اخر الاخبار

القوات الأميركية في سوريا.. انسحاب محتمل وتحديات دبلوماسية

تواجه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تحدياً في رسم ملامح استراتيجيتها تجاه الوجود العسكري الأميركي في سوريا، خصوصاً بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وتشكيل قيادة جديدة.

وأدى عدم وجود خطة واضحة بشأن مستقبل هذه القوات، إلى جانب التغيرات السياسية المفاجئة، إلى زيادة التكهنات حول مصير الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، فضلاً عن آليات التعامل الدبلوماسي مع السلطة الجديدة في دمشق.

وما زاد من هذه التكهنات تقرير شبكة NBC News، الذي أفاد بأن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) وضعت خطة لسحب جميع القوات من سوريا خلال فترة تصل إلى 3 أشهر.

ولطالما أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن الولايات المتحدة لا ترغب في الانخراط في سوريا، حتى منذ الأيام التي سبقت الإطاحة بنظام الأسد. 

وعندما سئل عن مدى صحة التقارير التي تفيد بأن إدارته أخطرت الحكومة الإسرائيلية بخطة لسحب القوات من سوريا، نفى ترمب ذلك قائلاً: “لا أعرف من قال ذلك.. سنتخذ قراراً”، مضيفاً: “نحن لسنا متورطين في سوريا، لديهم ما يكفي من المشكلات هناك، ولا يحتاجون إلى تدخلنا في كل مشكلة”.

ويرى لورنس كورب، المسؤول السابق بـ”البنتاجون”، في تصريح لـ”الشرق”، أن ترمب وإدارته “يحاولان الإيحاء بأن واشنطن يجب أن تقلل من تورطها في سوريا التزاماً بوعوده”.

ورغم الحديث عن خطط الانسحاب، نفذت القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) ضربة جوية دقيقة في شمال غربي سوريا الأسبوع الماضي، استهدفت من قالت إنه “قيادي بارز” في تنظيم “حراس الدين” التابع لـ”القاعدة”.

وبحسب “البنتاجون”، فإن المستهدف كان محمد صلاح الزعبي، أحد كبار قادة التنظيم.

حجم القوات الأميركية ومهامها في سوريا

وفقاً لـ”البنتاجون”، ينتشر حالياً حوالي 2000 جندي أميركي في سوريا، وهو رقم يزيد بأكثر من الضعف عن العدد الذي أُعلن عنهم سابقاً، وكان 900 جندي فقط.

وتتمثل المهمة الأساسية للقوات الأميركية بسوريا في مكافحة “داعش”، ومنع التنظيم من إعادة بناء نفوذه في المنطقة، من خلال تنفيذ عمليات عسكرية وأمنية تستهدف فلوله وخلاياه النائمة.

كما تركز القوات الأميركية على دعم الشركاء المحليين، وفي مقدمتهم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي يقودها الأكراد، حيث توفر لها التدريب والتسليح والمساندة الجوية.

إلى جانب ذلك، تلعب القوات دوراً أساسياً في تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي لجهود “مكافحة الإرهاب”، عبر جمع المعلومات ورصد التحركات، ما يسهم في منع أي محاولات لإعادة تنظيم صفوف “داعش”، أو استغلال الفراغ الأمني في المنطقة.

الدبلوماسي الأميركي ويليام روبوك، الذي شغل منصب نائب المبعوث الخاص للتحالف العالمي لهزيمة “داعش”، عبّر عن أمله في إظهار ترمب لـ”صبر استراتيجي”، من خلال “السماح بمساعدة قوات سوريا الديمقراطية في التفاوض على اتفاق مستدام مع الحكومة السورية الجديدة للاندماج في الجيش الوطني السوري الجديد”.

واعتبر روبوك في تصريحات لـ”الشرق”، أن “الأمر يتطلب دبلوماسية بارعة لتحقيق هذا التوازن، وإقناع تركيا والحكومة السورية الجديدة بقبول حل وسط يرضي جميع الأطراف”.

المتغيرات السياسية في سوريا

ورغم اعتقاد المسؤول السابق في “البنتاجون” كورب بأن خطة الانسحاب ربما “لا تنجح”، إلا أنه أكد إمكانية “تقليص رمزي للقوات”، يتم تنفيذه مع إبقاء جزء آخر حتى تحل الأزمة بشكل كامل.

وفي أواخر عام 2019، أصدر ترمب أمراً لوزير الدفاع آنذاك جيمس ماتيس بسحب جميع القوات الأميركية من سوريا، إلا أن ماتيس رفض الخطة واعترض عليها بشدة، ما دفعه في النهاية إلى تقديم استقالته احتجاجاً على ذلك.

ورغم أن ترمب مضى قدماً في سحب معظم القوات الأميركية، إلا أنه أعاد نشرها لاحقاً، مما أدى إلى استمرار الوجود العسكري الأميركي حتى اليوم.

ويعتبر نائب مدير برنامج الشرق الأوسط في “معهد كوينسي” آدم وينشتاين، أن الوجود الأميركي الحالي في سوريا “لا سبب وجيهاً له في ظل المتغيرات التي شهدتها البلاد”، والتي تمثلت في “تقويض تنظيم داعش إلى حد كبير، وتعهدات الدول الإقليمية بمواصلة القتال، وانهيار نظام بشار الأسد”.

وأشار إلى أن “الجهود الدبلوماسية للتواصل مع القيادة الجديدة في دمشق جارية، في حين تكبدت القوات المدعومة من إيران خسائر فادحة، وفقدت وصولها غير المقيد إلى البحر الأبيض المتوسط عبر سوريا”.

وأقر وينشتاين، في تعليق كتبه على منصة responsiblestatecraft التابعة لـ”معهد كوينسي”، بـ”مخاوف منتقدي الانسحاب الأميركي”، الذين يحذرون من “زعزعة الاستقرار الهش الذي يصب في مصلحة تنظيم داعش، خاصة وأن آلاف المقاتلين المحتملين في التنظيم لا يزالون في معسكرات تديرها قوات سوريا الديمقراطية”.

خطر “الانسحاب الأميركي المفاجئ”

وذكر كورب في تصريح لـ”الشرق”، أنه لا يعتقد أن “قسد” قادرة على الصمود في وجه “المخاوف الأمنية”، بالنظر إلى “تعدد التحديات أمامها بدءاً من أزمتها الوجودية مع تركيا.. ووجود خلافات بين الولايات المتحدة ودول أخرى حول دور الأكراد، والتهديد الذي يمثله تنظيم داعش”.

وتتولى “قوات سوريا الديمقراطية” مسؤولية تأمين أكثر من 20 سجناً ومخيماً للاجئين، حيث تحتجز أكثر من 50 ألف شخص، بينهم حوالي 9 آلاف مقاتل من “داعش”، وتعتمد القوات الكردية على الدعم الأميركي والدولي مالياً وعسكرياً لضمان استمرار تشغيلها.

بدوره قال روبوك لـ”الشرق”: “مخاوفي تكمن في سحب القوات الأميركية بشكل مفاجئ، كما قرر ترمب أن يفعل في عام 2019 قبل أن يتراجع عن قراره بعد بضعة أسابيع”.

وأضاف: “إذا سحب قواتنا بهذه الطريقة، فستكون قوات سوريا الديمقراطية في وضع صعب للغاية أثناء محاولتها الدفاع عن نفسها، ضد تركيا والميليشيات التي تدعمها تركيا.. ومن المرجح أن ينتهي القتال ضد داعش في ظل هذه الظروف الفوضوية”.

استراتيجية أميركا بشأن سوريا

وأعرب الرئيس السوري أحمد الشرع عن رغبته في عودة العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة، ورفع العقوبات، ولكنه اعتبر أن أي وجود عسكري أجنبي في بلاده “يجب أن يكون بموجب اتفاق رسمي مع الدولة”.

ويُبرز قتيبة إدلبي، كبير الباحثين في برنامج الشرق الأوسط بـ”المجلس الأطلسي”، لـ”الشرق”، المحددات الثلاثة التي ستبني عليها إدارة ترمب استراتيجيتها بشأن سوريا وتعاملها مع الحكومة الجديدة، مشيراً إلى أن أولها هو “التأكد من استمرار هزيمة داعش، وتوفير البنية التحتية اللازمة لمكافحة التنظيم”.

أما الثاني فهو “التأكد من أن سوريا لا تشكل خطراً إقليمياً، سواء من خلال تصدير الثورة، أو تكون محطة انطلاق لأي عمليات لزعزعة الاستقرار في المنطقة”. أما الثالث فهو “تأكد الولايات المتحدة من أن سوريا لم تعد محطة لإيران وروسيا في الشرق الأوسط”.

ويرى الدبلوماسي الأميركي ربوك، أن الانسحاب المفاجئ من سوريا، سيجعل الولايات المتحدة “تتخلّى عن ورقة ضغط مهمة لديها لإقناع الشرع وحكومته الجديدة، بالحفاظ على جداول زمنية موثوقة لصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة”.

وفيما يتعلق بمكافحة تنظيم “داعش” وإدارة ملف السجون، أشار قتيبة إدلبي إلى أن المؤسسة العسكرية الأميركية “لا تعارض من حيث المبدأ إنهاء شراكتها مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أو دمج العناصر المقبولة منها في جهاز أمني يخضع لإدارة الحكومة السورية مستقبلاً”.

وأوضح إدلبي الذي يقود فريق الأبحاث حول سوريا في “المجلس الأطلسي”، أن “قدرة الحكومة في دمشق على إثبات امتلاكها لبنية أمنية فعالة تمكنها من تولي مسؤولية سجون داعش والمخيمات، سيعزز من فرص التعاون المشترك مع الولايات المتحدة في هذا الملف”.

وأضاف أن “شراكة واشنطن مع قسد تعتمد بشكل أساسي على قدرتها في إدارة هذا الملف، وفي حال توفر بديل فاعل فإن انسحاب القوات الأميركية يصبح أمراً وارداً”.

“بدائل محاربة داعش”

وينظر ترمب لتركيا على اعتبارها “القوة الكبرى” التي تقف وراء الإطاحة بنظام الأسد في سوريا، ووصف في ديسمبر الماضي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ”الشخص الذكي للغاية”، معتبراً أن “الأتراك يسعون إلى ذلك منذ آلاف السنين، وقد حصلوا عليه”.

ويقول الدبلوماسي الأميركي ويليام روبوك لـ”الشرق”، إن “البدائل لمحاربة داعش ستكون إما تركيا والقوات التي تدعمها (الجيش الوطني السوري) أو الجيش السوري الجديد”.

ورغم استبعاده خوض الجيش السوري الذي يجرى إعادة تشكيله، لهذه الحرب، يرى روبوك أن “المشكلة التي ستواجهها حكومة الشرع والقوات الأمنية الجديدة، هي القدرات العسكرية التي بحوزتها”.

وتوقع روبوك أنه “في حال انهيار قوات سوريا الديمقراطية، نتيجة للضغط العسكري التركي أو تشتت انتباهها بسبب هذه الهجمات المستمرة، فمن الممكن أن يفر 9 آلاف مقاتل من داعش المحتجزين في سجونها المؤقتة”.

ويرجح قتيبة إدلبي أن أي تنسيق بين الولايات المتحدة وتركيا حول سوريا “سيكون خياراً مناسباً لترمب”، لأنه “سيسمح له بالانسحاب بشكل أسهل من سوريا”، لكن ذلك يرتبط بـ”نقطة ذات تأثير لا يستهان بها، وهي قدرة أردوغان على التواصل مع ترمب.. إذ أن الأولويات داخل البيت الأبيض الحالي قد تتغير باتصال هاتفي”.

ويؤكد المسؤول السابق في “البنتاجون” كورب، أن إدارة ترمب “ستعمل مع الأتراك لتجنب تكرار ما حدث سابقاً، لأننا دخلنا العراق وسوريا بالتعاون مع الأكراد، وهذا كان مصدر توتر كبير مع أنقرة، حيث اعتبرت أن أي تعاون أميركي مع هذه القوات يمثل تهديداً لحكومتها”.

تعقيد الموقف الأميركي

ورغم إعلان الشرع حل الفصائل المسلحة، بما في ذلك “هيئة تحرير الشام”، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال تصنف الهيئة “كياناً إرهابياً”.

وأدى هذا إلى تعقيد الموقف الأميركي تجاه حكومة الشرع، خاصة بعد اللقاء الذي جمع الشرع بمسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في ديسمبر الماضي، والذي كان أول اجتماع رسمي مُعلن بين واشنطن ومسؤولين سوريين منذ أكثر من عشر سنوات.

ولم يُكشف عن أي اتصال بين إدارة ترمب وحكومة الشرع منذ تولي الرئيس الأميركي منصبه في 20 يناير الماضي.

ويصف قتيبة إدلبي السياسة الأميركية تجاه سوريا بـ”المجمدة”، لحين اكتمال التعيينات داخل وزارة الخارجية الأميركية وتولي نواب الوزراء مناصبهم، ليتفرغوا للتعامل مع الملفات. ويتوقع استمرار هذا الوضع حتى مايو.

وعبّر الدبلوماسي روبوك، عن اعتقاده أن واشنطن “سترغب في رؤية جدول زمني موثوق لصياغة دستور وإجراء انتخابات” في سوريا، بالإضافة إلى “ضمان عدم إظهار حكومة الشرع لأي ميولات متطرفة”.

وأضاف: “أعتقد أن واشنطن يجب أن تتشاور عن كثب مع الحلفاء المقربين في المنطقة، مثل السعودية وتركيا، أثناء اتخاذها قرار توقيت وشروط رفع العقوبات”، لافتاً إلى أن “دول المنطقة تعرف سوريا جيداً وستكون قادرة على تقديم رؤى مفيدة لإدارة ترمب حول التزامات الحكومة السورية الجديدة بالحوكمة الشاملة ومكافحة الإرهاب”.




وحول إمكانية ربط الإدارة الأميركية بين عودة العلاقات مع سوريا بقبول الشرع لسيطرة إسرائيل على مرتفعات الجولان المحتل، قال إدلبي إن “إدارة ترمب تفاجئنا دوماً بطلباتها، إلا أن ما ترغب فيه حالياً واشنطن مختلف”.

وكان الشرع قد أعلن أن بلاده “تريد السلام مع جميع الأطراف”، لكنه اعتبر أن موضوع تطبيع العلاقات مع إسرائيل “حساس بسبب الحروب الإقليمية واحتلال إسرائيل لهضبة الجولان”.

وأشار إلى أن هذه القضية “تتطلب دعماً واسعاً من الرأي العام وإجراءات قانونية”، مضيفاً أن الحكومة لم تناقش هذا الأمر بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *