– سدرة الحريري
منذ مطلع عام 2025، أثار إعلان الحكومة السورية عن اعتماد تطبيق “شام كاش” كمنصة رئيسة للتعاملات المالية، بما في ذلك صرف الرواتب والمستحقات، موجة من التساؤلات والمخاوف، خاصة في ظل التعقيدات التقنية المحيطة باستخدام التطبيق، والظروف الأمنية التي تشهدها بعض المناطق.
وفي خضم هذا الجدل، أعلنت المؤسسة العامة للحبوب، في 25 من حزيران الماضي، عن التحول إلى صرف أثمان القمح للمزارعين الذين سلّموا محاصيلهم، عبر تطبيق “شام كاش” وبالدولار الأمريكي على أربع دفعات.
الخطوة، رغم كونها سابقة في تسديد مستحقات بالدولار، لم تُبدد مخاوف الفلاحين، بل زادت من قلقهم، لا سيما مع اعتيادهم على المصرف الزراعي، الذي كان الجهة التقليدية لصرف أثمان المحاصيل الزراعية.
وعبّر العديد من المزارعين عن خشيتهم من تعقيد الإجراءات وعدم قدرتهم على التعامل مع المنصة الرقمية، في ظل غياب التدريب أو التوعية الكافية، ووجود فئة واسعة منهم غير معتادة على التطبيقات الإلكترونية.
ويرى مراقبون أن الاعتماد على “شام كاش” في ملفات حساسة كصرف مستحقات القمح، يتطلب وضوحًا أكبر في آليات التنفيذ، وضمان حقوق المزارعين، تفاديًا لتحول المشروع الرقمي إلى عبء إضافي بدل أن يكون وسيلة تسهيل.
مخاوف مبررة
يواجه مزارعو القمح في عدد من المحافظات السورية، لا سيما في الشمال والجنوب، أزمة حقيقية هذا الموسم، نتيجة تدني إنتاج المحصول، وغياب وضوح آلية تسليم المستحقات المالية، ما يهدد استقرارهم المعيشي ويعمّق من معاناتهم.
وبحسب تصريح مدير مركز الحبوب في محافظة القنيطرة، ياسر الفحيلي، ل، فإن إنتاج القمح البعلي هذا العام تراجع بشكل حاد، إذ لم يسجل أي كيلوغرام للدونم الواحد في بعض المناطق، وهو ما يشكل نحو 75% من المساحات المزروعة في المحافظة.
في المقابل، بلغ إنتاج القمح المروي من الآبار ما يصل إلى 250 كيلوغرامًا للدونم كحد أقصى.
وأوضح الفحيلي أن المؤسسة العامة للحبوب طلبت من المزارعين الذين يمتلكون أكثر من ثلاثة أطنان من القمح، تجهيز الوثائق المطلوبة لتسليم المحصول، وفي مقدمتها صورة عن الهوية الشخصية، بالإضافة إلى إنشاء حساب على تطبيق “شام كاش”، المنصة الرقمية المعتمدة للدفع.
لكن حتى تاريخه، لم يتم تسليم أي دفعة مالية للمزارعين في القنيطرة، وفق الفحيلي، مرجعًا السبب إلى تأخر نضج المحصول، واعتماد بعض الفلاحين على الحصاد اليدوي، ما أبطأ عمليات التسليم الرسمية.
من جهته، قال المزارع عدي شهاب ل، إن انخفاض الإنتاج دفع العديد من المزارعين إلى بيع محاصيلهم لتجار محليين مقابل مبالغ نقدية مباشرة، عوضًا عن تسليمها للمؤسسات الحكومية، تجنبًا للتأخير والإجراءات المرتبطة ببرنامج “شام كاش”.
وترافقت هذه الأوضاع مع شكاوى عديدة رصدتها على مواقع التواصل الاجتماعي، عبّر فيها مزارعون عن قلقهم من تأخر صرف مستحقاتهم وتراكم ديونهم الزراعية، خاصة في ظل انخفاض سعر صرف الدولار، ما تسبب بخسائر إضافية لهم، إذ جرت عمليات الشراء والاستثمار الزراعي بأسعار صرف مرتفعة، بينما يُتوقع أن تُصرف الدفعات على سعر صرف منخفض.
قرارات “غير حكيمة”
أثار قرار وزارة الاقتصاد والتجارة السورية القاضي بصرف مستحقات مزارعي القمح عبر تطبيق “شام كاش” موجة من الاعتراضات في الأوساط الزراعية، وسط تحذيرات من انعكاساته السلبية على العملية الإنتاجية، في ظل ضعف البنية التحتية الرقمية في المناطق الريفية ومحدودية خبرات المزارعين في التعامل مع التكنولوجيا.
وفي حديث إلى، وصفت المهندسة الزراعية راقية الشاعر القرار بأنه “غير حكيم”، مشيرة إلى أن شريحة المزارعين تُعد من الفئات البسيطة التي تواجه صعوبات جدية في استخدام التطبيقات الرقمية، خاصة في ظل غياب الإمكانيات التقنية المناسبة وضعف تغطية الإنترنت في العديد من المناطق الزراعية.
وأضافت الشاعر، التي تعمل في الهيئة العامة لإدارة وتنمية وحماية البادية (فرع السويداء)، أن “شام كاش” يعاني من أعطال تقنية متكررة وتوقفات مفاجئة، ما يجعله غير موثوق لصرف مستحقات رئيسة مثل أثمان القمح، وهو ما من شأنه، بحسب قولها، أن يزيد الأعباء على المزارعين، كما سبق أن أثقل كاهل الموظفين في مؤسسات الدولة.
وأوضحت أن هذا القرار من شأنه أن يؤدي إلى عزوف المزارعين عن تسليم محاصيلهم للمؤسسات الحكومية، واتجاههم إلى بيعها لتجار السوق المحلية نقدًا، لتفادي تعقيدات البرنامج ومخاطره التقنية، وهو ما يفتح الباب أمام فقدان كميات كبيرة من القمح لمصلحة السوق السوداء.
الشاعر وصفت القرار بأنه “فاشل”، داعية الحكومة إلى التراجع عنه بأسرع وقت ممكن، ووضع آلية أكثر واقعية تتناسب مع الواقع الزراعي والبنية التحتية في الريف السوري.
ماذا عن الرد الحكومي
في ظل الجدل الدائر حول تأخر صرف أثمان القمح للمزارعين السوريين، تواصلت مع الجهات الرسمية المعنية، للوقوف على دور كل من المصرف الزراعي التعاوني ووزارة الاقتصاد في هذه العملية، ومعرفة الأسباب الكامنة وراء التحول إلى منصة “شام كاش” بدلًا من الطرق التقليدية.
وزارة المالية أكدت استمرار عمل المصرف الزراعي التعاوني في دعم القطاع الزراعي، من خلال تقديم تسهيلات ائتمانية وقروض قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لتمويل المشاريع الزراعية، إضافة إلى توفير مستلزمات الإنتاج بالتعاون مع “مؤسسة إكثار البذار”.
كما أشارت الوزارة إلى أن من بين أبرز مهام المصرف حاليًا صرف مستحقات محصول القطن، دون توضيح بشأن دورها في صرف أثمان القمح.
من جانبها، أوضحت وزارة الاقتصاد، عبر مدير المكتب الإعلامي فيها، حسن الأحمد، أن قرار صرف مستحقات مزارعي القمح عبر منصة “شام كاش” يأتي في سياق التوجه الحكومي نحو التحول الرقمي، وتخفيف الاعتماد على التداول النقدي المباشر، بما يحمله من مخاطر كالتعرض للسرقة أو تلف العملة في أثناء التداول.
وبحسب الأحمد، فإن الدفع الإلكتروني يُخفف أيضًا من الأعباء اللوجستية على الفلاحين، خاصة فيما يتعلق بتكاليف التنقل من القرى النائية إلى المدن لتسلم قيمة المحاصيل.
وأكد الأحمد أن الوزارة أجرت تقييمًا مسبقًا قبل اعتماد النظام الجديد، وأقرت بوجود صعوبات متوقعة في بداية المرحلة الانتقالية، إلا أن فرق الدعم الميداني تعمل على تسهيل الإجراءات، مشيرًا إلى “ارتياح ملحوظ” لدى شريحة واسعة من المزارعين، بحسب قوله.
وأضاف أن اعتماد أسلوب الدفع على دفعات يهدف إلى تخفيف الضغط على البنك المركزي في ظل التحديات المتعلقة بالسيولة النقدية وتوفير الاعتمادات.
ويتم تحديد الفاصل الزمني بين الدفعات بناء على كميات القمح المسلّمة وقدرة المنظومة المالية على الدفع، مع ضمان وصول كامل المستحقات خلال فترة وجيزة.
وفيما يتعلق بالعملة المعتمدة، أكد الأحمد أن كافة المستحقات ستُصرف بالدولار الأمريكي عبر “شام كاش”، مشيرًا إلى أن دفعات بالدولار تم صرفها فعليًا في عدد من المناطق داخل سوريا.
كما شدد على أن الإجراءات المتبعة تهدف إلى التبسيط وضمان الشفافية، مع الإبقاء على خطط بديلة تشمل إعادة تفعيل بعض وسائل الدفع التقليدية، في حال ظهور تحديات تقنية أو ميدانية، ولا سيما في المناطق النائية.
وفي ظل التحول الرقمي الذي تسعى الحكومة السورية لاعتماده في المعاملات المالية، يبقى نجاح تجربة “شام كاش” مرهونًا بمدى جاهزية البنية التحتية، واستعداد الجهات المعنية لمعالجة التحديات التقنية واللوجستية التي قد تواجه الفلاحين، خصوصًا في المناطق الريفية.
وبين وعود المسؤولين وهواجس المزارعين، تبرز الحاجة إلى تقييم دوري وشفاف للآلية الجديدة، يضمن وصول المستحقات بيسر وعدالة، دون أن يتحول التحول الرقمي إلى عبء إضافي على كاهل المنتج الزراعي.
المصدر: عنب بلدي