القاهرة الفاطمية تستضيف ملتقى القاهرة الأدبي

تستضيف قبّة الغوري، في منطقة القاهرة الفاطمية، الدورة السابعة من “ملتقى القاهرة الأدبي” الذي تُنظمه “صفصافة للثقافة والنشر”، بعنوان “واقعية الخيال”، بمشاركة أدباء وشعراء ومترجمين من ثماني دول، يناقشون التأثير المتبادل بين الأدب والواقع المعاش، وخصوصاً في اللحظات التاريخية المعقّدة، وأهمية الذاكرة الثقافية ودور الكُتّاب في حفظها.
شارك في الجلسة الافتتاحية الكاتبة الألمانية جيني إربينبيك، الحاصلة على جائزة “بوكر” العالمية عام 2024، والكاتب المصري خالد الخميسي، رئيس مجلس إدارة مكتبة القاهرة الكبرى.
وأكد الناشر محمد البعلي مدير الملتقى لـ”الشرق”، “أن الفعاليات تؤكد على تفاعل الفنون والآداب مع الواقع الذي يشهد تحولات كثيرة، وتأثيرها على الإنسان، وتناقش قضايا ملحّة بمشاركة كُتّاب وشعراء ومؤثري وسائل التواصل، التي أصبحت من موجهات القارئ عربياً وعالمياً، ومن الضروري الالتفات إليها لفهم واقع الثقافة الحالي”.
الجلسة الافتتاحية حملت عنوان “الخيال حين يحلّق بأجنحة الواقع”، أدارها الدكتور صلاح هلال؛ أستاذ الأدب الألماني في جامعة عين شمس، وتحدث فيها الكاتب خالد الخميسي عن أهمية الملتقى، مشيراً إلى أن “مكان إقامة الفعاليات وهو قبة الغوري التاريخية مرتبط بالخيال”، لافتاً إلى أن “هذا المكان هو نتاج خيال المعماري الذي عاش منذ قرون بعيدة، وأصبح واقعاً نعيش فيه الآن، ويراه كل شخص بشكل مختلف، وفقاً لخبراته وقدرته على فهم ما يراه”.
وحول طبيعة الشخصيات الأدبية قال: “على الرغم من أنها شخصيات متخيّلة، لكنها تفرض استقلاليتها على الكاتب، وبعض الناس يتصوّرون أن الكاتب يحدّد مسار شخصياته، لكن في حقيقة الأمر أن الكاتب كخطوة أولى يحدّد الملامح الأساسية الاجتماعية والعمرية والنفسية، ومن خلال ذلك تفرض الشخصية نفسها ومسارها وتُملي على الكاتب ما تريده”.
وتحدث رئيس مجلس إدارة مكتبة القاهرة الكبرى عن الإصدارات المختلفة للكتب، التي تتنوّع في جودتها، وذكر أن الكاتب الفرنسي الشهير بلزاك، “كتب خطاباً في نهاية العشرينيات من القرن 19 إلى ناشر كُتبه، وذلك رداً على طلبه، الذي أشار فيه على بلزاك بمتابعة أحد الكُتّاب الذي تحظي أعماله بمبيعات كبيرة، لمعرفة أسلوبه ومحاولة تقليده، مشيراً إلى أنه لولا خطاب بلزاك الذي ذكر فيه اسم هذا الكاتب، لما سمع أحد عنه، لأنه اختفى ورواياته غير موجودة، لكن بلزاك بقي، وهو ما يؤكد أن الغثّ هو الغالب والسمين هو القليل، ودائماً هناك كتب لا قيمة لها تلقى رواجاً، لكن في النهاية تنتصر الأعمال ذات القيمة”.
وأوضحت جيني إربينبيك، وهي أول كاتبة ألمانية تفوز بـ”بوكر”، أن علاقتها بالشخصيات تبادلية، ولفتت إلى أنها تعطي إشارة البدء وتمنح الشخصية استقلاليتها، ثم تحاول أن تفكر إذا كانت مكان تلك الشخصيات كيف ستتصرف وبماذا ستشعر”.
وتجد الكاتبة أنها تنطلق دائما في كتاباتها من الواقع والقضايا الهامة، ولديها شغف بالبحث عن الحقيقة التي تنطلق منها إلى السرد الخيالي، مشيرة إلى روايتها “وطن محمول” التي أثارت ضجة في ألمانيا وقت صدورها، “لأنها تناولت قضية المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين في ألمانيا، وأنها قبل كتابتها كانت منشغلة بفكرة الهوية والوطن وارتباطهما بالإحساس بالفقد الدائم”.
كما رأت التحولات في المجتمع الألماني مع تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين إليها، “وعدم إدراك الشعب الألماني لطبيعة حياة ومصائر هؤلاء وأنهم ليسوا أرقاماً؛ لذلك أردت لفت الانتباه إلى قضيتهم وحقوقهم”.
وأكدت الكاتبة أن والدتها ترجمت من العربية مباشرة أعمال الكاتب المصري الحاصل على جائزة نوبل نجيب محفوظ، وأنها حالياً تتتبع رحلة والدتها في مصر وتعلمها للغة العربية، وتعرّفها على كوكبة من الأدباء المصريين، مشيرة إلى أنها كانت طفلة حينها، وكانت السلطات في ألمانيا الشرقية تحتفظ بها لضمان عودة الأم إلى ألمانيا مرة ثانية.
وقال الكاتب المصري إبراهيم عبد المجيد، “إن ملتقى القاهرة من الفعاليات الهامة خاصة أنه مبادرة أهلية؛ وتاريخياً شاركت المبادرات الأهلية بأكبر مساهمة في تاريخ الثقافة، ولعبت دوراً كبيراً في التنمية الثقافية، وفكرة الجلسة الافتتاحية هامة لأن الناس كثيراً ما يتعاملون مع الأدب، باعتباره واقعاً، ويحاسبون الروائيين على تصرفات الشخصيات الخيالية، باعتبارها شخصيات حقيقية وليست من خيال المؤلف”.
يضم برنامج الملتقى مجموعة متنوّعة من الجلسات، من بينها “الأدب والسوشيال ميديا: تسويق أم توجيه ذوق القراء”، و “كيف تنظر كتب التاريخ الثقافي إلى أدوار النساء”، و”خمسون عاماً على وفاة أم كلثوم”، و”التعافي بالكتابة”، و”الأدب العربي في شمال أفريقيا.. مجالات التأثير والتأثر”، ويختتم الملتقى أعماله الخميس المقبل، بأمسية شعرية تضم عدداً من الشعراء والشاعرات من مصر ومالطا وألمانيا.