في ظل تصاعد التوترات الأمنية والاجتماعية في محافظة السويداء، جنوب سوريا، تبدو المحافظة على مفترق طرق سياسي وأمني حساس، لا سيما في ظل انسداد الأفق لحل يرضي الجميع، وتزايد التجاذبات الإقليمية والمحلية حول ملفها.

 

وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور رائد الحلبي، الباحث السياسي المتخصص في الشأن السوري، في حديث لوكالة ستيب نيوز، أن الوضع الحالي في السويداء لا يمكن أن يستمر حتى نهاية العام دون انفجار أو تحول كبير، مشيرًا إلى أن بقاء الأمور على ما هي عليه يخدم مصالح أطراف متعددة، لكنه لن يكون مستدامًا في ظل تعقّد المشهد الإقليمي وتزايد الغضب الشعبي.

 

السويداء بين الجمود والانفجار: نحو مؤتمر وطني جامع أم فوضى مفتوحة؟

يرى الدكتور الحلبي أن حالة التجييش الطائفي والمناطقي الحاصلة حاليًا في السويداء ليست مجرد حالة طارئة، بل هي تكتيك مدروس من قبل بعض الأطراف لإطالة أمد الأزمة، معتبراً أن “المناوشات الحالية بين القوى المحلية ليست عبثية، بل مقصودة ويستفيد منها الطرفان السلطة والمعارضة لحسابات سياسية وأمنية”.

 

ورغم هذا الجمود، يرى الحلبي أن الضغوط الدولية والإقليمية قد تدفع في النهاية إلى عقد مؤتمر وطني جامع، يكون مخرجًا للانسداد القائم، ويمنح جميع الأطراف مساحة للجلوس إلى طاولة الحوار ضمن إطار توافقي ملزم.

 

ويضيف: “الحوار الوطني الحقيقي يجب أن يكون شاملاً، لا شكلياً ولا انتقائياً، لأنه إن لم يكن جامعًا لن يؤدي إلا لمزيد من الانقسام. المطلوب مؤتمر توافقي بضمانات دولية واضحة”.

 

الوساطات الدولية محدودة المدى… وروسيا كانت ضامن السويداء لا إسرائيل

وبالنظر إلى التحركات الدولية لاحتواء التوترات، يرى الحلبي أن الوساطات الحالية سواء كانت أمريكية أو أوروبية لا تملك حتى الآن أدوات ضغط فعالة، مشيرًا إلى أن الضامن الحقيقي في مرحلة سابقة كان الطرف الروسي، خاصة خلال احتجاجات “ساحة الكرامة” التي شهدتها السويداء عام 2020.

 

ويقول: “خلافًا لما يُشاع، لم تكن إسرائيل الضامن لأمن السويداء في تلك المرحلة، بل روسيا هي التي تواصلت مع أبناء المحافظة وقدّمت مظلة حماية حالت دون تدخل النظام السوري البائد ضد المتظاهرين”.

 

ويتابع بأن الطلب الأخير من موسكو لإعادة الانخراط الفاعل في الملف السوري قد يضع حدًا لتصعيد محتمل، مؤكدًا أن أي تصعيد كبير في الجنوب السوري مستبعد في المدى المنظور، لكنه لا يستبعد استمرار “المناوشات المدروسة”، التي تُستخدم كورقة ضغط سياسي.

 

تدخل إسرائيل يهدد بتقويض الحراك الشعبي

 

أما عن الدور الإسرائيلي المحتمل في الملف السوري، فيحذر الدكتور الحلبي من أي تدخل إسرائيلي مباشر أو غير مباشر، معتبرًا أن مثل هذا التدخل يُستخدم فورًا من قبل الأطراف المؤيدة للسلطات لتشويه المطالب المدنية لأبناء السويداء وربطها بأجندات خارجية.

 

ويقول: “أي تدخل من إسرائيل لا يُضعف السلطة الحاكمة كما يتوهم البعض، بل يضع أبناء السويداء في موقع الدفاع، ويزيد من عزلتهم السياسية والاجتماعية داخل المجتمع السوري… هو ببساطة يصب في مصلحة السلطة التي تسعى لإضعاف أي حراك وطني”.

 

ويرى أن إسرائيل لن تقدم على أي تصعيد جديد، بسبب حسابات إقليمية معقدة، أبرزها التوتر مع روسيا نتيجة الدعم الإسرائيلي لأوكرانيا، ما يجعل من غير المرجح خوض مغامرة سياسية أو عسكرية جديدة في سوريا.

 

مطالب الشيخ حكمت الهجري هل هي واقعية وممكنة؟

 

وفي تقييمه لمطالب الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز الشخصيات الدينية في السويداء، يؤكد الدكتور الحلبي أن تلك المطالب تعبّر عن جوهر الحراك الشعبي ومطالبه المدنية والديمقراطية، مثل تبادل السلطات وإرساء حكم القانون ومشاركة سياسية حقيقية.

 

ويضيف: “مطالب الشيخ ليست مبالغًا فيها كما يُروج البعض، بل هي انعكاس لمزاج عام… المشكلة أن السلطة ترفض حتى النقاش الجدي فيها، وتحاول الالتفاف عليها كما حدث في المؤتمر الوطني والإعلان الدستوري”.

 

ويشير إلى أن السلطة اعتمدت استراتيجية تفتيت الحراك والتعامل مع كل طرف على حدة، كما حصل مع قوات “قسد”، مستندة إلى مقولة “من يحرر يقرر”، متسائلاً: “لكن من هو المحرر فعلاً؟”.

 

ويدعو “الحلبي” إلى إطلاق مؤتمر حوار وطني طويل الأمد، ولو استغرق عامًا كاملاً، من أجل الوصول إلى رؤية وطنية جامعة، مضيفًا: “سنذهب إلى هذا المؤتمر عاجلاً أو آجلاً، سواء أرادت الأطراف ذلك أم لا، وأتوقع أن يتم برعاية أممية خلال أقل من عام”.

الدكتور رائد الحلبي، الباحث السياسي المتخصص في الشأن السوري

بين الداخل والخارج: من يغذي التجييش الطائفي؟

وفي قراءته لتصاعد حدة التجييش الطائفي والمناطقي بين السويداء ومحيطها، يوضح الحلبي أن ما يجري هو خليط بين الانفجار الداخلي المؤجّل منذ سنوات، والتدخلات الخارجية التي تستثمر في هذا الانقسام، وفي مقدمتها إسرائيل والولايات المتحدة.

 

ويشير إلى أن الخلل الأساسي في بنية الدولة السورية هو غياب المواطنة، وهو ما خلق بيئة خصبة للانفجار.

 

ويقول: “السلطة لم ترسخ يومًا مفهوم الدولة أو المواطنة، بل أسست لحكم الطوائف، ومن الطبيعي أن يصل هذا الاحتقان إلى ذروته في لحظة ما”.

 

ويُحمّل المسؤولية أيضًا للفصائل المسلحة في الجنوب والشمال، التي تعيش على الاقتصاد الأسود من معابر غير شرعية، وأتاوات، وتجارة تهريب ومخدرات، ويقول: “ليست هناك صناعة أو تجارة شرعية تدعم تلك الفصائل… تمويلها يأتي من مصادر خارجية مشتركة، ولهذا نرى الفصائل تتحارب في العلن وتتناغم في الخفاء”.

 

“نُدفع إلى أحضان إسرائيل”… لكنه خيار مرفوض شعبيًا

وفي ختام حديثه، يشير الحلبي إلى أن أبناء الطائفة الدرزية في السويداء، وكذلك في لبنان، لطالما نفوا أي علاقة لهم بإسرائيل، لكنهم يُجبرون دائمًا على تبرير ما لم يرتكبوه.

 

ويضيف: “لا أحد يريد أن يسمع حقيقة أن أبناء السويداء يرفضون الارتباط بإسرائيل… بل هناك من يدفعهم دفعًا باتجاهها، عبر التهديد والتجويع والوصم المتكرر”.

 

ويرى أن النظام الشمولي بحاجة دائمًا إلى عدو خارجي يُبرر به فشله الداخلي، ويقول: “في الأنظمة القمعية، يُستخدم الطائفة والعدو الخارجي لتبرير كل شيء، من الفشل الاقتصادي إلى غياب الحريات، وهذا ما يُمارس اليوم في سوريا”.

 

ورغم الهدوء النسبي عسكرياً في السويداء خلال الأيام الماضية، إلا أن المراقبين يحذرون من انفجار الوضع بأي وقت إذا لم يتم التوصل لحلول، تزامناً مع ارتفاع حدة الاحتقان الطائفي، بينما تحاول أطراف إقليمية من جهة التدخل لدى الحكومة ولدى وجهاء وفصائل السويداء، تذهب أطراف أخرى لمحاولة إشعال الخلاف مجدداً وتغذيته بالفتن والقلائل، وربما لأنها باتت تملك مشاريع تهدف لتقسيم البلاد وتشتيتها داخلياً، وبالوقت عينه تخرج أصوات لتنادي بتحكيم صوت العقل داخلياً بأيدي السوريين لإيجاد حل شامل يرضي الجميع.

 

اقرأ أيضاً|| هل انتهت معركة السويداء وتعلمت الحكومة الدرس؟.. خبراء يحللون ما وراء تهجير “البدو”

السويداء بين المناوشات المدروسة والانفجار المؤجل.. باحث سياسي يكشف سيناريو الحل الوحيد
السويداء بين المناوشات المدروسة والانفجار المؤجل.. باحث سياسي يكشف سيناريو الحل الوحيد

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.