زيادة إنفاق ألمانيا على الدفاع يهدد منطقة اليورو

حذر مستثمرون وخبراء من أن خطة ألمانيا لزيادة الإنفاق الدفاعي قد تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض الحكومي في منطقة اليورو وتفاقم الضغوط المالية على دول أخرى في التكتل، وفق صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
وقالت الصحيفة البريطانية، الاثنين، إن أكبر اقتصادات المنطقة تتخلى عن تقليدها التاريخي في تجنب الاقتراض، وهو ما أدى سابقاً إلى ندرة السندات الألمانية وعوائدها السلبية، لتتبنى نهج “مهما كلف الأمر” في تمويل الإنفاق العسكري والبنية التحتية، وهو ما يترك أثره على أسواق المال في مختلف أنحاء التكتل.
وارتفعت عوائد السندات الألمانية لأجل 10 سنوات لتقترب من 3% هذا الشهر، وذلك للمرة الأولى منذ موجة بيع السندات العالمية في عام 2023. وقد أدى ذلك إلى زيادة تكاليف الاقتراض الحكومي في دول أخرى، نظراً لدور الدين الألماني كمؤشر قياسي فعلي لسوق التكتل، مما أثار تحذيرات بشأن تداعيات هذا الارتفاع على الأوضاع المالية للدول ذات المديونية المرتفعة.
وقال رئيس الأبحاث الاقتصادية الأوروبية في صندوق التحوط Point72، سورين راد، للصحيفة إن “ارتفاع العوائد قد يحد من القدرة المالية على زيادة الإنفاق الدفاعي خارج ألمانيا”، لا سيما في كل من فرنسا وإيطاليا.
مخاوف من ارتفاع تكاليف الاقتراض
وارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل 10 سنوات إلى أكثر من 3.6% هذا الشهر، وهو أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقد، متجاوزة المستويات التي سجلتها خلال ذروة أزمتها السياسية العام الماضي. كما لامست عوائد السندات الإيطالية مستوى 4% لأول مرة منذ يوليو.
وأظهرت محاكاة أجراها صندوق Point72، تأخذ في الاعتبار ارتفاع الإنفاق الدفاعي وزيادة العوائد، أنه في حال عدم خفض الإنفاق في مجالات أخرى أو تحقيق نمو اقتصادي، قد ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا إلى 153% بحلول عام 2030، وفي فرنسا إلى 122%، مقارنةً بحوالي 140% و115% على التوالي في الوقت الحالي.
ومع ذلك، أوضح راد أن “المسارات غير المستقرة يمكن تجنبها” إذا قامت الدول بخفض الإنفاق أو زيادة الضرائب، أو إذا استفادت من تحفيز النمو كنتيجة غير مباشرة لزيادة الإنفاق الألماني.
وقالت “فاينانشيال تايمز” إن الفروق بين عوائد السندات، وهي التكاليف الإضافية التي تدفعها الدول مقابل الاقتراض مقارنة بألمانيا، لا تزال مستقرة إلى حد كبير حتى الآن، ما يشير إلى أن الأسواق لم تبد قلقاً بعد بشأن تأثير ارتفاع تكاليف الاقتراض على الحكومات التي تعاني من أوضاع مالية أكثر تقلباً من برلين.
وأشارت الصحيفة إلى ارتفاع اليورو، وقالت إن هذا الارتفاع يعكس تفاؤل الأسواق بشأن دفعة النمو الاقتصادي التي أسهمت في ارتفاع العوائد.
ضغوط مالية
لكن بعض مديري الصناديق يحذرون من أن هذه الضغوط المالية قد تبدأ في الظهور إذا حذت اقتصادات أخرى في منطقة اليورو حذو ألمانيا في الاقتراض لزيادة الإنفاق الدفاعي.
وقال رئيس قسم الدخل الثابت الأوروبي في شركة Franklin Templeton لإدارة الأصول، ديفيد زان، للصحيفة: “أعتقد أن الفروق ستبدأ في الاتساع أيضاً مع تزايد الضغوط على النظام”، مضيفاً أن “الدول التي تعاني بالفعل من نسب دين مرتفعة إلى الناتج المحلي الإجمالي وعوائد مرتفعة… ستجد صعوبة أكبر في الاقتراض”.
وقد يؤدي ذلك إلى اتساع الفجوة بين تكاليف الاقتراض في دول منطقة اليورو، مع خضوع أوضاعها المالية لتدقيق متزايد، بحسب زان.
وقال مدير المحافظ الاستثمارية في شركة Wellington Management الأميركية لإدارة الأصول، كونور فيتزجيرالد، إن “العوامل الاقتصادية لكل دولة على حدة ستصبح أكثر أهمية”، مضيفاً أنه ينبغي أن يكون هناك “فصل عام” بين المقترضين.
ويستعد المستثمرون منذ شهور لزيادة إصدارات السندات، فقد تم تداول عوائد السندات الألمانية فوق مقايضات أسعار الفائدة الأوروبية لنفس الآجال للمرة الأولى في التاريخ، ما يعكس توقعات المستثمرين بارتفاع حجم الإصدارات، وفقاً لـ”فاينانشيال تايمز”.
اللجوء للسندات
ويرى بعض مديري الصناديق أنه رغم القلق بشأن حجم السندات الألمانية المتوقع إصدارها، فإن ذلك لا يعني بالضرورة تراجع الطلب على ديون الدول الأخرى.
وقال رئيس استراتيجيات الاقتصاد الكلي للدخل الثابت في “جولدمان ساكس” لإدارة الأصول، سايمون دانجور، للصحيفة: “ليس الأمر وكأن هناك نقصاً في التمويل لهذا (الإنفاق الإضافي لألمانيا)”.
وأوضح دانجور أن “الأسر الألمانية تمتلك وفورات كبيرة يمكنها توجيهها لتمويل هذا الإنفاق، دون تقويض الطلب في أسواق السندات الأخرى بمنطقة اليورو”. لكنه أضاف أن هناك مخاطر أخرى ناجمة عن ارتفاع العوائد بشكل عام، إذ قد تجد بعض الدول نفسها بسهولة في مواجهة أزمة استدامة الديون.
ويرى المستثمرون أيضاً أن زيادة سيولة السندات الألمانية قد تعزز جهود صناع السياسات في منطقة اليورو لطرح اليورو كعملة احتياطية منافسة للدولار.
وأوضحت “فاينانشيال تايمز” أن أحد العوائق الرئيسية أمام زيادة احتياطيات اليورو لدى البنوك المركزية العالمية يتمثل في صغر حجم سوق الديون السيادية وتفاوتها مقارنة بالسوق الواسعة لسندات الخزانة الأميركية، إلى جانب ندرة الديون الحاصلة على أعلى التصنيفات الائتمانية.