بينما كانت التكهنات تشير إلى نيّة تحالف “تأسيس” إعلان حكومة “موازية” في السودان، ووسط تقارير تحدثت عن خلافات عميقة ضربت هذا التحالف بسبب قسمة المناصب، وتطلعات أطراف فيه لنيل حصة الأسد، أقدم التحالف على إعلان “هيكلة” قيادته برئاسة قائد “قوات الدعم السريع”، محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

وبحسب الهيكلة الجديدة للتحالف، ذهب منصب النائب إلى رئيس “الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال” عبد العزيز الحلو، فيما أضحى القيادي في حزب الأمة القومي مكين حامد تيراب مقرراً لقيادة “تأسيس”، والطبيب علاء الدين نُقُد، وهو متحدث سابق باسم “تقدّم”، ناطقاً رسمياً.

وفي وقت نال الرجلان القويان في “تأسيس”، دقلو والحلو، أرفع المناصب في قيادة التحالف، إلا أن بعض التقارير تحدثت عن ضغوط غربية قد تقطع الطريق عليهما، وذلك في إطار مساعي أميركية وأممية باتجاه مقاربة سياسية لإنهاء الحرب في السودان.

ولم يصدر تعليق فوري من السلطات السودانية على إعلان هيئة قيادية لـ”تأسيس”.

وفي مطلع مارس الماضي، أزاح هذا التحالف خلال اجتماع في العاصمة الكينية نيروبي، الستار عن دستور جديد، يتضمن مبادئ فوق دستورية، وينص على علمانية الدولة، بضغط من جانب “الحركة الشعبية- شمال، التي انضمت للتحالف إلى جانب “قوات الدعم السريع”، إلى جانب حركتين مسلحتين يقودهما عضوا مجلس السيادة السابقين الهادي إدريس والطاهر حجر، فضلاً عن عضو مجلس السيادة السابق محمد حسن التعايشي، ووزير العدل السابق نصر الدين عبد الباري، ورئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر، والقيادي في الحزب الاتحادي “الأصل” إبراهيم الميرغني، وقوى سياسية ومدنية أخرى، في خطوة رآها مراقبون مؤشراً مبكراً لنوايا “انفصالية”، غير أن قادة التحالف نفوا بشدة هذه الاتهامات.

كما نصّ الدستور على فترة تأسيسية تمتد لـ10 أعوام، تسبقها مرحلة انتقالية، وتشمل تشكيل جيش وطني بمعايير جديدة، وتقسيم السودان لـ8 أقاليم، على أن تكون مستويات الحكم 3، على رأسها مجلس رئاسي.

سودان “ديمقراطي علماني”

وقال الناطق باسم الهيئة القيادية لـ”تأسيس” علاء نقد، في خطاب، إن “شعوب السودان ظلت ترزح تحت نير حروب متواصلة منذ ميلاد الدولة السودانية الحديثة عام 1821، لكنها لم تستوفِ شروط البناء الوطني الحقيقي للدولة، إذ جمعت بين مكوِّنات متفاوتة تاريخياً ومتباينة ثقافياً دون مشروع وطني متوافق عليه بين هذه المكونات”.

ورأى نقد أن الجهود التي بذلتها قوى سياسية ومدنية، خلال الأشهر الماضية، أثمرت عن تشكيل تحالف “تأسيس” وتوقيع ميثاق السودان التأسيسي والدستور الانتقالي، “مجسّدتين بذلك ولأول مرة في تاريخ السودان رؤية واضحة لبناء سودان جديد، علماني، ديمقراطي، لا مركزي، وموحّد طوعياً، وقائم على قيم الحرية والعدالة والمساواة”.

بدوره، أكد رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال، عبد العزيز الحلو، في خطاب، أن الدولة السّودانية منذ خروج المُستعمر في 1956، “تُعاني من أزمات جذرية متعددة، بدءاً بالتركيبة الاجتماعية المشوهة للمجتمع، ومُخلفات عهد العبودية التي قسَّمت الشعوب السُّودانية ووضعت مُكوِّنات اجتماعية وثقافية مُحدَّدة في أدنى السلم الاجتماعي، ومارست الدَّولة ضدها العنصرية المزدوجة على أساس العرق والدين، كما قامت بإقصائِها وتهميشها، ووضعت أمامها موانِع أبعدتها عن السلطة والثروة”.

وشدد الحلو على رؤية حركته في بناء ما وصفه بـ”سودان علماني، يتبنى هوية سودانوية”، وقال إن “(تأسيس) تحالف استراتيجي يُعيد السودان إلى منصة التأسيس، لتفكيك الدولة القديمة وإعادة بنائها على أسُس جديدة”.

وتعهّد بأن يعمل تحالف “تأسيس”، بعد طي صفحة الحرب، على استعادة الأمن والسلم وتفكيك “جيوش النظام البائد والكتائب الإرهابية”، وبناء جيش جديد مهني يحمي المواطنين وحدود البلاد، ويلتزم بالدستور والمبادئ فوق الدستورية.

“اتجاه لتفتيت السودان”

في المقابل، حذّر محمد زكريا الناطق باسم “الكتلة الديمقراطية” و”حركة العدل والمساواة”، القريبتين من الجيش، والشريكتين في الحكومة السودانية، من خطوة “تأسيس”، بوصفها “تعمّق اتجاهات تفتيت وحدة السودان، خاصة وأن التحالف يحاول تشكيل هياكل حكومة موازية، ساعياً لفرض واقع جديد يقوم على حكومتين في دولة واحدة، وهذا يتعارض مع وحدة السودان ووجود حكومة شرعية واحدة”.

وقال زكريا لـ”الشرق”، إن “هذا الاتجاه لا يخدم مساعي الوصول لحلول استناداً للاتفاقات الأمنية الموقعة في منبر جدة، مشيراً إلى أن الوضع الجديد سيخلق تعقيداً مجتمعياً أكبر، ويزيد من حدة الانقسام وإرباك المشهد الدولي ذي الصلة بالملف، بإضافة عقدة جديدة للعقد الأمنية والعسكرية والسياسية القائمة بالأساس”.

ولفت إلى أن الشرعية التي تتمتع بها الحكومة السودانية “تُخفف من مثل هذه الخطوات”، علاوة على الضغوط الدولية، ولا سيما من قبل واشنطن التي أكدت مراراً على وحدة السودان وشرعية هياكله السيادية والتنفيذية، على حد قوله.

“إضعاف حظوظ القوى المدنية”

بدوره، اعتبر وزير الإعلام السوداني الأسبق، فيصل محمد صالح أن خطوة “تأسيس” لا تنطوي على مفاجآت في الأسماء، ولهذا “لم يكن مستغرباً أن يكون حميدتي رئيساً والحلو نائباً له”، لافتاً إلى أن شخصية مثل الطبيب علاء نقد، كان من المدافعين عن “الدعم السريع” داخل تحالف “تقدم” المنحل، وكان مطلوباً تقديمه في هذا التحالف باعتباره “وجه مدني”، لأن الرئيس ونائبه ذوي خلفيتين عسكريتين.

وأضاف صالح لـ”الشرق”، أن “إعلان قيادة لـ(تأسيس) يساهم في زيادة الاحتقان، باعتبار أنها ربما خطوة باتجاه تشكيل حكومة في نيالا جنوب دارفور أو الفاشر شمالها، بينما يجري تشكيل حكومة أخرى في بورتسودان، ما يعني اتساعاً في رقعة التشظي والانقسام السياسي والمجتمعي الحاد مع مدلولاته الإثنية والجهوية”.

وأضاف: “لن تساعد خطوة التحالف في تسهيل التفاوض لاحقاً، لأن معظم الأطراف الخارجية تُركز على مباحثات في المرحلة الأولى بين الجيش والدعم السريع لوقف إطلاق النار، وإن أصرت الدعم السريع على خوض المفاوضات بوفد يضم تحالف تأسيس، ستبدو المباحثات وكأنها لا تركز على الشق العسكري، فيما  الكثير من الأطراف السياسية ترغب في استبعاد الدعم السريع والجيش من أية مناقشات هادفة لبلورة المستقبل السياسي في البلاد”.

