الفائز بانتخابات ألمانيا يتعهد بـالاستقلال عن واشنطن

تعهد المحافظ فريدريش ميرتس بـ”تحقيق الاستقلال” عن الولايات المتحدة، بعد فوز كتلته التي تنتمي إلى يمين الوسط بالانتخابات الألمانية، مما جعله على رأس ائتلاف معقد محتمل خلال فترة من الاضطرابات في أوروبا.
وأشارت “فاينانشيال تايمز”، الاثنين، إلى أنه في انتخابات تحولت فيها ألمانيا إلى اليمين، جاء الديمقراطيون المسيحيون (CDU/CSU) بزعامة ميرتس في المرتبة الأولى بنسبة 28.6% من الأصوات، الأحد، ما يتطلب شريك ائتلافي واحد على الأقل لتأمين أغلبية برلمانية عاملة.
وجاء حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف في المرتبة الثانية، بأعلى نسبة تصويت له على الإطلاق بنحو 21%.
وقبل ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع، أعلن ميرتس أن ألمانيا “يجب أن تعيد صياغة ترتيباتها الأمنية بشكل جذري، وتنهي الاعتماد الذي دام عقوداً على واشنطن”، نظراً لأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب كان “غير مبالٍ إلى حد كبير” بمصير أوروبا.
وقال ميرتس: “أنا على اتصال وثيق بالعديد من رؤساء الوزراء، ورؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي. ولا بد أن يكون تعزيز أوروبا في أسرع وقت ممكن أولوية مطلقة حتى نتمكن خطوة بخطوة من تحقيق الاستقلال عن الولايات المتحدة”.
وأضاف: “لم أكن لأتصور أنني سأضطر إلى قول شيء من هذا القبيل… ولكن بعد تصريحات دونالد ترمب، من الواضح أن الأميركيين، على الأقل هذه الحكومة الأميركية، غير مبالين إلى حد كبير بمصير أوروبا”.
كما سلط ميرتس، الذي قال إنه غير متأكد من مستقبل حلف شمال الأطلسي “الناتو”، الضوء على تدخلات واشنطن في الحملة الانتخابية الألمانية، وقارنها بالتدخل الروسي.
وتابع زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا: “أعرف حجم التحدي الذي ينتظرنا. وأنا أتعامل مع هذا الأمر باحترام كبير. وأعلم أن الأمر لن يكون سهلاً”.
ومضى قائلاً: “خضنا حملة صعبة لكننا سنتحدث الآن مع بعضنا البعض”، لافتاً إلى أنه قد يكون من الصعب تشكيل ائتلاف أكثر مما توقع خلال الحملة الانتخابية.
طي صفحة التحالف مع واشنطن
وأشارت مجلة “بوليتيكو”، الأحد، إلى أن فريدريش ميرتس لم ينتظر حتى إعلان النتائج النهائية للانتخابات الألمانية قبل إصدار حكم ربما يكون حاسماً على الرئيس الأميركي، ما يطوي صفحة تحالف أوروبا الذي دام 80 عاماً مع الولايات المتحدة.
ونقلت عن ميرتس، قوله إن “إدارة ترمب لا تهتم بأوروبا، وتتحالف مع روسيا”، محذراً من أن القارة يجب أن تعزز دفاعاتها بشكل عاجل، وربما حتى تجد بديلاً لحلف الناتو في غضون أشهر.
واعتبرت المجلة، أن تعليقات ميرتس تشكل نقطة تحول تاريخية؛ فهي تكشف عمق التأثير الذي أحدثه ترمب في الأسس السياسية لأوروبا، التي اعتمدت على الضمانات الأمنية الأميركية منذ عام 1945.
ورجحت أنه إذا واصل ميرتس خطابه بعد تشكيل حكومة جديدة في الأسابيع المقبلة، فسيقود أوروبا في اتجاه جديد جذري في وقت حرج بالنسبة لأمن أوكرانيا والمنطقة ككل.
وتابع المستشار الألماني المرتقب: “ستكون أولويتي المطلقة هي تعزيز أوروبا في أسرع وقت ممكن حتى نتمكن خطوة بخطوة من تحقيق الاستقلال عن الولايات المتحدة بالفعل”.
ولم يتوقف ميرتس، الذي أمضى جزءاً كبيراً من حياته المهنية كمحام يعمل مع شركات أميركية ولصالحها، عند هذا الحد، لكنه أشار إلى أن أوروبا ربما تحتاج إلى ابتكار هيكل دفاعي جديد ليحل محله. ومن المقرر عقد قمة لحلف الناتو، وفي وقت لاحق من العام الجاري.
وأردف: “أنا متحمس كثيراً لمعرفة كيف نتجه نحو قمة حلف الناتو في نهاية يونيو، سواء كنا سنستمر في الحديث عن حلف الناتو في شكله الحالي أو ما إذا كان علينا إنشاء قدرة دفاعية أوروبية مستقلة بسرعة أكبر بكثير”.
دعم إدارة ترمب لليمين المتطرف
وذكرت “فاينانشيال تايمز” أن إدارة الرئيس ترمب رحبت بحزب “البديل من أجل ألمانيا” بشكل علني، وانتقدت الساسة الرئيسيين في ألمانيا لرفضهم التعاون مع حزب يتلاعب بشعارات الحقبة النازية، وحض على إنهاء العقوبات المفروضة على روسيا، وطالب بالترحيل الجماعي للمهاجرين.
ووفقاً للصحيفة، فاجأ ترمب أوروبا خلال الأسابيع الأخيرة بإجراء محادثات مباشرة مع روسيا بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، وهدد بسحب الضمانات الأمنية الأميركية من القارة. تستضيف ألمانيا أكبر وحدة من القوات الأميركية المتمركزة في أوروبا.
ووصف ترمب في وقت سابق، الأحد، نتيجة الانتخابات بأنها دليل على أن “شعب ألمانيا تعب من أجندة غياب الحس السليم، لا سيما في مجال الطاقة والهجرة، التي سادت لسنوات عديدة”.
ولم يعد أمام ميرتس خيار سوى تشكيل ائتلاف مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي بزعامة المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتز، الذي فاز بأكثر من 16% من الأصوات، في أسوأ نتيجة له منذ عام 1887.
وفشل الشريك التقليدي للديمقراطيين المسيحيين، الديمقراطيون الأحرار، في الوصول إلى عتبة 5% اللازمة لدخول البوندستاج (البرلمان).
ومن المقرر أن يضم البرلمان القادم خمسة أحزاب، تشمل “الخضر”، و”البديل من أجل ألمانيا”، و”اليسار” الراديكالي. ومن شأن ائتلاف ثنائي يضم الديمقراطيين المسيحيين والحزب الديمقراطي الاشتراكي أن يسيطر على الأغلبية في البوندستاج.
ولم يتضح بعد ما إذا كان ميرتس قادراً على التفاوض على أغلبية حاكمة قوية بما يكفي لدفع إصلاحات أساسية، تشمل تعديلات على الحد المنصوص عليه في الدستور على الاقتراض العام.
وتشير النتائج إلى تحول كبير نحو اليمين في ألمانيا بعد سلسلة هجمات قاتلة شنها مهاجرون غذت المشاعر المعادية للمهاجرين.
وسجل إقبال الناخبين أعلى مستوى له منذ إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990، وفقاً لبيانات استطلاعات الرأي عند الخروج، عند مستوى 84%.