الفنان الأميركي بيتر هالي والأشكال المثالية للسجون
ينظم متحف “تيسين-بورنيميزا” Thyssen-Bornemisza في مدريد، معرضاً استعادياً لأعمال الرسام الأميركي المعاصر بيتر هالي، يغطي مسيرة الفنان بأكملها، منذ عام 1985 وحتى 2024، ويستمر حتى 19 يناير.
يشهد المعرض على الاستقبال الاستثنائي الذي حظيت به أعمال الفنان في إسبانيا منذ نحو أربعين عاماً، وهو اختار للمعرض 20 لوحة تنتمي إلى مجموعات إسبانية خاصة وعامّة.
توحي لوحات هالي الضخمة بالطاقة العالية والألوان المحفّزة، وتذكرنا بالرقائق الدقيقة والرسوم البيانية، فهو توقّع مجتمع العصر الرقمي الذي نعيش فيه، والذي يتميّز بالعزلة والترابط التام في الوقت نفسه.
على مدى عقود، انخرطت لوحات هالي الهندسية الشكل، في أجواء ما يسميه “السجون” و”الزنازين”، وتقترح تجريداته التي بدأها في أواخر السبعينيات، الأشكال الهندسية الحادة، والزوايا الصلبة، وهياكل متنوعة مثل رقائق الكمبيوتر، والقنوات الكهربائية، وأشكال تعكس الهندسة المتزايدة للفضاء الاجتماعي في عالمنا.
لوحات هالي من ألوان Day-Glo الفلورية، وهي نوع من الدهانات تمّ استخدامها على نطاق واسع من قبل الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث كانت الرؤية العالية مطلوبة. وهي تستحضر تدفّق طاقة الشاشات الإلكترونية، وميّزت هالي كواحد من أكثر علماء اللون جرأة، وأكثرهم تجريباً في عصرنا.
أقام هالي معارضه في متاحف مرموقة مثل مركز “دي موين” للفنون، والمركز الوطني للفنون في صوفيا مدريد، ومتحف “ستيديليك” في أمستردام، ومتحف دالاس للفنون، ومتحف الفن الحديث في نيويورك.
يمكن رؤية أعمال بيتر هالي في مجموعات عامة مثل مؤسسة “برود” للفنون، ومجموعة “دايملر كرايسلر”، ومؤسسة كارتييه للفن المعاصر، ومتحف “سولومون آر غوغنهايم”، ومتحف الفن المعاصر في طوكيو، و”تيت مودرن” في بريطانيا، ومتحف ويتني للفن الأميركي.
يشتهر الفنان المقيم في نيويورك بكتاباته عن الثقافة والفن بالإضافة إلى لوحاته المنهجية. وكان ظهوره على الساحة الفنية في بداية الثمانينيات، بمثابة إشارة إلى الابتعاد عن تقليد الفن الهندسي التجريدي في القرن العشرين، الذي كانت تهيمن عليه المفاهيم المثالية والشكلية، نحو اهتمامات اجتماعية جديدة.
على النقيض من روّاد التجريد، الذين جسدت التراكيب الهندسية بالنسبة لهم عقلانية مثالية تتمتع بقيمة طوباوية، فإن لوحة هالي ومقالاته النقدية والنظرية، تعيد تفسير الهندسة كوسيلة للحبس الاجتماعي والسيطرة المليئة بالإيحاءات البائسة.
تعدّ أعمال هالي استجابة مباشرة للفن الذي سبقه، والمناخ الثقافي في أواخر السبعينيات والثمانينيات. وهو استخدم كأبناء جيله في ذلك الوقت، مثل دونالد جود، وسول لويت، وميل بوشنر، أنظمة رياضية وعقلانية لترسيخ الفن في الحقائق الموضوعية للتجربة.
ومع ذلك، أرادت مجموعة أخرى من الفنانين الذين صعدوا إلى الصدارة في الثمانينيات، بما في ذلك جوليان شنابل وإنزو كوتشي، العودة إلى فن الرسم باعتباره وسيلة ذاتية للتعبير عن المعنى.
متأثراً جزئياً بالكتابات النظرية لروبرت سميثسون وميشيل فوكو، يستجيب عمل هالي لكلتا الحساسيتين، ويقدّم الذاتية على أنها مرتبطة تماماً بالأنظمة وتنظمها.
عمل بيتر هالي، الذي بدأ حياته المهنية كفنان مستقل، دائماً من دون دعم المعارض الضخمة، حيث يتعاون في كل بلد مع سلسلة من المعارض الصغيرة التي طوّر معها علاقات ثقة ممتدّة.
بعد عرضه في مدريد، سيتم مشاهدة المعرض في “كاسال سوليريك دي بالما دي مايوركا”، في الفترة بين 22 مارس إلى 25 مايو 2025.