ورأى صالح أنه “بدخول الكتلة الديمقراطية والإسلاميين المحادثات إلى جانب الجيش، ومن الجانب الآخر “تأسيس” إلى جانب الدعم السريع، سيؤدي ذلك إلى زيادة تعقيد الأزمة السودانية وتعميق الخلافات، كما يضعف حظوظ القوى المدنية التي كانت تأمل في مفاوضات منفصلة لبحث المسار السياسي”.

ويعتقد الوزير السابق أن “قوات الدعم السريع”، من خلال هذه الخطوات، ترغب في “الانفصال” باقتطاع جزء من السودان، لكنه لم ينف وجود مجموعات مؤيدة أو متحالفة مع “الدعم السريع” والجيش، تغذّي مثل هذه الاتجاهات.

“الاعتراف الدولي”

المحلل السياسي السوداني صدقي مطر، اعتبر أن الإعلان عن قيادة لـ”تأسيس”، يفتقر إلى أهم شروط النجاح، المتمثلة في “القبول الدولي به كحكومة موازية للحكومة السودانية التي تحظى باعتراف إلى حين إجراء انتخابات عامة”.

وأضاف مطر لـ”الشرق”، أن خطوة التحالف تهدف إلى “تعقيد الوضع السياسي في البلاد بعد تسمية رئيس وزراء جديد هو كامل إدريس”، وكذلك “تغطية الهزائم الأخيرة للدعم السريع والحركة الشعبية في الميدان”.

كما قلل من أهمية “تأسيس” بشكل عام، لافتاً إلى أنه تحالف ضعيف، متوقعاً انهياره بسبب “عدم التوافق بين مكوناته”، وخاصة بين الدعم السريع والحركة الشعبية. وقال إن “خلافات أخرى ربما تضرب الدعم السريع بسبب غياب قادة ميدانيين عن سدّة التحالف”.

“خطوة متقدمة بعد ارتباك”

من جهته، وصف المحلل السياسي السوداني، طاهر المعتصم، خطوة “تأسيس” بأنها “متقدمة”، وذلك وفق قوله، لأن “التحالف ظل في حالة ارتباك منذ إعلان إنشائه، بعد أن ضربته خلافات بشأن المواقع القيادية، وخاصة بين الحركة الشعبية- شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، بمرتكزاتها الفكرية الداعية للعلمانية، وكذلك رغبة قادتها في السيطرة، من طرف، وقوات الدعم السريع، من طرف ثان”.

وفي حديث لـ”الشرق”، رأى المعتصم أن “المحك ربما يكمن في التوافق على المناصب الحكومية، وهو ما قد يُفجر الخلافات”، لافتاً إلى أن “التاريخ السوداني مليء بالشواهد على تجذر هذا السلوك السياسي، والدليل ما يحدث حالياً في بورتسودان بالنسبة لحكومة كامل إدريس من رفض وابتزاز وخلافات واسعة”، وتوقع أن تتصاعد خلافات مماثلة في معسكر “الحكومة الموازية”.

وقال إن خطوة “تأسيس” بإعلان هيئة قيادية في نيالا جنوب دارفور، هي “تحضير مبكر للمفاوضات بين طرفي الحرب، الجيش السوداني والدعم السريع”، لكنه لفت إلى أنه “من المبكر الحكم على نجاح تأسيس في تسويق مشروعها للمجتمع الدولي.

وأشار إلى أن القوى المدنية، في الجهة الثالثة، تبذل جهوداً كبيرة، وأطلقت رؤية سياسية مؤخراً، في إشارة للرؤية التي طرحها تحالف “صمود” بقيادة رئيس الوزراء الأسبق، عبد الله حمدوك، وهي جهود لا تسعى لوقف الحرب فحسب، بل للإجابة أيضاً على أسئلة اليوم التالي بعد طي صفحة الحرب.

شاركها.