يشهد الشرق الأوسط هذه الأيام لحظة فارقة، حيث تتقاطع ثلاث جبهات مشتعلة على طاولة القرارات الدولية، وهي تهديدات إسرائيلية بشن ضربة عسكرية ضد إيران، ومفاوضات نووية دقيقة بين طهران وواشنطن، ومحادثات معقدة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس، برعاية أمريكية، وهذه الملفات المتشابكة باتت تشكل لوحة جيوسياسية غير مستقرة، وقد يؤدي أي تحرك خاطئ إلى انفجار إقليمي واسع يصعب احتواؤه.

 

الملف الإيراني.. ضوء أحمر أم ضوء أخضر للهجوم؟

في الأسابيع الأخيرة، كشفت تقارير استخباراتية أمريكية أن إسرائيل تستعد جديًا لتنفيذ ضربة عسكرية محدودة وربما واسعة ضد منشآت البرنامج النووي الإيراني، وهذه المعلومات، التي نقلتها شبكات مثل CNN، أثارت قلقًا داخل الإدارة الأمريكية، التي تخشى أن يؤدي أي تصعيد إسرائيلي إلى تقويض مفاوضاتها الجارية مع طهران، والتي تهدف إلى العودة لاتفاق نووي أو التوصل إلى نسخة جديدة منه.

 

وفي هذا السياق، يرى الدكتور يسري عبيد، الباحث في العلاقات الدولية، خلال حديث مع “وكالة ستيب نيوز” أن هناك ما هو أبعد من التصعيد الظاهر، ويقول: “يبدو أن المفاوضات الجارية بين واشنطن وتل أبيب بشأن غزة ربما تضمنت مقايضة ضمنية؛ إذ يُحتمل أن تكون إسرائيل قد وافقت على مقترح وقف إطلاق النار في غزة، مقابل حصولها على ضوء أخضر أمريكي للتحرك ضد إيران. ويأتي هذا في ظل تصاعد الحديث مؤخرًا عن استعداد تل أبيب لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية.”

 

هذه المقايضة، في حال صحّت، تعني أن واشنطن ربما تغض الطرف عن التحرك الإسرائيلي تجاه إيران، مقابل نجاحها في إنهاء الحرب في غزة، وتحقيق إنجاز دبلوماسي ملموس، إلا أن ذلك يمكن أن يمهّد لانهيار مفاوضاتها مع إيران.

 

الولايات المتحدة وإيران.. مفاوضات دقيقة وتنازلات محدودة

بينما تهدد إسرائيل باستخدام القوة، تمضي إدارة الرئيس ترامب في مسار تفاوضي دقيق مع إيران بشأن البرنامج النووي، لكن إيران لا تزال ترفض الحلول المطروحة، وتتمسك بحقها في التخصيب داخل أراضيها.

 

تزامنًا مع هذه التطورات، علّق الدكتور “عبيد” على الموقف الأمريكيالإسرائيلي قائلاً: “الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كان قد صرح بأنه حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الإقدام على ضرب إيران، خاصة في ظل استمرار المفاوضات بين واشنطن وطهران بشأن الملف النووي. فلو نفذ نتنياهو هذه الضربة، فقد يسبب إحراجًا كبيرًا لترامب، ويزيد من تعقيد العلاقات بين الطرفين.”

 

ويضيف: “من الواضح أن ترامب لم يكن راغبًا في توجيه ضربة عسكرية لإيران، بدليل خوضه مفاوضات طويلة معها، وصدور تصريحات إيجابية من البيت الأبيض آنذاك”.

 

ويشير إلى أن ترامب يسعى لتحقيق مكسب شخصي كبير عبر التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران دون اللجوء إلى العمل العسكري. في المقابل، كانت إسرائيل تمارس ضغوطًا على ترامب لحمله على توجيه ضربة عسكرية تُنهي البرنامج النووي الإيراني، وهو ما يريده نتنياهو لأهداف شخصية داخلية.

 

القدرات الإسرائيلية ومخاطر المواجهة

يمتلك الجيش الإسرائيلي قدرات متقدمة في مجالات الطيران والاستطلاع والهجمات السيبرانية، وقد أظهر سابقًا إمكانية اختراق العمق الإيراني عبر عمليات اغتيال وتخريب استهدفت علماء ومنشآت نووية. ومع ذلك، يوضح الدكتور عبيد أن نجاح الضربة العسكرية لا يُعد مضمونًا دون مشاركة أمريكية.

 

ويقول: “إن قررت إسرائيل توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، فهي تملك القدرة العسكرية والمعلومات الاستخباراتية حول مواقع تلك المنشآت. لكنها، في الوقت ذاته، لن تنجح في تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل دون دعم أمريكي مباشر.”

 

أما عن رد الفعل الإيراني المتوقع، فيضيف: “إذا بدأت إسرائيل فعليًا ضربتها العسكرية، فمن المرجح ألا يكون الرد الإيراني مجرد ضربات متبادلة كما حدث في مواجهات سابقة، بل قد تتطور الأمور إلى حرب واسعة في الشرق الأوسط. ذلك لأن طهران، في حال تعرضها لضربة قاسية تمس أهم ملف تعمل عليه منذ سنوات، ستسعى إلى استعادة هيبتها الإقليمية، خاصة إذا وجدت نفسها في موقف لا تملك فيه ما تخسره.”

 

غزة.. تهدئة معقدة على وقع التهديدات الإقليمية

في الوقت ذاته، تجري مفاوضات صعبة بين حركة حماس وإسرائيل بوساطة أمريكية وقطرية ومصرية، تهدف إلى وقف إطلاق النار في غزة، والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، إضافة إلى انسحاب إسرائيلي كامل من القطاع. وقد ردت حماس على مقترح أمريكي مؤخرًا، لكنها أضافت تعديلات رفضتها تل أبيب وواشنطن.

 

تتزامن هذه المفاوضات مع أوضاع إنسانية كارثية في غزة، حيث قُتل أكثر من 54 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، في الحرب التي اندلعت في أكتوبر 2023. كما تزداد المخاوف من انفجار جديد إذا فشلت المفاوضات أو تم ربطها بتحركات إقليمية أخرى، مثل الضربة المحتملة ضد إيران.

 

تشابك الملفات.. معادلة إقليمية معقدة

من خلال تحليل الترابط بين الملفات الثلاثة، يبدو أن أي تحرك على أحد المحاور يؤثر مباشرة على باقي الجبهات. فالتهدئة في غزة قد تكون مفتاحًا إسرائيليًا للتحرك ضد إيران، والمفاوضات النووية قد تكون وسيلة واشنطن لاحتواء إيران، بحسب الخبير.

 وفي المقابل، ترى طهران أن دعمها لحماس وحلفائها الذين تلقّوا خسائراً كبيرة مؤخراً هو جزء من أدوات الردع الاستراتيجية، لكن “عبيد” يشير إلى أن طهران باتت وحدها تقريباً بعد خسارة أذرعها في لبنان وسوريا.

 

هل تشتعل الحرب أم تُعقد الصفقة؟

يؤكد الخبير “يسري عبيد” أن الخيارات تبدو مفتوحة على كل السيناريوهات، إما اتفاق نووي محدود بين واشنطن وطهران، وتهدئة مؤقتة في غزة، أو تصعيد إسرائيلي يقود المنطقة إلى مواجهة شاملة.

وفي كل الحالات، تشير المؤشرات إلى أن الشرق الأوسط على أعتاب تحول استراتيجي كبير، وقد تكون الشهور القليلة المقبلة حاسمة في رسم ملامح المرحلة القادمة.

 

ومع استمرار الحسابات المعقدة بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية، يقرع الدكتور يسري عبيد جرس إنذار مبكر، ينبه إلى أن أي تصعيد غير محسوب قد لا يُبقي المنطقة كما كانت.

الشرق الأوسط على صفيح ساخن.. خبير يقرع جرس إنذار من تغيير بملامح المنطقة

 

إعداد: جهاد عبد الله

 

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.