شهدت أسعار الفضة حالة من الاستقرار خلال تعاملات اليوم السبت، تزامنًا مع العطلة الأسبوعية للبورصة العالمية، بعد أن ارتفعت الأوقية بنسبة 2.4% خلال الأسبوع الماضي، لتلامس أعلى مستوى لها منذ 2011، مدفوعة بتزايد التوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يتجه نحو خفض أسعار الفائدة في اجتماع الشهر الجاري.

ووفقًا لتقرير صادر عن مركز «الملاذ الآمن» للأبحاث، سجل سعر جرام الفضة عيار 800 نحو 54 جنيهًا، أما عالميًا، فقد ارتفعت الأوقية بمقدار دولار واحد خلال تعاملات الأسبوع الماضي، لتسجل نحو 42 دولارًا.

في حين، بلغ سعر عيار 999 حوالي 68 جنيهًا، وعيار 925 نحو 63 جنيهًا، فيما استقر جنيه الفضة (عيار 925) عند 504 جنيهات.

واصلت أسعار الفضة بالبورصة العالمية صعودها الحاد خلال تعاملات الأسبوع الماضي، لتسجل مستوى 42.45 دولارًا للأوقية، وهو أعلى مستوى في 14 عامًا، مدعومة بضعف الدولار الأمريكي بعد صدور بيانات أمريكية أظهرت تباطؤ سوق العمل واستقرار التضخم، مما عزز التوقعات بخفض الفيدرالي أسعار الفائدة الأسبوع المقبل.

في حين، سجلت الفضة أعلى مستوى تاريخي لها عند 50 دولارًا للأوقية في أبريل 2011، ما يجعلها على مقربة من تجاوز هذه القمة التاريخية. 

ووفقًا لتقارير من محللي السلع في TD Securities، فإن استمرار الطلب الاستثماري لى الفضة مع عجز السوق قد يقود إلى نفاد المخزونات في بورصة لندن خلال سبعة أشهر فقط، بل وربما في غضون أربعة أشهر إذا تسارعت وتيرة الشراء.
وأشاروا إلى أن هذا التطور قد يشكل ما وصفوه بـ”المرحلة النهائية” من موجة الضغط على سوق الفضة التي بدأت منذ أبريل 2024، متوقعين إمكانية وصول الأسعار إلى 50 دولارًا للأوقية.
هذا الشح ظهر أيضًا في فجوة الأسعار بين العقود الآجلة في نيويورك وسوق لندن الفوري، حيث يتم تداول عقود ديسمبر بزيادة تقارب 55 سنتًا عن السعر الفوري.

ضعف سوق العمل الأمريكي

ارتفعت طلبات إعانة البطالة الأسبوعية في الولايات المتحدة بأسرع وتيرة منذ أربع سنوات، فيما جرى خفض تقديرات بيانات الوظائف غير الزراعية بشكل لافت في وقت سابق من الأسبوع.
هذه التطورات عززت المخاوف بشأن تدهور سوق العمل الأمريكي، وهو ما دفع المستثمرين نحو الأصول الآمنة مثل الفضة والذهب.

التضخم عند مستويات معتدلة

على صعيد التضخم، أظهرت بيانات مؤشر أسعار المستهلك لشهر أغسطس ارتفاعًا بنسبة 2.9% على أساس سنوي، مقارنة بـ 2.7% في يوليو، بينما ظل التضخم الأساسي مستقراً عند 3.1%. 

جاء هذا الصعود مدفوعًا ببيانات الوظائف غير الزراعية الأمريكية، التي أظهرت تباطؤًا واضحًا في سوق العمل، حيث أضاف الاقتصاد الأمريكي 22 ألف وظيفة فقط في أغسطس، مقارنة بتوقعات بـ 75 ألف وظيفة، كما ارتفع معدل البطالة إلى 4.3%، وهو الأعلى منذ أواخر 2021، في حين ظل نمو الأجور ثابتًا عند 0.3% شهريًا و3.7% سنويًا.

توقعات الفائدة والسياسة النقدية

تشير توقعات الأسواق إلى احتمالية بنسبة 88% أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه يومي 16 و17 سبتمبر، مع وجود احتمال بنسبة 12% فقط لخفض أكبر بمقدار 50 نقطة أساس.

وتتوافق هذه التوقعات مع تصريحات جيروم باول، رئيس الفيدرالي، خلال ندوة جاكسون هول في أغسطس، حين حذّر من تزايد المخاطر في سوق العمل وأكد أن التضخم والتوظيف يسيران في اتجاهين متعاكسين، مشيرًا إلى استعداد البنك المركزي لإعطاء الأولوية لاستقرار الوظائف إذا تزايدت مؤشرات الضعف.

الفضة: بين الاستثمار والصناعة

رغم أن الذهب يظل المعدن النقدي المفضل للبنوك المركزية وصناديق التحوط، إلا أن الفضة تتمتع بجاذبية نسبية بسبب قيمتها المنخفضة مقارنة بالذهب، إذ إن نسبة الذهب إلى الفضة ما تزال مرتفعة عند أكثر من 86، مقابل متوسط تاريخي بين 50 و60.

ويرى المحللون أن الفضة قد تكون في وضع أفضل من الذهب حاليًا، لكونها لم تعد مجرد أداة ادخارية، بل دخلت بقوة في قطاعات صناعية رئيسية مثل، الطاقة الشمسية، والمركبات الكهربائية، والإلكترونيات الدقيقة، وهو ما يجعل استهلاكها الصناعي في تزايد، بينما يتقلص المعروض العالمي منها بشكل واضح، على عكس الذهب الذي لا يزال الطلب الصناعي عليه محدودًا.

ضغوط سوق الإقراض والمخزونات

أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهاية الأسبوع الماضي أمرًا تنفيذيًا استثنى بعض المعادن الاستراتيجية مثل الذهب والجرافيت والتنجستن واليورانيوم من التعريفات الجمركية، غير أن الفضة لم تُدرج في هذه القائمة، ما فتح باب الشكوك بشأن مستقبلها التجاري ورفع حدة المخاطر في السوق.
انعكس هذا الغموض مباشرة على سوق الإقراض، حيث ارتفعت معدلات تأجير الفضة إلى مستويات غير معتادة، حيث تحركات المعدلات إلى المنطقة السالبة عند نحو 1.2 %، أي أن المستعير أصبح يدفع بدلًا من أن يحصل على عائد، بينما المالك الذي يؤجر الفضة يجني ما يقارب 5.5% على أساس 3 أشهر.

هذه القفزة جاءت بعد إدراج الفضة الشهر الماضي في قائمة المعادن الحيوية للحكومة الأمريكية، وهو ما زاد من الطلب الفعلي وخفّض حجم المعروض المتاح للتأجير في سوق لندن، وقد ارتفع فرق السعر بين عقود COMEX والفضة الفورية في لندن من متوسط تاريخي عند 25 سنتًا إلى 1.1 دولار للأوقية، ما يعكس الطلب الأمريكي القوي.

ومن المقرر أن تصدر نتائج التحقيق الأمريكي بشأن المعادن الحرجة منتصف أكتوبر المقبل، وهو ما قد يتضمن توصيات تخص الفضة، سواء بإضافة تعريفات أو استبعادها. أي إعلان رسمي مطمئن قد يساهم في تهدئة السوق سريعًا.

تتجه الفضة صوب مستويات تاريخية جديدة، مدعومة بالتوترات الاقتصادية والجيوسياسية، والتحول العالمي نحو الطاقة المتجددة، وضعف الدولار الأمريكي، ومع استمرار اعتقاد المستثمرين بأن الفضة أقل تقييمًا من الذهب، قد تتحول السنوات المقبلة إلى فترة إعادة تموضع استراتيجي للمعدن الأبيض في المحافظ الاستثمارية العالمية.

المصدر: صدى البلد

شاركها.