في خطوة سياسية وعسكرية قد تغيّر خريطة السودان، أعلن تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) عن تشكيل هيئته القيادية الجديدة بمدينة نيالا، مانحًا نفسه غطاءً شرعيًا وسياسيًا لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرته، في ظل حرب ممتدة منذ أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ماذا يعني تشكيل الهيئة القيادية لتحالف تأسيس؟
بينما يترقب السودانيون والمنطقة مآلات الحرب، أُعلن هذا الأسبوع عن إقرار النظام الأساسي للتحالف، وتشكيل هيئة قيادية من 31 عضوًا، تضم شخصيات سياسية ومدنية وعسكرية.
يقول الباشا طبيق، مستشار قائد قوات الدعم السريع، في حديث لوكالة ستيب نيوز: “الهيئة القيادية لتحالف السودان التأسيسي (تأسيس) هي الجسم القيادي للتحالف الذي يجيز السياسات العامة والخطط والبرامج والسياسة الخارجية ويجيز حكومة السلام والوحدة ويختار شاغلي المناصب الدستورية والمناصب القيادية العليا بالدولة.”
وبهذه الصلاحيات، تتحول الهيئة إلى برلمان تأسيسي مصغر أو مجلس قيادة أعلى، يشرعن خطوات التحالف نحو تشكيل حكومة جديدة في مناطق نفوذه، ويمنحه أداة تفاوضية أمام المجتمع الدولي.
هيئة سياسية مرجعية أم حكومة بديلة؟
يثير توسع أدوار التحالف مخاوف من تحوله إلى حكومة موازية، يراها البعض ضرورة وآخرون يعتبرونها تهديداً لوحدة الدولة وتكراراً لسيناريو ليبيا، أو تمهيداً لانفصال جديد.
يوضح طبيق: “الهيئة القيادية للتحالف هي جسم سياسي ومرجعية للتحالف وليس بديلا للحكومة ولا مجلس حرب، بل هو من يحدد أجهزة الدولة ويرشح الحكومة.”
ويشير هذا إلى مسعى التحالف للفصل بين الدور التشريعي المرجعي والدور التنفيذي، لكنه عمليًا يحتفظ بحق ترشيح الحكومة ورسم شكل الدولة الجديدة، ما يجعله أشبه بـ”مجلس تأسيسي انتقالي”.
تفكيك السودان القديم.. الهدف المعلن لتحالف تأسيس
يروج التحالف لرؤية سياسية تهدف إلى قلب موازين الحكم في السودان منذ استقلاله، وتغيير شكله.
يقول طبيق: “السودان القديم هو الذي عمل على تكريس الهيمنة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية لنخب سياسية محددة ظلت تحكم السودان منذ الاستقلال وتسيطر على موارده وتقصي شعوب الهامش، مما أدى إلى قيام ثورات مسلحة منذ العام 1955 قبل الاستقلال مرورًا بالحروب التي نشبت في جنوب السودان وأدت إلى انفصال جزء عزيز من الوطن، وأيضًا حرب جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور وحرب 15 أبريل 2023. لذلك هذا هو السودان القديم الذي نسعى إلى تحطيمه وبناء سودان جديد يسع الجميع.”
ويطرح التحالف نفسه كمنقذ للهامش السوداني، معلنًا أن حربه ليست فقط عسكرية ضد النظام الحالي، بل ضد بنية السودان المركزي منذ الاستقلال، عبر إعادة توزيع السلطة والثروة.
صدام مرتقب مع سلطة بورتسودان
يتوقع مراقبون أن إعلان التحالف حكومة سلام ووحدة قريبًا قد يشعل مواجهة سياسية أو عسكرية مع حكومة البرهان في بورتسودان.
يحذر مستشار حميدتي: “سوف تحاول سلطة الأمر الواقع في بورتسودان أن تعمل على إجهاض إعلان حكومة السلام والوحدة التي يعمل تحالف تأسيس على إعلانها في الفترة القادمة، لأنها تمثل غالبية الشعوب السودانية وسوف تكتسب شرعيتها من تأييد الغالبية العظمى من الشعب السوداني”.
ويضيف: “قد يؤدي ذلك إلى تعاطي المجتمع الدولي مع حكومة تأسيس، ولن يستطيع البرهان أن يمنع رغبات وتطلعات الشعب الذي حُرم من استخراج أوراقه الثبوتية وحرمان أبنائه من الجلوس لامتحانات الشهادة الثانوية ويطبق فيه قانون الوجوه الغريبة.”
ويعتبر التحالف أن شرعيته ستنبع من الشعب مباشرة، وأن أي محاولات لإفشال حكومة “تأسيس” ستضع البرهان في مواجهة رغبات غالبية السودانيين.
من يقود تحالف تأسيس حاليًا؟
أُعلن رسميًا عن تشكيل التحالف في 22 فبراير 2025 بالعاصمة الكينية نيروبي، وجُهّز بعدها ميثاق تأسيسي (دستور انتقالي) يهدف إلى إنشاء حكومة موازية في المناطق التي يسيطر عليها التحالف، ويوم 1 يوليو 2025، في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، أُقِرّ النظام الأساسي للتحالف وشُكّلت هيئة قيادية مكوّنة من 31 عضوًا، ويرأسها محمد حمدان دقلو (حميدتي) رئيس التحالف، و عبد العزيز آدم الحلو نائب الرئيس.
ويضم التحالف قيادات من الدعم السريع، الحركة الشعبية شمال، قوى مدنية مثل محمد حسن التعايشي، نصر الدين عبد الباري، ومكونات حزبية من الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي.
هل هو تحالف مرحلي أم مشروع حكم دائم؟
رغم الإعلان القوي، يرى بعض المحللين أن “تأسيس” يبقى أداة تفاوضية للضغط على الجيش والوسطاء الدوليين من أجل الدخول في مفاوضات شاملة، خصوصًا مع انطلاق جهود سعودية أمريكية في جدة والبحرين لاستئناف مسار السلام.
وإذا أعلن التحالف حكومته الموازية دون اتفاق سياسي، فقد يواجه عزلة دولية أو دعمًا جزئيًا محدودًا، لكنه بالتأكيد سيكرس واقعًا سياسيًا جديدًا على الأرض، لا يمكن تجاوزه في أي تسوية نهائية.
ويعكس تحالف تأسيس انتقال الصراع السوداني من المواجهة المسلحة إلى مرحلة بناء البدائل السياسية والإدارية، في محاولة لشرعنة النفوذ العسكري وتحويله إلى نظام حكم جديد، لكن مستقبل هذه الخطوة مرهون بمدى قدرتها على تحقيق السلام وكسب الاعتراف الداخلي والخارجي، أو تحوّلها إلى بداية انقسام سياسي يهدد وحدة البلاد.
اقرأ أيضاً|| أكبر تحالف لقوى مدنية سياسية في السودان يوجه “رسالة” شديدة اللهجة للرئيس المصري
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية