كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في احتفال بمناسبة الذكرى السنوية الأولى ‏لاستشهاد القائد الجهادي الكبير الحاج فؤاد شكر (السيد محسن) في ثانوية الامام المهدي(عج) الحدث ‏بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت 3072025‏

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا ‏أبى القاسم محمد، وعلى آل ‏بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء ‏والصالحين إلى قيام يوم الدين.‏

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.‏

هذا اللقاء هو في الذكرى السنوية الأولى لشهادة القائد الجهادي الكبير السيد فؤاد شكر، السيد محسن رضوان ‏الله تعالى عليه.‏

سأتحدث عن السيد بالمناسبة، وكذلك في النهاية سنتعرض إلى الأوضاع السياسية العامة في بلدنا، مع بعض ‏الملاحظات الصغيرة التي ستمر في الأثناء.‏

السيد فؤاد هو من مواليد بلدة النبي شيت البقاعية في سنة 1961، عاش في منطقة الأوزاعي فترة طويلة، ‏وقاد مجموعة من الإخوة عددهم عشرة، كانوا يسمّون أنفسهم “مجموعة الميثاق” أو “مجموعة عهد ‏العشرة”.‏

قبل سنة 1982 تعاهدوا على أن يواجهوا إسرائيل، وتعاهدوا على أن لا يبقى أحد منهم خارج الميدان، وأن ‏يستشهدوا قُربة إلى الله تعالى، أي أن يكونوا في المواقع الأمامية التي يتعرض فيها الإنسان للشهادة.‏

الإخوة التسعة استشهدوا قبل السيد محسن، التاسع يعني يوجد ثمانية استشهدوا قديماً، والتاسع استشهد منذ ‏حوالي 35 سنة، وهو الاستشهادي الشيخ أسعد برو. وبالتالي، فمنذ 35 سنة والسيد محسن ينتظر دوره في ‏درجات الرقي والعلو في ساحة الميدان وساحة العطاء.‏

هذا الإنسان العظيم كان وَلائيًّا، عاشقًا لمحمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ومن الذين آمنوا ‏بالثورة الإسلامية المباركة بقيادة الولي الإمام الخميني قدَّس الله روحه الشريفة، وكان متعلقًا به أشد التعلّق، ‏متعلقًا بأفكاره، بقناعاته، برسالته، بجهاده، بعطاءاته.‏

وبعد رحيل الإمام الخميني قدَّس الله روحه الشريفة، تسلّم القيادة الإمام الخامنئي دام ظله، ولي أمرنا جميعًا، ‏ولي أمر المسلمين في هذه المرحلة وفي هذا الواقع، وهو كان أيضًا مسلمًا ومؤمنًا بهذه القيادة العظيمة.‏

السيد فؤاد هو من القادة المؤسسين في حزب الله، يعني يمكننا أن نقول هو من الرعيل الأول. وعندما نقول ‏‏”رعيل أول”، يعني من الذين كانوا موجودين قبل عام 1982، وفي 1982 بدأوا يشاركون في تكوين ‏وتشكيل حزب الله.‏

هو من الرعيل الأول، وهو أول مسؤول عسكري لحزب الله بعد سنة 1982، أي عندما بدأت التشكيلات ‏وبدأت القيادة، أصبح لدينا شورى، وأصبح لدينا إدارة لهذا العمل، واتفقنا على ذلك، وهو كان أول قائد ‏عسكري.‏

كان دائمًا مع القادة الكبار العظام: الحاج عماد مغنية رضوان الله تعالى عليه، السيد مصطفى بدر الدين ‏رضوان الله تعالى عليه، الحاج إبراهيم عقيل رضوان الله تعالى عليه، الحاج علي كركي رضوان الله تعالى ‏عليه.‏

كلهم كانوا مجموعة متعاونة مع بعضها، وكلهم من جيل واحد تقريبًا، ومن مدرسة واحدة، من رؤية واحدة، ‏من إيمان واحد، يُظللهم السيد العزيز، العظيم، الأسمى، الأكبر، سماحة سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله ‏رضوان الله تعالى عليه.‏

هو القائد، وكان يقودهم، وكان دائمًا يتشاور معهم، ويجلس معهم في المجلس الجهادي، وكان يقدّم ‏التوجيهات اللازمة والإدارة اللازمة.‏

قال تعالى في كتابه العزيز:‏

‏”أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي ‏الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”.‏

هؤلاء القادة، والشهيد السيد فؤاد شكر رضوان الله تعالى عليه، هؤلاء من أولياء الله تعالى، ارتقوا، قدّموا ما ‏عندهم، وصلوا إلى الرفيق الأعلى بما رغبوا وبما تمنّوا، يعني هم انتصروا حقيقة، ونالوا وفازوا ما أرادوا ‏أن يحصلوا عليه.‏

قاد الشهيد السيد محسن مواجهات كفرا وياطر إثر اغتيال السيد عباس الموسوي رضوان الله تعالى عليه، ‏وهو الذي قاد مجموعة من المجاهدين عندما قرر الحزب أن يرسل مجموعة إلى البوسنة من أجل أن يُساند ‏أصحاب الحق هناك، في سنة 1992.‏

نستطيع أن نقول إنه كان اليد اليمنى العسكرية لسماحة السيد رضوان الله تعالى عليه في عمليتي سنة 1993 ‏وسنة 1996 في مواجهة العدوانين الإسرائيليين على لبنان.‏

هو مؤسس الوحدة البحرية في حزب الله، وشارك في إدارة ومتابعة ملف الاستشهاديين والتخطيط لهم، ‏ومنهم هيثم دبّوق، وأسعد برو وآخرون.‏

هو مسؤول لمعاونية التخطيط العام في حزب الله، وكان مسؤولًا عن التخطيط لمواجهة أمريكا في المنطقة، ‏ضمن لجنة ثقافية سياسية تعمل على هذا الاتجاه، واكب إدارة العمل الجوي، أي صناعة المُسيّرات ومتابعة ‏هذه المُسيّرات.‏

أدار عملية تبادل الأسرى في عملية الأسيرين، وقاد عملية بناء القدرات الخاصة والاستراتيجية لحزب الله، ‏وطوّرها بعد استشهاد الحاج عماد مغنية رضوان الله تعالى عليه.‏

من الأساسيين الذين عملوا لنصر تموز، ومن الأساسيين الذين عملوا لتحرير الجنوب، وكذلك يُشهد له في ‏مواجهة تموز 2006، حيث بقي في غرفة العمليات 33 يومًا دون أن يغادرها، وكان دوره أساسيًّا في هذا ‏الأمر.‏

منذ بدء “طوفان الأقصى” هو يتابع ويدير العمليات اليومية.‏

منذ عشرة أشهر، كان على تواصل دائم مباشر مع سماحة السيد رضوان الله تعالى عليه، سيد شهداء الأمة، ‏لأنه كان القائد العسكري المباشر، بمثابة رئيس الأركان في مواجهة هذا التحدي، إلى شهادته في 30 تموز ‏سنة 2024، أي السنة الماضية.‏

نحن استعرضنا بعض ما كان يتميز به على المستوى العسكري، وعلى المستوى القيادي، لكن هناك ملاحظة ‏مهمة يجب أن نعرفها:‏

هؤلاء القادة، لولا ميزاتهم الإيمانية، الثقافية، الرسالية، الولائية، لما وصلوا إلى هذا المستوى في العطاءات ‏الجهادية والعسكرية.‏

السيد محسن كان لديه وعي ديني وسياسي، لديه ثقافة دينية واسعة، خصوصًا في السنوات العشر الأخيرة، ‏حيث حاول أن يحصل بشكل إضافي في تفسير القرآن، في قراءة الكتب، في تحصيل المعلومات الثقافية ‏المختلفة، في المسائل العقائدية والأخلاقية.‏

يتميّز بأنه كان يعرض المحاضرات المختلفة: السياسية والثقافية والتحليلية في مواقع مختلفة داخل الحزب، ‏وحتى مع الجامعات والجامعيين والدكاترة والمهندسين، كان يهتم بعرض هذه المفاهيم.‏

هو كان يتواجد بين الناس، يحضر عاشوراء في مجمع سيد الشهداء، يلطم مع الذين يلطمون، يبكي مع الذين ‏يبكون، يحضر في باحة عاشوراء، يرتاد المسجد بين الحين والآخر، كان يُحب أن يتواجد في هذه الأجواء ‏الإيمانية. ‏

هو يتميّز بصلة رحمه، باهتمامه بوالديه، وكذلك كانت له علاقة خاصة مع عوائل الشهداء.‏

دائمًا يستحضر الموت والشهادة في كلماته، ولا يسأل عن الدنيا.‏

السيد كان كريم النفس، وكان ارتباطه بالزهراء سلام الله تعالى عليها، وبالإمام الحسين عليه السلام، ارتباطًا ‏مميزًا.‏

هو صَلب، ثابت، قوي، متين، جريء، لا يهتز، لديه معنويات عالية.‏

من مميزاته الخاصة أن فكره فكْر استراتيجي، لديه غنى بالأفكار والقناعات، ويطرح اقتراحات كثيرة، يعني ‏إذا أردت أن تتحدث معه وتناقشه، يُجلسك ساعة وساعتين وثلاثة وأربعة بغزارة. وبالتالي، بتسلسل وبنقاش ‏منطقي وموضوعي. سماحة السيد الأسمى قال في تأبينه: في النهاية الشهيد نال ما أحب، ولكننا عطَّلنا ‏الهدف. هذا لن يمسّ بإرادتنا، ولا بعزمنا، ولا بقرارنا، ولا بتصميمنا، ولا بمواصلتنا الطريق.‏

أقول للسيد العزيز، السيد الذي حمل هذا اللقب المشرق، لقب الشهادة، أقول للسيد فؤاد: رحمك الله ورفع ‏مقامك مع الشهداء والقديسين، مع سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه، ومع كل ‏من أحببت. وأعزي وأبارك لعائلته وإخوانه وأحبته، ولحزب الله، وللولي، ولكل من يعرفه ويؤمن بهذا الخط. ‏إلى روحه وأرواح الشهداء نُهدي ثواب السورة المباركة الفاتحة مع الصلاة على محمد وآل محمد.‏

لا بد أن نذكر الشهيد القائد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الحاج إسماعيل هنية رضوان الله تعالى ‏عليه، لأنه استشهد في اليوم نفسه، يعني الشهيد السيد فؤاد مساءً، الشهيد إسماعيل هنية في طهران تقريبًا بعد ‏الفجر، بعد منتصف الليل. وبالتالي، هذه الشهادة أيضًا كانت تعبّر عن هذا المسار الفلسطيني العظيم الرائد ‏الذي استطاع أن يُغيّر في واقع الأمة، واستطاع أن يرفع القضية الفلسطينية إلى المقام الأول في العالم اليوم. ‏إلى روح الشهيد هنية أيضًا نُهدي ثواب السورة المباركة الفاتحة مع الصلاة على محمد وآل محمد.‏

وهنا لا بد أن نذكر غزة: غزة الصمود، غزة الإباء، غزة العطاءات، غزة التضحية. هناك درجة كبيرة جدًّا ‏من الإجرام الوحشي البشري الذي لم يتبيّن مثله للعالم، وعلى الهواء مباشرة.‏

إسرائيل وأمريكا تمارسان الإجرام المنظّم يوميًا. يقتلون الأطفال والنساء، أكثر من 17 ألف طفل قُتل حتى ‏الآن خلال هذه الفترة، خلال السنتين تقريبًا. هناك عمل إجرامي منظَّم بالتجويع: يدعون الناس إلى أخذ ‏التموين ويقتلونهم، وهم لا يملكون شيئًا، وليس معهم شيء. أين يوجد مثل هذا الإجرام في العالم؟ قتل ‏الأطفال، الضرب على الخيام، قتل الآمنين في بيوتهم، قتل النساء الحوامل، تجويع الأطفال، حليب الأطفال ‏ممنوع. هذا عمل إجرامي كبير يُمارسه هذا العدو الإسرائيلي بدعم كامل من أمريكا، وتأييد كامل من أمريكا، ‏من أجل إرغام هذا الشعب على الاستسلام. وهذا الشعب لن يستسلم، هذا الشعب لن يقبل إلا أن يحفظ الدماء ‏التي سقطت وارتقت وأعطت قُربةً إلى الله تعالى.‏

أين هم العرب؟ أين هو العالم؟ أين هي حقوق الإنسان؟ أين هي الدول التي تدّعي أنها تحفظ حقوق الإنسان؟ ‏

المطلوب القيام بإجراءات عملية. كفانا بيانات، كفانا كلمات، كفانا ادعاءات بتأييد القضية الفلسطينية. كل هذا ‏لا ينفع. الذي ينفع الآن هو أن يقف العالم وقفة واحدة بوجه إسرائيل: سياسيًّا، واقتصاديًّا، وعمليًّا، وفي ‏رأينا، حتى عسكريًّا، ليمنع إسرائيل من هذا الطغيان الذي ينعكس على كل البشرية، ويؤثر على كل البشرية ‏أيضًا.‏

أيضاً في هذا المجال لا بد من تحية خاصة للأسير المناضل المحرر جورج عبد الله، الذي وقف شامخًا ‏وتحدى لمدة 41 سنة، ورفض أن يُوقّع ورقة بأنه يتخلى عن أفكاره مقابل أن يربح بعض السنوات التي ‏حرموه منها وأبقوه في السجن، لأنه لم يقبل أن يُوقّع لهم ولو بالكلمات.‏

هذا المناضل الكبير هو جزء لا يتجزأ من مسيرة المقاومة المتنوعة، التي تحمل الأحزاب والقوى والمذاهب ‏والقناعات والأفكار المختلفة، لكن تجتمع على أمر واحد، وهو تحرير فلسطين، وتحرير الأرض والكرامة، ‏التي ستعود إن شاء الله بكل قوة وبكل عزيمة.‏

أهلًا وسهلًا بك يا جورج، أنت ستضيء إضاءة إضافية، إن شاء الله، بِجهادك الجديد على أرض لبنان، ‏وعلى أرض هذا الوطن.‏

الآن، نتحدث عن الوضع السياسي الداخلي في لبنان. هناك سؤال طبيعي أن يُطرح: كيف نُقارب بناء الدولة ‏في لبنان، وكيف نُعالج قضاياها؟ لأنه هناك ناس تتحدث عن طرق مختلفة لبناء الدولة، لا يُفهم عليهم أحيانًا، ‏لا تعرف إن كانوا سيبنون الدولة أو سيسرقون الدولة! بطريقة الطروحات: هل سيبنون الدولة أو سيلغون ‏مكونًا من قلب الدولة؟ هل سيبنون الدولة أو سيأخذون مكتسبات تجعلهم هم الذين يتحكمون ويسيطرون؟ لا ‏يُفهم عليهم ماذا يريدون. سأوضح اليوم لكي أبيّن رؤيتنا لبناء الدولة.‏

انتخاب الرئيس، رئيس الجمهورية، فخامة الرئيس العماد جوزيف عون، حصل بعد سنوات من وضع الدولة ‏المهترئ بشكل كبير، وخاصة ابتداء من 2019، بدأت الانهيارات تزداد في واقع الدولة، يعني ست سنوات ‏تقريبًا، وضع الدولة مهترئ.‏

أثبتت المقاومة بأنها دعامة أساسية من دعائم بناء الدولة، بأدائها، وبتسهيل إخراج النتائج في انتخاب الرئيس ‏والحكومة وما بعدهما. نحن نعمل كحزب الله على مسارين متوازيين مع بعضهما: مسار المقاومة لتحرير ‏الأرض، وهذه لها أدواتها، وأساليبها، وإمكاناتها، وطرقها، وموجّهة حصرًا لمواجهة إسرائيل.‏

المسار الثاني: مسار العمل السياسي لبناء الدولة، من خلال تمثيل الناس، ومن خلال متابعة قضاياهم، ‏والمشاركة في الحياة السياسية حتى تنهض هذه الدولة بأبنائها، ونحن من أبنائها. لا نُغلّب مسارًا على مسار، ‏كل مسار له طريقه ومتطلباته وأهدافه. يمكن أحيانًا أن يَحمى مسار دون مسار آخر، يمكن يزداد العمل ‏بمسار دون مسار آخر، حسب طبيعة الظروف الموجودة. لكن لدينا هذان المساران، لا نستطيع أن نربط ‏بينهما بطريقة “إمّا أن تختاروا هذا المسار أو ذاك”. يعني بعضهم يقول لنا: تعالوا إلى الدولة واتركوا ‏المقاومة! لا يا أخي، ما هي ليست مسألة مقايضة. المقاومة ضد إسرائيل، بناء الدولة من أجل المواطنين. ‏أنت عندما تقول: اتركوا إسرائيل وتعالوا إلى الدولة، يعني أنت تقول: دعوا إسرائيل تهاجم لبنان وتنهب ‏المكتسبات التي تريدها! هذه ليست قناعتنا، ولا نحن نمشي بهذا الاتجاه.‏

هذه المقاومة كيف نشأت في لبنان؟ نشأت ردة فعل على الاحتلال الإسرائيلي، وسدّت فراغًا في قدرة ‏الجيش، وأنجزت تحريرًا مضيئًا سنة 2000، وتتابع موضوع ردع إسرائيل وحماية لبنان بِبركة هذه ‏المقاومة. وقلنا مرارًا وتكرارًا: هي ليست وحدها. هذه المقاومة مع الجيش والشعب، يعني هي لا تُصادر ‏مكانة أحد، ولا عطاء أحد، ولا مسؤولية أحد. الجيش مسؤول وسيبقى مسؤولًا، ونُحييه على أعماله. والشعب ‏مسؤول وسيبقى مسؤولًا، ونُحيّيه على هذا الالتفاف العظيم الذي أعطى قوة لهذه المقاومة. والمقاومة مسؤولة ‏لأنها خيار، وعلى الذين اختاروها أن يقوموا بواجبهم فيها. الكل مسؤول. نحن لا نتحدث عن قاعدة أو عن ‏ثلاثية لمجرد الشكل، لا، نتحدث عن مسؤولية حقيقية، ونؤمن بأنه كلّما قويت هذه الأطراف الثلاثة، ‏واستطاعت أن تتعاون مع بعضها أفضل تعاون، كلما حققت إنجازات أفضل. وهذا ما رأيناه في حياتنا ‏العملية.‏

‏ جاءت معركة أولي البأس، واجهنا العدوان الإسرائيلي، وحصل بعد ذلك اتفاق، وأنا أُصر أن هذا الاتفاق ‏الذي طلبته إسرائيل، طلبته في لحظة شعرت فيها أن التوازن يتطلب أن تذهب إسرائيل إلى الاتفاق. بمعنى أن ‏إسرائيل اعتبرت مجرد أن يَقبل حزب الله بأن ينسحب من جنوب نهر الليطاني، هذا مكسب بالنسبة إليها، ‏ومجرد أن يتقدم الجيش اللبناني ويستلم هذه المنطقة، هذا مكسب بالنسبة إليها تريده. وبالنسبة لحزب الله، ‏مجرد أن تقول الدولة: نحن أصبحنا مسؤولين عن متابعة حماية الوطن، هذا مكسب لنا. أن تقول الدولة: نحن ‏سنرعى اتفاق وقف إطلاق النار، وسنكون مسؤولين عن حماية الأهل والأصحاب وكل من هم في هذا البلد، ‏نحن أيضًا نعتبر أننا حققنا مكسبًا.‏

بمعنى آخر، الاتفاق كان له مكسب لنا، وكان له مكسب للعدو الإسرائيلي، وهذا أمر طبيعي، لا يحصل اتفاق ‏إلا إذا كانت الجهات المختلفة موافقة عليه. الدولة اللبنانية وافقت، ونحن ساعدنا الدولة اللبنانية في موافقتها ‏على التنفيذ، ولكن إسرائيل لم تنفذ. هذا الاتفاق حصرًا في جنوب نهر الليطاني. أما إذا ربط البعض بين ‏السلاح والاتفاق، أقول له: السلاح شأن لبناني داخلي لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالعدو ‏الإسرائيلي. هذا شأن داخلي.‏

بعد معركة أولي البأس استمر العدوان الإسرائيلي، لكن بوتيرة منخفضة، من أجل أن يضغط علينا ويضغط ‏على لبنان. بدأوا يروجون بأن الحزب أصبح ضعيفًا، على قاعدة أنه لا يرد على هذه الاعتداءات. نحن قُلنا ‏وعبّرنا بشكل واضح: عندما أصبحت الدولة مسؤولة وتعهدت بأن تتابع، لم نعد نحن مسؤولون بأن نتصدى ‏نيابة عن الجميع في مواجهة هذا العدوان الإسرائيلي. الدولة كلها مسؤولة، يعني الشعب كله مسؤول، يعني ‏القوى السياسية كلها مسؤولة، ليس فقط نحن وحدنا.‏

هذه مرحلة جديدة. اعتقدوا أن حزب الله أصبح ضعيفًا، لكن فُوجئوا، فُوجئوا بحضور حزب الله السياسي في ‏تركيبة الدولة، وفُوجئوا بحضوره الشعبي، سواء في الجنوب اللبناني أو في التشييع المهيب الذي حصل لسيد ‏شهداء الأمة، السيد حسن رضوان الله تعالى عليه، والسيد الهاشمي رضوان الله تعالى عليه، وكان تشييعًا ‏مليونيا باهرًا.‏

فُوجئوا بالانتخابات البلدية، وحجم الحضور الموجود لحزب الله وحركة أمل، أي للمقاومة، في هذه ‏الانتخابات، وفي النتائج التي حصلوا عليها. ‏

رأينا أن كل ما حصل خلال هذه الفترة يدل على قوة وعنفوان وحضور ووجود لهذه المقاومة بكل الأبعاد: ‏السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والصحية، والإيوائية، والبذل أمام الناس حتى يعودوا إلى بيوتهم، ‏والمساعدة. كل هذه الأمور كانت دليل قوة. خرق الإسرائيلي الاتفاق، وهدد تهديدات مستمرة، وهذا كله في ‏رأينا مسؤولية إسرائيل وأمريكا معاً، لأنهما متواطئتان مع بعضهما.‏

كل المطالبات التي حصلت خلال الفترة الماضية بتنفيذ إسرائيل للاتفاق فضحت إسرائيل، وفضحت أمريكا، ‏لأنه ماذا يريدون أن يجيبوا؟

يقولون لهم: وقفوا الاتفاق ووقف إطلاق النار. يقولون لهم: سنرى الآلية والميكانيكية وطريقة المتابعة، هل ‏نستطيع؟ لا نستطيع؟

يقولون في النهاية: جاء المندوب الأمريكي وقال: لا يوجد لدينا ضمانة. مع العلم أن هوكشتاين أعطى ‏الضمانة الواضحة بأنه مسؤول عن أن يتابع تنفيذ الاتفاق من الجانب الإسرائيلي.‏

جاءت أمريكا إلى لبنان بإرسال مندوب، ما هي وظيفة المندوب؟ تبين أن وظيفة المندوب الأمريكي أن يصنع ‏مشكلة للبنان، وأن يقلب الحقائق.‏

أمريكا لا تساعدنا، أمريكا تدمر بلدنا من أجل أن تساعد إسرائيل. بدل أن تكون المشكلة هي إسرائيل، أرادوا ‏أن يقولوا بأن المشكلة هي حزب الله والمقاومة ولبنان. مع العلم أن المطلوب إيقاف العدوان، والمطلوب تنفيذ ‏الاتفاق. لكنهم أرادوا أن يُحدثوا مشكلة لنا في داخل لبنان.‏

جاء باراك بالتهويل وبالتهديد بضم لبنان إلى سوريا، وبالتهديد أن لبنان لن يبقى على الخارطة، وأنه لن ‏يكون محل اهتمام العالم، مستخدمًا في الوقت نفسه العدوان والتهديد بتوسعة العدوان.‏

فوجئ أن الموقف اللبناني الرسمي الوطني المقاوم، الذي يحرص على مصلحة لبنان، كان موقفًا موحدًا: ‏فليتوقف العدوان، وبعد ذلك نُناقش كل الأمور.‏

هو تفاجأ. هو يعتبر أنه إذا جاء ضغط على الرؤساء، يُحدث مشكلة وفتنة ويدخل اللبنانيين ضد بعضهم. لكن ‏هو لا يعرف بأن هؤلاء الرؤساء يعرفون وضع لبنان، خصوصية لبنان، تركيبة لبنان. ثم هم جاؤوا ليُعمّروا ‏بلدًا، لا يستطيعون أن يعمروا بلدًا والعدوان مستمر، لا يستطيعون أن يعمروا بلدًا ويأتي أحد يطلب منهم أن ‏يعطيهم قوة البلد وقدرة البلد. لا يستطيعون أن يعمروا بلدًا ويأتي الأمريكي ليفرض الوصاية التي يريدها من ‏أجل أن يُعدم لبنان قوته وقدرته.‏

من يُريد أن يساعد لبنان، يدفع له أموالًا. من يريد أن يساعد لبنان، يساعده بقوانينه. من يريد أن يساعد لبنان، ‏يحاول أن يعمل للإعمار. من يريد أن يساعد لبنان، يساعده باقتصاده. بينما الأمريكي القادم يأخذ من لبنان ‏لمصلحة إسرائيل. هذا أمر غير ممكن.‏

اليوم، تطبيق الاتفاق من جهة لبنان، حقق أمن الشمال، شمال فلسطين. يعني إذا الإسرائيلي يقول إن لديه ‏مشكلة في الشمال، طيب، ما الآن الأمن متحقق، صاروا ثمانية شهور، حققوا لنا الأمن عندنا في لبنان، لكي ‏نرى: هل قطعت مرحلة معقولة تُبين أن إسرائيل لا أطماع لها في لبنان؟ هذا ما لم يفعلوه. لا، العدوان ‏مستمر. العدوان لم يتوقف. أنا سأقول لكم أكثر من ذلك. هل تظنون أن الإسرائيليين واقفون عند النقاط ‏الخمس لأنهم يريدون أن يبتزوا بها حتى يأخذوا مكاسب من لبنان؟ لا، هم واقفون عند النقاط الخمس لكي ‏يساعدهم الأمريكي ويضغط على اللبنانيين وينزع السلاح كما يقولون، ويصبح لبنان بلا قدرة، فيتوسعون ‏من النقاط الخمس، حتى يصلوا إلى عدة قرى موجودة لكي ينتشروا فيها، وتدريجيًا يجعلونها مستوطنات ‏لاحقًا، وتدريجيًا يتدخلون بالسلطة السياسية في لبنان من أجل أن يفرضوا عليها ما يريدون. هذا هو المخطط ‏الإسرائيلي. لا تظنوا أنهم باقون أمنيًا بخمس نقاط، مثل ما قال رئيس الحكومة. ما هم إن كانوا باقين في ‏خمس نقاط أو لم يبقوا، يستطيعون أن يتجولوا في كل لبنان ويقتلوا من يريدون ويفعلوا ما يريدون. ما أقوله ‏لك هو: لماذا هم باقون؟ هم باقون لأن هذه نقاط مقدمة للتوسع، وليست نقاطًا من أجل المساومة ولا التفاوض ‏عليها.‏

لدينا تجربة سوريا. هذه هي سوريا. ماذا فعل الأمريكيون بسوريا؟ خربوها لسوريا، ماذا يفعل الأمريكيون ‏الآن؟ تركوا الإسرائيليين يأخذون راحتهم، ويقتلون، ويفعلون، من أجل أن يرسموا الحدود والخارطة. طبعًا ‏هم شجعوا على عمليات القتل والاغتيال، وشجعوا على مجازر السويداء، وشجعوا على قتل العلويين، ‏وشجعوا على كل الأعمال المشينة التي حصلت بطريقة أو بأخرى.‏

لكن بعد ذلك، ماذا تبيّن؟ تبين أن الحدود ترسمها إسرائيل. ترسم الحدود الجغرافية وبدأت ترسم الحدود ‏السياسية، وبدأت ترسم مستقبل سوريا، وإذا لم يعجبهم، يغيّرون رأيهم. قالوا الآن، من أجل فقط أن ‏الأميركيين لديهم فكرة أنه قد يستقر هذا الحكم، أعطوه فرصة. وإلا هم لا يعتبرونه حُكمًا ثابتًا، ولا يعتبرون ‏أن هذا الحكم سيستمر، ويعتبرون أن سوريا يجب أن تُقسَّم، ويريدون أن يطرحوا أفكارًا أخرى، وعلى كل ‏حال، هم أخبر بالمنطقة، كما قال باراك لترامب.‏

نحن اليوم في لبنان معرضون لخطر وجودي. إن كنتم تظنون أن الخطر الوجودي متعلق بالمقاومة فقط، كلا ‏يا أخي، الخطر وجودي على كل لبنان، على كل طوائف لبنان، على كل شعب لبنان. الخطر من إسرائيل، ‏الخطر من “الدواعش”، الخطر من الأميركيين الذين يرعون أن يكون لبنان أداة طيعة ليندمج في مشروع ‏الشرق الأوسط الجديد الذي يريدونه.‏

نحن نواجه هذا الخطر، فلا تظنوا أنه خطر بسيط. البعض يناقش ويقول: طيب، وماذا في ذلك إذا نُزِع ‏السلاح؟ ليست المسألة مسألة نزع سلاح يا أخي، المسألة مسألة خطر على لبنان، خطر على الأرض. ‏انظروا ماذا يفعلون.‏

أنا أفهم أن يكون هناك عدوان مستمر وتكتيك بالعدوان على قاعدة أنهم ليأخذون شيئًا إضافيًا. طيب، ما معنى ‏أن يستمرّ التجريف؟ ما معنى أن يستمرّ القتل؟ ما معنى أن يستمرّ تدمير البيوت؟ ما معنى أن يحاولوا منع ‏أهل الحافة الأمامية من الوصول إليها؟ هذه كلها عناوين من عناوين التوسع، لا من عناوين الأمن الإسرائيلي ‏الكاذب الذي يتحدثون عنه.‏

سأقولها لكم صراحة من الآخر حتى لا نُتعِبكم ولا نتعذّب، ولا يذهب أحد لتحليل الأمور يمينًا وشمالًا: لن ‏نقبل أن يكون لبنان مُلحقًا بإسرائيل، والله لو اجتمعت الدنيا كلها من أولها إلى آخرها، والله لو ذهبنا جميعًا، ‏والله لو قُتلنا ولم يبقَ منا أحد، لن تستطيع إسرائيل أن تهزمنا، ولن تستطيع إسرائيل أن تأخذ لبنان رهينة، ما ‏دام فينا نفس حي، وما دمنا نقول: لا إله إلا الله، وما دمنا نؤمن بأن الحق يجب أن يُحمى، وأن دماء الشهداء ‏يجب أن تُصان.‏

السلاح الذي معنا هو لمقاومة إسرائيل، لا علاقة له بالداخل اللبناني. السلاح الذي معنا هو قوة للبنان. ونحن ‏نقول: نحن مستعدون لنناقش كيف يكون هذا السلاح جزءًا من قوة لبنان. لكن، لن نقبل أن يُسلَّم السلاح إلى ‏إسرائيل.‏

اليوم، كل من يطالب بتسليم السلاح، يطالب عمليًا بتسليمه لإسرائيل. أمريكا تقول: أزيلوا الصواريخ، ‏وأزيلوا الطيران المُسيّر، وسلّموا كله، سلّموا المتوسط، وسلّموا الخفيف بعد فترة من الزمن. طيب، لماذا يا ‏حضرة براك؟ قال لأن هذا السلاح يخيف إسرائيل. إسرائيل تريد أمنها. افهموا بالعربية الواضحة: هذا ‏الرجل يريد السلاح من أجل إسرائيل، لا من أجل ضبط الوضع الأمني في لبنان.‏

الحمد لله، الوضع الأمني في لبنان على أحسن ما يُرام مضبوط. الحمد لله هذا السلاح لا يظهر لأحد، وبالتالي ‏غير متوفر في مواجهة أحد، ولن يكون متوفرًا في مواجهة أحد. الدولة اللبنانية تقوم بمهامها: لديها أمن ‏داخلي، لديها أمن عام، لديها جيش، لديها قوى تعمل بشكل طبيعي. لا أحد ينافسها على حصرية السلاح من ‏أجل الأمن الداخلي، وحتى الأمن في مواجهة إسرائيل، من هنا، لا يطلب أحد منا اعترافًا، ولا أحد يطلب منا ‏صُلحًا، ولا استسلامًا، ولا من الشرفاء في لبنان الذين قال لهم الناس: “إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم”، ‏فزادهم إيمانًا، وقالوا: “حسبنا الله ونِعم الوكيل”، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل، لم يمسسهم سوء، واتبعوا ‏رضوان الله، والله ذو فضل عظيم. إنما ذلكم الشيطان يُخوّف أولياءه، فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم ‏مؤمنين”. نحن قوم باعوا جماجمهم لله تعالى من أجل العزة والكرامة. نُطالب بحقنا في أرضنا، بتحرير ‏أرضنا، بخروج المحتل. نعيش على أرضنا، ونموت على أرضنا. لن نعطيكم إعطاء الذليل، ولن نُقر لكم ‏إقرار العبيد. نحن تربية الإمام الحسين، سلام الله تعالى عليه، الذي قال وكرّر: “هيهات منا الذلة”.‏

ثم يخرج بعضهم ليقول: طيب، يا عمّ، ماذا لديكم؟ تبدون أقوياء جدًا، وتُهدّدون وتُصعّدون. لا، لا، نحن لا ‏نُهدّد. نحن في موقع دفاعي، نقول: هذا الدفاع لا حدود له عندنا، حتى ولو أدّى إلى الشهادة. لأننا نحن مع ‏إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة. حتى لو أدّى إلى الشهادة مهما كلفت، لأن مع الشهادة نصر، ونحن ‏مطمئنون. ليس أننا ذاهبون إلى الشهادة ونرى الأفق مسدودًا، لا، ليس مسدودًا أبدًا. لا يتصوّر أحد أننا جميعًا ‏ذاهبون ولن يعود أحد. لا، نحن يذهب منا ناس، ويبقى منا ناس، والانحراف لا يبقى، والاحتلال لا يبقى، ‏والوصاية لا تبقى. هؤلاء لا يبقون، ونحن نبقى.‏

تسأل: ماذا لدينا؟ لدينا الإيمان بالله تعالى، وهذه قوة عظيمة. لدينا الإرادة والتصميم على المقاومة. لدينا حقّنا ‏بأن نعيش على أرضنا، وسندافع بما نملك من قوة، وهذا اختيار بالنسبة إلينا. لن نُغيّر اختيارنا إذا لم يتعرف ‏أحد علينا، ولم يعرفنا بعد، اعلموا أننا نبقى لأننا أصحاب الحق. طيب، إذا كان الإنسان لا يدافع عن حقه، ‏فعن ماذا يدافع إذن؟ وهنا أود أن أقول لكم: الخطر الداهم هو العدوان الإسرائيلي، فلا تناقشوا ماذا نملك أو لا ‏نملك، ناقشوا العدوان يا أخي، انصرفوا إلى العدوان، هذا العدوان يجب أن يتوقف. كل الخطاب السياسي في ‏البلد يجب أن يكون لإيقاف العدوان، وليس لتسليم السلاح لإسرائيل. في هذه المرحلة، وحتى أوضح لكم ‏أكثر: في هذه المرحلة، كل دعوة لتسليم السلاح والعدوان مستمر، هي دعوة لإعطاء إسرائيل سلاح قوة ‏لبنان.‏

لا يلعب أحد معنا هذه اللعبة، لأننا لن نكون من يعطون السلاح لإسرائيل. والسلاح، أريد أن أقول لكم الآن ‏هو ليس أولوية؟ الأولوية أن نذهب إلى الإعمار، إلى إلغاء العدوان. وهنا اسمحوا لي ولو بفكرة قد يراها ‏البعض ثقيلة: الدولة لها حقوق وعليها واجبات. طيب، كل شيء فيه حقوق أعطيناها للدولة، كل شيء يُقوي ‏الدولة قدمناه، حتى السلاح الموجود معنا كمقاومة هو من أجل قوة الدولة وليس لإضعافها. طيب، هل من ‏حق الدولة أن تقول: “أنا لا أستطيع أن أدافع عنكم، وإسرائيل متوحشة متغوّلة، وأنتم صحيح أعطيتموني كل ‏شيء، وأنا لا أريد أن يكون لدي قوة، وسلّموني هذا السلاح حتى أضعه في المحرقة الإسرائيلية”؟ لا، هذا لا ‏يُمكن. الدولة لا تُدار بهذه الطريقة. للدولة حقوق وعليها واجبات. كل حقوقها أعطيناها إياها، الآن يجب أن ‏تقوم بواجباتها. على الدولة أن تقوم بواجبين كبيرين أساسيين:‏

أولًا: إيقاف العدوان بكل السُبل، بكل الطرق، دبلوماسية، عسكرية. يضعون خطة، ويتخذون قرارًا بأن يقف ‏الجيش في وجه إسرائيل، ومعه المقاومة، أياً تكن الخطط التي يُريدون فعلها فليفعلوا ما يشاؤون، هم ‏مسؤولون بالنهاية عن حماية المواطنين. لا يمكنك أن تقول للمواطنين: “أنا لا أستطيع أن أحميكم، فتجرّدوا ‏من السلاح، حتى تكونوا عرضة للقتل والقتال والتوسع الإسرائيلي”. لا أحد يستطيع أن يقول هذا. أين نعيش ‏نحن؟

لذلك أول مهمة هي إيقاف العدوان. والمهمة الثانية: الإعمار. الإعمار مسؤولية الدولة. طيب، أمريكا تُضيّق ‏علينا، وتمنع الدول العربية والإسلامية ودول العالم من مساعدتنا. فلتبحث الدولة عن طرق، ولو من موازنة ‏الدولة، لأن هذه مسؤوليتها. سبعة أو ثمانية آلاف شقة تقريباً يمكن تعميرها بأربعين مليون دولار. ألا تستطيع ‏الدولة تأمينهم؟ نعم، تستطيع. وتستطيع تأمين أشياء كثيرة. وتستطيع اتخاذ إجراءات. أتعلمون أنكم عندما ‏تقومون بالإعمار، ماذا تفعلون؟ لا تظنوا أنكم تدفعون أموالًا لتخسروها. لا، عندما تدفع الأموال، يعمل ‏العامل، ويأكل الفقير، وتتحرك الدورة الاقتصادية، ويحدث انتعاش، وتُفتح المحال، ويتحرّك التجار، ويعمل ‏الناس. الإعمار ليس عملية خاسرة، بل عملية رابحة حتى اقتصاديًا، فضلًا عن أن عليكم أن تقوموا ‏بواجباتكم الاجتماعية تجاه الناس، وأن تقوموا بواجباتكم تجاه هؤلاء المواطنين.‏

نحن لا نقبل الابتزاز. يبتزّوننا، ويقولون: “لن نُعطيكم إلا إذا…”، إلا إذا ماذا؟ “إلا إذا سلمتم سلاحكم ‏لإسرائيل”! لن نسلّم لإسرائيل. وأكثر من ذلك، أقول لكم: كل من يطالب اليوم بتسليم السلاح، داخليًا أو ‏خارجيًا أو عربيًا أو دوليًا، هو يخدم المشروع الإسرائيلي، مهما كان اسمه، ومهما كانت صفته، ومهما كان ‏عنوانه، ومهما ادعى، لأننا نشرح لكم، انظروا إلى الوقائع. طيب، إذا أردتم الوصول إلى هذه النتيجة، ‏فلتوقفوا العدوان.. قال بعضهم: “الحزب لا يريد أن يتوقف العدوان، لأنه لا يعود لديه ما يفعله، ولا عمل ‏له”. لا يا عزيزي، لدينا عمل كثير. أنتم أوقفوا العدوان. امنعوا الطيران من الجو. أعيدوا الأسرى. فلتنسحب ‏إسرائيل من الأراضي التي احتلتها. دعونا نرَ إن كان هذا المشهد سيستقر. بعد ذلك، خذوا منّا أفضل نقاش، و ‏خذوا منّا تجاوب على أفضل أنواع التجاوب. لا تقولوا لنا الآن: “نريد أن نعرف”، لا يا حبيبي. لا أستطيع أن ‏أعرفك الآن وأن أقدم لك كل شيء، لأن الآن تريد أن تأخذ بعد الكرامة الباقية، لا نقدر. ‏

اليوم، هناك خياران في لبنان: يوجد خيار اسمه السيادة، السيادة تعني حماية الوطن. خيار اسمه الاستقلال، ‏يعني عدم الوصاية. أسمه التحرير، يعني رفض الاحتلال. هذا هو الخيار: خيار السيادة والاستقلال ‏والتحرير.‏

وهناك خيار آخر اسمه: الوصاية، التي تتجلّى الآن في شكل أمريكي بنكهة عربية، والاستعباد مقابل ‏الاستقلال، والاحتلال مقابل التحرير.‏

إذن، يوجد لدينا خيار آخر أسمه: خيار الوصاية والاستعباد والاحتلال.‏

بين الخيارين، نحن مع خيار السيادة والاستقلال والتحرير، وسنعمل للوصول إلى هذه النتيجة، وندعو الدولة ‏إلى أن تحزم أمرها أكثر في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وفي إعادة الإعمار.‏

حزب الله مصرّ على بناء الدولة، وتمكين المؤسسات، وتقوية الجيش، وتحمل الدولة لمسؤوليتها في الحرب ‏والسلم، وبناء استراتيجية أمن وطني، واستراتيجية دفاعية. وندعو أيضًا الدولة وكل الشرفاء إلى العمل على ‏كف يد دعاة الفتنة، وخُدّام المشروع الإسرائيلي.‏

فليعلم الجميع، وبصوت عالٍ جدًا: لبنان وطن نهائي لكل أبنائه، ونحن من أبنائه. لن يكون لبنان لفئة دون ‏أخرى، ولن نقبل أن يُخطّط أحدٌ لجعل لبنان ملحقًا بإسرائيل.‏

تعالوا نرفع هذا الشعار: فلنُخرج إسرائيل بوحدتنا، ولنعمر بلدنا بتكاتفنا. إذا استطعنا أن نقوم بهذا الأمر، ‏نكون قد نجحنا.‏

ولنقل للعرب والأجانب: أهلًا بكم داعمين لإخراج إسرائيل، وإعمار البلد. وبهذا، تُحققون مصالحكم، وأيضًا ‏مصلحة لبنان. وليس مُرحباُ بمن يريد خدمة إسرائيل ومشروع إسرائيل.‏

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.‏

‎ ‎

شاركها.