القصة الكاملة وراء عودة “الذئاب الرهيبة” للحياة بعد انقراضها

في خطوة مفاجئة، أعلن باحثون “إعادة إحياء” نوع من الذئاب يُعرف بـ”الذئب الرهيب” انقرض قبل آلاف السنين، والذي اشتهر في مسلسل “صراع العروش” (Game of Thrones)، لكن هذه الخطوة أثارت جدلاً واسعاً، إذ قال علماء إن الكائن الجديد يعتمد على حيوان موجود بالفعل
وتقف شركة “كولوسال بيوساينس” (Colossal Biosciences) المتخصصة في التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية وراء هذا الإعلان>
وأوضحت الشركة الأميركية أنها استخدمت “الهندسة الوراثية المتقدمة والحمض النووي القديم” لإعادة إحياء 3 جراء من الذئاب الرهيبة، حيث تم استخراج وتحليل الحمض النووي من حفريات قديمة لهذا النوع، بما في ذلك أسنان عمرها 13 ألف عام، وعظمة أذن داخلية عمرها 72 ألف عام.
“حدث الانقراض الرباعي”
قبل نحو 100 ألف عام، وتحديداً في نهاية العصر البليستوسيني وبداية حقبة الهولوسين، شهدت الأرض تحولات سريعة في درجات الحرارة أدت إلى تقلّص البيئات الطبيعية التي اعتمدت عليها مجموعة كبيرة من الحيوانات الضخمة في الغذاء والتكاثر.
في ذلك التوقيت أيضاً، دخل الإنسان العاقل مناطق لم يكن يسكنها من قبل، وكانت تستوطنها الثدييات الضخمة المعروفة بـ”الميجافونا”، مثل الماموث، والقطط ذات الأسنان السيفية، والكسلان العملاق، والإلكة الإيرلندية، والجمال والخيول الأميركية، وكذلك الذئب الرهيب.
شكّل البشر والتغيرات المناخية الحادة “عاصفة مثالية” أدّت إلى اختفاء عدد كبير من الأنواع خلال فترة قصيرة نسبياً فيما يُعرف الآن باسم “حدث الانقراض الرباعي”.
لم يكن ذلك الانقراض متساوياً في جميع أنحاء الأرض، إذ كانت معدلاته أعلى في الأميركتين وأستراليا، حيث دخل الإنسان متأخراً، ما يشير إلى أن الكائنات التي لم تتطوّر جنباً إلى جنب مع الإنسان كانت أكثر عُرضة للانقراض. ومن بين تلك الحيوانات التي تقلصت أعدادها بشدة “الذئب الرهيب” حتى أنها انقرضت بشكل كامل قبل نحو 10 آلاف عام، فما هي حكايتها؟
قصة ترويها حفريات
تعود أولى الاكتشافات المعروفة لبقايا الذئب الرهيب إلى عام 1854، حين تم العثور على فك وأسنان متحجرة في قاع نهر أوهايو قرب مدينة إيفانسفيل بولاية إنديانا الأميركية.
وأطلق عليه عالم الأحافير جوزيف ليدي لاحقاً اسم Canis Dirus، أي “الذئب المروّع”، ليتحول لاحقاً إلى اسم أكثر دقة تصنيفياً Aenocyon dirus، والذي يعني حرفياً “الذئب الرهيب”.
انتشر الذئب الرهيب في الأميركيتين الشمالية والجنوبية، حيث سكن السهول والأراضي العشبية وبعض المناطق الجبلية والغابات، بينما وُجدت أحافيره في مواقع تراوحت بين مستوى سطح البحر وحتى ارتفاع 2255 متراً.
ومن المثير للانتباه أن حضوره كان نادراً في المناطق الواقعة شمال خط عرض 42 درجة، ما يشير إلى تقييده بظروف مناخية معينة، أو بتوافر فرائسه الأساسية.
ورغم أن الذئب الرهيب يُشبه الذئب الرمادي الحديث في الحجم، إلا أنه اختلف عنه في عدة جوانب، إذ إن متوسط وزنه تراوح بين 60 إلى 68 كيلوجراماً، ما يجعله من أثقل الذئاب المعروفة، وبالتالي كان يتمتع ببنية قوية تتناسب مع أسلوب حياته كصياد في بيئات قاسية، كما أن أسنانه كانت أكبر وأكثر فتكاً، وتمتلك قدرة قص قوية مصممة لتمزيق لحم الحيوانات الضخمة، وهو ما يُعدّ ميزة حاسمة أثناء افتراسه للفرائس الكبيرة.
وكانت عضّته الأقوى بين جميع أنواع “كانيس” (Canis) المعروفة، ما جعلها مناسبة لمهاجمة الحيوانات الضخمة مثل البيسون القديم والخيول البدائية.
وتكيَّف الذئب الرهيب بشكل ممتاز لافتراس ما يُعرف بـ”الضواري العملاقة” مثل الظباء القزمة والجمال الأميركية، التي كانت تشكّل جزءاً رئيسياً من نظامه الغذائي، إذ كانت تركيبته الجسدية القوية، وتكيّفه البيولوجي جعلته واحداً من أبرز المفترسات في عصره.
ولأكثر من قرن، اعتُبر الذئب الرهيب جزءاً من جنس الذئاب المعروف باسم Canis، لكن دراسة في عام 2021 قلبت الموازين، إذ أظهرت تحاليل الحمض النووي أن هذا الحيوان يُشكّل سلالة تطورية منفصلة كلياً، ما يبرر فصله ضمن جنس خاص به يُعرف باسم “أينوسيون” (Aenocyon).
في الأيام الأخيرة، أثارت شركة “كولوسال بايوساينس” الجدل بإعلانها إنتاج جراء تحمل سمات الذئب الرهيب، عبر تعديل جيني في أجنة ذئاب رمادية، مستعينة بشظايا من الحمض النووي القديم من خلال هندسة جينية دقيقة واستخدام الحمض النووي القديم المحفوظ، بعد أن تمكَّن الباحثون من فك شفرة جينوم هذه الذئاب الأسطورية، ثم أعادوا كتابة الشفرة الجينية للذئب الرمادي العادي لتطابقها.
وباستخدام كلاب مستأنسة كأمهات بديلة، وُلد رومولوس وريموس وأختهما خاليسي في 3 ولادات منفصلة في الخريف والشتاء الماضيين.
كيف عادت “الذئاب الرهيبة” للحياة؟
تتمثل أكبر تحديات إعادة الذئب الرهيب في الاختلاف الجيني بينه وبين أقرب أقاربه المعاصرين، مثل الذئب الرمادي، حيث إن تركيبته الجينية لا تتشابه بشكل كبير مع أي من عينات الكائنات الحديثة، ويجعل هذا إعادة تكوينه أمراً صعباً، ولكن من خلال العمل الجاد والتقنيات المتطورة، أصبحت عملية استعادة الأنواع المفقودة ممكنة.
تتضمن هذه العملية استخدام تقنيات حديثة مثل تسلسل الحمض النووي القديم وتحليل الصفات متعددة الأنساب، وتحرير الجينات عبر تقنيات الهندسة الجينية المتقدمة، واستنساخ الخلايا الجذعية.
وقد أسفرت هذه التقنيات عن أكبر عدد من التعديلات الجينية الدقيقة في كائن فقاري صحي حتى الآن، ما يمهد الطريق لإمكانية استعادة العديد من الأنواع المفقودة في المستقبل.
كيف وُلدت الذئاب الرهيبة؟
تم الحمل في الذئاب الرهيبة من خلال عملية معقدة باستخدام تقنيات متطورة في علم الوراثة، حيث استخدمت الشركة المسؤولة عن المشروع تقنيات تعديل الجينات واستنساخ الخلايا لإعادة إنتاج ذئاب رهيبة باستخدام خلايا من ذئاب رمادية الحديثة، والتي تم تعديلها وراثياً لتحتوي على مواد وراثية من الحيوان المنقرض.
في البداية، يتم البحث عن العظام أو الأسنان أو أي بقايا أخرى للذئب الرهيب في مواقع حفر قديمة مثل مستنقعات القطران في لا بريا (La Brea Tar Pits) أو مواقع أثرية أخرى تحتوي على طبقات غنية بالبقايا الأحفورية التي تتمكن من الحفاظ على الحمض النووي، خاصة في الأنسجة الأكثر مقاومة مثل الأسنان والعظام.
وبين أيدي العلماء، تحولت بقايا عظمية إلى كنز جيني ثمين، “سنٌ متحجر يعود إلى 13 ألف عام، وعظمة أذن داخلية تجاوز عمرها 72 ألف عام”، وباستخدام التقنيات الجينية، نجح الفريق في فك شفرة جينوم الذئب الرهيب بدقة مذهلة، تفوق أي تسجيل سابق بـ500 ضعف.
بعد العثور على العينات المتحجرة، بدأت عملية استخراج الحمض النووي من الأنسجة المتوفرة. وفي الغالب، تكون العينات متدهورة ومجزأة بسبب عوامل الزمن مثل الأكسدة والتدهور البيولوجي.
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال من الممكن استخراج أجزاء صغيرة من الحمض النووي باستخدام تقنيات دقيقة ومتطورة مثل التسلسل الجيني والتسلسل عالي الدقة، والتي تتيح تحديد الحمض النووي المتبقي رغم تدهوره، وباستخدام هذه الطرق، استخلص العلماء قطعاً صغيرة من الحمض النووي لينشئوا “مخطط جيني” للكائن.
وبعد ذلك؛ حلل العلماء الحمض النووي المتدهور للذئب الرهيب لتحديد الجينات الأساسية التي تميز هذا النوع عن الذئب الرمادي، وتطلَّب هذا التحليل تقنيات عالية في تسلسل الجينات وتحديد التسلسل الجيني المفقود، أو المشوه في العينة القديمة، وتحديد الجينات الفريدة التي تميز الذئب الرهيب عن الأنواع الأخرى وهو الأمر الذي مكن العلماء من عزل الجينات التي تساهم في صفات معينة مثل حجم الجسم، وشكل الرأس، وفكوك الذئب الرهيب.
وفحص العلماء المواد الوراثية المستخلصة للتأكد من صحتها ودقتها، ففي كثير من الأحيان، يكون الحمض النووي المأخوذ من العينات المتحجرة مشوّهاً، لذا تعيَّن استخدام تقنيات لتصحيح، أو إعادة بناء الأجزاء المفقودة من الجينوم والتعويض عن الجينات المفقودة، أو المتدهورة باستخدام معلومات جينية من الكائنات القريبة عبر مقارنة الجينوم المستخلص من الحمض النووي القديم مع الجينوم الخاص بالذئب الرمادي، أو الأنواع القريبة الأخرى لتحديد التغيرات الجينية المهمة.
تقنية “كريسبر”
استخدم الباحثون تقنية “كريسبر” الثورية لإعادة برمجة الحمض النووي لخلايا الذئب الرمادي، مستهدفين 20 موقعاً حيوياً في 14 جيناً مسؤولاً عن السمات المميزة للذئب الرهيب، فتحولت الخلايا المعدلة إلى نسخة جينية معاصرة تحاكي بنيته العضلية الفريدة، وجمجمته الضخمة، وفرائه الشاحب الذي كان يزين سهول العصر الجليدي.
وتُعد تقنية “كريسبر-كاس9” (CRISPR/Cas9) أداة ثورية في الهندسة الوراثية، إذ تُشبه مقصاً جزيئياً دقيقاً قادراً على تعديل الحمض النووي بدقة غير مسبوقة تعتمد على نظام مناعي موجود طبيعياً في البكتيريا، حيث تستخدمه للدفاع عن نفسها ضد الفيروسات عن طريق قطع أجزاء من الحمض النووي الفيروسي وتخزينها في مناطق خاصة تُسمى “كريسبر”.
وعند مهاجمة الفيروس مجدداً، تتعرف البكتيريا على الحمض النووي المعادي، وتقطعه باستخدام “إنزيم كاس9” المرشد بواسطة جزيء حمض نووي.
في المختبر، طوّر العلماء هذه الآلية لتصبح أداة قوية للتعديل الجيني، حيث يتم تصميم دليل لحمض نووي اصطناعي ليقود “إنزيم كاس9” إلى موقع محدد في الجينوم المستهدف.
وبمجرد الوصول، يقطع الإنزيم الحمض النووي في ذلك الموقع بالضبط، ما يسمح للعلماء بحذف أو إضافة أو استبدال أجزاء من المادة الوراثية.
وبعد تحديد الجينات الأساسية التي تميّز الذئب الرهيب، تم تحديد الجينات المسؤولة عن الصفات مثل الحجم، وقوة الفك، وطبيعة الأسنان، وهي الصفات التي تُميّز الذئب الرهيب عن الذئب الرمادي.
وفي الخطوة التالية، تم نقل تلك الجينات إلى خلايا ذئاب رمادية حية باستخدام تقنيات التعديل الجيني عبر استخدام خلايا من ذئاب رمادية معدلة وراثياً، وتخصيبها باستخدام تقنيات الاستنساخ المتقدمة، ثم تم زرع الأجنة المعدلة في أمهات بديلة من الكلاب المنزلية، حيث تم مراقبة الحمل بعناية.
وبحسب ما نقلت مجلة “تايم”، قال المؤسس المشارك لشركة “كولوسال” وأستاذ الوراثة في كل من جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، جورج تشيرش، إنه “يمكن أخذ أنبوب من الدم وزراعته واستنساخه بكفاءة عالية. نعتقد أنها ستكون بمثابة تغيير لقواعد اللعبة”.
وأضاف تشيرش أن عملية أخذ العينات الخلوية الأقل تدخلاً ستسهل الإجراء على الحيوانات، وأن نجاح أساليب شركة كولوسال في هذه التجربة الأولى يعزز ثقتها في أنها على المسار الصحيح لتحقيق الاستنساخ وإعادة الحياة بشكل أوسع.
وخلال فترات حملهن، احتفظ العلماء بالأمهات من الذئاب في منشأة العناية بالحيوانات التابعة لشركة “كولوسال”، حيث كانت تُراقب بانتظام، وتُجرى لها فحوصات بالموجات فوق الصوتية أسبوعياً من قِبَل العلماء البيطريين وفريق الموظفين.
ووُلدت جميع الذئاب الثلاثة من خلال عملية قيصرية مخططة لتقليل مخاطر حدوث مضاعفات أثناء الولادة، ثم قام فريق مكون من أربعة أشخاص بإجراء الجراحة ورفع الجراء من أرحامهن، بينما قام أربعة آخرون بتنظيف المواليد الجدد، واهتم الفريق الجراحي بالأم أثناء تعافيها من التخدير.
وتغذّى الجراء من الأم البديلة لبضعة أيام فقط، بعدها قامت شركة كولوسال بإزالتهما من عندها، وأطعمتهم عبر الزجاجة، لأن الأم البديلة أصبحت مفرطة في الاهتمام، ما أدى إلى تعطيل جدول نومهم ورضاعتهم المنتظم، ثم تم فطامهم في سن ثمانية أسابيع ومنذ ذلك الحين عاشوا حياة صحية كذئاب رهيبة شابة.
ومنذ ولادتها، تعيش الذئاب الرهيبة في محمية بيئية مساحتها 2000 فدان في موقع ما في الولايات المتحدة، والذي تحافظ “كولوسال” عليه سرياً لحماية الحيوانات.
وتحيط بالمحمية سياجاً بارتفاع 3 أمتار، وتشمل موقعاً أصغر بمساحة 6 أفدنة يحتوي على عيادة بيطرية، ومأوى للظروف الجوية القاسية، وأوكاراً طبيعية حيث يمكن للذئاب تلبية رغبتها الفطرية في الحصول على ملاذ آمن، كما يعمل طاقم من الأطباء البيطريين على مراقبة الحيوانات على مدار الساعة.
يتم إطعام الذئاب نظاماً غذائياً يحتوي على لحوم الأبقار والخيول والغزلان، بالإضافة إلى الكبد وأعضاء أخرى، مع طعام الجراء لتوفير العناصر الغذائية الحيوية. وعندما كانت في مرحلة الفطام، كانت اللحوم تقدم مهروسة، وهو مشابه للحوم شبه المهضومة التي قد تعيد الأم تقيؤها لتغذية صغارها.
أما الآن فيتم تقديم الطعام كاملاً حتى تتمكن الذئاب من تمزيقه كما لو كانت قد اصطادته، لكنها لم تقتل أي فريسة حية حتى اللحظة.
وبدأت الجراء بالفعل في إظهار سلوكيات قد تساعدهم في البرية، لكنها لا تفيدهم كثيراً في شبه الأَسْر، إذ بدأوا في العواء عندما كانوا في عمر أسبوعين فقط، وفي وقت مبكر بدأوا في التسلل ومطاردة الأوراق أو أي شيء يتحرك. كما أظهروا الحذر الذئبي، حيث كانوا يركضون للاختباء في الأماكن المظلمة إذا تم مفاجأتهم أو شعورهم بالخطر.
“ليس ذئبا رهيباً”
وعلى الرغم من الضجة العالمية التي رافقت هذا الإعلان، قال علماء مستقلون إن “الذئب الرهيب” الذي يحتل المشهد الإعلامي حالياً “ليس ذئبًا رهيبًا على الإطلاق”.
