– ركان الخضر
شهدت مدينة السويداء جنوبي سوريا توترات أمنية، في 28 من تشرين الثاني الماضي، عقب حملة اعتقالات طالت شخصيات معارضة للرئيس الروحي للطائفة الدرزية، حكمت الهجري.
وأفاد مراسل، حينها، أن قوات “الحرس الوطني” المدعومة من الهجري، نفذت عمليات اعتقال طالت شخصيات من المحافظة، شملت رائد المتني ومروان رزق وعاصم أبو فخر وغاندي أبو فخر وشخصًا آخر من عائلة الصفدي.
“الحرس الوطني” أصدر بيانًا، في 29 من تشرين الثاني الماضي، قال فيه، إنه اكتشف ما وصفها بـ”المؤامرة الدنيئة والخيانة العظمى” تورطت بها مجموعة من “المتخاذلين والعملاء الذين باعوا شرفهم وضمائرهم، بالتنسيق مع حكومة الإرهاب في دمشق وبعض الأطراف الخارجية”، مضيفًا أنه حدد المتورطين والقى القبض عليهم وقام بتسليمهم إلى القضاء المختص.
وتوفي رائد المتني وماهر فلحوط في المعتقل، قبل أن يصل جثماناهما إلى المستشفى “الوطني” في السويداء، بحسب ما نقلته شبكة “الراصد” الناشطة في المنطقة، مؤكدة أن أسباب الوفاة غير معروفة.
بينما أكد مدير العلاقات العامة في مديرية إعلام السويداء، قتيبة عزام، ل، أن سبب الوفاة يعود إلى عمليات التعذيب التي تعرض لها المتني وفلحوط في أثناء اعتقالهما من قبل “الحرس الوطني”.
من جهته، نفى “الحرس الوطني” أي علاقة لظروف التوقيف بالوفاة، مشيرًا إلى أن تقارير الطب الشرعي أكدت أن سبب الوفاة الأولى كانت ناجمة عن تناول المتوفى جرعة كبيرة من دوائه المخصص لارتفاع ضغط الدم، أما الوفاة الثانية فكانت إثر نوبة قلبية.
مؤشر خطير وشرخ داخلي
الباحث في مركز الحوار للأبحاث والدراسات بواشنطن عمار جلو، يرى أن الأحداث التي شهدتها السويداء من اعتقالات وحالات وفاة ضمن المعتقل تعتبر مؤشرًا خطيرًا، فالسويداء رغم أنها كانت تشهد عمليات خطف وقتل خلال السنوات الماضية، فإنها كانت أعمالًا فردية.
وأضاف جلو أن التباينات في مجتمع السويداء خلال السنوات الماضية بين من أيد الثورة السورية ومن عارضها، لم تمنع الإجماع العام حول الحفاظ على حالة التوافق في المجتمع الدرزي.
ويعتقد الباحث السوري أن خطورة الموقف تكمن بأن الاعتقالات شملت لأول مرة شخصيات مؤثرة في المجتمع المحلي، وأخذت طابعًا رسميًا، أكد أن الفصائل التي تسيطر على السويداء اليوم يمكن أن تذهب بعض الشيء إلى استخدام العنف والقتل وسفك الدماء في مواجهة أي معارضة لرأيها أو توجهها العام في السويداء.
من جهته، يرى المحلل السياسي حسام طالب أن ما حدث في السويداء يمثل تكريسًا لسطوة أمنية كبيرة من تيار الشيخ حكمت الهجري و”الحرس الوطني”، وهو يثبت أن هناك شرخًا داخليًا في السويداء.
وقال إن عامل القوة الذي يمتلكه الشيخ الهجري “بدعم إسرائيلي”، يجعله متحكمًا بالجميع بمن فيهم شيوخ العقل التقليديون الذين يشاركون الهجري بالرئاسة الروحية للطائفة الدرزية، وممن سبقوه بهذه المكانة الدينية مثل الشيخ يوسف جربوع وحمود الحناوي، اللذين يمتد تاريخ عائلتهما في الرئاسة الروحية إلى مئات السنين، مشيرًا إلى وجودهم فيما يشبه إقامة جبرية.
تأثير الحادثة على “السردية”
يعتقد المحلل السياسي حسام طالب أن سردية المظلومية ضُربت من قبل الهجري منذ أن سيطر على السويداء وأقفل باب الحوار، وبدأ الحديث عن الانفصال التام.
ورغم الأحداث المؤسفة التي لحقت بأهالي السويداء، وفق تعبير طالب، أشار المحلل السياسي السوري إلى أن الفصائل في السويداء قتلت المدنيين واعتدت على البدو وقتلت أيضًا من أهالي السويداء بوقائع موثقة، بحسب رأيه.
الباحث عمار جلو يرى أن ما عزز سردية المظلومية التي يقدمها الشيخ حكمت الهجري، وخصوصًا في مبررات مطالبه باستقلال السويداء والعلاقة المكشوفة التي أخذت طابعًا شبه رسمي مع إسرائيل، رغم رفض تيارات كثيرة في السويداء لهذا التوجه، يكمن في الأحداث التي شهدتها السويداء في تموز الماضي، مشيرًا إلى أن “أحداث تموز” عززت موقف الهجري بين معارضيه، فالهجري، برأي جلو، كان قبل تلك الأحداث صاحب رأي يتوافق مع الحكومة السورية في بعض المسائل ويتعارض معها في مسائل أخرى.
ويعتقد جلو أن “الهجري يمكن تشبيهه برجل الثلج الذي سيذوب محليًا مع حرارة الحياة السياسية في السويداء”، ولذلك ستؤدي الأيام المقبلة إلى تآكل أو ذوبان موقفه مع بقائه كمرجعية دينية، لأن هذا الأمر بعيد عن الشأن السياسي ويكتسب بالوراثة.
