اخر الاخبار

السوريون ينتظرون محاسبة جلاديهم –

– حسن إبراهيم

يترقب السوريون محاسبة مجرمي الحرب في سوريا، ممن تورطوا في عمليات القتل الممنهج للمدنيين وتدمير القرى والمدن، وتشمل القائمة قادة أمنيين وضباطًا، وعناصر وأفراد ميليشيات.

وترتفع الأصوات المنادية بمحاكمة أدوات القتل والإجرام، يومًا بعد آخر، مقابل إجراءات خجولة وغير واضحة من الحكومة السورية، لا تلبي مطالب الناجين والضحايا، وتتراوح بين نبأ اعتقال مجرم، وترك آخر طليقًا في الشارع، وتسلم آخرين من لبنان.

وعود الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بإصدار القائمة “رقم 1” التي تتضمن أسماء كبار المتورطين في تعذيب الشعب السوري لم تنفذ بعد مرور أربعة أشهر على سقوط النظام السابق، وهروب بشار الأسد إلى موسكو.

وعود معلّقة

بعد يومين من سقوط النظام، توعد الشرع بالإعلان عن القائمة “رقم 1” التي تتضمن أسماء كبار المتورطين في تعذيب الشعب السوري، قائلًا، “لن نتوانى عن محاسبة المجرمين والقتلة وضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري. سوف نلاحق مجرمي الحرب ونطلبهم من الدول التي فروا إليها حتى ينالوا جزاءهم العادل”.

وتحدث عن عزم الإدارة الجديدة على تقديم مكافآت لمن يدلي بمعلومات عن كبار ضباط الجيش والأمن المتورطين بجرائم حرب.

أما وزير الدفاع، مرهف أبو قصرة، فقال خلال مقابلة له، إن تسوية أوضاع عناصر نظام الأسد المخلوع لا تلغي عملية المحاسبة القانونية اللاحقة، وهدف التسوية ضبط الأوضاع، وعدم السماح بالفوضى، وتثبيت الوضع الحالي ريثما يتم التعاطي مع هؤلاء الأشخاص عن طريق السلطات المختصة، ومن عليه قضايا جنائية أو تعذيب يجب أن تتم محاسبتهم عن طريق المؤسسات القضائية.

حتى الآن لم يصدر أي حكم قضائي يخص محاسبة قادة النظام السابق ممن تم إلقاء القبض عليهم أو أجروا تسويات، ولعل أبرز الشخصيات التي أجرت تسوية، القائد السابق لـ”الحرس الجمهوري” طلال مخلوف، في وقت يخضع فيه لعقوبات من الاتحاد الأوروبي نتيجة الجرائم التي ارتكبها أو شارك في ارتكابها بحق المدنيين، ولعقوبات بريطانية منذ 2015، ولعقوبات أمريكية منذ 2017.

وفي 7 من شباط الماضي، خرجت مظاهرات في حي التضامن جنوبي دمشق، بعد زيارة فادي أحمد المعروف باسم “فادي صقر” للحي، وهو أحد المسؤولين عن مجزرة “التضامن”، تبعتها أنباء عن إجراء فادي صقر “تسوية” مع السلطات الجديدة، وأنه أحد أعضاء لجنة “السلم الأهلي”، لكن لم تستطع التحقق من صحة هذه الأنباء.

موقع “زمان الوصل” رصد استمرار التحرك العلني لفادي صقر في عدة مناطق، متباهيًا بصفته كمحامٍ في فرع دمشق لنقابة المحامين، دون أن يتعرض لأي مساءلة قانونية أو نقابية، وله تسجيلات مصورة وهو يشرف على إطلاق سراح عدد من المعتقلين من أبناء الساحل السوري، في محاولة اعتبرها ناشطون إعادة تلميع لصورته أمام الرأي العام المحلي.

في المقابل، تستمر وزارة الداخلية بالإعلان عن إلقاء القبض على متورطين بدماء الشعب السوري، منهم مسؤولون عن مجزرة “التضامن”، والعميد عاطف نجيب الذي شغل منصب رئيس فرع “الأمن السياسي” في درعا، والذي فجرت انتهاكاته بحق الأهالي الأحداث والمظاهرات التي بدأت في المحافظة عام 2011، دون توضيحات رسمية عن طريقة المحاسبة أو الإجراءات اللاحقة.

تواصلت مع العلاقات العامة في الحكومة السورية، للحصول على توضيحات حول أسباب أو عقبات تأخر الإعلان عن القائمة “رقم 1″، ومدى وجود تنسيق مع منظمات حقوقية وإنسانية أبدت استعدادها لتقديم قوائم ومساعدة، لكنها لم تتلقَّ ردًا حتى لحظة نشر هذا التقرير.

قائمة بـ16200 متورط.. استعداد للتعاون

في 23 من كانون الأول 2024، قالت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، إنها تمكنت من تحديد قائمة تضم أسماء 16200 شخص من النظام السابق متورطين في جرائم وانتهاكات جسيمة بحق السوريين.

من بين القائمة 6724 فردًا من القوات الرسمية، التي تشمل الجيش وأجهزة الأمن، و9476 فردًا من القوات الرديفة، التي تضم ميليشيات ومجموعات مساندة قاتلت إلى جانب القوات الرسمية.

وذكرت “الشبكة” في بيانها أن تحديات كبيرة تواجه عملية المحاسبة، وتتطلب تركيز الجهود القانونية والقضائية على القيادات العليا، تحديدًا من الصفين الأول والثاني في الجيش وأجهزة الأمن، باعتبارهم مسؤولين رئيسين عن التخطيط للانتهاكات والإشراف المباشر على تنفيذها.

وأكد البيان أهمية ضمان الحق الكامل للضحايا في رفع دعاوى قضائية ضد المسؤولين عن معاناتهم، بغض النظر عن رتبهم أو مناصبهم، سواء كانوا منفذين مباشرين أو مشرفين، وأنه لا بديل عن محاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، قال ل، إن الشبكة أبدت استعدادها وترحب بالتعامل والتعاون مع الحكومة والجهاز القضائي حتى تكون المذكرات وعمليات الملاحقة وفق القانون، لكن لا يوجد تواصل من قبل الحكومة أو بناء علاقة بهذا الملف وغيره من الملفات القانونية والحقوقية التي أبدت “الشبكة” استعدادها للتعاون والتنسيق بخصوصها.

واعتبر عبد الغني أن الإعلان عن قائمة مجرمي الحرب مهمة صعبة جدًا، تحتاج إلى فريق تحقيق والبدء من الصفر، لذلك يمكن الاستناد إلى الخبرات الموجودة لدى المنظمات التي تعمل منذ سنوات عديدة ولديها قاعدة معلومات وبيانات، وهذا يتطلب انفتاح الحكومة على المنظمات.

ويرى عبد الغني أن الحكومة بحاجة لإمكانيات مادية وتخصيص فريق للعمل على القائمة، ورغم ذلك ربما لا تخرج القائمة بالطريقة المناسبة والدقيقة، لأنها مهمة غير سهلة، وهذا ربما يفسر التأخير، سواء من غياب التعاون مع المنظمات، وصعوبة المهمة بحد ذاتها.

وأضاف عبد الغني أن التعاون الحكومي مع المنظمات الحقوقية يسهل فتح ملف المحاسبة وملاحقة مرتكبي الانتهاكات، لأن الأساس موجود، وهناك عمل أنجزته المنظمات خلال السنوات، معربًا عن آماله بوجود تعاون وتنسيق أكبر بعد تشكيل الحكومة.

ويعتقد مدير “الشبكة السورية” أن وجود قائمة واضحة بأسماء منشورة، يُبعد حالة الخوف والذعر عند “الموالين أو الرماديين”، ولا يفسح مجالًا لوجود ملاحقات خارج القائمة.

“الحل ما يريده السوريون”

تتجدد مطالب المحاسبة مع أي حالة توتر واشتباكات في سوريا، خاصة بعد اشتباكات دامية شهدها الساحل السوري، مطلع آذار الماضي، وأسفرت عن مقتل مئات الأشخاص خارج نطاق القانون، بدأت شرارتها بكمين من مسلحين موالين للنظام المخلوع في الساحل السوري أو من تصفهم الحكومة السورية بـ”فلول النظام”، استهدف عناصر الأمن في الحكومة.

رئيس محققي الأمم المتحدة بشأن سوريا الذين يعملون على جمع أدلة عن الفظائع المرتكبة في البلاد، روبيرت بيتي، أعلن في كانون الأول 2024، أنه طلب الإذن من السلطات الجديدة لبدء عمل ميداني.

وأكد أنه بعد تحقيقات أُجريت عن بُعد منذ 2016 حتى الآن، “تم توثيق مئات مراكز الاعتقال (…) كل مركز أمن، كل قاعدة عسكرية، كل سجن كان له مكان احتجاز أو مقبرة جماعية خاصة به”، مضيفًا أن الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا “قبل أن نعرف الحجم الكامل للجرائم المرتكبة”.

وفي إجابته عن سؤال بأن المحاكمات الجنائية ستتم في سوريا على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي، في المحكمة الجنائية الدولية مثلًا، قال بيتي، إن الأمر يعتمد على ما يريده السوريون، هناك آلاف الجناة، وجهاز دولة كامل مخصص لارتكاب الفظائع الجماعية، إنه تحدٍ لا يصدق لتحديد معنى المساءلة.

وفق رأي بيتي، يجب محاسبة أولئك الأكثر مسؤولية، مهندسي النظام، جنائيًا، ولكن بالنسبة للآخرين، تختلف الطرق التي يتعامل بها المجتمع بعد الصراع مع هذه القضية، معتبرًا أن الحل الأفضل هو ذلك الذي يقرره السوريون بأنفسهم.

وعلى سبيل المثال، حاولت رواندا استخدام أشكال تقليدية لحل النزاعات لمحاكمة 1.2 مليون من الجناة على مدى عقد من الزمان. وتحاول دول أخرى، مثل كمبوديا، ببساطة دفن الماضي والتظاهر بأنه لم يحدث قط، وفق بيتي.

ضرورة أمنية وسياسية

مع لحظة سقوط النظام السوري، توجهت الأنظار والمطالب نحو تطبيق العدالة، وعلت الأصوات الداخلية والخارجية بضرورة البدء بالعدالة الانتقالية، وعن شكل العدالة الانتقالية في سوريا، قال الشرع في مقابلة، إن هناك خيطًا رفيعًا مهمًا جدًا بين العدالة الانتقالية والسلم الأهلي، وربط تحسن الوضع الاقتصادي ونشاط أي استثمار اقتصادي في سوريا بوجود قضاء منصف وتوفر حالة استقرار أمنية.

السيناتور الأمريكي من الحزب “الجمهوري” جو ويلسون، قال في 25 من آذار الماضي، إنه بصدد إنشاء آلية عدالة انتقالية مستقلة لضحايا نظام بشار الأسد المخلوع في سوريا، وتعهد بأنه سيقود جهودًا في “الكونجرس” الأمريكي للمساعدة في إنشاء آلية عدالة انتقالية مستقلة لضحايا نظام الأسد “الوحشي”.

وذكر ويلسون، أن النظام السوري المخلوع اعتقل نديم خديجة، وهو مدني من مدينة سلمية، وقتله تحت التعذيب “لأنه حلم بسوريا حرة”، مشيرًا إلى أن “سوريا ربما انتصرت على جلاديها، لكن هذا النصر لن يكتمل إلا بمحاسبة حقيقية”.

الباحث في الحركات الدينية ومدير مشروع “الذاكرة السورية”، عبد الرحمن الحاج، يرى أن إطلاق العدالة الانتقالية يتطلب إنشاء “هيئة عدالة انتقالية” أو “مجلس” من خلال مجلس تشريعي يصدر قانونًا بذلك، ويتم تسمية رئيس الهيئة وأعضائها من قبل الرئيس، وحيث إنه لم يعيّن مجلس تشريعي ولم يصدر القانون، فتطبيق العدالة الانتقالية لم يبدأ، وهذا يعني أن الإطار القانوني لم يتشكل بعد.

وقال الباحث ل، إن ثمة إجراءات ضرورية يتم اتخاذها حتى مع عدم إطلاق برنامج العدالة الانتقالية، وهي اعتقال المجرمين المعروفين من فلول النظام من الجيش وأجهزة الأمن و”الشبيحة” (الدفاع الوطني).

وأضاف الحاج أن هناك أسبابًا موضوعية حالت دون إطلاق برنامج العدالة الانتقالية منذ البداية، إذ كان على الرئيس السوري، أحمد الشرع، أن يقوم باستخدام “العفو” العام باستثناء المجرمين بهدف نزع السلاح دون مقاومة، مقابل منع الانتقام الطائفي، وكذلك توحيد الفصائل وتأسيس جيش جديد، وحصر السلاح بيد الدولة واستتباب الأمن، وتوحيد البلاد، معتبرًا أن كلها حالت موضوعيًا دون إمكانية إطلاق برنامج العدالة الانتقالية.

وذكر الباحث أن قائمة كبار المتورطين موجودة بالفعل ولكنها غير معلنة حتى الآن، مضيفًا أنه لا يوجد تأثير على ملف العدالة الانتقالية من الدول المجاورة أو من أطراف دولية، إذ لا توجد أي مؤشرات أو أحداث أو تصريحات تقود إلى ذلك.

واعتبر أن العدالة الانتقالية ومحاسبة مجرمي الحرب في سوريا ملف حساس وخطير وعليه يتوقف السلم الأهلي وبناء دولة مستقرة، وأحداث الساحل مطلع آذار 2025 خير شاهد، مشيرًا إلى وجود غضب شديد وجروح مفتوحة خلّفها نظام الأسد، و”الوضع أشبه ببرميل بارود، قابل للانفجار في أي لحظة بشدة”، ولهذا السبب فالتعجيل ببدء برنامج العدالة الانتقالية يمثل ضرورة أمنية وسياسية.

وتعد عملية العدالة الانتقالية طويلة ومعقدة، إذ ترتبط بالنفَس الطويل، وتحتاج إلى مدة زمنية لإطلاق المسارات التي تأتي تباعًا، كما تحتاج إلى فترات زمنية للإنجاز، وغالبًا ما تكون فجوة الإنجازات حاضرة، إذ تكون الإنجازات نسبية، مع وجود سمات مميزة لكل تجربة من تجارب العدالة وإسهامات نوعية عبر إعمال التفكير الإبداعي قانونيًا وسياسيًا واجتماعيًا، بحسب ما ذكره تقرير صادر عن مركز “الحوار السوري“، في 11 من شباط الماضي.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق