23 يوليو 2025Last Update :

العنصرية كراهية وجريمة

صدى الإعلام – الكاتب: باسم برهوم – بعد الحرب العالمية الثانية، وبينما كانت الفصول البشعة للمحرقة النازية (الهولكوست) ليهود أوروبا تتكشف للعالم، كان الشبان اليهود في الييشوف (المجتمع اليهودي في فلسطين) يتم تربيتهم بثقافة شبيهة بالثقافة النازية، يزرعون فيهم الكراهية ونعرة نقاء العرق اليهودي والحقد على الآخر، لذلك لم يكن غريبا أن يرتكب الناجون من المحرقة بعد سنوات قليلة المذابح والمجازر بحق الفلسطينيين وتنفيذ أوسع عملية تطهير عرقي، وأن يحولوا 900 ألف فلسطيني إلى لاجئين مشردين في معسكرات اللجوء، وهو رقم يفوق بكثير ما خلفته الحرب العالمية الثانية من لاجئين في أوروبا، بمن فيهم اللاجئون اليهود الذين بلغ عددهم في ذلك الوقت 150 ألف شخص.

في حينه، سياسة نشر الحقد والكراهية، قادت إلى النكبة التي لحقت بالشعب الفلسطيني عام 1948، في غزة اليوم أنتجت هذه الكراهية حرب إبادة جماعية، نحن بحاجة لمصطلح جديد أكثر تعبيرا من النكبة لوصف ما يجري في قطاع غزة، الذي تحول إلى معسكر إبادة كبير لا يقل بشاعة ورمزية من معسكرات الإبادة النازية وأكثرها رمزية “اوشفيتز”.

في معسكر الإبادة في غزة، يجري إبادة الفلسطينيين بالقصف من الجو ومن المدفعية، ويترك الناس يموتون جوعا وعطشا، وتفشي الأمراض، كل ذلك يحصل بقرار إسرائيل، ومن ينفذ هو جيش الاحتلال الإسرائيلي. قادة وضباط وجنود، والأصوات المنتقدة في إسرائيل بالكاد تسمع وخجولة، بهذا المعنى فإن العار لن يقتصر على حكومة نتنياهو الفاشية، إنما يمتد للنخب والمجتمع المدني الذي من النادر أن نسمع له صوتا، بالطبع نقدر كل يهودي في إسرائيل وخارجها يرفع صوته في وجه الفاشية، في وجه الظلم، بالتأكيد هو صوت الضمير الإنساني.

قبل أسبوع نشر آدي بن نون في صحيفة هآرتس الإسرائيلية التقدمية، ما رآها من مشاهد بشعة، تقشعر لها الأبدان في خرائط الأقمار الصناعية، ما رآه بن نون، وبالمقارنة مع صور ما قبل الحرب، ان 89 بالمئة من مباني مدينة رفح دمرت، وأن 84 بالمئة من مباني شمال قطاع غزة دمرت، وفي مدينة غزة ذاتها دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي 78 بالمئة من المباني. كما تم تدمير 3308 مؤسسة ومنشأة تعليمية، شملت رياض الأطفال والمدارس وكل جامعات القطاع دمرت كليا أو جزئيا.

كما لا يمكن استخدام 502 مدرسة من أصل 554 مدرسة في القطاع. وبما يتعلق بالبنى التحتية فقد دمر جيش الاحتلال 81 بالمئة من الطرق وشبكات الكهرباء والماء. كل هذا الدمار خلف أكثر من خمسين مليون طن من الركام، وان إزالته قد يستغرق أكثر من عشرين عاما.

ويكشف بن نون أن أحد أبطال هدم المباني في قطاع غزة الحاخام الفاشي أبراهم زبيب، والذي يعمل سائق جرافة D9، هذا الفاشي يتفاخر في مقابلات إعلامية بأنهم هو والمتعطشين للقتل والتدمير قد انتهوا من “تنظيف” رفح.

قرأت أمس الأول الاثنين خبرا عن مصادر في مستشفيات قطاع غزة يقول ان 1200 مواطن فقدوا بصرهم خلال شهر واحد، بسبب تفشي الأمراض ونقص الأدوية، وفي غزة اليوم أكثر من 15 ألف طفل فقدوا أطرافهم، ومثلهم من الشباب والشابات والأكبر سنا.

ومع استمرار حرب الإبادة استشهد قرابة الـ 60 ألف مواطن فلسطيني وجرح أكثر من 200 ألف، وهناك الآلاف تحت الحكام. ومن أبشع جرائم جيش الاحتلال أن يحاصر الناس ويمنع عنهم الغذاء والماء والدواء، وبعد ان يتضوروا جوعا يقول لهم: “تعالوا خذوا طعامكم” من نقاط هو يحددها لهم وهناك يقتلهم بدم بارد، لقد تحدث جنود إسرائيليون ان زملاء لهم قد أطلقوا النار وقتلوا مدنيين كانوا يرفعون الرايات البيضاء.

خلال الحرب العالمية الثانية تموضعت المنظمة الصهيونية ووضعت نفسها في صف العالم الديمقراطي، العالم الحر. وفي مؤتمر “بيلتمور” الصهيوني الذي عقد في نيويورك في أيار/ مايو 1942، استخدم الصهاينة كل المفردات والمصطلحات الأخلاقية ليقولوا للعام الحر ان إقامة الدولة اليهودية في فلسطين بعد الحرب سيمثل المعيار الأخلاقي ومؤشرا لنزاهة العالم الديمقراطي وعدالته والتزامه بالقانون الدولي.

بعد الحرب بثلاث سنوات ققط ارتكبت الصهيونية جريمة النكبة. واليوم ترتكب إسرائيل إبادة جماعية في قطاع غزة، أين هو البعد الأخلاقي الذي طالما غلفت الصهيونية نفسها به؟ في كل عواصم العالم الحر اليوم شعار واحد يهتف به الجمهور “العار لإسرائيل”.

في الجانب الفلسطيني أدانت القيادة الفلسطينية واستنكرت، وكان هناك رأي واسع في النخب الفلسطينية ضد ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر من انتهاكات، فالشعب الفلسطيني الذي لحقت به نكبة فظيعة في العام 1948، ترفض أغلبيته قتل المدنيين، وحتى لو بدر منه أحيانا ما يوصف بأنه فشة خلق، نتيجة ما حل به من ظلم إلا انه بطبعه يرغب بالسلام والاستقرار ويرفض العنف.

تبقى حماس، والتي هي ومن أجل إنقاذ رأسها، تماطل في المفاوضات غير آبهة بما يحصل لمواطني غزة من إبادة وتدمير لأرزاقهم ومقدراتهم، من حق أي فلسطيني أن يسأل: على ماذا تفاوض حماس؟ هل تفاوض على وقف الاستيطان والتهويد، أو تفاوض من أجل حماية الأماكن المقدسة والأقصى؟

نسمع انها تفاوض على انسحاب إسرائيلي لعدة أمتار من هنا أو هناك، لكنها في الواقع تفاوض وتماطل في التفاوض بهدف الحصول على ضمانات لقياداتها وأموالها، حماس بهذا المعنى، وبسبب خطئها الفادح في السابع من أكتوبر هي شريكة في الجريمة ويجب محاسبتها وطنيا، ولكن مع ذلك يبقى المجرم الحقيقي هو هذه الحكومة الإسرائيلية الفاشية في إسرائيل، فالعار لها ولمن يصمت على جرائمها.

شاركها.