ماذا عن صمت دمشق
لم تصدر الحكومة السورية أي بيان أو تصريح حول حادثة الاعتقال التي تبعتها وفاة اثنين من المعتقلين، الأمر الذي اعتبره الباحث عمار جلو قصورًا مقصودًا من دمشق، لأن الأسباب التي ساقها “الحرس الوطني” حول أسباب الاعتقال ركزت على وجود مؤامرة ومحاولة انقلاب تقودها الحكومة السورية بمساعدة أشخاص من الداخل.
وأشار جلو إلى أن أي بيان لو صدر عن الحكومة السورية سيكون بمثابة إثبات لما قاله “الحرس الوطني” في بيان الاعتقال، وربما هو محاولة من دمشق لتصويب المسار في ظل حالة الاستقطاب التي تشهدها العلاقة بين الطرفين في محاولة للوصول إلى نقاط تقاطع وتوافق بينهما.
من جانبه، أشار المحلل السياسي حسام طالب إلى أن الدولة السورية تتعامل بحكمة مع الكثير من الملفات التي تحصل على الأراضي السورية، سواء في موضوع “قسد” والساحل والسويداء، وتحاول أن تعالج هذه المواضيع بعيدًا عن استغلال واقع ما حدث.
ورغم عدم استغلال الحكومة السورية لهذه الوقائع، برأي طالب، يعتقد المحلل السياسي السوري أن دمشق تقوم بتسجيل هذه الحوادث وأرشفتها، لتكون ضمن الأوراق والمستندات التي تقدمها لتثبت أن “تيار حكمت الهجري” و”الحرس الوطني” هم “مجرمون يقومون بعمليات قتل وتصفية ويتحكمون بالسويداء بطريقة لا قانونية ولا أخلاقية”، بحسب تعبيره.
تراجع في المطالب
في ظل الأحداث الأمنية التي تشهدها السويداء، أجرى الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، موفق طريف، مقابلة مع وكالة “رويترز”، طالب فيها واشنطن بأداء ما أسماه “واجبها في حماية الأقليات السورية” لتعزيز الاستقرار في سوريا، معتبرًا أن الدعم الأمريكي سيغني عن أي تدخل إسرائيلي في جنوبي سوريا.
وأضاف، “نأمل أن تضمن الولايات المتحدة كقوة عظمى والرئيس ترامب حقوق جميع الأقليات في سوريا لمنع أي مجازر جديدة”.
وأكد ضرورة تقرير المصير في السويداء وضمان الحقوق والأمن لجميع الأقليات، وقال إنه من غير المعقول مطالبة الدروز بتسليم أسلحتهم.
وعن إمكانية استئناف المحادثات بين دمشق والسويداء قال طريف، إن الثقة يجب أن تبنى من جديد عبر السماح للنازحين بالعودة إلى منازلهم، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بالكامل إلى السويداء، مشيرًا إلى غياب الثقة بين الطرفين وأهمية إعادتها لتفعيل الحوار.
المحلل السياسي حسام طالب يرى أن أي عملية انفصال أو حكم لامركزي أو فيدرالي بشكل موسع، يحتاج إلى عدة عوامل داخلية وخارجية غير متوفرة في سوريا في كلتا الحالتين.
وأشار طالب إلى أن موفق طريف الذي كان على تواصل مع الشيخ الهجري، وطالب إسرائيل بقصف دمشق، بدأ يتراجع عن مواقفه محاولًا “النزول مع الشيخ حكمت الهجري من على السلم درجة درجة”، بعد وصول مشروعهما في السويداء إلى طريق مسدود.
وأضاف طالب أن طريف أدرك أن مسألة فتح ممر بري من الجولان المحتل إلى السويداء أمر غير ممكن، كما أن الغارات الإسرائيلية على سوريا باتت تشكل عبئًا على إسرائيل، بسبب الموقف الأمريكي الداعم للحكومة السورية.
الأمر، برأي طالب، بات يشكل أيضًا عبئًا على السويداء وأهلها الذين أصبحوا يشعرون بالعار من أنهم محسوبون على إسرائيل وهم ليسوا كذلك بأغلبيتهم، وفق تعبيره.
من جهته، يرى الباحث عمار جلو أن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، موفق طريف، لوكالة “رويترز”، “جيدة جدًا”، وتعطي انطباعًا بأن الرجل تراجع عن مواقفه السابقة التي طالب من خلالها بتدخل إسرائيلي وتنفيذ ضربات جوية في السويداء خلال أحداث تموز.
ويعتقد جلو أن أسباب التراجع قد تعود إلى إدراك طريف أن التدخل الإسرائيلي سيجلب الويلات والأزمات على المكون الدرزي في سوريا، ويزيد من تعقيد الحالة السياسية في البلاد.
جلو أشار إلى أن تصريحات طريف تمثل موقفًا إيجابيًا يجب أن تعمل الحكومة السورية عليه، من خلال طرح مبادرة تتقاطع مع طرح الشيخ موفق طريف لحلحلة هذا الموضوع، والحد من التدخلات والتوغلات الإسرائيلية ليس فقط في الجنوب، بل في كامل الجغرافيا السورية.
وأضاف الباحث السوري أن الإدارة المحلية يجب أن تأخذ مساحة في القرار بمعالجة القضايا المحلية، مع وجود الحكومة المركزية التي تتولى المسائل السيادية في جميع المناطق السورية وليس السويداء فحسب.
ويرى جلو أن ما وصفها بـ”الأحمال الثقيلة” على الحكومة الحالية، تستدعي توسيع قرار المجتمعات المحلية لأنها على معرفة بمشكلاتها أكثر، دون التنازل عن سوريا موحدة.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
