العراق.. متى يعود “الطائر الأخضر” للتحليق في أوروبا؟
تواجه شركة الخطوط الجوية العراقية، التي تحمل شعار “الطائر الأخضر”، تحدياً منذ أعوام يتمثل بالحظر الأوروبي على طيرانها، بسبب ما يعتبره الاتحاد الأوروبي عدم تطبيق الشركة للمعايير الدولية للسلامة الجوية التي يضعها الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا).
وتم فرض الحظر الأوروبي على الخطوط الجوية العراقية، التي تأسست عام 1945، لأول مرة في عام 1991 في أعقاب الغزو العراقي للكويت والعقوبات الدولية على بغداد. وتم رفع الحظر في عام 2009، قبل فرضه مجدداً في عام 2015 بسبب وجود مخالفات بشأن شروط السلامة الجوية.
وعلى الرغم من المحاولات المتكررة لحل هذا الملف، إلا أن أنه بقي عصياً على الحكومات المتعاقبة، ومن بين الجهود المبذولة، انتداب فريق من المختصين من اتحاد النقل الجوي العالمي (إياتا) للإشراف والعمل مع سلطة الطيران المدني العراقي، لكن رغم ذلك، لا زالت أسهم التفاؤل برفع الحظر متراجعة، بحسب خبير الطيران فارس الجواري.
الحظر الأوروبي “يتضاعف”
ويقول الجواري في حديثه لـ”الشرق”، إنه “إذا كان هناك قصور محلي في تجاوز موضوع الحظر، فالعراق تعاقد مع خبراء في (إياتا) بين عامي 2016 و2019، لتسوية هذا الملف، لكن الحظر بقي، ولا زال العراق بعيداً عن الطيران في أوروبا”.
وعن عمل هذا الفريق، يشير خبير الطيران إلى أن “هؤلاء الخبراء وظيفتهم وضع التوصيات، وعلى الرغم من إتمامهم هذه المهمة، إلا أن هذه التوصيات بقيت حبراً على ورق”، مؤكداً أن “أوروبا تشدد على سلامة الطيران فوق أراضيها وتتعلق المتطلبات بموضوع الصيانة، وتدريب الطواقم ورخص الطيارين”.
ويلفت الجواري، إلى أن “آخر تقرير لاتحاد النقل الجوي كان في ديسمبر الماضي، والذي جدّد الحظر الأوروبي على الطيران العراقي، وحسب هذا التقرير الذي يصدر بشكل نصف سنوي، فإن هناك معايير جديدة، إذ أصبحت بموجبها المتطلبات لا تشمل الخطوط الجوية العراقية فقط، بل سلطة الطيران المدني العراقي أيضاً، وهناك برنامج خاص يجب أن تلبى معاييره؛ مثل وجود مفتشين بمواصفات دولية في طاقم سلطة الطيران العراقي، أي أن الحظر تضاعف”.
وبحلول مايو 2025، سيصدر تقرير آخر لتقييم الأوضاع، لكن الجواري أبدى عدم تفاؤله أيضاً برفع الحظر “بسبب سياسات سلطة الطيران العراقي والخطوط الجوية العراقية، التي لم تخط خطوات حقيقية في هذا المجال”.
تأثير اقتصادي على العراق
ويؤثر الحظر الأوروبي على الطيران العراقي “اقتصادياً وخدمياً”، بحسب الجواري، مشيراً إلى أن “الجالية العراقية في أوروبا وكذلك من يقصدون العراق كوجهة سفر، يضطرون إلى الذهاب إلى مطارات إسطنبول أو الدوحة وغيرها، ويضطرون لقضاء يوم كامل أو أكثر للوصول إلى مطار بغداد، بينما الطيران المباشر من برلين إلى بغداد مثلاً يستغرق 4 ساعات فقط، ناهيك عن الأموال التي تذهب للخطوط الجوية الأخرى، والتي كانت لتذهب للخطوط العراقية لولا الحظر الأوروبي”.
وتعاني الخطوط الجوية العراقية من الإهمال وكثرة الشكاوى، بسبب سوء الخدمات التي تقدمها للمسافرين، وكان “المركز العراقي الاقتصادي السياسي” وجّه الأسبوع الماضي دعوة مفتوحة إلى الحكومة والجهات المعنية في الدولة، من أجل إعادة هيكلة وفصل شركة الخطوط الجوية العراقية عن وزارة النقل.
وأعلنت وزارة النقل قبل أيام قليلة خطة طموحة لتطوير أداء الخطوط الجوية العراقية، تهدف إلى رفع مستوى الخدمات المقدمة للمسافرين وتوسيع شبكة الوجهات الدولية والإقليمية، وتحسين تجربة السفر على متن أسطولها الجوي.
وأشارت الوزارة في بيان إلى أن الخطة تتضمن تحسين جميع الخدمات المتعلقة بالمسافرين، بما يتماشى مع معايير الجودة العالمية، بالإضافة إلى الالتزام بالجداول الزمنية لإعادة الطائرات المعطلة إلى الخدمة، وتنفيذ جميع الرحلات في توقيتها المحدد.
جهود عراقية لرفع الحظر الأوروبي
من جهته، يقول مدير إعلام وزارة النقل ميثم الصافي لـ”الشرق”، إن “الوزارة تبذل جهوداً كبيرة لإنهاء هذا ملف الحظر الأوروبي العالق منذ عام 2015، وهو ملف مشترك بين الوزارة وسلطة الطيران المدني العراقي، وقد تم التقدم به خطوات عدة”.
ويضيف الصافي أن الوزارة “شكلت لجنتين للعمل على إنهاء ملف الحظر، إحدى اللجان برئاسة وزير النقل، ولجنة أخرى برئاسة مستشار رئيس الوزراء لشؤون النقل، وهناك عقد مع اتحاد النقل الجوي (إياتا) لانتداب خبراء للمساعدة في إنهاء هذا الملف”، لافتاً إلى أن الملف “يحظى باهتمام كبير من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي التقى بفريق إياتا للحديث عن تطبيق المعايير الدولية، وأشاد فريق إياتا بالتقدم الذي أحرزه العراق في هذا الملف”.
وتابع قائلاً: “جهود العراق لإنهاء حظره الجوي في أوروبا تسير بمرحلتين، المرحلة الأولى تشخيص الأخطاء وهذه المرحلة انتهينا منها، والمرحلة الثانية هي تصحيح هذه الأخطاء ونحن الآن نسعى لتجاوزها، والعقد مع إياتا يأتي في هذا الإطار، وعندما يتم تجاوز العقبات ستمنح الخطوط الجوية شهادة من وكالة سلامة الطيران الأوروبية (اياسا) وتحصيل الرخصة”.
وعن المتطلبات التي تعرقل إنهاء ملف الحظر، يذكر أنها “تتعلق بتوحيد الطراز وتنوع مزودي الخدمة وزيادة عدد الطواقم، وهذا ما عملت وتعمل عليه الوزارة في الوقت الحالي”، مشيراً إلى أن “الوزارة تسلمت مؤخراً 13 طائرة ليصبح العدد الكلي 31 طائرة للخطوط الجوية العراقية، كما أن وزارة النقل قامت بإجراءات متعددة تتعلق بحل مشكلة السفر إلى أوروبا”.
وأعلنت الخطوط الجوية العراقية، في 31 أكتوبر الماضي، عن تحديث أسطولها عبر شراء 5 طائرات إيرباص، و6 طائرات بوينج 737، إضافة إلى طائرتين دريم لاينر من أصل 10 طائرات متعاقد عليها، مع تسلم المزيد في المستقبل لتعزيز أسطول الشركة.
“لا بوادر” على رفع الحظر في 2025
إلى ذلك، يرى عضو لجنة النقل والاتصالات النيابية عقيل الفتلاوي، أن “منع الطيران المدني العراقي من التحليق في أوروبا حالة سلبية جداً بحق العراق، وسلطة الطيران المدني التي وضعت خطوات عديدة لمعالجة هذا الملف”، مضيفاً: “لكن نعتقد أنها خطوات غير عملية وتشبه سابقاتها، وأهم هذه الخطوات أنها التزمت التزاماً كاملاً بمتطلبات منظمة إياتا وممثلها في العراق كامل العوضي، إلى درجة أن يتدخل بتغيير مدراء الأقسام والموظفين وتعيين مدراء عامين”.
وتابع الفتلاوي في حديثه لـ”الشرق” قائلاً، إن “البرلمان من جهته قدم الدعم الكامل، وهو الآن بصدد إقرار قانون الطيران المدني بعد مناقشته، كذلك تغاضينا عن التدخل بالهيكلية الإدارية للخطوط الجوية من قبل أشخاص أجانب، حتى لو كانوا من منظمة عالمية، وهذا ما نعتبره يمس بسيادة العراق”، في إشارة إلى عمل خبراء منظمة “إياتا”.
وتابع قائلاً: “حتى الآن لم نلمس خطوات حقيقية لسلطة الطيران المدني والخطوط الجوية العراقية تظهر بوادر لرفع الحظر رغم كل الدعم المقدم من رئاسة الوزراء والبرلمان، ولا أعتقد أن الحظر سينتهي حتى في العام الحالي، فلا بوادر تدل على ذلك، وعلى الرغم من هذا نريد أن نمنح الفرصة لسلطة الطيران المدني وشركة الخطوط الجوية العراقية لوزارة النقل حتى تنفد الحجج”.
ولا يرى الفتلاوي أن هناك “صبغة سياسية تغلف الملف”، معتبراً أن “القضية فنية فقط، والعراق لا زال متأخراً على الرغم من المليارات التي أهدرت على هذا القطاع”. مضيفاً أن “الخطوط العراقية تتمتع بإمكانات مالية كبيرة ودعم هائل، لكنها لم تظهر بمصاف باقي الشركات التي تحلق في أوروبا، بما يتعلق برصانة وأمن الطائرات والوجبات الغذائية وأمور كثيرة أخرى هي في مرأى ومراقبة منظمات إياسا وإياتا التي على أساسها يكون التقييم”.