– ديالا البحري
تواجه العائلات السورية العائدة من دول اللجوء، بعد سقوط النظام، تحديات جديدة في سبيل إعادة أبنائها إلى مسار التعليم السوري.
التفاوت في المناهج، واختلاف البيئة التعليمية، والصعوبات النفسية، واللغة كلها عوامل وضعت الطلاب العائدين في مواجهة واقع تربوي ونفسي مختلف كليًا عما اعتادوه.
أحد أبرز التحديات التي تواجه الطلاب الوافدين اختلاف المناهج الدراسية، ففي الوقت الذي اعتاد فيه هؤلاء مناهج تعليمية تركز على التفاعل والمشاركة، وجدوا أنفسهم أمام نظام تعليمي يركّز على الحفظ والتلقين، مع محتوى دراسي ثقيل وكثيف.
المناهج واللغة والاكتظاظ تصدم الطلاب
وئام بدي، طالبة مقبلة على الشهادة الثانوية، كانت من المتفوقات في مدرستها التركية، إلا أن عودتها إلى مدينة حماة والتحاقها بإحدى المدارس السورية الحكومية شكّل منعطفًا صعبًا في مسارها الدراسي.
روت وئام ل الصعوبات التي واجهتها منذ اليوم الأول، وفي مقدمتها ضخامة المناهج السورية مقارنة بما كانت تدرسه في تركيا، خاصة في المواد العلمية كالرياضيات والعلوم الطبيعية.
لكن التحدي الأكبر، كما وصفته وئام، كان في مادة اللغة العربية، وبشكل خاص في دروس القواعد والإعراب، فقد درست لسنوات باللغة التركية، ما أدى إلى ضعف واضح في أساسيات اللغة العربية.
وأضافت، “كنت أخجل أن أجيب عن أسئلة المعلمة لأني لا أستطيع تركيب جملة عربية صحيحة، وكنت أخشى من سخرية زميلاتي بسبب لغتي الركيكة”.
ذكرت وئام حادثة أثرت فيها كثيرًا حين طلبت منها المعلمة إعراب كلمة ولم تتمكن من الإجابة، فوبّختها أمام زميلاتها، الأمر الذي جعلها تفقد الثقة بنفسها وتتردد في المشاركة داخل الصف بعدها.
ورغم محاولات بعض الزميلات والمعلمات مساعدتها، فإن وئام لا تزال تشعر بأنها متأخرة مقارنة بزميلاتها، وتؤكد أن تراجع مستواها الدراسي انعكس على حالتها النفسية، فهي تشعر بالإحباط، خاصة أنها على أعتاب الشهادة الثانوية وتخشى ألا تتمكن من تحقيق المعدل الذي كانت تطمح إليه.
لا تقتصر الصعوبات التي واجهها الطلاب الوافدون على المراحل العليا بل بدأت من المرحلة الدراسية الأولى.
روى عبد الحليم عرفان، ل، تجربة ابنه الذي التحق بالصف الأول بعد العودة من تركيا، قائلًا إنه “واجه صعوبة كبيرة في اللغة، وكان زملاؤه قد سبقوه كثيرًا، مما سبب له الإرباك والقلق”.
وأشار إلى أن أسلوب التعليم في سوريا والصفوف المكتظة، مقارنة بالبيئة الدراسية التي اعتادها الطفل في تركيا، أسهما في تراجع مستواه.
لذلك، قرر والده التقدم بطلب إلى إدارة المدرسة لإعادة طفله إلى الصف الأول، حتى يتمكن من تأسيسه من جديد، وقال، “أقنعناه أن هذا ليس فشلًا بل فرصة لبداية أقوى، وقد تطلب الأمر جهدًا نفسيًا حتى لا يشعر بالدونية مقارنة بأقرانه”.
لا خطة.. “الأمر لاجتهاد المعلم”
مع غياب أي سياسة تعليمية واضحة من قبل وزارة التربية للتعامل مع هذه الفئة، باتت مسؤولية الدمج والتأقلم تقع على عاتق المدارس والمعلمين الذين يحاولون، ضمن إمكانياتهم المحدودة، ملء هذا الفراغ.
قالت لمياء كاخي، وهي معلمة في مدرسة خاصة بمدينة حمص، إن أغلب الطلاب الوافدين كانوا يواجهون صعوبات لغوية وتعليمية منذ الأيام الأولى.
وأضافت، “لم يصدر تعميم أو خطة من وزارة التربية تشرح للمدارس كيفية التعامل مع هذه الفئة، والأمر متروك لاجتهاد المعلم وحده”.
وترى لمياء أن المدارس الخاصة، رغم بعض التحديات، تستطيع تقديم دعم أكبر للطلاب الوافدين مقارنة بالمدارس الحكومية، نظرًا إلى قلة عدد الطلاب في الصف الواحد، ما يتيح للمعلمة تخصيص وقت أكبر لكل طالب.
تتفق ريم الخطيب، معلمة صف أول في مدرسة حكومية، عايشت تجربة تعليم طلاب وافدين خلال العام الماضي، مع ما قالته لمياء، مضيفة أن كثيرًا من الطلاب الوافدين كانوا يجدون صعوبة في التفاعل مع زملائهم وحتى في فهم الثقافة المدرسية المحلية.
وأوضحت أن التحديات لا تتعلق فقط باللغة، بل تمتد إلى اختلاف أساليب التدريس، وطريقة الامتحانات، والمحتوى الدراسي الذي يعتمد على الحفظ والتلقين بدرجة كبيرة، وهو ما لم يكن مألوفًا لدى الطلاب الوافدين.
تقترح لمياء عدة خطوات ضرورية لتجاوز هذه الأزمة، منها تخصيص حصص تقوية للغة العربية خلال العام المقبل، وتدريب المعلمين على كيفية التعامل مع طلاب قادمين من بيئات تعليمية واجتماعية مختلفة، إضافة إلى تعزيز التعاون بين المدرسة والأهل والمتابعة المنزلية من خلال دروس خصوصية.
فيما تأمل ريم أن يتم هذا العام تنظيم الصفوف وتخفيض عدد الطلاب في كل صف، كما تقترح إقامة دورات صيفية مركّزة للطلاب العائدين خاصة المقبلين على الشهادات، لتقويتهم لغويًا وتربويًا قبل بداية العام الدراسي.
اغتراب نفسي وثقافي
الطلاب العائدون لا يواجهون فقط صعوبة في المناهج أو البيئة، بل يعيشون ضغوطًا نفسية نتيجة الانتقال المفاجئ من نمط حياة إلى آخر.
تسلّط وفاء شاهين، وهي مدربة مدربين بمجال الطفولة والشباب، الضوء على الأثر النفسي الذي تتركه تجربة العودة على الطلاب، مشيرة إلى أن كثيرًا منهم يعاني من شعور بالاغتراب النفسي والثقافي.
وقالت، “هم في بلدهم، لكن لا يشعرون بالانتماء للمدرسة أو المجتمع، لأنهم اعتادوا بيئة مختلفة تمامًا”.
وأضافت أن بعضهم يمكن أن يشعر بالقلق الاجتماعي والخوف من التنمر، والإحباط الأكاديمي بسبب اختلاف المناهج والأسلوب التدريسي والتربوي.
وتابعت أن الطلاب في مختلف المراحل يواجهون تحديات خاصة، ففي المرحلة الابتدائية، يظهر الحنين للمكان السابق، وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر، أما في المرحلة الإعدادية، فيبرز قلق الهوية والانتماء، ويشعر المراهق بأنه مختلف سواء في اللغة أو في العادات، وفي المرحلة الثانوية، يصبح الضغط أكبر، إذ يواجه الطالب مخاوف مرتبطة بمستقبله الجامعي، ويتولد لديه شعور بأن عودته ربما أضاعت عليه فرصًا تعليمية أفضل.
وأشارت إلى أن بعض الطلاب المتفوقين سابقًا قد يشعرون بعدم التقدير في المدارس الجديدة، وهو ما يزيد من فقدان الدافعية، خاصة إذا لم تُبذل جهود لدمجهم ودعمهم نفسيًا.
وترى شاهين أن الحل يبدأ من المدرسة، عبر تنفيذ جلسات دعم نفسي فردي وجماعي، وتفعيل دور المرشد النفسي، وتعزيز التعاون مع الأهل، وتدريب المعلمين على تقديم دروس تفاعلية تعزز المهارات الحياتية، واحترام التنوع داخل الصفوف.
في مواجهة كل هذه التحديات، تبدو الحاجة إلى تدخل فعّال وشامل أمرًا ملحًا، فالطلاب الوافدون لا يحتاجون فقط إلى دروس تقوية، بل إلى خطة دمج حقيقية تشمل دعمًا نفسيًا وتربويًا واجتماعيًا.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي