قال الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إن الجولان أرض سورية، وسوريا تحاول أن تعيدها من خلال المفاوضات واتفاقيات السلام، أو أي شيء يضمن حق سوريا في هذه الأرض التي لا يزال المجتمع الدولي يعترف بها كأرض سورية.
ونشرت شبكة “CBS” الأمريكية اليوم، الأربعاء 15 من تشرين الأول، المقابلة الكاملة التي أجرتها مع الرئيس السوري، ضمن برنامج “60 دقيقة”، بعد أن صُورت في 21 من أيلول الماضي، وتناول خلالها الشرع العلاقات السورية الإسرائيلية، ومسار المفاوضات الجارية، وموقف دمشق من الاعتداءات المتكررة على أراضيها.
على إسرائيل التراجع
وأضاف الشرع أن إسرائيل يجب أن تعود عن أي نقطة تقدمت إليها بعد 8 من كانون الأول 2024، معتبرًا أن ذلك هو “الوضع الطبيعي”، وأن سوريا “لم تقم بأي استفزازات تجاه إسرائيل منذ وصول الحكومة الحالية إلى دمشق”، بل أعلنت بوضوح أنها “لن تكون منصة لتهديد أي دولة مجاورة، بما في ذلك إسرائيل”.
لكن رغم ذلك، نفذت إسرائيل أكثر من ألف غارة على الأراضي السورية منذ سقوط النظام السابق، واستهدفت “مواقع عسكرية وأمنية ومدنيين”، إلى جانب “أكثر من 400 عملية توغل واعتقال داخل سوريا”، واصفًا هذه الاعتداءات بأنها “تسببت باضطراب كبير في البلاد”.
وأشار الشرع إلى أن إسرائيل قصفت القصر الجمهوري مرتين، معتبرًا أن “قصف القصر ليس رسالة سياسية، بل إعلان حرب”، متسائلًا: “ماذا لو قُصفت الحديقة الخلفية للبيت الأبيض؟ ألن تدخل أمريكا في حرب لـ20 سنة؟”.
ويرى الشرع أن إسرائيل تحاول جرّ سوريا إلى حالة من الصراع عبر “استفزازات متكررة تعتمد على القوة العسكرية”، معتبرًا أن هذه السياسة “خاطئة وتشكل تهديدًا للاستقرار الإقليمي”، وأن استمرارها قد يدفع حلفاء الولايات المتحدة إلى “البحث عن خيارات بديلة بسبب المخاطر التي تخلقها التصرفات الإسرائيلية في المنطقة”.
وفي سياق المقارنة بين المخاوف الأمنية المعلنة لإسرائيل وسلوكها الميداني، قال الشرع إن “من يجب أن يخشى على أمنه هي سوريا، لا إسرائيل”، موضحًا أن “إسرائيل تنتهك الأجواء السورية يوميًا وتعتدي على مواقع عسكرية ومدنية”، مشيرًا إلى أن “ذريعة حماية الشمال أو الجنوب تبرير مضحك رغم الألم الذي تسببه تلك السياسات”.
وأضاف أن إسرائيل “تبتعد عن لغة الحوار والدبلوماسية، وتستخدم العضلات لتحقيق أهدافها”، وأن “أي دولة تعتمد على القصف لحماية نفسها ستقود العالم إلى الفوضى”، متسائلًا:
“إذا كان لكل دولة الحق في قصف الأخرى لمجرد شعورها بالقلق، فهل يحق لروسيا دخول أوكرانيا، أو للصين دخول الهند؟ العالم لا يسير بهذه البساطة، وهناك قانون دولي وأعراف يجب احترامها”.
وكشف الشرع أنه كان داخل القصر الجمهوري في أثناء إحدى الغارتين الإسرائيلية، مؤكدًا أن “القصر يضم موظفين مدنيين وأطفالًا، وبعض العائلات”، وأن الاستهداف “كان عملًا عدوانيًا خطيرًا لا يمكن تبريره بأي حال”.
وكانت إسرائيل قصفت مقر رئاسة الأركان وسط العاصمة دمشق، وقصر الشعب، في 16 من تموز الماضي، على خلفية المعارك في السويداء، بين الجيش السوري وفصائل وعشائر موالية له وبين فصائل محلية في السويداء.
لا نريد الحرب
وأكد الشرع أن سوريا لا تريد الدخول في حرب جديدة، رغم امتلاكها القدرة على الدفاع عن نفسها، موضحًا: “واجهنا قوى كبرى أكبر من إسرائيل بعشرات المرات، لكننا اليوم نريد البناء والإعمار لا الحرب”.
ولفت إلى أن “البلاد بحاجة ماسة إلى إعادة إعمار وعودة اللاجئين والنازحين”، معتبرًا أن “إعمار سوريا لا يجب أن يقلق إسرائيل، وإن كان ذلك يخيفها فالمشكلة في طريقة تفكيرها”.
كما كشف الشرع أن دمشق كانت على وشك التوصل إلى اتفاق أمني جديد مع إسرائيل برعاية أمريكية، في إطار مسار تفاوضي حول تعديل أو تجديد اتفاق فضّ الاشتباك الموقّع عام 1974، مؤكدًا أن سوريا “أبدت استعدادها لاستقبال قوات الفصل الأممية (الأندوف) مجددًا”، لكن “القصف الإسرائيلي أرجأ المفاوضات”، رغم استمرارها بعد ذلك.
وأشار إلى أن إسرائيل ترفض عودة قوات الأمم المتحدة إلى خطوط الفصل القديمة، وتحاول فرض “صيغة جديدة للاتفاق الأمني”، مؤكدًا أن دمشق “تسعى لحل سلمي يضمن وحدة الأراضي السورية وحقها في الجولان المحتل الذي لا يزال المجتمع الدولي يعترف بأنه أرض سورية”.
وتطرق الشرع إلى أحداث السويداء الأخيرة، مؤكدًا أن “ما جرى كان نزاعًا داخليًا بين الدروز والبدو، عمره أكثر من 150 عامًا”، وأن “تدخل القوات الحكومية كان بهدف حماية جميع الأطراف بعد سقوط نحو 150 قتيلًا وجريحًا”، متسائلًا عن “علاقة إسرائيل بما يحدث داخل الأراضي السورية”، قائلًا: “ما علاقة إسرائيل بدروز سوريا؟ الدروز موجودون في سوريا منذ آلاف السنين؟”.
واتهم الرئيس السوري إسرائيل باستغلال “حالة الضعف التي تعيشها الدولة بعد سقوط النظام السابق”، قائلًا إن تل أبيب “تحاول الإبقاء على سوريا ضعيفة ومقسّمة، في تناقض واضح مع السياسات الأمريكية التي عبّر عنها الرئيس السابق دونالد ترامب عندما رفع العقوبات عن سوريا سعيًا لوحدة البلاد وقوتها”.
وأضاف أن “السياسات الإسرائيلية في سوريا تتناقض مع الموقف الأمريكي والسعودي والتركي، إذ تعمل تل أبيب على إضعاف دمشق بدل تمكينها من لعب دور إقليمي متوازن”، معتبرًا أن “هذا السلوك يهدد أمن المنطقة بأكملها”.
وأشار الشرع إلى أن “الحكومة الإسرائيلية الحالية متطرفة وتحكمها عقائد توسعية”، إذ “تؤمن بأن لإسرائيل الحق في إقامة دولة أكبر مما هي عليه الآن، وتسعى للتوسع نحو غزة والضفة الغربية ثم شمالًا وجنوبًا”، محذرًا من أن هذا “التوسع سيؤثر على الأردن والعراق وتركيا ومصر، ويعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة”.
وتابع بالقول إن “قصف إسرائيل للدوحة، التي تلعب دور الوسيط في النزاعات، يمثل سابقة تاريخية خطيرة”، معتبرًا أن “ضرب المفاوض والوسيط لا يخدم الأمن، بل يضعف التحالفات الأمريكية في الشرق الأوسط”.
وختم الشرع حديثه بالقول إن المرحلة الحالية ستكون اختبارًا لمصداقية إسرائيل في التوصل إلى اتفاق أمني مع دمشق، مشيرًا إلى أن “الفرق بين من يبحث عن أمنه ومن يسعى وراء أطماعه التوسعية سيتضح في المرحلة المقبلة”.
إسرائيل دمرت 80% من قدرات الجيش السوري
تزامنًا مع إعلان إسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 من كانون الأول 2024، شنّ الجيش الإسرائيلي مئات الغارات الجوية على مواقع عسكرية سورية، ما أدى إلى تدمير نحو 80% من قدرات القوات البرية والبحرية والجوية التابعة للجيش السوري، وفق ما ذكرت مراصد محلية.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن عملياته جاءت ضمن حملة أطلق عليها اسم “سهم باشان”، في إشارة إلى نص توراتي، استهدفت مواقع تُستخدم لتخزين أسلحة متقدمة وأنظمة دفاع جوي وصواريخ موجهة، إضافة إلى الطائرات والمروحيات والدبابات والسفن الحربية.
وبحسب المصادر، تقدمت القوات الإسرائيلية بريًا داخل المنطقة العازلة في الجولان السوري المحتل لمسافة عدة كيلومترات، فيما بلغت حصيلة الغارات في اليوم الرابع من فرار الرئيس المخلوع أكثر من 352 غارة على 13 محافظة سورية.
وقال مصدر إسرائيلي عسكري حينها إن السيطرة على المنطقة العازلة في سوريا هي عملية “مؤقتة” عقب “تهديد المليشيات”، بحسب ما نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي، في 8 من كانون الأول.
ونقلت “القناة 14” الإسرائيلية عن نتنياهو حينها، قوله، “بالتعاون مع وزير الدفاع، وبدعم كامل من مجلس الوزراء، أصدرت بالأمس تعليماتي للجيش بالاستيلاء على المنطقة العازلة ومواقع القيادة المجاورة لها. ولن نسمح لأي قوة معادية أن تستقر على حدودنا”.
من الرئيس أحمد الشرع؟
وُلد الرئيس السوري أحمد الشرع في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية عام 1982، حيث كان والده يعمل مهندسًا في حقول النفط هناك. أمضى الشرع طفولته الأولى في المملكة حتى بلغ السابعة من عمره، ثم عاد مع عائلته إلى سوريا ليستقر فيها.
مع اندلاع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، توجه الشرع إلى بغداد، وهناك التحق بتنظيم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، ليصبح لاحقًا أحد المقربين من زعيم التنظيم أبو مصعب الزرقاوي الذي قُتل في غارة جوية أمريكية عام 2006.
اعتُقل الشرع على يد القوات الأمريكية في سجن بوكا جنوبي العراق، وبعد الإفراج عنه عام 2011 انضم إلى تنظيم “دولة العراق الإسلامية” بقيادة أبو بكر البغدادي، الذي كلفه بالعودة إلى سوريا لتأسيس فرع للتنظيم هناك. وأسس الشرع “جبهة النصرة” التي شكلت آنذاك أحد أبرز فروع التنظيم في سوريا.
حاربت “جبهة النصرة” قوات النظام السوري في مختلف المحافظات السورية، كما شنت معارك ضد فصائل من الجيش الحر في إدلب لتحكم سيطرتها على كامل المحافظة. وغيرت “النصرة” اسمها إلى “جبهة فتح الشام” ثم إلى “تحرير الشام”.
وفي 27 من تشرين الثاني 2024 بدأت “تحرير الشام” معركة ردع العدوان بقيادة الرئيس السوري أحمد الشرع، واستطاعت القوات المشاركة في المعركة تحرير حلب وحماة وحمص، وكانت آخر المعارك في مدينة حمص بعد إعلان هروب الرئيس المخلوع وإسقاط النظام.
وبعد إعلان سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، اجتمعت فصائل المعارضة المسلحة في 29 من كانون الثاني الماضي في قصر “الشعب” بدمشق، وأعلن المجتمعون من هناك أن يتولى الشرع رئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية، وإلغاء العمل بدستور حلّ مجلس الشعب، وإلغاء العمل بدستور عام 2012.
وفي كلمة له عقب الاجتماع، قال الشرع إن “أولويات سوريا هي ملء فراغ السلطة، والحفاظ على السلم، وبناء مؤسسات الدولة، والعمل على بنية اقتصادية”.
وفي 24 من أيلول الماضي ألقى الرئيس السوري كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ80، وصفت بـ”التاريخية” لأنها الأولى لرئيس سوري منذ عام 1967.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي