر في مختلف القضايا، منها ما يتعلق بالأمن الإقليمي وكذلك ما يتعلق بسوق الطاقة، وأيضاً الاستثمارات العراقية-السعودية المشتركة، والفرص التي تبحث من قبل الهيئات والمؤسسات المعنية. علاقتنا مع المملكة السعودية هي في أفضل حالاتها، فيها أجواء الأخوة والحرص على كل المصالح المشتركة بين الدولتين الشقيقتين وللمنطقة.
- المملكة العربية السعودية أعلنت أنه لا علاقات مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية، وجدّدت رفضها لأي محاولات تهجير من قطاع غزة. ماذا عن موقف العراق في هذا الأمر؟
موقف العراق ثابت تجاه القضية الفلسطينية، وهو أن الفلسطينيين أصحاب الأرض والقضية، وهم من يقررون مصيرهم في إقامة دولتهم الفلسطينية وعاصمتها القدس، وفي نفس الوقت نرفض أي دعوات أو خطط لتهجير الفلسطينيين من غزة. هذا خلاف للأعراف والقوانين، وخلاف رغبة الفلسطينيين أنفسهم، فالكل شاهد الشعب الفلسطيني وهو يتوجه في غزة نحو شمال القطاع رغم الآثار المدمرة. هذه حقيقة واضحة يجب أن يعيها الجميع، لا يمكن اقتلاع هذا الشعب من أرضه التي دافع عنها وتواجد فيها طيلة عقود من الزمن.
- تستعد بغداد لاستضافة القمة العربية المقبلة. ماذا سيكون عنوان هذه القمة؟
عقد القمة العربية في بغداد حدث مهم، ويكتسب أهميته لأنه يأتي في ظرف عصيب تمر به المنطقة، ويُمثل استحقاقات مهمة أيضاً، حيث المطلوب من الجامعة العربية والدول العربية أن تبين موقفها من مختلف القضايا كما يحصل في غزة ولبنان وسوريا، إضافة إلى باقي الدول العربية.
نحن نعد العدة لكي يكون هناك مضمون حقيقي في هذه القمة وتخرج بقرارات فاعلة تعالج كل القضايا التي تحصل وما يترتب عليها من استحقاقات، ولعل في مقدمتها الحفاظ على موقف موحد تجاه القضية الفلسطينية، وإعمار غزة ولبنان، وكذلك دعم العملية السياسية في سوريا.
- هل يسعى العراق للعب دور الوسيط في أي من هذه الأزمات؟
هذا هو الدور الطبيعي للعراق دائماً عبر التاريخ. هو دور ريادي ونقطة ارتكاز في المنطقة بحكم ثقله السياسي وموقعه الجغرافي وموارده وتاريخه وحرصه على مختلف القضايا العربية والقضايا التي تخص أمن واستقرار المنطقة، لذلك استثمرنا هذه المبادئ وعناصر القوة في بناء حوار وتفاهم بين كل الفرقاء، واستطعنا إلى حد كبير أن ننجح في ذلك. كنا أحد الأسباب المهمة التي ساهمت في التهدئة وعدم توسعة الصراع بعد 7 أكتوبر. كذلك يعلم الجميع أننا أساس في التقريب بين الأشقاء في المملكة العربية السعودية والجارة إيران، وهكذا مع باقي دول المنطقة.
مستقبل الوجود الأميركي في العراق
- هل العراق متأثر سلباً أو إيجاباً بسلسلة قرارات الإدارة الأميركية الجديدة؟
طبيعة العلاقة بين العراق والولايات المتحدة أنها مبنية على مصالح مشتركة، ولدينا اتفاقية وحيدة مغطاة بقانون اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، وشاملة في كل المجالات.
نحن شركاء في محاربة الإرهاب. وحتى بعد انتهاء مهمة التحالف الدولي، لدينا مسار للعلاقة الأمنية الثنائية، وفرص مشتركة، وهناك شركات أميركية مهمة تعمل في مجال الطاقة، ولدينا فرص أيضاً قيد البحث مع هذه الشركات لاستثمار النفط والغاز. هناك رغبة جادة من الحكومة العراقية، ووجدنا لها صدى إيجابي أيضاً لدى الجانب الأميركي في التفاهم على مختلف هذه المبادئ.
- هناك عقوبات أميركية على الصين. إلى أي مدى يمكن أن تؤثر على العراق؟
المسار الذي اتبعته الحكومة العراقية في بناء علاقاتها الاقتصادية والتجارية هو التنوع مع مختلف الدول، حتى لا نرهن السوق العراقية لدولة محددة. بالنتيجة قد يؤثر حصول عقوبات أو أزمات دولية، لذلك نحاول قدر الإمكان عدم التأثر ونتفادى حصول خلل في نوعية العلاقات الاقتصادية وتأثيرها على السوق العراقية من خلال هذا التنوع والتواصل مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة في استثمار ما لدينا من فرص لتغطية احتياجاتنا.
- هل تواصلتم مع الإدارة الأميركية ومع الرئيس ترمب بعد توليه السلطة؟
كان هناك اتصال إيجابي، قمنا بتهنئة الرئيس ترمب، وأيضاً هناك تواصل مع بعض أطراف الإدارة.
- ماذا عن مستقبل الوجود الأميركي في العراق، هل هناك مشاورات مع واشنطن في هذا الشأن؟
نعم، هذا كان ضمن ما تبنّاه البرنامج الحكومي الذي صوت عليه مجلس النواب، وبالفعل بدأنا في أغسطس 2023 بمحادثات مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، ووصلنا إلى اتفاق بأن يكون هناك جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف الدولي على فترة سنتين تنتهي عام 2026، ومن ثم ننتقل إلى علاقات أمنية ثنائية، وفعلاً بدأنا بحوار ثنائي مع الولايات المتحدة وبقية دول التحالف الدولي كالمملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا.
تأثير العقوبات على إيران
- تفرض واشنطن عقوبات اقتصادية على إيران، إلى أي مدى لها تأثير على العراق؟
في الحقيقة، التأثير سيكون في مسألة الغاز الإيراني الذي نستخدمه لتشغيل محطات الكهرباء. كانت الإدارة (الأميركية) السابقة تعطينا استثناءً من هذه العقوبات. حكومتنا لم تكتفِ بطلب الاستثناء، إنما بادرنا أيضاً إلى استثمار الغاز المصاحب.
كما ذكرت الآن العراق لديه رؤية واضحة. في سنة 2028 سينتهي استيراد الغاز، وسيكون هناك استقلال للطاقة بشكل واضح. بالمحصلة نحتاج إلى استمرار هذا الاستثناء طيلة هذه الفترة. في الوقت نفسه بدأنا عملية ربط للطاقة مع دول الجوار حتى نغطي احتياجاتنا، وهذا جزء من مفهوم التكامل الذي نسعى إليه مع الأشقاء.
تم تنفيذ الربط مع الأردن وحالياً يُجهّز غرب العراق بالطاقة، ومن المأمول خلال هذا العام أن يتم إكمال الربط مع الكويت والمجموعة الخليجية، وأيضاً بدأنا بالتعاقد على الربط بين العراق والسعودية، إضافة إلى أن هناك ربط تم تنفيذه وبدأنا باستلام الطاقة من تركيا وبالنتيجة من الاتحاد الأوروبي، مما يعني أن الحكومة أوجدت حلولاً، وننتظر بالتأكيد من الأصدقاء في الولايات المتحدة تفهم خطط الحكومة حتى يسمحوا لنا بالاستمرار في الاستعانة بالغاز الإيراني لحين إكمال مشاريعنا، والتي سوف يتم الاستغناء فيها عن أي غاز مستورد.
“مشروع طريق التنمية”
- يسعى العراق منذ سنوات لتعزيز مكانته الجيوسياسية باعتباره ممراً للتجارة العالمية. من بين هذه المشاريع ما قمتم به بشأن نقل مشروع طريق التنمية، ماذا عنه؟
هو مشروع الحلم، مشروع الشعب، ويخلق بصراحة عراقاً جديداً. لأنه يُحول العراق من دولة حبيسة إلى دولة منفتحة على كل دول المنطقة والعالم، وهذا المشروع هو موجود في أدبيات الدولة العراقية منذ الثمانينيات، ويرتبط بميناء “الفاو” الكبير، إطلالة العراق على الخليج.
وقد قطع ميناء “الفاو” شوطاً كبيراً في التنفيذ، خصوصاً في زمن هذه الحكومة، حيث افتتحنا قبل فترة المرحلة الأولى من أرصفة الميناء، والعمل متواصل في باقي مراحل المشروع. وفي الوقت نفسه أطلقنا مشروع طريق التنمية وجعلناه لكل دول المنطقة والأصدقاء، وهذه حالة تحصل لأول مرة، خصوصاً أن المشروع داخل العراق، ويربط بين ميناء “الفاو” والحدود العراقية التركية ذهاباً إلى أوروبا، ومنهجية الحكومة في خلق شراكات اقتصادية مع الأشقاء ودول المنطقة تساهم في استقرار العراق، وتخلق مصالح متبادلة بين شعوبها.
كما بادرت الإمارات وقطر وتركيا إلى الاتفاق معنا، والباب مفتوح لباقي الأشقاء والأصدقاء. قطعنا شوطاً كبيراً في إكمال تصاميم سكك الحديد والطريق البري، وحالياً نناقش النموذج الاقتصادي مع دول الرباعية.
قفزة استثمارية بـ62 مليار دولار
- هناك شركات وعقود دولية ضخمة قمتم بتوقيعها على مدى أعوام. هل نستطيع القول إن بيئة الاستثمار الآن أصبحت جاهزة؟
بكل ثقة نعم، في ظل ما لدينا من فرص، من موارد طبيعية وبشرية لم تستثمر بسبب الحروب والحصار ومواجهة الإرهاب، وأيضاً بحكم ما أجريناه من إصلاحات على مستوى النظام المالي والمصرفي، على مستوى النظام الضريبي والجمركي، وتسهيل دخول الشركات. اليوم فعلاً لدينا بيئة جاذبة لهذه الاستثمارات، فضلاً عن أن العراق بسبب هذه الظروف تأخر كثيراً بتنفيذ أي استثمار في مختلف القطاعات، ويمكن أن نشاهد أن دول المنطقة قطعت شوطاً في خلق هذه الاستثمارات، لكن العراق الآن بدأ للتو.
إصلاح الاقتصاد كان أحد الأولويات، لذلك انطلقنا بقوة بهذا الاتجاه وبفكر جديد، بإعطاء ضمانات سيادية للقطاع الخاص، هذا الشيء يحصل لأول مرة، أن تقدم الدولة ضمانة سيادية لقطاع خاص عراقي يجلب مصانع ينشئ فيها مشاريع في داخل العراق. ننفتح في صندوق العراق للتنمية مع الصناديق الموجودة، وخصوصاً مع الصندوق السعودي للاستثمار في خلق فرص استثمارية، وتمكين القطاع الخاص المحلي والعربي والأجنبي من الدخول للسوق.
هذا كله واضح أمامنا من خلال المؤشرات التي تثبت أننا تجاوزنا حجم الاستثمارات العربية والأجنبية بحدود 62 مليار دولار خلال عامين. وفي ظل وجود فرص أخرى أيضاً يمكن أن يرتفع هذا الرقم ليتجاوز 100 مليار دولار. هذه قفزة مهمة تؤكد على أن العراق فعلاً يمتلك اليوم بيئة جاذبة لكل الاستثمارات.
- ماذا عن تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط؟
هذا جزء أساسي من العمل والتوجه. لا يمكن للعراق الاعتماد فقط على إيرادات النفط كمصدر وحيد لتغطية نفقاته، لذلك ذهبنا إلى تنمية القطاعات الأخرى، بما في ذلك الصناعة، والزراعة، والتجارة. نتحدث هنا عن طريق التنمية، نتحدث ليس فقط عن ممر تجاري لنقل البضائع، وإنما عن ممر سنُنشئ على طول مساره مدناً صناعية.
وعندما نتحدث عن الزراعة، اليوم وصلنا إلى اكتفاء ذاتي في تأمين احتياجات العراق من محصول القمح. عندما نتحدث عن الصناعة، في بعض الصناعات مثل الإسمنت والحديد والأسمدة، وصلنا إلى مرحلة تغطية احتياجات السوق المحلية. إذاً هناك توجه حقيقي. حتى مسألة إعلان بغداد عاصمة للسياحة العربية، يأتي ضمن سياق تنويع الاقتصاد. والعراق عندما نتحدث عن السياحة، يمتلك الآثار والحضارة والتاريخ والمراقد الدينية إضافة إلى البيئة الطبيعية، سواء في إقليم كردستان أو في الأهوار، هذه كلها نقاط جذب لنشوء سياحة تكون رافداً للاقتصاد الوطني.
- كيف تقيمون العلاقة مع “أوبك بلس”؟ وكيف تقارب أيضاً بغداد بين مصالحها ومتطلبات السوق؟
العراق مثلما يعرف الجميع دولة وعضو أساسي في هذه المنظمة التي تمتلك نحو 40% من إنتاج العالم من الطاقة، وحريص كل الحرص على التواصل والتنسيق والعمل المشترك مع الأعضاء في ضمان معادلة كنا حريصين عليها في التوازن بين حقوق المستهلكين والمنتجين. وطيلة الفترة الماضية، واجهنا كل المحطات بروح الفريق الواحد والحفاظ على هذا المبدأ، وفي آخر الاجتماعات كان العراق حاضراً وأيد كل السياسات والقرارات التي اتخذت.
“من الفتنة إلى الوحدة الوطنية”
- قرأت أكثر من مرة في الصحافة وسمعت من زوار العراق بأنه يتغير. ماذا يعني ذلك؟
يتغير لأن العراق والعراقيين، فضلاً عن أنهم مقاتلون أشداء انتصروا على الإرهاب، لكن أيضاً هم بناة حقيقيون ساهموا في بناء بلدهم وسوف يساهمون أكثر فأكثر. انتقلنا من الحروب والصراعات وذهبنا إلى البناء والإعمار والتنمية. انتقلنا من فتنة طائفية قومية كانت تفتك بنسيج المجتمع بأجندة خارجية، خلافاً للطبيعة الحقيقية للمجتمع العراقي الذي عاش طيلة عقود بأجواء الأخوة والتسامح. انتقلنا إلى الوحدة الوطنية التي اليوم يعبر عنها أبناء شعبنا بكل مكوناتهم وأطيافهم.
اليوم العراق بلد متسامح محب للحياة، كل مدنه تنبض بهذه المظاهر، مظاهر التفاؤل والتنمية والتعايش السلمي. هذا هو مفهوم التغيير. قوتنا في شعبنا. في التماسك، في اعتزازه بهذا البلد الذي أراده الله سبحانه وتعالى أن يكون بهذا التنوع ليكون عامل قوة وليس عامل ضعف.
- أخيراً، بماذا تعدون الشعب العراقي؟
سوف نكون أوفياء لما تعهدنا به منذ أول يوم دخلنا فيه مجلس النواب الموقر للإعلان عن تشكيلتنا الحكومية والإعلان عن البرنامج الحكومي. سنضع في أولوياتنا خدمة الشعب العراقي، وتغليب المصالح العليا للعراق فوق أي اعتبار.