تشهد الكتب الصوتية العربية طفرة لافتة في السنوات الأخيرة. وهي تحوّلت إلى صناعة متنامية بشكل ملحوظ في عالم النشر.

 وخلال معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025، تمّ إطلاق 6 كتب صوتية عربية جديدة، منها الجزء الأول من ثلاثية “سيد الخواتم” للكاتب البريطاني جي أر أر تولكين، و”حوجن” للكاتب السعودي إبراهيم عباس، في تأكيد على أن الكتب الصوتية تفرض حضورها على المشهد الثقافي العربي.

وخلال فعاليات المعرض التقت “الشرق” علي عبد المنعم الرئيس التنفيذي لشركة آرابوكفيرس إنترناشيونال للتطبيقات الصوتية، للتعرف على هذه الصناعة وتحدياتها.

انتشرت في السنوات الأخيرة تطبيقات الكتب المسموعة فكيف بدأت في المنطقة العربية وما أهميتها؟

تاريخ الكتب الصوتية يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي من بداية اختراع الجرامافون، واستخدمت أسطواناته لتسجيل الكتب الأدبية لأصحاب الاحتياجات الخاصة. وشهدت السبعينيات تطوّراً أكبر حينما بدأ تسجيل الكتب والأشعار على شرائط الكاسيت، وبعدها الأقراص المدمجة>

 لكنها في كل هذه المراحل حتى بداية الألفية لم تكن صناعة ثقافية> وعندما بدأت الثورة الرقمية وانتشار الإنترنت والأجهزة الذكية، ظهرت التطبيقات الكبرى مثل “ستوريتل” و”أوديبل”. أما الطفرة الحقيقة في المنطقة العربية، فحدثت في 2017، عندما وضعت ستوريتيل وكتاب صوتي أساس هذه الصناعة، ومن بعدهما بدأت التطبيقات الصوتية التي تتنوع خدماتها في الانتشار.

الهدف الأساسي للكتاب الصوتي، هو تمكين المعرفة. فالناس كلها لديها انشغالات متعددة، ويضيع أغلب وقتها في التنقلات على الطرق أو أداء الأعمال الروتينية، وهو الوقت الذي يمكن استغلاله في الاستماع للكتب، كما أنها تزيد من التركيز وإثارة الخيال ومهارات اللغة. 

هل أصبح النشر الصوتي أحد أساسيات صناعة النشر؟

الكتب الصوتية، وتمثّل 5% من صناعة النشر في العالم، يصل معدل نموّها من 25-30% سنوياً. وهو الأعلى نمواً وسط صناعة النشر التي تضم الكتب الورقية ونموها السنوي 11%، والإلكترونية 15%.

وعلى الرغم من أنها صناعة ناشئة، لكنها أصبحت ركيزة أساسية في النشر. كما أن نموّها في تزايد مستمر ، وخاصة في ظل معطيات العصر، ومنها أن 100% من السكان في السعودية والإمارات، يحملون هواتف ذكية متصلة بالإنترنت 24 ساعة. وفي مصر 75% من السكان متصلين بالإنترنت، و55-60% يحملون هواتف ذكية. 

هذا النمو هل يقود للمنافسة مع الكتب الورقية؟

العلاقة بين وسائط النشر تكاملية وليست تنافسية. هدفها كله “تمكين المعرفة”، لكن كل الوسائط تتغير وتتطوّر، فمثلاً في مصر في التسعينيات سجلنا “رسائل حراجي القط” لعبد الرحمن الأبنودي على شرائط كاسيت، وكان وقتها “جنون”، لكن الناس كانت تسمعها في السيارات، ولم يمنع ذلك من قراءتها مطبوعة.

من هم جمهور الكتب الصوتية؟

من الدراسات التي أجريناها، وجدنا أن أوّل مستهلكين للكتب الصوتية هم من لا يقرأون، ولو أحبوا الكتاب يشترونه ورقياً؛ وبذلك تجذب الكتب الصوتية شريحة جديدة للكتاب الورقي.

الآن بدأت شريحة جديدة تجرّب الكتب الصوتية، وهم قرّاء الكتب الورقية. ويكشف لنا تحليل البيانات عن الكثير من جمهور الكتب الصوتية مثل الشرائح العمرية، ليظهر أن الشريحة الأكبر، وتمثّل 75% من القرّاء أعمارهم من 16- 34، يليها من 43-45. وأن 65% من الجمهور هم من الرجال مقابل 44% من النساء.

كما نقيس الارتباط بين المستمع والكتاب الصوتي بمدة الاستماع؛ فالكتاب متوسط مدته من 6-8 ساعات، فنعرف نسبة من استمع إلى 25% مثلاً من الكتاب ونسبة من انتهى منه.

هل تصلح الكتب كلها للتحوّل إلى نصوص صوتية؟

المركز الأول في الاستماع للكتب الصوتية تحتله الروايات بكل أنواعها، مثل الجريمة، والفانتازيا والروايات التاريخية والخيال العلمي والسير الذاتية. يليها كتب تطوير الذات والتنمية البشرية والإدارة والبيزنس.

الحقيقة أن المستخدم الأول عادة، يدخل على هذه النوعية من الكتب، ثم ينتقل منها للروايات أو للكتب التاريخية أو الفلسفية. لكن الكتب التي تحتوي على جداول ومعادلات رياضية وهوامش يصعب سماعها. 

كيف تديرون العلاقة مع دور النشر، وهل يختلف النص المقروء عن المكتوب؟

نتعامل مع دور النشر بعدّة طرق. أولها أننا نختار الكتب المهمة والرائجة، التي نرى بحسب خبرتنا، أنها تناسب النشر الصوتي، فنشتري حقوق استغلالها الصوتي. المفترض في هذه الحالة، أن النص يُقرأ كما هو من دون أي تعديل. لكن في بعض الأحيان نحتاج إلى تغيير بعض الكلمات لتناسب المحتوى الصوتي. وهو ما فعلناه مثلاًً في معالجة رواية “سيد الخواتم”، لأنه كتاب ضخم وغيّرنا تركيبات بعض الجمل، بالاتفاق مع الناشر، لتكون أسهل عند سماعها. 

النوع الثاني هو أننا ننتج كتاب صوتي من البداية، بمعنى أنه لا يوجد نسخة ورقية، لكن الكتاب من بدايته مكتوب ومحرّر ليناسب طبيعة الاستماع الصوتي. والطريقة الثالثة هي التوزيع لمحتو صوتي أنتجه الناشر، من خلال شراكتنا الدولية مع شركة بوك واير للتوزيع على جميع التطبيقات العالمية في الوقت نفسه، مع نظام إيكوسيستم كامل، للتحكم في عملية إدارة المحتوى الرقمي للناشر.

 

هل يشترط أن يكون الراوي الصوتي شخصية شهيرة أو فنان؟

الكتاب الصوتي أنتج علاقة جديدة. فالقارئ سيقرأ الكتاب من خلال راوٍ واحد فحسب، حتى لو كان عدد شخصيات الرواية 6 أشخاص. فهو يؤديهم جميعاً وبدون مؤثرات صوتية. وبالتالي يجب أن تكون طريقة القراءة جذّابة. بمعنى آخر حكّاء يحب هذه المهنة، لأنها عمل مرهق، وتصل مدة التسجيل إلى 20 ساعة.

 كما أن مردودها المالي ليس عظيماً، على عكس الإعلانات التي لا تتجاوز الدقيقة، ومكسبها المالي أكبر. كذلك يجب أن تكون لغته العربية قوية ومخارج ألفاظه سليمة.

في البداية كان اختيار الراوي هو تحدي، والاعتماد على الممثلين المؤدين لأصوات أعمال الرسوم المتحركة، وعددهم يُعدّ على أصابع اليد. 

أما اليوم فتجاوز عدد الرواة سبعين راوي وراوية على أعلى مستوى من الأداء. لذلك لم يعد شرطاً الاعتماد على الممثلين. مثلاً سجّلنا مع إياد نصار كتاب “الأسود يليق بك” لأنعام مستغانمي. أحمد أمين قدّم سيرة أحمد خالد توفيق. محمد خميس قدّم الجبتانا مانيتون السمنودي وسيد الخواتم. في الوقت الذي نعتمد فيه على المواهب الجديدة.

كم عدد الكتب التي تم إنتاجها صوتياً؟

في المنطقة العربية هناك نحو 13 ألف كتاب من 2017 حتى اليوم. وهو رقم جيد جداً في سوق ناشئ. العام الماضي في آرابوكفيرس إنترناشيونال، سجّلنا 2000 كتاب، ونستهدف الوصول في العام المقبل، إلى تسجيل 3500 كتاب.

 الكتب الصوتية تنمو بشكل جيد، وأتوقع أن المحتوى الصوتي سيكون له مكانة كبيرة جداً عام 2030.

هل يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد الصوت بدلاً من الإنسان؟

الذكاء الاصطناعي موجود، وسيستمر في كل حياتنا، ومن سيرفض التعامل معه باحترافية يمكن أن يخرج من الصناعة أيا كانت.

بالنسبة لنا أنتجنا بالفعل به ما يزيد عن 200 ساعة صوتية، الفكرة كلها في كيفية استخدامه وتدريبه على اللغة العربية، وهي من اللغات الصعبة، حتى يقدم منتج بلغة ممتازة وسليمة.

كذلك الأصل في جودة ونقاء الصوت التي ندرّب الآلة عليها. استخدام الذكاء الاصطناعي سريع، ويمكن إنتاج الكتاب خلال ساعات. وعلى المستوى المادي هو أكثر ربحاً وتكلفته 30% من تكلفة الإنتاج البشري فحسب.

لكن التكلفة تزداد في حالة الإنتاج بجودة أعلى، وخصوصاً أننا نُدخل فيها العنصر البشري في المراحل التي لم يتطوّر فيها الذكاء الاصطناعي بدرجة كبيرةز وعلى الرغم من ذلك، تظل التكلفة أقل من الإنتاج البشري الكامل، لكن المشكلة أن تقبّل المستمعين لهذا الإنتاج ليس كبيراً في الوقت الحالي. 

شاركها.