الصراع على الفوسفات السوري بانتظار مصير العقد الروسي

– عمر علاء الدين
تعلن وزارة النفط في حكومة دمشق المؤقتة بشكل متكرر، عن مناقصات للاستثمار في قطاع الفوسفات، الذي يمثل ثروة سورية تصل احتياطياتها في أغلب التقديرات إلى 1.8 مليار طن.
وفي 12 من شباط الماضي، أعلنت وزارة النفط السورية عن مزايدة لبيع 175 ألف طن فوسفات رطب من مناجم الفوسفات بتدمر.
وتبدي دول كثيرة اهتمامها بالفوسفات السوري، فيما سيطرت روسيا عبر عقود مع النظام السابق على جزء كبير من هذا القطاع، فما واقع هذه الثروة، وأين تذهب اليوم، وكيف يمكن أن تسهم في دعم الاقتصاد الوطني.
قصة الفوسفات في سوريا
حتى العام 2011، كانت سوريا تحتل المرتبة الخامسة عالميًا على قائمة الدول المصدرة للفوسفات.
ويعد الفوسفات في المرتبة الثانية من حيث الأهمية، بعد النفط والغاز، وفقًا لورقة بحثية نُشرت في مجلة جامعة “دمشق”، تحت عنوان “الفوسفات السورية ودورها في التنمية الاقتصادية“.
وعلى الرغم من التطور الذي حصل في عمليات الاستكشاف والإنتاج، فإنه ما زال دون المستوى المطلوب من حيث الدراسات والاستكشاف والإنتاج والتصنيع والتصدير، فالاحتياطي الموثوق به يقدر بملياري طن، إلا أن كميات الإنتاج ما زالت دون الـ3.5 مليون طن سنويًا.
ووفقًا للورقة البحثية، يتوزع خام الفوسفات في سوريا على المناطق التالية:
● السلسلة التدمرية (خنيفيس والشرقية والرخيم).
● منطقة الحماد (الجفيفة والثليثاوات والسيجري والحباري).
● المنطقة الساحلية (عين ليلون وعين التينة وقلعة المهالبة وحمام القراحلة).
شهدت منطقة الفوسفات تحديدًا (مناجم خنيفيس والشرقية) تدافعًا عسكريًا بين النظام وإيران وروسيا، أفضى بالنهاية لسيطرة روسيا على تلك المناجم.
الفوسفات في الاقتصاد
يرى الخبير الاقتصادي ورئيس مؤسسة “اقتصاد ووطن“، رازي محيي الدين، أنه في حال استغلال الاحتياطي الضخم الذي تملكه سوريا من الفوسفات، بالشكل الأمثل، يمكن أن يصبح مصدرًا رئيسًا للعملة الصعبة، وأن يوفر عائدات تقدّر بمليارات الدولارات سنويًا.
كما يمكن أن يعزز الاستغلال الصحيح لثروة الفوسفات سلاسل الإنتاج المحلية عبر تطوير الصناعات التحويلية مثل الأسمدة الفوسفاتية.
وخلال حديثه ل، اعتبر محيي الدين أن على أي حكومة تسعى لاستغلال الفوسفات السوري تبني استراتيجية واضحة، تتضمن أولًا تحقيق الأمن والاستقرار والسلم الأهلي لأنه يشمل العامل الأول لعودة الاستثمار.
ووضع سياسات استثمارية جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين، عبر تقديم حوافز وضمانات استثمارية، إضافة إلى بناء شراكات استراتيجية مع شركات عالمية متخصصة في التعدين والتصنيع.
كما يرى محيي الدين ضرورة صياغة إطار قانوني وتنظيمي شفاف لقطاع الفوسفات لضمان الاستثمار المستدام ومنع الفساد، وإعادة تأهيل البنية التحتية اللازمة لاستخراج ونقل وتصنيع الفوسفات.
وطالب محيي الدين بإنشاء مصانع تحويلية للأسمدة الفوسفاتية، بدلًا من الاكتفاء بتصديره كمواد خام، ما يضاعف العائدات الاقتصادية.
برأي الخبير الاقتصادي، فإن الأفضل اقتصاديًا هو تحويل الفوسفات الخام محليًا إلى أسمدة فوسفاتية ومنتجات كيماوية، بحيث يحقق قيمة مضافة أكبر ويوفر فرص عمل محلية.
لكنه أوضح أن الإمكانية حاليًا هو تصديره كمواد خام، نظرًا إلى ضعف البنية التحتية في مصانع التحويل والتكرير بعد سنوات الحرب، بينما على المدى البعيد، يعد الاستثمار في التصنيع هو الخيار الاستراتيجي الأفضل.
محيي الدين يرى أن عوائد قطاع الثروة المعدنية يمكن أن تدعم الاقتصاد السوري، من خلال توجيه جزء من العائدات إلى البنية التحتية، والاستثمار في قطاع التصنيع المحلي، عبر إقامة مصانع الأسمدة والمركبات الكيماوية.
وأكد ضرورة تأسيس صندوق سيادي للموارد المعدنية، بحيث يتم استثمار جزء من الأرباح في مشاريع تنموية مستدامة للأجيال القادمة.
من يستثمر اليوم
في آذار من العام 2017، وقَّع النظام عقدًا مع شركة “ستروي ترانس غاز” (STG) الهندسية الروسية، بهدف تنفيذ أعمال الصيانة اللازمة للمناجم وتقديم خدمات الحماية والإنتاج والنقل إلى مرفأ “سلعاتا” بلبنان.
وفي 26 من آذار 2018، صدّق مجلس الشعب في عهد النظام السابق على اتفاق موقع بين “المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية” وشركة “ستروي ترانس غاز” الروسية، نص على استثمار مناجم الفوسفات في تدمر مدة 50 عامًا، بإنتاج سنوي قدره مليونان و200 ألف طن، من احتياطي 105 ملايين طن.
وكان الفوسفات خلال السنوات الماضية عنوانًا لصراع أوسع بين حليفتي الأسد، روسيا وإيران.
بحسب ما رصدته، لم يصدر أي قرار من حكومة دمشق المؤقتة يلغي عقود استثمار مناجم الفوسفات مع شركة “ستروي ترانس غاز”، وحاولت أيضًا التواصل مع وزارة النفط والثروة المعدنية، لمعرفة إذا ما كان قد ألغي الاتفاق المبرم مع روسيا، إلا أن الرد لم يصل حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
في 8 من كانون الأول 2023، قام رئيس حكومة دمشق التابعة للنظام السابق، حسين عرنوس، بطلب إعادة النظر بالعقد المبرم مع شركة “ستروي ترانس غاز”، المتعلق بمصانع الفوسفات في حمص.
كما طالب عرنوس بـ“البحث عن الخيارات البديلة”، وهو ما يشير بوضوح إلى أن الحكومة توجهت آنذاك نحو إلغاء العقد، وفقًا لموقع “هاشتاغ” المحلي.
وبعد سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024، عاد الجدل حول الشركة الروسية، إذ نقلت وكالة “رويترز” عن ثلاثة رجال أعمال سوريين، في 24 من كانون الثاني الماضي، أن حكومة دمشق المؤقتة ألغت الاتفاق الموقع مع شركة “ستروي ترانس غاز” (CTG) الروسية، التي تدير وتشغل بموجبه الشركة الروسية مرفأ طرطوس.
صحيفة “الشرق الأوسط“ السعودية، نقلت عن مصدر دبلوماسي روسي، أن شركة “ستروي ترانس غاز” شركة خاصة وليست حكومية، وأصولها مقسمة بالتساوي بين شركاء روس وسوريين، وبذلك، يمتلك الجانب الروسي 50% من أسهمها، بينما تمتلك الـ50% الأخرى واحدة من شركات “مجموعة القاطرجي” المقربة من النظام السابق.
وأضاف المصدر أن “الإجراء الذي اتخذته القيادة السورية المؤقتة حتمي، وهو سوف ينسحب على كل المشاريع في سوريا التي تم إبرام عقود بشأنها تحت غطاء أنها مشاريع بين الحكومتين السورية (السابقة) والروسية، لكن في الحقيقة تم ترتيبها عن طريق شركات خاصة ورؤوس أموال لمقربين من عائلة الأسد”.
ويرى المصدر الدبلوماسي الروسي، أن بلاده ليس لديها أي مخاوف على مستقبل الاتفاقيات والمشاريع الروسية- السورية المشتركة في سوريا، وغالبية هذه المشاريع في السنوات الأخيرة مشاريع خاصة، والسوريون هم من يجب أن يقرروا مصيرها.
صراع روسي- إيراني
الباحث السوري سقراط العلو، ناقش في ورقة بحثية الصراع الروسي- الإيراني على ثروة الفوسفات السورية.
الورقة خلصت إلى عدة نتائج، أبرزها أن الأهمية الاقتصادية للفوسفات في سوريا جعلت مناجمه تتصدر قائمة الموارد السورية التي يمكن أن تشكل تعويضًا لروسيا وإيران عن تكاليف دعمهما لبقاء نظام الأسد، ويُضاف إلى الأهمية الاقتصادية للفوسفات السوري غناه بمادة اليورانيوم، وإمكانية استخدامه لأغراض عسكرية، الأمر الذي يعزز التنافس بين روسيا وإيران للاستحواذ على الاحتياطي السوري منه.
ويرى العلو أن موسكو وجدت في حاجة النظام السوري السابق لدعمها فرصة مواتية لإحياء مطامعها القديمة في الفوسفات السوري وما يحتويه من يورانيوم، وكذلك طهران ذات الطموحات النووية.
وتحتل روسيا المرتبة الثالثة عالميًا من حيث احتياطيات اليورانيوم بـ506 آلاف طن، لكنها لا تزال في مركز متأخر من حيث الإنتاج والتصدير أمام كازاخستان وكندا وأستراليا، لذا فقد يعزز استحواذها على المصادر المحتملة لليورانيوم في سوريا موقعها التنافسي كمنتِج عالمي لهذه السلعة النادرة عالميًا، والتي تدر تجارتها مليارات الدولارات سنويًا، وفقًا للباحث السوري.
إيران خارج اللعبة
بالنسبة لإيران، فإن ندرة مواردها من اليورانيوم وقلة جودتها، تجبرانها على الاعتماد على مصادر خارجية للحصول على اليورانيوم الطبيعي والمعالج، واحتياطيات إيران من اليورانيوم لن تكفي بأي حال لتغطية برنامجها النووي المزمع، بحسب تقرير نشره معهد “كارنيجي” و“اتحاد العلماء الأمريكيين“، في عام 2013.
لكن في النهاية ذهبت الاستثمارات في الفوسفات السوري لمصلحة روسيا بدلًا من إيران.
ويرى الباحث سقراط العلو أن هذا العزل الإيراني عن محور الثروات السورية في البادية ليس ناجمًا فقط عن مطامع موسكو الاقتصادية، وإنما كان جزءًا من التفاهمات الأمريكية- الروسية عقب اجتماع هامبورج بين الرئيسين، الأمريكي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين.
وأفضت تلك التفاهمات إلى فتح الطريق أمام قوات النظام المدعومة من موسكو وطهران للسيطرة على البادية وصولًا إلى دير الزور، بعد انتهاء العمليات العسكرية ووضوح خرائط النفوذ والسيطرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في البادية السورية ودير الزور (مكامن الثروة الباطنية السورية).
المستثمرون المحتملون
على رأس الدول المهتمة بالفوسفات السوري دول الخليج العربي التي ترغب حاليًا بتوسيع استثماراتها في سوريا، وفق الخبير الاقتصادي رازي محيي الدين.
ويرى الخبير أن الصين أيضًا لديها اهتمام بالموارد الطبيعية السورية ضمن استراتيجيتها في الشرق الأوسط، إضافة إلى تركيا التي تسعى للاستفادة من المعادن السورية، والدول الأوروبية والهند يمكن أن تكون مهتمة إذا توفر مناخ استثماري مناسب.
ويعتقد رازي محيي الدين أن الفوسفات السوري يمكن أن يكون ورقة قوة، إذا تم استغلاله بحكمة، ويمكن أن يمنح سوريا مكانة استراتيجية في سوق الأسمدة العالمية، وأن يكون مصدرًا رئيسًا للعملة الصعبة، كما يمثل ورقة تفاوضية مع الدول الكبرى التي تحتاج إلى الفوسفات واليورانيوم.
ويمكن استخدام ورقة الفوسفات في الشراكات الدولية كوسيلة لجذب الاستثمارات وتخفيف العزلة الاقتصادية.
لكن ذلك، بحسب محيي الدين، يعتمد على وجود حكومة تشاركية قائمة على الكفاءات، وبناء نظام إدارة شفافة واستراتيجية استثمارية محكمة لضمان عدم استغلالها من قبل جهات خارجية دون تحقيق الفائدة القصوى لسوريا وشعبها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي