اخر الاخبار

الشرع رئيساً.. هل تخلق البرغماتية مساراً جديداً لسوريا؟

أعلنت إدارة العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع رئيساً للبلاد في المرحلة الانتقالية، ودمج جميع الفصائل العسكرية والأجسام الثورية السياسية والمدنية في مؤسسات الدولة، وإلغاء العمل بالدستور الصادر عام 2012.

وبالتالي فإن الشرع الذي مر بمراحل وتحولات في مسيرته من تنقله بين التنظيمات المتشددة والإدراج على قوائم الإرهاب الأميركية وصولاً إلى إسقاط نظام الأسد، سيقوم بمهام رئاسة الجمهورية العربية السورية، ويمثلها في المحافل الدولية.

بدأ الشرع بعد سقوط نظام الأسد، مساعي إخراج سوريا من حالة العزلة الدولية عبر بث رسائل تطمينية، لذلك لم يكن مفاجئاً أن يبادر في 20 من يناير الماضي، بتهنئة الرئيس الأميركي دونالد ترمب عقب تنصيبه الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة.

مفتاح السر يكمن في كلمة “براغماتي” التي رافقته منذ بدايات التعرف عليه بشكل أعمق، ولكنها اكتسبت طابعاً أقرب إلى الدقة بعد أن وصفته باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن، بهذا الوصف في ديسمبر الماضي.

 هذا الوصف يشير إلى وجود أرضية مشتركة يمكن البناء عليها، في ظل تأكيدات الإدارة السورية الجديدة المتكررة بأنها لن تكون مصدراً لأي تهديد لدول المنطقة أو لأي دولة في العالم. هذه التطمينات تنبع من مخاوف دولية متعلقة بالتحولات الأيديولوجية التي وُصم بها الرجل.

نظرة ترمب 

في الواقع، فإن تهنئة الشرع لترمب تأتي ضمن خطوات متواصلة في طريق التقدم باتجاه المجتمع الدولي، وبمثابة إشارة لاستعدادها لأي حوار محتمل في المستقبل، لكن لا يمكن إغفال أهمية كيفية نظر ترمب إلى هذه الإدارة وما مرت به من تحولات أيديولوجية.

والي نصر، المستشار السابق لوزارة الخارجية الأميركية وأستاذ الشؤون الدولية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة جونز هوبكنز، قال لـ”الشرق”: “الرئيس ترمب يُعرف بكونه شخصية براغماتية أكثر من كونه أيديولوجياً، إذ يركز على تحقيق النتائج العملية بعيداً عن الالتزام بتوجهات فكرية صارمة”.

وبرر نصر هذا الرأي قائلاً: “على سبيل المثال، وافق ترمب على التعامل مع حركة طالبان في أفغانستان وتفاوض معها بشكل مباشر، ما أدى إلى إعادة البلاد إلى سيطرتهم، في خطوة تعكس اهتمامه بإنهاء النزاعات بدلاً من التشبث بمواقف أيديولوجية. بالمقارنة، فإن التعامل مع هيئة تحرير الشام يُعد أقل تعقيداً من الناحية الأيديولوجية”. على حد تعبيره.

وتوقع المستشار السابق أن يتبنى ترمب نهجاً مشابهاً في سوريا لما كان عليه في أفغانستان خلال ولايته الأولى، إذ سيعتمد على مقاربة عملية تركز على النتائج، مع تقليل تأثير ماتشكله الأيديولوجيا السابقة للآخرين على قراراته.

رأي مسبق

كتب ترمب، قبل ساعات من سقوط الأسد، على منصته للتواصل الاجتماعي “تروث سوشيال”: “سوريا في حالة من الفوضى، لكنها ليست صديقتنا، ويجب ألا يكون للولايات المتحدة أي علاقة بها. هذه ليست معركتنا. دعها تستمر. لا تتدخلوا!”.

هذا التصريح يشير إلى سياسة “النأي بالنفس” عن ذلك الحدث، الذي جاء بعد أن حسم ترمب السباق الرئاسي لصالحه وقبل تنصيبه رئيساً رسمياً بأسابيع.

مارك تسلر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميشيجان ومؤلف كتاب “الإسلام والسياسة في الشرق الأوسط” الصادر عام 2015، قال لـ”الشرق”: “الرئيس ترمب يعتبر شخصية يصعب التنبؤ بسلوكها السياسي وتصرفاتها العامة، فهو معروف بتصريحاته المثيرة للجدل التي غالباً ما تكون غير متوقعة وتكون خارجة عن السياق المألوف”.

وأضاف تسلر: “مع ذلك، ما يميز ترمب هو أنه لا يتردد في تغيير رأيه علناً، بل وأحياناً ينكر تماماً ما أدلى به من تصريحات سابقة. هذا التناقض يجعل من الصعب بناء استراتيجيات بناءً على مواقف سابقة له، سواء خلال ولايته الأولى أو عبر مايقول عبر وسائل الإعلام، لكن الأمر الوحيد المؤكد بشأنه هو أنه يتخذ قراراته بناءً على ما يراه يخدم مصالحه أولاً، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو حتى على صعيد صورته العامة”.

تفادي التورط بحروب

بحسب مايك والتز، الذي اختاره ترمب لمنصب مستشار الأمن القومي، فإن “الرئيس ترمب انتُخب بتفويض شعبي واضح يقضي بعدم توريط الولايات المتحدة في أي حروب جديدة في الشرق الأوسط”.

وعلى الرغم من هذا الحديث الذي يعطي دلالات عن نهج ترمب وأهدافه بشكل عام تجاه النزاعات في الشرق الأوسط، إلا أنه ليس من الممكن الجزم بذلك.

رايان أروين، الباحث في تاريخ الولايات المتحدة بجامعة ألباني بنيويورك، قال لـ”الشرق”: “أعتقد أن السبب وراء ظهور ترمب دائماً وكأنه يتصرف بعشوائية في الملفات، يكمن في استجابته غير العادية لدورة الأخبار المحلية المستمرة على مدار 24 ساعة، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا السياسة الخارجية”. 

وأضاف: “ترمب يراقب عن كثب ردود الفعل الإعلامية ويتخذ قراراته بناءً على ما يعتقد أنه سيحقق له مكاسب فورية أو انتصارات تظهر بشكل إيجابي على وسائل الإعلام”. 

وتابع: “هذا النهج يجعل مواقفه تبدو غير متوقعة وغير ثابتة. لذلك، إذا شعر بأن التعاون مع أحمد الشرع قد يمنحه فرصة لتعزيز صورته إعلامياً أو تحقيق فوز يُسلط عليه الضوء، فلن يتردد في القيام بذلك، وهو أمر يتماشى مع نمط سلوكه المعروف”.

واعتبر أروين أن ترمب لن يكون أسيراً لأي إجماع أو حكم مسبق، فهو معروف بتجاهله لأي نهج كلاسيكي عندما يجد فرصة لتحقيق أهدافه مضيفاً: “بصراحة، إذا كان قد تعاون مع طالبان وكوريا الشمالية في الماضي، فمن غير المستبعد أن يعمل مع الشرع إذا وجد في ذلك مصلحة تخدم رؤيته أو تعزز موقفه السياسي، بغض النظر عن توجهات الشرع السابقة”.

محادثات مع روسيا 

ولفت أروين إلى أن الأميركيين يعتبرون الآن حربي العراق وأفغانستان قرارات غير حكيمة وغير مشروعة، معتبراً أنه في ظل هذا السياق المتغير، يمكن أن يتحول “إرهابيو الأمس” بسهولة إلى “مقاتلي الحرية” اليوم.

المواقف المتغيرة لترمب تجعل من تحديد سيناريو يتيم غير ممكن، لذلك لم يستبعد أروين أن يكون هناك تفاهماً بين الرئيس الأميركي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن سوريا.

وأضاف أروين: “سأتابع موقف ترمب تجاه روسيا، حيث من المحتمل أن تكون سياسته تجاه سوريا متداخلة مع سياسته تجاه موسكو. قد تسفر هذه العلاقة عن تنسيق بين ترمب وبوتين في القضايا المتعلقة بسوريا، ما قد يؤثر على المشهد السياسي في المنطقة”.

لكن أروين عاد ليؤكد على أن صعود الشرع بحد ذاته مثير للاهتمام، قائلاً: “نحن في أوقات تستحق الاهتمام، علينا أن نتابع لمعرفة ما إذا كان الشرع سيقوم بتعديل أي جانب من توجهاته للتكيف مع أي متغيرات، فقدرته على التكيف مع التطورات الناتجة عن سياسات ترمب غير المتوقعة هي العامل الحاسم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *