أعلن الديوان الملكي السعودي أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان غادر إلى الولايات المتحدة الأميركية، في زيارة عمل رسمية يلتقي خلالها الرئيس دونالد ترمب، لبحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك.
ولا تقتصر النتائج الاقتصادية المتوقعة لزيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن عند قفزة منتظرة في الاستثمارات بين البلدين، وإنما تشمل تطوير الشراكة بينهما في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وسلاسل توريد المعادن، والطاقة المتجددة.
وسط الزخم السياسي والاستراتيجي الذي تطلقه هذه الزيارة تتطلع أنظار الأوساط الاقتصادية إلى منتدى الأعمال والاستثمار الذي يعقد يوم الأربعاء في مركز جون إف كينيدي للفنون الأدائية، بالتعاون بين وزارة الاستثمار السعودية ومجلس الأعمال الأميركي السعودي، تحت عنوان “القيادة من أجل النمو: تعزيز الشراكة الاقتصادية السعودية الأميركية”، حيث سيتم عرض عدد كبير جداً من الصفقات ومذكرات التفاهم.
حسب الدعوة التي أرسلت للمشاركين، وبينهم رؤساء أكبر الشركات في الولايات المتحدة، فإن المنتدى يمثل “منصة للتواصل والتوافق بين رجال الأعمال”، ويستهدف استكشاف آفاق استثمارية جديدة في قطاعات حيوية، بما في ذلك الطاقة والتكنولوجيا والخدمات المالية والبنية التحتية والرعاية الصحية.
استثمارات متبادلة
وعلى عكس بعض التوقعات التي ترى أن المرحلة المقبلة ستشهد فقط زيادة في الاستثمارات السعودية بالسوق الأميركية، فإن أجندة الاجتماعات بين رجال الأعمال والمسؤولين من الدولتين تشير إلى أن الهدف هو زيادة تدفق الاستثمارات في الاتجاهين، ويقول الرئيس التنفيذي لمجلس الأعمال الأميركي السعودي، تشارلز حلّاب، إن الشركات الأميركية تُظهر اهتماماً قوياً ومتزايداً بمجموعة واسعة من القطاعات التي تتماشى بشكل وثيق مع أهداف “رؤية المملكة 2030”.
وأوضح، في حوار مع صحيفة “الشرق الأوسط” أن المجلس يلاحظ زخماً في قطاعات التصنيع المُتقدم، والطاقة، والذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية الرقمية. بالإضافة إلى مشاركة مُتزايدة في قطاعات الرعاية الصحية، والسياحة، والترفيه. مشيراً إلى أن الشركات الأميركية تُقدم في كل هذه المجالات خبرات عالمية المستوى وابتكارات وتقنيات تُكمّل طموحات المملكة في التنويع الاقتصادي والقدرة التنافسية العالمية، وهو ما يعكس ثقة هذه الشركات في توجه المملكة.
الذكاء الاصطناعي
تمثل رغبة المملكة في تنويع اقتصادها حسب “الرؤية” الحافز الأهم للشركات الأميركية العملاقة للاهتمام بالسوق السعودية وفق مايكل راتني، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى المملكة من 2023 حتى يناير 2025.
وقال خلال مشاركته في برنامج Frankly Speaking على”عرب نيوز” إن طموحات السعودية في التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي يمثل مجالاً تُعد فيه الولايات المتحدة رائدة، حيث تمتلك الصناعة الأميركية مزايا كبيرة وفرصاً للشراكة مع السعودية التي تريد الاستثمار والتطوير بسرعة كبيرة.
من جهته يرى حلَّاب من مجلس الأعمال أن الشراكة السعودية الأميركية تُبشر بآفاق واعدة لتحويل المملكة إلى مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة
وأشار إلى مبادرة السعودية الحديثة تحت مظلة شركة «هيوماين» للذكاء الاصطناعي لبناء مراكز بيانات ضخمة ونماذج ذكاء اصطناعي باللغة العربية، بدعم من شركات تكنولوجيا أميركية عملاقة مثل «إنفيديا» و«إي إم دي» و«أمازون ويب سيرفيسز» و«كوالكوم».
وأوضح حلَّاب أن هذه الشركات، بخبرتها العالمية في مجال أجهزة الذكاء الاصطناعي والبرمجيات والخدمات السحابية، يُمكنها مساعدة المملكة على تسريع تحوّلها الرقمي وتعزيز مكانتها بين أفضل أسواق الذكاء الاصطناعي في العالم.
التعدين
تمثل المعادن الحيوية ركيزة إضافية للتعاون الاقتصادي السعودي الأميركي، لتأمين سلاسل توريد آمنة ومستدامة تدعم التحول العالمي في مجال الطاقة، وفق حلَّاب الذي قال إن وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بدر الخريّف التقى حديثا وزير الداخلية الأميركي دوغ بورغوم في الرياض لاستكشاف سبل تعميق التعاون في قطاعي التعدين والمعادن.
وأشار إلى فرص العمل المشترك في مجالات الاستكشاف والمعالجة وتبادل التكنولوجيا، وهي المجالات التي تتوافق فيها الابتكارات الأميركية وإمكانات الموارد الهائلة في المملكة العربية السعودية بشكل وثيق.
الطاقة
إذا كان التعاون في مجال النفط مثل تاريخياً الركيزة الأساسية في علاقات السعودية مع الولايات المتحدة فإن الطاقة المتجددة تفتح آفاقاً جديدة الآن للشراكة بين البلدين. وحسب السفير راتني فإن “كثيرين لا يدركون أن السعودية، أكبر منتجي النفط في العالم، هي أيضاً من أكبر المستثمرين في الطاقة المتجددة – الرياح والطاقة الشمسية، وربما قريباً الطاقة النووية – وهي مجالات تملك فيها الولايات المتحدة تفوقاً تكنولوجياً وفرص شراكة كبيرة”.
ولفت إلى أن المملكة ترى الطاقة النووية جزءاً من مستقبلها، وستسعى لاتفاق تعاون نووي مدني مع الولايات المتحدة.
المشروعات العملاقة
مجال آخر للتعاون بين الجانبين سيكون مطروحاً في المباحثات الاقتصادية بين الوفدين خلال الزيارة هو تمويل المشاريع العملاقة التي تتبناها السعودية كركيزة لخطتها لتقليص اعتمادها على النفط، وكشف رئيس مجلس الأعمال الأميركي السعودي إلى أن المؤسسات المالية وصناديق الاستثمار الأميركية تستكشف بشكل متزايد فرصاً واعدة في مسيرة التحول بالمملكة. وبفضل خبرتها ومنظورها العالمي، يُمكّنها ذلك من لعب دور محوري في تمويل مشروعات «رؤية 2030» الرئيسية في مجالات البنية التحتية، والطاقة النظيفة، والسياحة، والتكنولوجيا.
وأكد حلَّاب على أن هذا الانخراط يعكس ثقة متزايدة في أسواق المملكة، ويُرسخ روح الشراكة الراسخة التي تُميّز العلاقات الاقتصادية الثنائية.
