لمى قنوت
بعد سقوط نظام الأسد، لم يكن العديد من الباحثين في العلوم العسكرية الروس على يقين بالاحتفاظ بالسيطرة الروسية على القاعدتين العسكريتين في سوريا، رغم أن التقدم العسكري لقوات “ردع العدوان” التي أطاحت بالأسد، كان نتيجة تفاهمات إقليمية ودولية، أسهمت فيها روسيا، التي امتنعت بدورها عن استهداف تلك القوات، وحيّدت نفسها عسكريًا عن المعركة مقابل اتفاق وضمانات لم يصرح عنها كل من أحمد الشرع في حوار أجراه على “الإخبارية السورية” في 12 من أيلول الماضي، وأسعد الشيباني في الحوار الذي أجراه على ذات القناة في 18 من تشرين الأول الحالي، وأخبرنا الأخير بأن المحادثات بينهم وبين موسكو بدأت قبل يومين من سقوط النظام في 6 من كانون الأول 2024، وهو أمر ورد في بيان وزارة الخارجية الروسية، بعد وصول فصائل المعارضة إلى دمشق، أعلنوا فيه أن الأسد “ترك” منصبه الرئاسي و”غادر” البلاد، وبأنهم على اتصال مع جميع مجموعات المعارضة السورية، وأشار البيان أيضًا إلى أن تسليم السلطة سيكون سلميًا.
يُرجَح بأن روسيا طلبت من الأسد حل الجيش قبل حماية فراره، وهي من تقف وراء انسحاب فصائل درعا، الذين وصلوا إلى دمشق قبل وصول فصائل عملية “ردع العدوان”، وأمّنوا تولي رئيس وزراء النظام السابق محمد الجلالي، الذي بدوره، وافق على تسليم السلطة إلى حكومة “الإنقاذ“. لقد حيّدت روسيا نفسها عسكريًا عن استهداف تقدم قوات “ردع العدوان” بعد وصولهم إلى حماة، واكتفت، ظاهريًا، بإنقاذ الأسد ورموز نظامه مع ما نهبوه خلال سنوات سلطتهم، وأعطت الأسد اللجوء الإنساني كملاذ آمن في روسيا، وتخلت، “مؤقتًا على الأقل”، عن قاعدتها البحرية في طرطوس إثر تقدم قوات “ردع العدوان” إلى دمشق، وغادرت ميناء طرطوس خمس سفن حربية روسية وثلاث فرقاطات وغواصة، وحصلت على ضمانات من أجل سلامة مواطنيها، والأصول الروسية في سوريا.
بدا المشهد بعد لقاء الشرع مع ترامب في السعودية، ومشاركته في الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي، والتعاون الأمني المتواصل مع واشنطن، حيث بلغ عدد العمليات المشتركة خمسًا، أحدثها كانت عملية في معضمية القلمون، وظهر سعي السلطة الانتقالية للانضمام إلى “التحالف الدولي لمحاربة داعش”، وكأنه انزياح للمحور الذي تقوده الولايات المتحدة، وتجسيد لما صرح به توم براك مؤخرًا، “سوريا عادت إلى صفنا”، لكن، وفي الواقع، فإن المحادثات بين السلطة الانتقالية وموسكو متواصلة، وقد توجت بزيارة الشرع للكرملين ولقائه مع بوتين، في 15 من تشرين الأول الحالي، وتصريحه بأن سوريا تحترم الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، وتجنب ذكر كلمة “تحرير” سوريا خلال اللقاء، واستعاض عنها بجملة: “ونحن في سوريا الجديدة بعد الذي حصل في سوريا…”. وحسب أحد المستشارين المقربين من القيادة الروسية رامي الشاعر، “لم يتم التطرق رسميًا إلى تسليم بشار الأسد”، لأن “الشرع يتفهم حساسية الموضوع”، وليس أولوية في “المرحلة الراهنة”، وفقًا لما قاله الشاعر.
الأمن والاقتصاد قبل العدالة
ركز الوفد السوري خلال اللقاء على الحصول على ضمانات من موسكو “بعدم إعادة تسليح بقايا قوات النظام السابق”، ووفقًا لـ”رويترز“، وبحسب مصدر سوري، لم يؤكده الجانب الروسي، سيتم طرح إعادة دوريات عسكرية روسية لمنع أي خروقات إسرائيلية جديدة، وتقديم دعم للحد من توغلاتها وإكراهاتها بنزع السلاح في الجنوب السوري، بالإضافة إلى تعويضات عن أضرار الحرب، أشار مصدر سوري أيضًا، إلى أنه قد يتم طلب المساعدة في إعادة بناء الجيش السوري الجديد، وهو مطلب سبق ونوقش خلال زيارة رئيس الأركان السوري لموسكو. وعلى الصعيد الاقتصادي، طرح الشرع توسيع التعاون مع روسيا في مجالات الطاقة وبضمنه قطاع النفط، والزراعة، والمياه، وبناء المصانع، بالإضافة إلى استئناف توريد القمح من روسيا بشروط مُيسَّرة.
بينما كان المحور الرئيس الذي ركز عليه الكرملين هو ملف القواعد العسكرية الروسية، وتناول النقاش مستقبل قاعدتي “حميميم” الجوية في اللاذقية و”طرطوس” البحرية على الساحل السوري، حيث يُتوقع تجديد الاتفاقيات الخاصة بهما، بناء على تقييم للوجود الروسي في سوريا، وبضمنه الوجود العسكري في مطار القامشلي شمال شرقي البلاد، والذي شهد تعزيزات منذ حزيران الماضي، لكنها تفادت لفت الأنظار والإعلام لتحركاتها في المنطقة، رغم أن السلطة الانتقالية لم تطلب إنهاء الوجود العسكري الروسي.
منذ سقوط الأسد، وتوقف استخدام قواعدها العسكرية في سوريا، وحسب الأقمار الصناعية، نقلت موسكو العديد من معداتها العسكرية في سوريا إلى منشآتها أو منشآت تعود لحلفائها في إفريقيا، لتعزيز وجودها في كل من ليبيا والسودان ومالي. ومنذ العام الماضي، سعت لإنشاء قاعدة كبيرة في جمهورية إفريقيا الوسطى، وتوصلت في شباط الماضي إلى “تفاهم كامل” لإنشاء قاعدة بحرية روسية في بورتوسودان– السودان، لكن نقل معداتها إلى تلك المنشآت أو القواعد يعد مكلفًا ويحتاج إلى مدة زمنية أطول، وخاصة مع تجنب موسكو الأجواء التركية عندما تكون الوجهة إلى ليبيا على سبيل المثال، حيث التعاون والمنافسة بينهما قائمان. ووفق رولاند مارشال– معهد “باريس للدراسات السياسية”، فإن تحليق طائرات الشحن المحملة بالأسلحة الثقيلة من روسيا إلى إفريقيا، مع إعادة التزود بالوقود، يمثل تحديًا كبيرًا، ويحتاج إلى تأمين حقوق طيران في المجال الجوي لتركيا، منافستِها الإقليمية، والعضو في حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي يقوي من أوراق الضغط السياسي لتركيا.
ومن تلك التعقيدات، تأتي أهمية القاعدتين العسكريتين لموسكو في سوريا، ورغم ذلك، فإن التقارب بين السلطة الانتقالية والكرملين هو علاقة تكتيكية أمنية- اقتصادية، لا تعفي موسكو من تحمل مسؤوليتها التاريخية منذ تدخلها لدعم نظام الأسد خلال العقد الماضي.
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي
