اخر الاخبار

العدالة الانتقالية بمهب الريح.. وزير العدل السوري مع “قاضي الأسد” وحقوقيون يتحركون

بالكاد طويت صفحة الجدل المحيط بوزير العدل السوري في حكومة تصريف الأعمال، شادي الويسي، حتى تفجّر جدل جديد مع تولي مظهر الويس منصب وزير العدل في الحكومة السورية الانتقالية، وذلك عقب تداول صورة له برفقة عدد من القضاة في مقر الوزارة.

 

صورة وزير العدل تفجّر الجدل

 

الصورة التي أثارت موجة من الانتقادات، أظهرت الوزير الجديد إلى جانب القاضي عمار بلال، الذي شغل سابقًا منصب رئيس النيابة في محكمة قضايا الإرهاب خلال فترة حكم نظام الأسد، وهو متهم من قبل ناشطين سوريين بالضلوع في إخفاء مئات المعتقلين قسريًا، وإصدار أحكام بالإعدام والسجن المطوّل بحق معارضين مدنيين.

 

ردًا على هذا الظهور، أصدر عدد من المحامين السوريين بيانًا مفتوحًا موجّهًا إلى الوزير مظهر الويس، دعوه فيه إلى اتخاذ إجراءات جريئة لتنقية المؤسسة القضائية من القضاة المتورطين في انتهاكات جسيمة خلال فترة النظام السابق.

 

وطالب الموقعون على البيان بعزل جميع القضاة الذين أسهموا في إصدار أحكام جائرة بحق معتقلين أبرياء، معتبرين أن استمرارهم في مناصبهم يمثل إهانة للعدالة، واستمرارًا في إيذاء الضحايا بدلاً من إنصافهم.

 

وأكد البيان أن أمثال هؤلاء القضاة مكانهم قفص الاتهام لا قاعات المحاكم، داعين إلى محاسبتهم وفق مبادئ العدالة الانتقالية، التي تشدد على محاكمة الجناة وعدم مكافأتهم بالمناصب الرسمية.

 

من هو عمار بلال؟

 

وتجدر الإشارة إلى أن القاضي بلال، الذي ظهر مع الوزير الجديد، يُعرف أيضًا بلقبه “الفينيق الأحمر”، حيث كان يدير حسابًا إلكترونيًا يروّج فيه لخطاب طائفي، ويفاخر بإصدار أحكام قاسية ضد معارضي النظام، ما يزيد من استغراب النشطاء من استمراره في منصب قضائي ضمن “سوريا الجديدة”.

وختم بيان المحامين بالتشديد على أن العدالة الحقيقية لن تُبنى دون تطهير الجسم القضائي من كل من تلطخت يداه بدماء السوريين، لافتين إلى وجود العديد من القضاة المنشقين والمحامين الشرفاء القادرين على النهوض بمنظومة عدلية نزيهة، تكون أساسًا لبناء سوريا المستقبل الآمن والعادل.

 

وعبر صفحته في فيسبوك كتب المحامي السوري، عارف الشعال: “وزير العدل الدكتور “مظهر الويس” (سلفي، جهادي، طالباني) كما يصفه معارضوه!! يصافح أعتى خصومه القاضي “عمار بلال” أحد أشد المدافعين عن الرئيس الخائن ونظامه البائد، وحسابه على الفيسبوك معروف باسم (الفينيق الأحمر)، حيث كان رئيساً للنيابة العامة بمحكمة الإرهاب ولم يقصّر نهائياً بملاحقة الثوار والمعارضين للنظام بكل ما أوتي من صلاحيات، وكنت شخصياً أحد ضحاياه في أواخر عام 2014، بعدما أحلت للمحكمة من فرع مخابرات المنطقة، حيث وجّه لي بدون أي دليل تهمة الترويج لأعمال إرهابية وأصدر مذكرة توقيف، طالباً إنزال أقصى العقوبات بي، ومنعني من السفر، وألقى الحجز على أموالي المنقولة وغير المنقولة”.

بدوره قال المحامي رديف مصطفى: ” محكمة الإرهاب في سوريا منذ نشأتها والتي لا تشبه المحاكم بشيء إلا باسمها، أصدرت بحق آلاف السوريين أحكاما جائرة ترتقي لكونها جرائم، بسبب أنشطتهم الحقوقية والإنسانية والسياسية والعسكرية المشروعة، واستنادًا إلى اعترافات تم أخذها بالقوة وتحت التعذيب الوحشي انصافاً للضحايا وتحقيقا للعدل ينبغي عزل قضاة هذه المحكمة ومحاكمتهم لان بقاؤهم بسلك القضاء يعتبر إساءة للضحايا وانتهاكاً صارخاً لمعايير العدالة واستقلال القضاء”.

 

مسارات قانونية لمحاسبة قضاء الأسد

وفي حديث لوكالة ستيب الإخبارية، قال الحقوقي السوري، منهل العلو، وأحد المشاركين بالبيان المفتوح الموجه لوزير العدل: ” محاسبة قضاة نظام الأسد تتطلب آليات قانونية وسياسية معقّدة، خصوصاً في ظل غياب نظام عدالة فعّال داخل سوريا حاليًا. ومع ذلك، هناك عدة مسارات وآليات يمكن العمل عليها”.

 

ويضيف: “أول هذه المسارات هو العدالة الانتقالية، حيث تشكل لجان تقصي الحقائق خلال مرحلة انتقالية، وتُكلّف بتوثيق الانتهاكات، بما فيها دور القضاة، إضافة لضرورة وجود هيئات تطهير (Lustration) تُراجع خلفيات القضاة وتُقصي من ثبت تورطهم من الوظيفة العامة. علاوةً على إنشاء محاكم خاصة أو مختلطة، يُمكن تأسيسها لمحاكمة المسؤولين عن الجرائم الجسيمة، بما في ذلك القضاة المتورطين”.

 

أما المسار الثاني بحسب المحامي “العلو” هو القضاء الدولي، حيث أن المحكمة الجنائية الدولية (ICC) يمكنها النظر في قضايا القضاة إذا أُحيل الملف السوري من مجلس الأمن، أو إذا تولّت دول طرف في “نظام روما” ملاحقة بعض القضايا التي تندرج ضمن اختصاصها، ويضاف لذلك مبدأ الولاية القضائية العالمية، حيث أن دولاً مثل ألمانيا وفرنسا استخدمته لمحاكمة مسؤولين سوريين سابقين، ويمكن أن يشمل ذلك قضاة ارتكبوا جرائم دولية.

 

ويتابع: “أما المسار الثالث فهو وجود آليات محلية بعد التغيير السياسي، منها إصلاح النظام القضائي، حيث يُعاد بناء سلطة قضائية مستقلة تحاكم الفاسدين والمتورطين من داخلها، إضافة إلى إنشاء هيئة عدالة ومساءلة وطنية، حيث تُنشأ كجزء من الإصلاحات ما بعد النزاع، وتُكلف بجمع الأدلة ومساءلة كل من أسهم في إجهاض العدالة.

 

بينما يشير إلى أن المسار الرابع هو التوثيق وجمع الأدلة، حيث يكون دور المنظمات الحقوقية السورية والدولية أساسي في توثيق تورط بعض القضاة، مما يُمهّد لمحاسبتهم لاحقًا أمام أي جهة قضائية، أما خامس المسارات فهو الضغط السياسي والدبلوماسي، ويكون ذلك بحسب “العلو” من خلال الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية، يمكن فرض عقوبات على القضاة المتورطين، أو إدراجهم في قوائم سوداء.

 

خطأ حكومي يتكرر!

ويرى ناشطون سوريون أن الحكومة السورية تواصل خطأها من خلال عدم محاسبة مرتكبي الجرائم، وتغليب مبدا العفو والمسامحة، ويستشهدون بأحداث الساحل السوري، حيث وجد من بين المتهمين بالهجوم على المواقع الأمنية عدداً من فلول النظام البائد الذي أجروا عمليات تسوية لدى إدارة الأمن العام.

 

ويقول منهل العلو: “إن الأمر مرتبط بالعدالة الانتقالية فبعد الصراعات والحروب، وخاصة في سياق مثل سوريا، حيث النظام القضائي لعب دوراً كبيراً في القمع، لكنه أيضاً مكوّن أساسي لأي عملية إصلاح أو مصالحة مستقبلية”.

 

ويضيف: “محاكمة قضاة الأسد قد تكون ضرورية في الحالات التالية: إذا ثبت تورّطهم في جرائم ضد الإنسانية، كالتغطية على التعذيب، الإعدامات، أو إصدار أحكام جائرة بناءً على اعترافات تحت التعذيب. ولإظهار أن العدالة لا تتجاهل من استخدم سلطته القضائية كأداة قمعية”.

 

ويتابع: “لكن العفو المشروط أو إعادة التأهيل قد يكون ضرورياً أو عملياً في بعض الحالات: إذا لم يثبت تورطهم بجرائم حرب كتصديقهم وتتفيذهم لأحكام الإعدام الجماعية أو الفردية بحق الناشطين والسياسيين المعارضين لنظام الأسد البائد. من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من الكوادر القضائية مستقبلاً لبناء نظام عادل، ولتفادي انتقام واسع أو شلل كامل في الجهاز القضائي”.

 

ويوضح أن الحل المثالي ربما يكون في “عدالة انتقالية متوازنة” تحقق في كل حالة على حدة وتميّز بين من كان أداة تنفيذ، ومن كان جزءاً من منظومة القمع الواعي والمخطط، كما تضع آليات للمحاسبة، العفو المشروط، والتطهير المؤسسي.

 

ويشدد على أنه في النهاية جرائم حقوق الإنسان لا تسقط بالتقادم وترتبط بالحق العام وحقوق الضحايا.

 

العدالة الانتقالية بمهب الريح.. وزير العدل السوري مع "قاضي الأسد" وحقوقيون يتحركون
العدالة الانتقالية بمهب الريح.. وزير العدل السوري مع “قاضي الأسد” وحقوقيون يتحركون

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *