– رأس العين
يشتكي مزارعو مدينتي رأس العين وتل أبيض، شمالي سوريا، من انخفاض إنتاج محصول القمح هذا العام بسبب الجفاف وارتفاع تكاليف المستلزمات الزراعية، وسط تزايد الأعباء المعيشية، ما جعل عائداته بالكاد تكفي لتغطية نفقات الزراعة.
وتراوح إنتاج القمح في رأس العين وتل أبيض بين 100 و200 كيلوغرام للدونم الواحد (يعادل 1000 متر مربع)، متأثرًا بندرة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب زيادة أسعار البذار والأسمدة والمحروقات، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الزراعة وتراجع الإنتاج.
إنتاج ضعيف
وصف مزارعون في رأس العين وتل أبيض ل موسم القمح الحالي بـ”الأسوأ” منذ عام 2021، إذ قالوا إن العوائد لم تكن كافية لتغطية تكاليف زراعة محصول القمح.
زرع مالك العزام (45 عامًا)، من مدينة تل أبيض، هذا العام 120 دونمًا من القمح، نصفها بعلي، والباقي مروي، على أمل أن يحقق موسمًا جيدًا يخفف من الأعباء المعيشية.
وجاء الموسم مختلفًا عن الأعوام السابقة، إذ أصاب المنطقة جفاف واسع أدى إلى تلف كامل للمساحات البعلية، وأجبره على الاعتماد فقط على القمح المروي.
وقال مالك ل، إن إنتاج الدونم الواحد هذا العام لم يتجاوز 150 كيلوغرامًا، وهو رقم ضعيف جدًا مقارنة بالعام الماضي، حين بلغ إنتاج الدونم 450 كيلوغرامًا.
وطالب المزارع الحكومة السورية بتوفير دعم للمزارعين، من خلال تقديم قروض زراعية أو تأمين الأسمدة، للتخفيف من حدة الخسائر التي تعرضوا لها.

يشهد موسم القمح تراجعًا في الإنتاج في رأس العين وتل أبيض بسبب الجفاف وارتفاع التكاليف – أيار 2025 ()
الاعتماد على المروي
اعتمد حسن الشعباني (54 عامًا)، من قرية العزيزية بريف رأس العين، هذا العام على زراعة القمح المروي بمساحة 80 دونمًا، سعيًا لتفادي خسارة المحصول كما حدث في المواسم السابقة.
وأوضح حسن ل أنه عمل على توفير المياه والأسمدة بشكل منتظم بهدف تحقيق إنتاج جيد، إلا أن النتائج جاءت مخيّبة للآمال وخالفت كل التوقعات.
ومع بدء الحصاد، تفاجأ بإنتاج ضعيف لم يتجاوز 200 كيلوغرام للدونم الواحد، وهو ما اعتبره غير كافٍ لتغطية تكاليف الزراعة.
وأشار إلى أن الموسم الحالي تسبب له بخسارة قدرها 17 مليون ليرة سورية، مؤكدًا أن استمرار تدهور الإنتاج دون تدخل حقيقي سيُخرج كثيرًا من الفلاحين من دائرة الزراعة، ما يهدد الأمن الغذائي في المنطقة ويزيد من الأعباء الاقتصادية على السكان.
ويعدّ محصول القمح أهم المحاصيل التي يزرعها فلاحو رأس العين وتل أبيض بالإضافة إلى محصول الشعير، ويشكلان مصدر الدخل الرئيس لسكان المنطقة الذين يعتمدون في معيشتهم بالدرجة الأولى على الزراعة.
تراجع في الإنتاج
يقدّر مهندسون زراعيون في رأس العين وتل أبيض الحد الأدنى لإنتاج القمح الذي يجنّب المزارع الخسارة بأنه يتراوح بين 350 و450 كيلوغرامًا للدونم، في حين لم تصل معظم الحقول هذا الموسم إلى هذا المعدل، بسبب ضعف الهطولات المطرية وارتفاع تكاليف الإنتاج، ما انعكس سلبًا على واقع الزراعة في المنطقة.
المهندس الزراعي عزام القحطان، من بلدة سلوك، وهو المورّد الرئيس للأدوية الزراعية لصيدليات رأس العين وتل أبيض، قال ل، إنه يعمل في هذا المجال منذ عام 1995، ولم يشهد خلال عمله تراجعًا في الإنتاج الزراعي مماثلًا لما شهدته المنطقة هذا الموسم.
وبيّن أن ضعف الإنتاج هذا الموسم يعود بشكل رئيس إلى الجفاف الشديد الذي أدى إلى عدم إنبات المحصول البعلي من التربة، إضافة إلى تفشّي عدد من الأمراض النباتية التي أثّرت سلبًا على نمو محصول القمح المروي.
وأوضح أن الإنتاجية التي تحقق هامش ربح للمزارعين يجب أن تتراوح بين 350 و450 كيلوغرامًا للدونم الواحد، في حين لم تتجاوز معظم الأراضي 200 كيلوغرام، ما يشكل عجزًا كبيرًا للمزارعين.
وأشار إلى أن التسعيرة المحددة للقمح مع المكافأة التسويقية البالغة 450 دولارًا لا تكفي لتعويض التكاليف الزراعية، خصوصًا في ظل توقف دور المصارف الزراعية التي كانت توفر الأسمدة والبذار بأسعار مدعومة، ويتم سدادها عند الحصاد.
من جانبه، قال مدير الزراعة في المجلس المحلي برأس العين، مجد كسار، ل، إن إنتاج القمح هذا العام تراجع بشكل حاد مقارنة بالأعوام السابقة.
وأوضح أن هذا التراجع يعود إلى عدة عوامل، أبرزها الجفاف، وضعف خصوبة الأراضي الزراعية، إلى جانب النقص الحاد في توفر الأسمدة والأدوية الزراعية، وارتفاع أسعارها نتيجة غياب الجهات الحكومية الداعمة للقطاع الزراعي.
وأضاف أن منطقة رأس العين أنتجت 75 ألف طن من القمح في العام الماضي، بينما لم يتجاوز إنتاجها هذا العام 25 ألف طن فقط.
وأشار كسار إلى ضرورة تقديم دعم مباشر للمزارعين من خلال توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي بأسعار مدعومة، وتأمين مصادر ري بديلة، للحد من آثار الجفاف، وضمان استقرار الإنتاج في المواسم المقبلة.
تقع رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، وتسيطر عليهما الحكومة السورية، بينما تحيط بهما جبهات قتال باردة مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتعتبر الحدود التركية منفذها الوحيد نحو الخارج.
الأسوأ في سوريا منذ 60 عامًا
وصفت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) الظروف المناخية القاسية التي شهدها الموسم الزراعي الحالي في سوريا، بـ“الأسوأ” منذ قرابة 60 عامًا.
وقالت مساعدة ممثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) في سوريا، هيا أبو عساف، لوكالة “فرانس برس”، إن 75% تقريبًا من المساحات المزروعة في سوريا والمراعي الطبيعية للإنتاج الحيواني تأثرت، بما في ذلك نحو 2.5 مليون هكتار من القمح تأثرت بالظروف المناخية القاسية.
وذكرت أبو عساف أن سوريا شهدت موسم شتاء قصيرًا وانخفاضًا في مستوى الأمطار، وجراء ذلك تضرر وتأثر قرابة 95% من القمح البعلي، بينما سيعطي القمح المروي إنتاجًا أقل بنسبة 30 إلى 40% من المعدل المعتاد، وفق مؤشرات “فاو”.
وحذرت من أن العجز في إنتاج القمح سيصل إلى ما بين 2.5 وحتى 2.7 مليون طن، ما يعرض 16.3 مليون شخص في سوريا لخطر انعدام الأمن الغذائي هذا العام، متوقعة أن يدفع هذا الأمر سوريا إلى الاعتماد على الاستيراد.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي