في ظل اتساع الفجوات في القدرات الدفاعية لدول أوروبا، لا يزال القادة الأوروبيون يأملون في أن يفي الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعهده توفير ضمانات أمنية “ملموسة” لأوكرانيا، رغم أن فرص التوصل إلى سلام عن طريق التفاوض باتت تتضاءل بشكل متسارع، وفق “بلومبرغ”.

وتعاني أوروبا من أوجه قصور حاد في مجالات الاستخبارات والمراقبة المعتمدة على الفضاء، وكذلك في أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة، وهي قطاعات أساسية يأمل التحالف الذي تقوده بريطانيا وفرنسا أن تشملها المساعدة الأميركية.

ووفق تقرير أصدره “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” هذا الأسبوع، فإن استبدال القدرات العسكرية التقليدية الأميركية المخصصة للمنطقة سيكلف أوروبا نحو تريليون دولار.

وتوفر الولايات المتحدة معظم قدرات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مجال الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، بما في ذلك الأقمار الاصطناعية، وهو ما كان حاسماً في مواجهة الحرب الروسية في أوكرانيا.

وأفاد التقرير الصادر بعنوان “التقدم والقصور في الدفاع الأوروبي”، بأن استبدال تلك القدرات سيكلف أوروبا وحدها 4.8 مليار دولار.

وأكد مسؤولون أوروبيون أن استمرار توفير الولايات المتحدة لهذه القدرات يجب أن يكون جزءاً أساسياً من أي اتفاق سلام، بحيث تبقى القوات الأوكرانية والأوروبية قادرة على رصد أي خرق روسي.

وقالت فيرونيكا سترومسيكوفا، المديرة العامة لشؤون الأمن والعلاقات متعددة الأطراف في وزارة الخارجية التشيكية، وممثلة بلادها في اجتماعات التحالف على مستوى المديرين: “لا بد أن يشكل ذلك جزءاً أساسياً من الاتفاق، فبدون العيون نصبح فعلياً عمياناً”.

كذلك، تفتقر أوروبا إلى أنظمة دفاع جوي وصاروخي بعيدة المدى محلية الصنع قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية، وهي مهمة تعتمد تقريباً بالكامل على أنظمة “باتريوت” الأميركية.

تعزيز أنظمة الدفاع الجوي

وسمح ترمب لأوروبا بشراء أنظمة باتريوت لصالح أوكرانيا، فيما زوّدت ألمانيا بالفعل كييف ببطاريات من مخزونها الخاص. في المقابل، ينتج التحالف الفرنسي-الإيطالي (Eurosam) نظام SAMP/T الذي يتمتع بقدرات محدودة ضد الصواريخ الباليستية.

وقال الأمين العام لحلف الناتو مارك روته، في كلمة ألقاها الخميس، في قمة الدفاع في براغ التي نظمها “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية”، إن على الحلفاء الأوروبيين زيادة عدد أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي إلى 5 أضعاف.

من جانبه، أكد وزير الدفاع السويدي بال جونسون، على هامش المؤتمر أن “قدرات الدفاع الجوي حيوية للغاية”، مشيراً إلى أن أوروبا استثمرت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، لكن التحدي الحقيقي يتمثل اليوم في “تحويل القوة الاقتصادية إلى قوة قتالية” عبر تسريع وتيرة عمل القاعدة الصناعية للقارة.

وأعلنت 26 دولة من أصل 35 عضواً في التحالف أنهم سيقدمون ضمانات لأوكرانيا، سواء من خلال قوات أو عتاد عسكري أو تدريب.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، إن الدعم الأميركي لهذه التدابير سيُحسم خلال أيام، لكن ترمب شدد في مكالمة مع القادة في اليوم نفسه على ضرورة أن تزيد أوروبا الضغط الاقتصادي على روسيا والصين، وفقاً للرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب.

في المقابل، كرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفضه القاطع لوجود قوات غربية على الأراضي الأوكرانية.

