بدأ الرئيس السوري السابق بشار الأسد الاستعداد للعودة إلى تخصصه المهني القديم، وهو “طب العيون”، خلال حياته في المنفى بالعاصمة الروسية موسكو، بحسب ما نقلته صحيفة “جارديان” البريطانية عن مصدر مطلع.
وقال المصدر إن زعيم آخر نظام بعثي في الشرق الأوسط بات اليوم يتلقى دروساً في طب العيون، مستعيداً مساراً مهنياً كان قد هجره مع وصوله إلى الحكم.
وبعد عام من تخليه عن السلطة مقابل منفى مرفّه في العاصمة الروسية، ذكرت الصحيفة أن عائلة الأسد تعيش حياة منعزلة وهادئة، لكنها مترفة، وقالت إن صديقاً للعائلة ومصادر في روسيا وسوريا، إضافة إلى بيانات مسربة، ساهموا في تقديم لمحة نادرة عن حياة العائلة.
وقال صديق لعائلة الأسد لا يزال على تواصل معها: “إنه يدرس اللغة الروسية ويُنعش معرفته بطب العيون مجدداً.. هذا شغفه، وهو بالطبع لا يحتاج إلى المال.. وحتى قبل اندلاع الحرب في سوريا، كان يمارس طب العيون بانتظام في دمشق”، مرجحاً أن نخبة موسكو الثرية قد تكون زبائنه المحتملين.
عزلة الأسد في روسيا
وبحسب مصدرين مطلعين على الوضع، يرجح أن تقيم العائلة في منطقة روبليوفكا الراقية، وهي مجمع سكني مغلق يضم نخبة موسكو، وهناك قد يجاورون شخصيات من قبيل الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، الذي فر من كييف عام 2014، ويعتقد أنه يقيم في المنطقة نفسها.
وأضافت الصحيفة أنه رغم أسلوب الحياة المترف، تعيش العائلة حالة عزلة شبه كاملة عن الأوساط النخبوية السورية والروسية التي كانت تحظى بنفوذها في السابق، فقد ترك فرار بشار الأسد من سوريا في اللحظات الأخيرة شعوراً عميقاً بالخذلان لدى أركان نظامه، فيما يفرض المسؤولون الروس عليه قيوداً تحد من قدرته على التواصل مع كبار مسؤولي النظام السابق.
وقال صديق للعائلة: “إنها حياة هادئة للغاية.. تواصله مع العالم الخارجي محدود جداً، إن لم يكن معدوماً، ولا يزال على اتصال بعدد قليل فقط ممن كانوا في القصر، مثل منصور عزام، وزير شؤون رئاسة الجمهورية السابق، ويسار إبراهيم، أبرز أذرعه الاقتصادية”.
من جهته، قال مصدر مقرب من الكرملين إن الأسد بات إلى حد كبير “شخصية غير ذات صلة” بالنسبة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والنخبة السياسية في روسيا.
وأضاف المصدر: “بوتين لا يتحمل القادة الذين يفقدون قبضتهم على السلطة، ولم يعد ينظر إلى الأسد كشخصية مؤثرة، ولا حتى كضيف يثير الاهتمام يمكن دعوته إلى مائدة عشاء”.
هروب الأسد والعائلة
وكان الأسد قد فر من دمشق في الساعات الأولى من فجر 8 ديسمبر 2024، مع اقتراب فصائل المعارضة المسلحة من العاصمة من الشمال والجنوب. وانتقل في ظل مرافقة عسكرية روسية إلى قاعدة حميميم الجوية، حيث جرى إخراجه جواً من البلاد.
ولم يُحذر الأسد أفراد عائلته الممتدة ولا أقرب حلفائه في النظام من الانهيار الوشيك، تاركاً إياهم لمصيرهم.
وقال صديق لماهر الأسد، شقيق بشار وأحد أبرز القادة العسكريين، ويعرف العديد من العاملين السابقين في القصر: “كان ماهر يتصل ببشار منذ أيام، لكنه لم يكن يرد، وبقي ماهر في القصر حتى اللحظة الأخيرة، وعندما دخل المقاتلون وجدوا جمر الأرجيلة لا يزال دافئاً.. كان ماهر هو من ساعد الآخرين على الهرب، أما بشار فلم يكن يهتم إلا بنفسه”.
من جانبه، روى محامي رفعت الأسد، عم بشار، كيف اتصل به موكلوه في حالة من الهلع، وهم لا يعرفون كيف يغادرون سوريا بعد فرار بشار.
وقال إيلي حاتم، محامي رفعت: “عندما وصلوا إلى قاعدة حميميم، أخبروا الجنود الروس بأنهم من عائلة الأسد، لكن الجنود لم يكونوا يتحدثون الإنجليزية أو العربية، فاضطر ثمانية منهم إلى النوم في سياراتهم أمام القاعدة”. ولم تتمكن العائلة من مغادرة البلاد إلى سلطنة عُمان إلا بعد تدخل مسؤول روسي رفيع، بحسب ما نقلته “جارديان”.
وفي الأشهر الأولى التي أعقبت هروب أسرة الأسد، لم يكن حلفاؤه السابقون ضمن أولويات بشار، إذ تجمعت العائلة في موسكو لدعم أسماء الأسد، السيدة الأولى السابقة لسوريا والمولودة في بريطانيا، والتي كانت تعاني منذ سنوات من سرطان الدم (اللوكيميا)، وتدهورت حالتها الصحية إلى وضع حرج، وكانت تتلقى العلاج في موسكو قبل سقوط نظام الأسد.
وبحسب مصدر مطلع على تفاصيل حالتها الصحية، تعافت أسماء الأسد بعد خضوعها لعلاج تجريبي بإشراف الأجهزة الأمنية الروسية.
رواية الأسد والظهور الإعلامي
ومع استقرار حالتها الصحية، يسعى الرئيس السابق إلى إيصال روايته الخاصة إلى الرأي العام، فقد رتب لإجراء مقابلات مع قناة “آر تي” الروسية وأحد أشهر مقدمي البودكاست اليمينيين في الولايات المتحدة، لكنه لا يزال ينتظر موافقة السلطات الروسية للظهور إعلامياً.
وبحسب “جارديان”، يبدو أن روسيا فرضت حظراً فعلياً على أي ظهور علني لبشار الأسد. ففي مقابلة نادرة أجريت في نوفمبر مع وسائل إعلام عراقية حول حياة الأسد في موسكو، أكد السفير الروسي لدى العراق، ألبروس كوتراشيف أن الرئيس السابق مُنع من أي نشاط عام.
وقال كوتراشيف: “قد يعيش الأسد هنا، لكنه لا يستطيع الانخراط في أي أنشطة سياسية، ولا يحق له ممارسة أي نشاط إعلامي أو سياسي.. هل سمعتم أي شيء عنه؟ لم تسمعوا، لأنه غير مسموح له بذلك، لكنه آمن وعلى قيد الحياة”.
أبناء بشار الأسد
وعلى النقيض من ذلك، تبدو حياة أبناء الأسد مستمرة مع قدر محدود نسبيا من الاضطراب، إذ يتأقلمون مع واقع جديد بوصفهم جزءا من نخبة موسكو.
وقال صديق للعائلة، التقى بعض الأبناء قبل أشهر: “يبدون في حالة ذهول إلى حد ما.. أعتقد أنهم ما زالوا تحت وقع الصدمة.. إنهم فقط يحاولون التكيف مع حياة لم يعودوا فيها العائلة الأولى”.
وكان الظهور العلني الوحيد الذي شوهدت فيه عائلة الأسد من دون بشار منذ سقوط النظام، خلال حفل تخرج ابنته زين الأسد في 30 يونيو، حيث نالت شهادة في العلاقات الدولية من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية (MGIMO)، الجامعة النخبوية التي تخرج فيها عدد كبير من أفراد الطبقة الحاكمة في روسيا.
وتظهر صورة منشورة على الموقع الرسمي للمعهد زين (22 عاماً) واقفة إلى جانب زملائها الخريجين.
وفي مقطع فيديو منفصل وضبابي من الحفل، يمكن مشاهدة أفراد من عائلة الأسد في صفوف الحضور، بينهم أسماء الأسد ونجلاها حافظ (24 عاماً) وكريم (21 عاماً).
وأكد اثنان من زملاء زين الذين حضروا الحفل وجود أفراد من العائلة، لكنهما قالا إنهم حرصوا على البقاء بعيداً عن الأنظار.
وقال أحد الزملاء السابقين، مشترطاً عدم الكشف عن هويته: “لم تبق العائلة طويلاً، ولم تلتقط صوراً مع زين على المنصة كما فعلت بقية العائلات”.
أما حافظ الأسد (نجل بشار)، الذي كان يعد في وقت سابق وريثاً محتملاً لوالده، فقد انسحب إلى حد كبير من المشهد العام منذ أن نشر في فبراير مقطع فيديو على تطبيق “تليجرام” قدم فيه روايته الخاصة عن فرار العائلة من دمشق، نافياً أنهم تخلوا عن حلفائهم، ومؤكداً أن موسكو هي التي أمرتهم بمغادرة سوريا.
وسرعان ما تمكن سوريون من تحديد موقع حافظ، إذ صُور الفيديو أثناء تجواله في شوارع موسكو.
وبحسب بيانات مسربة، أغلق حافظ معظم حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، وسجل بدلاً من ذلك حسابات بأسماء مستعارة مستوحاة من سلسلة أطفال أميركية عن محقق شاب يعاني عسر القراءة.
ويقضي الأبناء ووالدتهم جزءاً كبيراً من وقتهم في التسوق، وتجهيز منزلهم الروسي الجديد بمقتنيات فاخرة، وفقاً لما نقلته الصحيفة البريطانية عن مصدر مقرب من العائلة.
وتُظهر بيانات روسية مسربة أن زين الأسد تتسوق بانتظام لشراء ملابس فاخرة، وسجلت نفسها في صالون راق للعناية بالقدمين، وهي عضوة في ناد رياضي للنخبة في موسكو.
