– أمير حقوق
أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين في سوريا عن التوصل إلى خارطة طريق لحل الأزمة في محافظة السويداء، عقب لقاء ثلاثي في دمشق جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ونظيره الأردني أيمن الصفدي، والمبعوث الأمريكي إلى سوريا توم براك، في 16 من أيلول الحالي.
وبحسب البيان الصادر عن الوزارة، اعتمد المجتمعون خارطة طريق تؤكد أن السويداء جزء لا يتجزأ من سوريا، وأن أبناءها مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، مشيرين إلى أن إنهاء فجوة الثقة بين الحكومة والسكان يتطلب خطوات متدرجة لإعادة بناء الثقة وإعادة دمج المحافظة بالكامل في مؤسسات الدولة.
الخارطة تمثل محاولة الحكومة لاستعادة زمام الأمور برضا أهالي محافظة السويداء، وتجاوز مع حصل خلال الفترة الماضية، لا سيما الاشتباكات وموجات الفلتان الأمني، التي خلّفت خسائر بشرية ومادية ومعنوية كبيرة.
دعم دولي مقابل رفض محلي
بنود الاتفاق منحت أهالي السويداء لامركزية إدارية واسعة، سواء عبر تعيين المحافظ والمكتب التنفيذي أو انتخابهم، إضافة إلى أن تكون الشرطة والأمن المحلي من أبناء المحافظة المؤهلين، بحسب الكاتب السياسي درويش خليفة.
ويرى خليفة، في حديث إلى، أن الاتفاق الموقّع أنصف جميع الأطراف المتصارعة في السويداء، والأهم من ذلك الإقرار بالانتهاكات التي ارتكبتها الأطراف، والعزم على المضي قدمًا نحو المصالحة، مع وضع برنامج عمل وخارطة طريق لتحقيق الاستقرار والعدالة الاجتماعية، بحسب خليفة.
أما الصحفي والباحث السياسي فراس علاوي، فيعتقد أن الاتفاق يعكس رغبة إقليمية أمريكية بالاستقرار في سوريا، وتحييد مناطق التوتر بالجنوب السوري في سبيل الوصول لإجراءات أمنية أخرى لاستقرار سوريا.
وحول مصلحة كل من الأردن وأمريكا بدخول الاتفاق، وسعيهما لإنهاء أحداث الجنوب، يرجح أن رغبة الأردن تتمثل في استقرار المنطقة وعدم انتقال الفوضى للداخل الأردني، بينما أمريكا تسعى للاستقرار في الداخل السوري للوصول إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل.
في الجهة المقابلة، شهدت أحياء متفرقة في مدينة السويداء، كساحة “الكرامة” ومدينة شهبا وبلدة القريا، مظاهرات تطالب بـ”حق تقرير المصير، والإفراج عن جميع المخطوفين والمختطفات، وكشف مصير المفقودين”، في 20 من أيلول.
وشهدت المدينة، في 16 من آب الماضي، مظاهرات طالبت بـ”تقرير المصير”، ورفعت أعلامًا إسرائيلية حينها.
كما أعلنت “اللجنة القانونية العليا في السويداء” رفضها البيان المتضمن خارطة طريق للحل في المحافظة، مشيرة إلى أن فيه “تناقض”، إذ دعا اللجنة الدولية المستقلة الخاصة بسوريا للتحقيق، لكنه عاد ليؤكد أن المحاسبة ستتم وفق القانون السوري، وأبدت عدم ثقتها بالقضاء الوطني.
وبحسب “اللجنة”، فإن هذا التناقض يفرغ التحقيق الدولي من مضمونه، “إذ لا يُعقل أن يكون المتهم هو ذاته القاضي”، رافضة اعتبار الحكومة السورية طرفًا محايدًا يسعى إلى المصالحة، لافتة إلى ما سمّته “محاولات التفتيت الداخلي” من خلال الحديث عن مجالس محلية وقوات شرطية مشتركة، ووصفت ذلك بأنه “محاولة فرض وصاية جديدة على السويداء وزرع الفتنة بين أبنائها”.
وهنا يعتقد الكاتب السياسي درويش خليفة أن الرفض القاطع للاتفاق من جانب “اللجنة القانونية في السويداء” يضع العصي في عجلة تنفيذه، وهو ما توقّعه المبعوث الأمريكي حين صرح بأن الاتفاق سيمر بعقبات عدة، ربما انطلاقًا من معرفته بحجم النفوذ الإسرائيلي في السويداء، ودعم حكومة نتنياهو لكتائب حكمت الهجري المسلحة.
وقال إن اعتراض اللجنة لا يمنع من البحث عن منطقة رمادية يمكن البناء عليها مرحليًا.
الصحفي والباحث السياسي فراس علاوي، اعتبر أن انتقادات “اللجنة” تمثل جهة واحدة من أهالي السويداء، وهي ممثلة بالمجلس العسكري التابع للشيخ حكمت الهجري، وتخدم هذه الجهة فقط، والجميع يعلم أن الاتفاق تأخر، ولكن العمل على تنفيذه هو الأفضل لجميع الأطراف.
بالحوار والضمانات الأردنية والأمريكية تتم معالجة الحالة، وخاصة أن الاتفاق سيتم بإشراف دولي، ويجب بدء الحوار والتفاوض بين الحكومة السورية وأبناء السويداء وإشراك ممثلين عنهم في سير الاتفاق لكسب ثقة الأهالي، وبالتالي الوصول لمرحلة تطبيق خطوات خارطة الطريق بعد بناء الثقة، وفق ما قاله علاوي.
وأبدت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دعمهما لخارطة الطريق بشأن الحل في السويداء، كما وجه مبعوثو سوريا والأردن والولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، رسالة مشتركة إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ورئيس مجلس الأمن، لاعتماد خارطة الطريق لحل الأزمة في السويداء وتحقيق الاستقرار في جنوبي سوريا كوثيقة رسمية.
بناء الثقة أولى الخطوات
تتداول الأوساط السياسية مقترحات لبدء تنفيذ خطوات خارطة الطريق، التي من شأنها الإسراع بتطبيق الاتفاق، وعودة أهالي السويداء إلى محيطهم ضمن سوريا.
وفق رؤية الكاتب السياسي درويش خليفة، وانطلاقًا من الواقع الراهن، يتطلب تنفيذ الاتفاق بناء الثقة عبر خطوات عملية وفق مبدأ “الخطوة بخطوة”، على أن يمضي تطبيق نص الاتفاق قُدمًا، لا كما جرى خلال الأشهر الستة الماضية من عمر الاتفاق الموقع بين قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، والرئيس السوري، أحمد الشرع، بالتقدم خطوة والتراجع خطوتين إلى الوراء.
ويشرح أن الاتفاق تسعى منه الدول الراعية والسلطات السورية إلى أن يكون خارطة طريق لكل الأزمات المرتبطة بالقوى المعارضة لحكومة دمشق، لكن العامل الذاتي والموضوعي يفرضان نفسيهما في كثير من الأحيان قبل إيجاد حلول توافقية لهذه الأزمات مجتمعة، ففي الحالة السورية المستعصية منذ أكثر من 14 عامًا لم تُحل أي معضلة بعيدًا عن قوة السلاح الذي يفاقمها لاحقًا.
يوافقه الرأي الباحث السياسي فراس علاوي، الذي قال إن الإجراءات يجب أن تبدأ ببناء الثقة لدى الأهالي، مبينًا أن خطوات الاتفاق أعادت الدولة السورية للجغرافيا السورية، ورمزيتها السياسية تتمحور في الاعتراف بالحكومة السورية بمختلف تلك الجغرافيا بدعم إقليمي ودولي.
واقترح أنه يجب أن تبدأ الملامح الأولى لتنفيذ الاتفاق بإجراءات تزيد بناء الثقة لدى الأهالي من خلال العمل على التطبيق الحرفي للبيان من جهة، ومن جهة أخرى إشراك أبناء السويداء بشكل كامل، وزيادة المساعدات، وفتح السويداء على الجغرافيا السورية، وزيادة تطمينات الأهالي، وبعدها إدخال الحكومة السورية للسويداء بصورة تدريجية، بالاعتماد على أبناء المدينة.
بدأت أحداث السويداء في 12 من تموز الماضي، بعد عمليات خطف متبادلة بين سكان حي المقوس في السويداء، ذي الأغلبية البدوية وعدد من أبناء الطائفة الدرزية، تطورت في اليوم التالي إلى اشتباكات متبادلة.
تدخلت الحكومة السورية في 14 من تموز لفض النزاع، إلا أن تدخلها ترافق مع انتهاكات بحق مدنيين من الطائفة الدرزية، ما دفع فصائل محلية للرد، بما فيها التي كانت تتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية.
في 16 من تموز، خرجت القوات الحكومية من السويداء، بعد تعرضها لضربات إسرائيلية، ما أعقبه انتهاكات وأعمال انتقامية بحق سكان البدو في المحافظة، الأمر الذي أدى إلى إرسال أرتال عسكرية على شكل “فزعات عشائرية” نصرة لهم.
نصّت خارطة الطريق على جملة من الإجراءات العاجلة، من أبرزها:
-
دعوة الحكومة السورية لجنة التحقيق الدولية المستقلة للتحقيق في الأحداث التي شهدتها السويداء ومحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات وفق القانون السوري
-
استمرار إدخال المساعدات الإنسانية والطبية إلى المحافظة بالتعاون مع الأمم المتحدة، وضمان عودة الخدمات الأساسية بدعم من الأردن والولايات المتحدة.
-
نشر قوات شرطية مؤهلة على طريق السويداء- دمشق لتأمين حركة المواطنين والتجارة، وسحب المقاتلين المدنيين من حدود المحافظة واستبدالهم بقوات نظامية.
-
دعم جهود “الصليب الأحمر” للإفراج عن جميع المحتجزين والمخطوفين واستكمال عمليات التبادل.
-
يدعو الأردن بالتنسيق مع الحكومة السورية وفدًا من المجتمعات المحلية في السويداء (الدروز والمسيحيون والسنة)، ووفدًا آخر من ممثلي العشائر البدوية في محافظة السويداء لاجتماعات للمساعدة في تحقيق المصالحة.
-
إعلان خطط لإعادة إعمار القرى والممتلكات المتضررة، مع مساعدة أردنية وأمريكية لتأمين التمويل اللازم.
-
تعزيز “سردية وطنية” تقوم على الوحدة والمساواة، وتجريم خطاب الكراهية والطائفية عبر تشريعات جديدة، بدعم قانوني من واشنطن وعمّان.
المصدر: عنب بلدي