أصدرت وزارة العدل السورية بيانًا حول نشر بعض وسائل الإعلام والمنصات الإلكترونية وثائق وصورًا ومعلومات تتعلق بضحايا تعرضوا لانتهاكات وتعذيب خلال عهد النظام السابق.

وقالت الوزارة في بيان نشرته عبر معرفاتها الرسمية، مساء الخميس 4 من كانون الأول، إنها تتابع ما تقوم به بعض وسائل الإعلام والمنصات الإلكترونية من نشر متفرق لوثائق وصور ومعلومات تتعلق بشخصيات تعرضت لانتهاكات جسيمة وتعذيب، ويجري تداولها بحجة “حقبة النظام السابق”.

وأوضحت العدل أن هذه المواد مسربة وجمعت بطرق غير قانونية، ولا تراعي الضوابط القانونية والأخلاقية اللازمة.

وأشارت الوزارة إلى أن النشر العشوائي لهذه الوثائق والصور يتعارض مع حق الضحايا ويمس مشاعر ذويهم، محذرة من استغلال بعض الجهات لهذه المواد في عمليات ابتزاز ومتاجرة لا تمت للقيم الإنسانية بصلة، بحسب تعبيرها، وتشكل انتهاكًا لكرامة الضحايا وأسرهم.

وشددت الوزارة على ثلاثة مبادئ رئيسة في هذا السياق، هي صون كرامة الضحايا وحقوق عائلاتهم، وحماية الأدلة وعدم العبث بها، وتوثيقها ضمن الأطر المعتمدة.

ودعت وزارة العدل جميع المنظمات والأفراد والجهات التي بحوزتها وثائق أو صور أو بيانات تتعلق بضحايا الانتهاكات، إلى تسليمها للجهات الرسمية المختصة، سواء في وزارة العدل أو الهيئات القضائية المختصة، لضمان التعامل معها وفق الضوابط والمعايير القانونية، وبما يحقق الغاية من التوثيق، وصولًا إلى كشف الحقيقة ومحاسبة الجريمة وإنصاف الضحايا ومعالجة آثار الانتهاكات.

كما أكدت الوزارة أنها لن تتوانى عن ملاحقة كل من يخالف الأنظمة والقوانين، أو يتاجر بآلام الضحايا، أو يسيء نقل أو تقديم الوثائق لأغراض غير مشروعة، مشددة على جاهزيتها للتعاون مع كل جهة “صادقة” تعمل على كشف الحقيقة ومحاسبة المجرمين وإنصاف الضحايا.

بيان وزارة العدل جاء على خلفية تداول صور ووثائق نشرت على بعض وسائل الإعلام والمنصات الإلكترونية، ونسبت إلى ضحايا تعرضوا لانتهاكات وتعذيب من قبل قوات النظام السابق.

وقد أدى نشر هذه المواد بشكل عشوائي، وخارج الإطار القانوني أو الحقوقي، إلى إثارة مخاوف المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، من احتمال استغلالها في حملات ابتزاز أو متاجرة بآلام الضحايا، إضافة إلى استخدامها في سياقات إعلامية غير دقيقة، أو لأغراض غير مشروعة.

70 ألف ملف وصورة لضحايا التعذيب

تزامن بيان وزارة العدل مع نشر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، في 4 من كانون الأول، تحقيق يوثق مقتل أكثر من عشرة آلاف معتقل عبر شهادات ووثائق وفاة وآلاف الصور التي التقطها مصوّرون عسكريون لجثث معتقلين قضوا تحت التعذيب أو الإهمال في السجون.

ولتفسير ما تصوّره هذه الصور، حلّل فريق من صحفيي “ICIJ” و”NDR” وصحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية عيّنة عشوائية من 540 صورة، فوجدوا أن ثلاثًا من كل أربع ضحايا تظهر عليهم علامات تجويع، بينما ظهرت آثار أذى جسدي على ثلثيهم تقريبًا، وكان نحو نصف الجثث عاريًا ومُلقى على الأرض أو فوق صفائح معدنية.

استمر التحقيق أكثر من ثمانية أشهر، شمل تنظيم وتحليل البيانات، والاستعانة بخبراء، وإجراء مقابلات مع عائلات سورية لا تزال تبحث عن مصير مفقوديها الذين اختفوا في قبضة أجهزة الأمن.

ورغم هذه الأدلة، تعكس كل صورة، وفق التحقيق، معاناة عائلة واحدة على الأقل، لا تزال تبحث عن جواب في بلد تغيّر نظامه، لكن لم تتبدد طبقات الصمت التي تراكمت فوق آلاف الجرائم.

وقابل “ICIJ” و”NDR” سبع عائلات تأكدت وفاة أبنائها عبر الوثائق، بعضهم تلقى من “ملفات دمشق” أول إثبات رسمي على وفاة أحد أفرادها، كما شاركت “NDR” قوائم الأسماء الواردة في الملف مع أربع منظمات غير حكومية وحكومية دولية، أملًا بأن تسهم في كشف مصير آخرين.

واستند التحقيق إلى أكثر من 134 ألف ملف مكتوب باللغة العربية، بحجم 243 غيغابايت من البيانات، تمتد من منتصف التسعينيات حتى كانون الأول 2024، وتعود إلى المخابرات الجوية، وإدارة المخابرات العامة، وأجهزة أمنية أخرى.

تتضمن المواد مذكرات داخلية، وتقارير، ومراسلات توضّح آلية العمل اليومية لشبكة المراقبة والاعتقال التابعة للنظام، إلى جانب معلومات حول التنسيق مع حلفاء خارجيين مثل روسيا وإيران، ومع وكالات تابعة للأمم المتحدة تعمل داخل سوريا. وتشمل البيانات أيضًا أسماء محققين وضباط سابقين في أجهزة الاستخبارات السورية.

كما حصلت “NDR” على أكثر من 70 ألف ملف وصورة إضافية، بينها 33 ألف صورة عالية الدقة توثّق مقتل أكثر من 10,200 معتقل بين عامي 2015 و2024.

محاكمات جرائم عهد النظام السابق

الحقوقي والمتخصص في العدالة الانتقالية منصور العمري، قال في تصريح سابق ل، إن محاكمات جرائم عهد الأسد المخلوع تتطلب إطارًا قانونيًا لا يستوفيه القانون الوطني، وإن محاكمات جرائم عهد الأسد المخلوع يجري التحضير لها على قدم وساق، ويجب أن تقوم على أسس متينة تراعي جملة من الاعتبارات القانونية والاجتماعية والسياسية والمالية، تتطلب وقتًا وصبرًا من الجميع.

وأصدر الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، المرسوم رقم “149” لعام 2025 القاضي بتشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية في 28 من آب الماضي، التي تُعنى بكشف الحقيقة حول الانتهاكات التي تسبب بها النظام السابق، ومساءلة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وتحقيق المصالحة الوطنية وترسيخ مبادئ عدم التكرار.

وفي تشرين الثاني الماضي، قال عضو الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية أحمد حزرومة، في مؤتمر حضرته، إن الهيئة وضعت ستة مسارات أساسية للعمل عليها في إطار العدالة الانتقالية وهي:

  • كشف الحقيقة، وهو مسار سيكون له دور كبير وفاعل في موضوع حقوق الملكية والعقارات، وفيما يتعلق بمنظومة الفساد التي كانت قائمة.
  • العدالة والمساءلة.
  • جبر الضرر.
  • ضمان عدم التكرار.
  • تخليد الذكرى والذاكرة الوطنية.
  •  أمل السوريين في بناء سوريا الجديدة من خلال السلم الأهلي.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.