تقترب الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين من الانهيار، ما كشف عن هشاشة نهج الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتفضيل سياسة عقد صفقات فردية مع الحلفاء والخصوم، حسبما ذكرت “بلومبرغ”.

وكشفت وزارة التجارة الصينية، في وقت متأخر من الأربعاء، عن ضوابط تصدير جديدة وواسعة النطاق للمعادن النادرة وغيرها من المواد الأساسية التي تُعدّ أساسية لتطبيقات الدفاع والتكنولوجيا الأميركية. كما أعلنت عن شروط تصاريح لتصدير التقنيات المستخدمة في تعدين وصهر وإعادة تدوير المعادن الأرضية النادرة، مُضيفةً أنه سيتم رفض أي طلبات تصدير للمنتجات المستخدمة في السلع العسكرية.

وأثارت الخطوة الصينية صدمةً لدى الفئات المتاأثرة بها، لكنها لم تُقابل بردود فعل مماثلة في كافة الأسواق، وذلك حتى هدّد ترمب، في منشور على موقع “تروث سوشيال”، حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً بتوقيت نيويورك، الجمعة، بـ”زيادة هائلة” في الرسوم الجمركية على السلع الصينية.

دفع تهديد ترمب مؤشرات الأسواق الأميركية الرئيسية إلى هبوط حاد استمر طوال اليوم.

وبعد ساعات، أعلن ترمب أنه سيفرض على الصين رسوماً جمركية إضافية بنسبة 100% اعتباراً من 1 نوفمبر، كما أعلن عن خطط لفرض ضوابط على تصدير البرمجيات الأساسية.

تهديد ترمب، بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الواردات الصينية، قد يؤدي إلى تصعيد معدلات التعريفات الجمركية إلى مستويات قريبة من المستويات التي أثارت في أبريل الماضي، مخاوف من ركود عالمي.

وجاء هذا الجدل المفاجئ وغير المتوقع بين أكبر اقتصادين في العالم قبل أسابيع فقط من اجتماعٍ هام بين ترمب والرئيس الصيني شي جين بينج في كوريا الجنوبية، حيث كان من المتوقع أن يتوصل الجانبان إلى تفاصيل اتفاقية تجارية شاملة.

وألمح ترمب إلى أنه قد لا يلتقي شي في كوريا الجنوبية بسبب التصعيد، لكن خبراء يعتقدون أن الإعلان الصيني ورد ترمب جزء من عملية التفاوض قبل الاجتماع الفعلي. ومع ذلك، يساور القلق الكثيرين، بمن فيهم الصقور ومسؤولون سابقون في إدارة ترمب، من أن الصين باتت تملك اليد الأقوى أكثر من أي وقت مضى.

الورقة التفاوضية الأهم

وتتمثل “الورقة التفاوضية الأهم” بين الجانبين في ضوابط التصدير، إذ تملك الولايات المتحدة فرض قيود على تصدير أشباه الموصلات ورقائق الذكاء الاصطناعي التي تعتمد عليها الصين في تطوير تقنياتها، بينما تمتلك الصين نفوذاً مماثلاً من خلال فرض قيود على تصدير المعادن والمغناطيسات الحيوية الضرورية للصناعات الأميركية المتقدمة.

وقال جون هيلمان، الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية والمتخصص في الجغرافيا الاقتصادية: “الصينيون أدركوا حجم النفوذ الذي منحته لهم ضوابط التصدير في وقت سابق من هذا العام، لذا ليس مفاجئاً أن يدخلوا هذه المحادثات وهم يسعون لترجيح الكفة لصالحهم. وأي اتفاق سيظل معرضاً للخطر إذا قررت الصين استخدام هذه الورقة مجدداً”. وقد فعلوا ذلك بالفعل.

ففي مايو، تفاوض ترمب على هدنة مدتها 90 يوماً مع الصين، أرجأ خلالها تنفيذ أي رسوم جمركية جديدة أو ضوابط تصدير كان قد هدد بها في إعلان “يوم التحرير” في أبريل. هذه الخطوة هدأت الأسواق العالمية التي اهتزت بسبب التصعيد السريع في الرسوم الجمركية والإجراءات الانتقامية، والتي وصلت خلالها الرسوم الأميركية على السلع الصينية إلى 145% لفترة وجيزة.

وبالمثل، وافقت الصين على رفع الحظر المفروض على تصدير المعادن والمغناطيسات الحيوية. ومع ذلك، ومع مرور الأشهر، بدأ حلفاء ترمب في الولايات الزراعية بالتذمر من أن الصين أوقفت فعلياً استيراد فول الصويا الأميركي، وهو ما وصفه الرئيس بأنه تكتيك تفاوضي. وقال البيت الأبيض إنه يخطط لحزمة مساعدات للمزارعين، لكنه لم يعلن بعد عن تفاصيلها.

حافة حرب تجارية

ورغم ذلك، كان الهدوء النسبي سيد الموقف خلال فترة الهدنة. لكن كل ذلك انتهى هذا الأسبوع، عندما أعلنت الصين تصعيد ضوابط التصدير. والآن، كما كان الحال قبل 6 أشهر، يقف الاقتصادان مرة أخرى على حافة حرب تجارية.

وشهدت الأسهم الأميركية، الجمعة، أسوأ موجة بيع لها منذ 6 أشهر. كما قفز مؤشر الخوف في وول ستريت إلى مستوى لم يُسجل منذ أبريل. وتراجعت أسهم شركة “إنفيديا”، أكبر شركة عامة في العالم واللاعب المحوري في مفاوضات ضوابط التصدير بين البلدين، بنحو 5%.

وقال دان وايت، رئيس الأبحاث في شركة “بلو كريك كابيتال”: “كنا في الواقع حذرين للغاية تجاه الأسهم بناءً على قناعتنا بوجود الكثير من المخاطر وعدم اليقين. كانت معنويات السوق تبدو متفائلة، لكن الحقيقة أن المخاطر كانت كبيرة، واليوم كان بمثابة جرس إنذار للكثيرين”.

وبحسب كاتلر، تستطيع الولايات المتحدة إدارة المفاوضات الثنائية بسهولة أكبر مع الدول الصغيرة الأضعف، لكن عندما يتعلق الأمر بدول كبرى مثل الصين، فإن “التحركات المنسقة” مع حلفاء تكون أكثر فعالية. وقد أمضت كاتلر عقوداً في التفاوض على الصفقات لصالح الحكومة الأميركية في مكتب الممثل التجاري.

وقالت نازاك نيكاختار، المسؤولة السابقة في وزارة التجارة خلال ولاية ترمب الأولى والشريكة الحالية في شركة “وايلي راين” التي تمثل عملاء في قطاعات أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي والدفاع: “هناك إدراك في وسائل الإعلام الصينية بأن الصين تملك أدوات النفوذ وتستخدمها لإضعاف قطاع التصنيع الأميركي بشكل كبير، بما في ذلك أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي والمعدات الدفاعية”.

وبلغت حرب الرسوم الجمركية بين أكبر اقتصادين في العالم ذروتها في أبريل الماضي، حين رفع ترمب الرسوم الشاملة على الواردات الصينية إلى 145%، وردت الصين بفرض رسوم بنسبة 125% على السلع الأميركية.

وفي مايو الماضي، اتفق الجانبان على تعليق معظم الرسوم، بعد أن اجتمع المفاوضون لأول مرة في جنيف، وخفّضت الولايات المتحدة رسومها من 145% إلى 30%، فيما خفّضت الصين رسومها من 125% إلى 10%.

وفي أغسطس الماضي، قررت الولايات المتحدة والصين، تمديد تعليق الرسوم الجمركية المتبادلة لمدة 90 يوماً، بعد أن كان من المقرر أن تنتهي المهلة السابقة في ذلك الحين، ولو حدث ذلك، كان من الممكن أن تعيد الولايات المتحدة الضرائب على واردات الصين إلى مستوياتها التي كانت في أبريل.

شاركها.