وأشار المعارضون إلى أن من المهم أن نفهم أن “الذئب الرهيب” الذي يتم الحديث عنه ليس بالضرورة هو الكائن نفسه الذي كان يعيش في العصر الجليدي، فبدلاً من إحياء الكائن من خلال استخراج حمض نووي حي من عظام أو بقايا حية، اعتمد العلماء على التعديل الجيني باستخدام تقنيات حديثة مثل تعديل الجينات وتكنولوجيا الاستنساخ، وهو ما يجعل الكائن المعدل يختلف تماماً عن نظيره التاريخي.
فيما لفت بعض العلماء إلى أن الجينات التي تم تعديلها قد تكون استوفت بعض المتطلبات الجينية التي تُميّز “الذئب الرهيب” عن الذئب الرمادي، ولكن هذا لا يعني أن الكائن الناتج سيحاكي السلوكيات أو الخصائص البيولوجية لهذا الكائن المنقرض بشكل كامل، إذ أن هذا الكائن هو نتيجة تجربة علمية تهدف إلى تكييف الذئب الرمادي ليشبه الذئب الرهيب، ولكنه لا يرقى إلى مستوى إعادة إحياء “حقيقي” للكائن.
ومن أحد الجوانب التي أثارت الجدل هو أن العلماء لا يقومون بإعادة إحياء “الذئب الرهيب” بشكل كامل، وبدلاً من ذلك، يتم إدخال بعض الجينات التي يمكن أن تكون قد ميَّزته عن غيره من الحيوانات المنقرضة في ذلك الوقت، مثل الجينات المسؤولة عن السلوك أو المظهر أو القدرة على التكيف مع البيئات الباردة. ولكن هذه العملية لا تعيد الخصائص البيولوجية كافة، الاجتماعية أو السلوكية، التي كانت موجودة في ذئاب العصر الجليدي.
كما أن العديد من الجينات التي يتم تعديلها تركز على الخصائص الظاهرة فقط مثل الفرو السميك، أو تكوين الجسم الذي يتكيف مع البرودة، ولا يمكن اعتبار هذه التعديلات وحدها كافية لإعادة إحياء كائن كامل المعالم والقدرات مثل ذئب العصر الجليدي، الذي كان يعيش في بيئات مختلفة تماماً عن أي مكان نعرفه اليوم.
ومن أكثر الانتقادات التي وجهت لهذه العملية هي أنها قد تفتقر إلى محاكاة سلوكيات الذئب الرهيب الحقيقي، فعلى الرغم من أنها كانت حيوانات ضخمة وقوية، تتمتع بقدرة هائلة على اصطفاف أعداد كبيرة من الفرائس في بيئات معقدة مثل السهول المتجمدة في العصر الجليدي، فإن إعادة تكوين هذه القدرات لا يمكن أن تتم فقط من خلال تعديل الجينات.
وتطلب إعادة إحياء مثل هذا الحيوان إعادة تشكيل البيئة التي عاش فيها، ومعها أساليب الصيد والسلوكيات الاجتماعية المعقدة التي تميزت بها هذه الأنواع.
كما أن تكيُّف الذئب الرهيب مع بيئات قاسية قد يكون له علاقة بمجموعات من الجينات المعقدة التي تتفاعل مع بيئة معينة بشكل لا يمكن محاكاته في بيئة محدّثة في زمننا الحالي، وبالتالي، قد تظل هذه الذئاب المعدلة حيوانات تفتقر إلى بعض الجوانب الحيوية التي كانت تُميّز ذئاب العصر الجليدي.
ويثير إعادة الحيوانات المنقرضة للحياة العديد من القضايا البيئية والأخلاقية، ومن بينها مدى تأثير هذه الحيوانات المعدلة وراثياً على البيئة الحالية.
وعلى الرغم من التقدم العلمي الذي تحقق في التعديل الجيني، فإن إعادة إدخال مثل هذه الأنواع إلى بيئات غير طبيعية قد تؤدي إلى اختلالات بيئية خطيرة، إذ كيف ستتفاعل الذئاب المعدلة مع الأنواع الأخرى في النظام البيئي؟ وهل ستكون قادرة على الاندماج مع حيوانات العصر الحديث؟
وبالإضافة إلى الاعتبارات البيئية، هناك أيضاً مسائل أخلاقية تتعلق بمحاكاة كائنات منقرضة، فهل يجب على الإنسان التدخل في الطبيعة بهذا الشكل؟ إذ يرى البعض أن هذا النوع من التعديل الجيني قد يكون غير أخلاقي، وأنه من الأفضل الحفاظ على الأنواع الحالية بدلاً من محاولة إحياء أنواع قضت وقد لا تكون ملائمة للحياة في العصر الحالي.