كشفت دراسة جديدة من جامعة ميشيجان الأميركية أن السيارات الكهربائية العاملة بالبطاريات تسجل انبعاثات أقل من غازات الاحتباس الحراري على مدار دورة حياتها الكاملة مقارنة بجميع أنواع المركبات الأخرى، بما في ذلك السيارات العاملة بالبنزين، والهجينة التقليدية، والهجينة القابلة للشحن.
وتوصل الباحثون للنتيجة نفسها في كل المقاطعات المتجاورة بالولايات المتحدة، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.
ويُعد البحث المنشور في دورية “إنفيرومنتال ساينس أند تكنولوجي” (Environmental Science & Technology) الأكبر من نوعه حتى الآن؛ إذ لم يكتفِ الباحثون بقياس الانبعاثات أثناء القيادة، بل أخذوا في الاعتبار كامل دورة حياة السيارة، من عملية التصنيع، مروراً بالاستخدام، وحتى التخلص منها.
وحلل الباحثون أكثر من 35 تركيبة مختلفة من أنظمة الدفع وفئات السيارات، من شاحنات البيك أب التقليدية إلى سيارات السيدان الكهربائية بالكامل.
كما شمل البحث عوامل مثل سلوك القيادة سواء في مدينة أو طرق سريعة، والموقع الجغرافي؛ لأن شبكات الكهرباء تختلف في نظافتها من ولاية لأخرى، وحتى الطقس الذي يؤثر على كفاءة البطاريات.
وقال الباحثون إن الموقع يؤثر على الانبعاثات بطريقتين، إذ تستهلك جميع المركبات -خاصة السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطارية والسيارات الهجينة القابلة للشحن- وقوداً أكثر في درجات الحرارة المنخفضة، ويكون مداها أقل في المواقع ذات درجات الحرارة المنخفضة، كما تختلف انبعاثات شبكة الكهرباء حسب الموقع، لذا فإن شحن السيارات الكهربائية في مقاطعة ذات شبكة أنظف سيؤدي إلى انبعاث غازات احتباس حراري أقل.
دورة حياة السيارة
حين نتحدث عن السيارة، غالباً ما ينحصر التفكير في استهلاك الوقود أو كفاءة البطارية، لكن الحقيقة أن أثر السيارة على البيئة والاقتصاد يمتد عبر دورة حياة كاملة تبدأ قبل أن يشغل السائق السيارة، وتنتهي حين تتحول المركبة إلى خردة أو مواد معاد تدويرها.
وتكشف هذه الدورة، من التصنيع إلى الاستخدام ثم التخلص من المنتج، عن صورة معقدة من الانبعاثات، والطاقة، والموارد.
فعملية تصنيع السيارات ليست مجرد تركيب محرك وهيكل، بل سلسلة طويلة من الصناعات الثقيلة تبدأ من استخراج المواد الخام كالحديد، والألومنيوم، والبلاستيك، والمعادن النادرة مثل الليثيوم والكوبالت المستخدمين في البطاريات، وتستهلك هذه المرحلة كميات ضخمة من الطاقة، وتطلق انبعاثات كربونية عالية.
في السيارات التقليدية العاملة بالبنزين، يمثل التصنيع نحو 10% إلى 20% من إجمالي الانبعاثات خلال عمر المركبة.
أما في السيارات الكهربائية، فالنسبة أعلى بسبب الطاقة الكثيفة المطلوبة لإنتاج البطاريات، إذ قد تصل مساهمة التصنيع إلى 40% من إجمالي الانبعاثات، لكن هذا “العبء المبكر” يعوّض عادة مع مرور الوقت عبر الاستخدام الأقل تلويثاً أثناء القيادة.
مصادر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من قطاع النقل
النقل مسؤول عن نحو 21% من إجمالي الانبعاثات العالمية
النقل البري يُمثّل ثلاثة أرباع انبعاثات النقل بنسبة تُقدّر بنحو 15% من الإجمالي العالمي
السيارات والحافلات تمثل 45.1% من انبعاثات النقل
الشاحنات تمثل 29.4% من إجمالي الانبعاثات
الطيران يمثلنحو 11.6% من انبعاثات النقل ونحو 2.5% من الإجمالي العالمي
الشحن البحري الدولي يمثل نحو 10.6% من انبعاثات النقل
السكك الحديدية فلا تتعدى 1% من انبعاثات النقل
أنواع أخرى من النقل مثل خطوط الأنابيب 2.2% من انبعاثات النقل
وفي مرحلة الاستخدام يظهر الفارق الأوضح بين أنظمة الدفع، إذ تطلق السيارات العاملة بالبنزين أو الديزل انبعاثات مباشرة مع كل كيلومتر، تشمل ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والجسيمات الدقيقة، بينما تقلل السيارات الهجينة من هذه الانبعاثات عبر المزج بين الوقود والكهرباء، لكنها تظل مرتبطة بالوقود الأحفوري.
أما السيارات الكهربائية بالكامل فلا تصدر أي انبعاثات من العادم، غير أن أثرها البيئي يتوقف على مصدر الكهرباء المستخدمة في شحنها؛ ففي المناطق المعتمدة على الفحم تكون الانبعاثات أعلى مقارنة بالمناطق التي تعتمد على الطاقة المتجددة.
توقعات المستقبل وفق وكالة الطاقة الدولية:
الطلب العالمي على النقل سيتضاعف بحلول عام 2070 مع زيادة السكان والدخل.
ملكية السيارات سترتفع بنسبة 60% والطلب على الطيران سيتضاعف ثلاث مرات.
تقنيات مثل السيارات الكهربائية والهيدروجين ستساعد في خفض الانبعاثات، مع توقعات بالتالي:
- التخلص من انبعاثات الدراجات النارية بحلول 2040
- القضاء على انبعاثات السكك الحديدية بحلول 2050
- التخلص من انبعاثات الشاحنات الصغيرة بحلول 2060
- إنهاء معظم السيارات التقليدية بحلول 2040 في مناطق مثل الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والصين واليابان
القطاعات الأصعب في إزالة الكربون: الشاحنات الثقيلة لمسافات طويلة، والطيران، والشحن البحري.
ثلثا تقنيات الخفض المطلوبة حتى 2070 لم تصل بعد إلى مرحلة الاستخدام التجاري.
حين تصل السيارة إلى نهاية عمرها، يبدأ تحدٍ آخر يتمثل في التخلص منها أو إعادة تدويرها، فالسيارات التقليدية تفكك لاستخراج الحديد والألومنيوم والبلاستيك، حيث يُعاد تدوير نسبة قد تتجاوز 75% من الكتلة الكلية، أما البطاريات الضخمة للسيارات الكهربائية فتمثل معضلة بيئية واقتصادية، إذ تحتوي على معادن نادرة وقيّمة يمكن إعادة تدويرها، لكن التقنيات ما زالت مكلفة ومعقدة.
ويرى الباحثون أن الاستثمار في “اقتصاد دائري” للبطاريات أصبح أولوية عالمية، لأن نجاح إعادة التدوير يعني تقليل الاعتماد على التعدين المرهق بيئياً ومالياً.
وقد أثبتت دراسة جامعة ميشيجان أن السيارات الكهربائية تتفوق على جميع الأنواع الأخرى في كل مكان، وأن الفارق يتزايد بمرور الوقت مع تحول شبكات الكهرباء نحو مصادر أنظف للطاقة.
طريق غير ممهدة
بالإضافة إلى هذه المقارنات التفصيلية، قدم العمل أيضاً نتائج مهمة على نطاق أوسع، فقد أظهرت الدراسة لأول مرة أن السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطارية لديها انبعاثات أقل على مدى عمرها من أي نوع آخر من المركبات في كل مقاطعة في الولايات المتحدة المتجاورة.
في المتوسط، كانت شاحنات البيك أب ذات محرك الاحتراق الداخلي هي الأعلى في الانبعاثات بـ 486 جراماً من مكافئ ثاني أكسيد الكربون -وهو مقياس لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري- لكل 1.60 كيلومتر.
وسيؤدي التحول إلى شاحنة بيك أب هجينة إلى تقليل ذلك بنسبة 23%، بينما تمثل شاحنة بيك أب كهربائية بالكامل انخفاضاً بنسبة 75%.
وعرض الباحثون إحصائية أخرى تتعلق بتحليل لكيفية تغير الانبعاثات أثناء نقل شاحنة بيك أب للوزن؛ وقالوا إن شاحنة بيك أب كهربائية تعمل بالبطارية تحمل 2500 رطل لا تزال تنبعث منها أقل من 30% من شاحنة بيك أب تعمل بمحرك احتراق داخلي بدون حمولة.
بشكل عام، كانت سيارات السيدان الكهربائية الصغيرة لديها أقل انبعاثات بـ81 جراماً فقط من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل 1.60 كيلومتر؛ وهي نسبة أقل من 20% من انبعاثات كل 1.60 كيلومتر لشاحنة بيك أب تعمل بالغاز.
كما كانت فئة المركبات الأقل انبعاثاً هي سيارة السيدان الكهربائية التي تعمل بالبطارية ذات المدى الأقل، وهو 320 كيلومتراً من الانبعاثات المرتبطة بإنتاج البطاريات للمركبات ذات المدى الأطول، إذ زادت من مساهماتها في غازات الاحتباس الحراري على مدى عمرها.
وأشار الباحثون إلى أن البحث يسلط الضوء أيضاً على نتيجة مهمة أخرى؛ فإلى جانب استخدام سيارة كهربائية، فإن اختيار أصغر مركبة تناسب أغراضك سيقلل أيضاً من الانبعاثات.
ويمثّل قطاع النقل نحو 28% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الولايات المتحدة، وهو أكبر مساهم منفرد في الأزمة المناخية، لذلك ينظر إلى التحول نحو المركبات الكهربائية كاستراتيجية رئيسية لتقليل المخاطر المرتبطة بالاحتباس الحراري، مثل الفيضانات والحرائق والجفاف، والتي تتزايد في الشدة والتكرار.
وذكر الباحثون أن الطريق غير ممهدة لاستخدام السيارات الكهربائية، ففي حين بدأت الحكومة الفيدرالية تتراجع عن بعض الحوافز، مثل ائتمان ضريبة السيارات الكهربائية، فإن شركات تصنيع السيارات الكبرى، مثل فورد التي أعلنت مؤخراً عن منصة كهربائية ميسورة التكلفة لا تزال تضخ استثمارات ضخمة في صناعة سيارات كهربائية، مدركة أن “المستقبل سيكون كهربائياً”.
ولم يقتصر عمل الباحثين على التحليل الأكاديمي فقط، بل طوروا حاسبة إلكترونية مجانية تسمح للسائقين بتقدير الانبعاثات المرتبطة بسياراتهم وفقاً لنوع المركبة، وأسلوب القيادة، ومكان الإقامة.
وهذه الأداة، وفقاً للمؤلفين المشاركين في البحث، ستكون مفيدة ليس فقط للأفراد المهتمين بأثر قيادتهم على البيئة، بل أيضاً لصانعي السياسات وشركات صناعة السيارات في توجيه استراتيجياتهم.