وكان ترمب استبعد في وقت سابق إرسال قوات أميركية إلى هناك، لكنه تعهّد بتقديم نوع من الدعم غير المباشر يشمل الجوانب الاستخباراتية، وربما الإسناد الجوي، من دون أن يكشف عن تفاصيل محددة.

مع ذلك، أعلنت واشنطن هذا الأسبوع عزمها تقليص مئات الملايين من الدولارات المخصصة لبرامج تدريب وتجهيز جيوش الدول الأوروبية المحاذية لروسيا.

إعادة بناء الجيش الأوكراني

ويركز التحالف بالأساس على إعادة بناء الجيش الأوكراني ليصبح بمثابة “قنفذ فولاذي” قادر على الدفاع عن نفسه إذا أعادت روسيا غزو البلاد بعد وقف إطلاق النار. ومن المحتمل أن يدرب الحلفاء جنوداً أوكرانيين داخل أوكرانيا وتزويدهم بالمعدات العسكرية، وفق ما أكده كل من سترومسيكوفا وجونسون.

بدوره، شدد روته على أن “الناتو” بحاجة إلى توجيه زيادة الإنفاق الدفاعي نحو تطوير القدرات الفضائية، إضافة إلى المركبات المدرعة والدبابات وقذائف المدفعية والطائرات المسيّرة وأسلحة الحرب الإلكترونية.

وأضاف روته: “النقود وحدها لا توفر الأمن، نحن بحاجة إلى القدرات: قوة نارية حقيقية ومعدات ثقيلة وكذلك تقنيات جديدة. هذا ما يجب أن توفره صناعاتنا الدفاعية عبر الحلف، وبسرعة أكبر من أي وقت مضى”.

وقال قادة أوروبيون إنهم متحمسون لفرض عقوبات جديدة أشد صرامة على روسيا، لكنهم يقرّون في الوقت نفسه بأن فعالية هذه العقوبات ستظل مرهونة بالدعم الأميركي. فقد فرض ترمب عقوبات ثانوية على الهند؛ بسبب شرائها النفط الروسي، لكنه لم يوسع العقوبات المباشرة على موسكو نفسها.

تكثيف الضغط الدبلوماسي

وقال كاريل ريخكا، رئيس هيئة الأركان العامة في التشيك، وعضو اجتماعات التخطيط العسكري للتحالف: “علينا تكثيف الضغط الدبلوماسي على تحالفاتهم، وفرض عقوبات اقتصادية تستهدف مورديهم وسلاسل إمدادهم، والسعي لتقليص قدراتهم الإنتاجية العسكرية، وكذلك الحد من العوائد المالية التي يعتمدون عليها في تمويل هذه الحرب وإطالة أمدها”.

وفي غضون ذلك، تحشد القوات الروسية خارج مدينة بوكرُفسك، آخر المعاقل الأوكرانية في منطقة دونيتسك، وسط مخاوف أوروبية من هجوم جديد.

وقال جونسون: “روسيا لم تُبدِ استعداداً للدخول في مفاوضات جدية، بل على العكس، تواصل تصعيد العنف والعدوان داخل أوكرانيا. لذلك أعتقد أن احتمالات التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو اتفاق سلام تبدو قاتمة. لن يكون هناك سلام في أوكرانيا إلا إذا صعّدنا خطواتنا، وعززنا حزم الدعم العسكري لكييف، ووسعنا نطاق العقوبات على روسيا. طريق السلام لن يتحقق إلا بزيادة الضغط على بوتين”.

لكن، وكما أشار تقرير “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية”، فإن القارة الأوروبية مضطرة للاعتماد على واشنطن في قوتها العسكرية والاقتصادية على حد سواء.

وفي هذا الإطار، قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الجمعة، إن أوروبا تفتقر إلى النفوذ الكافي لإجبار روسيا على إنهاء الحرب.

وأضاف ميرتس في مقابلة بثها حزبُه المحافظ على قناة “يوتيوب”: “نحن حالياً غير قادرين على ممارسة ضغط كافٍ على بوتين لإنهاء هذه الحرب… نحن نعتمد على المساعدة الأميركية”.

شاركها.