تستعد الصين وباكستان لإطلاق مشاريع لممر اقتصادي جديد بعد تأخير دام خمس سنوات في ظل تأكيد وزير الخارجية الصيني وانج يي خلال زيارته إلى إسلام آباد، الأربعاء، بأن تعاون بلاده مع الهند “لن يؤثر على أي طرف ثالث”.
وقالت مصادر دبلوماسية باكستانية لـ”الشرق”، إن زيارة الوزير الصيني شهدت نقاشاً صريحاً بشأن الملفات المهمة المتعلقة بالتطورات الأخيرة، بما فيها التقارب المستجد بين الصين والهند، ومن هنا “جاء حرص الزائر الصيني على التأكيد على أن هذا التقارب لن يؤثر على العلاقات أو المشاريع المشتركة بين الصين وباكستان”.
وفي هذا الإطار، ناقش الطرفان العديد من المشاريع بما فيها شراء باكستان لطائرات مقاتلة صينية، وأنظمة دفاع جوي، وتعاون في أكثر من مجال أمني وعسكري.
وأكد وزير الخارجية الصيني خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الباكستاني محمد إسحاق دار، في إسلام آباد، عقب اختتام الحوار الاستراتيجي الباكستاني-الصيني السادس، على “تعزيز التعاون بين بلديهما على جميع المستويات، ومواصلة دعم بعضهما البعض في المحافل الدولية من أجل السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة”.
وأكد دار أن العلاقات بين باكستان والصين “قائمة على مبادئ الأخوة”، وأن البلدين ملتزمان بتعزيز التعاون على جميع المستويات، مشيراً إلى أن الطرفين استعرضا خلال الاجتماع “التقدم المُحرَز منذ الجولة الأخيرة من الحوار الاستراتيجي”.
وقال إن الطرفين “تبادلا وجهات النظر بشأن مختلف جوانب العلاقات الباكستانية الصينية، بما في ذلك مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، والتجارة والاستثمار، والعلوم والتكنولوجيا، والتعاون بين الشعبين”.
وأضاف أن البلدين استعرضا “التطورات المهمة المتعلقة بمنطقتنا والعالم”، لافتاً إلى أن الجانبين يتمتعان “بإجماع تام وتوافق في الآراء حول جميع المسائل المهمة”.
وقال دار إنه تمت مناقشة الاستعدادات لزيارة رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف المقبلة إلى الصين، حيث سيشارك في قمة مجلس رؤساء دول منظمة شنغهاي للتعاون، وسيلتقي أيضاً بكبار القادة الصينيين، بمن فيهم الرئيس شي جين بينج ورئيس الوزراء لي تشيانج.
ومن المتوقع أن يسافر رئيس الوزراء الباكستاني إلى بكين لحضور القمة التي ستُعقد بين 31 أغسطس والأول من سبتمبر المقبل، ومن المرجح أن يلتقي على هامش القمة، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى جانب الرئيس الصيني.
شراكة استراتيجية
وقال وانج يي إن بلاده سترحب “ترحيباً حاراً” برئيس الوزراء شهباز شريف لحضور القمة المقبلة في تيانجين، مُعلناً أن مؤتمر الاستثمار التجاري الباكستاني-الصيني سيُعقد خلال زيارة رئيس الوزراء إلى الصين.
ووصف يي الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان بأنه “حجر الزاوية في الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، مؤكداً أن الأولوية الحالية هي لتعزيز تطوير الممر.
وذكر أنه خلال الحوار الاستراتيجي السادس، اتفق الجانبان على تطوير الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان ليصبح “ممراً للنمو، وممراً لتحسين سبل العيش، وممراً أخضر، وممراً مفتوحاً”.
وقال وانج يي: “سنعمل جاهدين على تعميق تعاوننا في قطاعي الصناعة والزراعة والتعدين لتحسين رفاهية الشعب الباكستاني، وتسريع قدرة باكستان على تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز مرونتها الاقتصادية”.
وأضاف أن “الصين تدعم أيضاً تطوير وتشغيل ميناء جوادر، المُطل على بحر العرب، وتعزز مشروع إعادة تخطيط طريق كاراكورام السريع”، في إشارة إلى المنطقة التي تحمل الاسم نفسه، وهي منطقة جبلية شاسعة تقع في شرق آسيا، وتُشكل ملتقى لحدود كل من الهند، وأفغانستان، وباكستان، والصين وطاجيكستان.
إشادة بدور باكستان في “محاربة الإرهاب”
وقال وانج، الذي قدّم تعازيه في ضحايا الفيضانات الأخيرة في باكستان، إن بلاده “ستقدم على الفور مساعدات إنسانية طارئة”، مشيداً بدور باكستان في مكافحة الإرهاب، ومؤكداً أن على إسلام آباد أن “تحمي سلامة الموظفين والمؤسسات الصينية بفعالية في البلاد”.
ورداً على سؤال بشأن علاقات الصين مع الهند، أكد وانج أن الشراكة “لن تؤثر على أي طرف ثالث”.
وبحسب المصادر الباكستانية نفسها، فقد وازنت الصين وباكستان في محادثاتهما خلف الأبواب المُغلقة، بين علاقة الأولى الثنائية مع الهند، وعلاقة إسلام آباد مع الولايات المتحدة، مضيفة أن “الجانب الباكستاني أكد موازنة علاقات إسلام آباد مع جميع الحلفاء العالميين المهمين”.
وفي هذا السياق، قالت المصادر إن الجانب الصيني أعرب عن “ثقة تامة” بأن ارتباطات بلاده الأخيرة مع الهند “لن تؤثر على العلاقات الصينية الباكستانية، بل ستساعد إسلام أباد في حل المسائل المتعلقة بمعاهدة مياه نهر السند في الأيام القادمة”.
وباعتبارها دولة تقع على نهر السند، فقد دعمت الصين موقف إسلام آباد بشأن معاهدة مياه نهر السند بعد المواجهة بين باكستان والهند، إذ تعُد الأولى دولة تقع على نهر السند، وتعتمد على الأنهار الجارية من جارتها اللدود.
مساعٍ باكستانية لتبديد المخاوف الأمنية
وأفادت المصادر نفسها، بأن المسؤولين الباكستانيين أكدوا لنظرائهم الصينيين تعاونهم الكامل في تكثيف بروتوكولاتهم الأمنية لتبديد مخاوفهم بشأن أي هجمات إرهابية.
وأكد الجانب الباكستاني مجدداً أهمية “استئصال التشدد” من الأراضي الأفغانية، والذي يُهدد بتقوّيض مشروع الممر الاقتصادي، والذي ترى إسلام أباد أنه ينبغي أن يمتد ليشمل دول آسيا الوسطى وروسيا.
وبحسب المصادر نفسها، فقد شاركت باكستان “تفاصيل حساسة”، بشأن الإرهاب المدعوم من الخارج في إقليم بلوشستان الباكستاني، حيث يبلغ الجزء الرئيسي من مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان ذروته، وشهد جذباً للاستثمار الأجنبي في المعادن مؤخراً.
ويذكر أن وزيرا خارجية الصين وباكستان قاما، الأربعاء بزيارة إلى كابول، حيث شاركا في الحوار الثلاثي السادس لوزراء الخارجية في كابول بين باكستان والصين وأفغانستان حول التعاون السياسي والاقتصادي والأمني.
ووصل وانج يي إلى إسلام آباد فور انتهاء الاجتماع الدبلوماسي الثلاثي في أفغانستان.
وأفادت مصادر سياسية باكستانية لـ”الشرق” بأن الطرفين أعربا عن قلقهما العميق إزاء موجة جديدة من التطرف في إقليمي بلوشستان وخيبر بختونخوا الباكستانيين الواقعين على الحدود مع إيران وأفغانستان، وناقشا أمن المواطنين الصينيين، وتحديداً العاملين في منشآت الممر، فيما أبدى الجانب الصيني اهتماماً كبيراً إلى جانب مطالبة مهمة بتسريع إنجاز مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC).
وتتهم باكستان حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان، بدعم التنظيمات المُسلحة الانفصالية في إقليمي بلوشستان وخيبر بختونخوا.
حماية المشاريع الصينية..والتعاون العسكري
وصرحت مصادر دبلوماسية باكستانية لـ”الشرق”، بأن حكومة بلادها أكدت التزامها بحماية مشاريع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، وأن أولويتها القصوى هي تشغيل ميناء جوادر البحري العميق، بما في ذلك المناطق الاقتصادية الخاصة.
وأفادت المصادر نفسها بأنه “كان من المفترض أن يسافر وزير الخارجية وانج يي إلى ميناء جوادر ومطار جوادر الدولي أيضاً، ولكن تم إلغاء هذه الزيارة من دون الإفصاح عن الأسباب”.
وفي مجال الدفاع، ناقش الجانبان الباكستاني والصيني خلال اجتماعهما الاستراتيجي، مشاريع متعددة تتراوح بين المشتريات المحتملة من الجانب الباكستاني للطائرات المقاتلة، والجهود المشتركة في أنظمة الدفاع الجوي، والتعاون الفضائي، والحرب الإلكترونية إلى جانب الأمن السيبراني.
ومن ناحية أخرى، كان الجانبان، قد اتفقا الشهر الماضي على إطلاق برامج تدريبية مشتركة في مجالات متعددة، بما في ذلك هندسة البناء، والذكاء الاصطناعي، والزراعة، وإدارة الضيافة، في إطار المرحلة الثانية من الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC-II).