اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بانتظار حلول سياسية وأمنية

تدور معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بين شكاوى من تهميش في الحقوق المدنية والاجتماعية، وتعقيدات أمنية تتعلق بملف السلاح داخل المخيمات وخارجها.
وبينما يعيش أكثر من 200 ألف لاجئ فلسطيني في ظل ظروف صعبة، يتصاعد الحديث عن ضرورة إنهاء ملف السلاح الفلسطيني، وسط مساع رسمية لبنانية لحصر السلاح بيد الدولة مع نهاية عام 2025، ما يفتح الباب أمام تحديات متشابكة بين الأمن والسياسة والواقع الاجتماعي.
وصدر عن قيادة الجيش اللبناني بياناً أعلنت فيه تسلُّم مديرية المخابرات، في وقت سابق، من حركة “حماس”، فلسطينياً يشتبه في تورطه بعمليتَي إطلاق صواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية يومي 22 و28 مارس الماضي، إذ بدأت التحقيقات معه بإشراف القضاء المختص.
“سلاح المخيمات”
وقال مسؤول العلاقات السياسية في “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” في لبنان، عبد الله الدنان في حديثه لـ”الشرق” إنه حتى الآن “لم يطرح أحد بشكل رسمي موضوع تنظيم السلاح في المخيمات”.
وأضاف أن “النقاشات الحالية عبارة عن تصريحات من مسؤولين، ولم نبلغ رسمياً أن ملف السلاح سيطرح على جدول زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت في 19 مايو الجاري”.
وأشار إلى أن “الفصائل الفلسطينية مجتمعة مع تنظيم وضبط السلاح المتفلت، نظراً لأنه لم يعد هناك سلاح خارج المخيمات وتم تسليم المواقع العسكرية”.
وتابع الدنان: “الفلسطيني في لبنان لديه مجموعة من الحقوق التي تمس حياته، فالدولة لا تعامله كما هو مكتوب على بطاقته بصفته كإنسان مقيم، فلا تعطيه حقوق هذه الإقامة”.
وحول إمكانية أن تكون هناك ضغوط خارجية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ذكر الدنان أن “الفلسطيني لا يمكن أن يتخلى عن حق العودة، وكل الأثمان التي ندفعها بسبب تمسكنا بهذا الخيار، فلا يمكن لأحد أن يفرض علينا هذا الأمر”.
توافق لبناني فلسطيني
من جانبه، قال عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك لـ “الشرق”، إن الجيش اللبناني “حاسم بقرار” إنهاء ملف كل سلاح غير لبناني وغير شرعي خارج إطار الدولة، والذي بدأ في هذا المنحى مع إنهاء حالة سلاح جماعة “حزب الله”.
وذكر يزبك أن هناك “توافقاً بين الدولة اللبنانية ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على حصر السلاح بيد الجيش اللبناني فقط”.
ورفض النائب اللبناني ربط السلاح الفلسطيني داخل المخيمات بضمان منع التوطين والحفاظ على “حق العودة” للاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، قائلاً: “شهدنا نتيجة الاحتفاظ بالسلاح بحجة محاربة إسرائيل، طوفان الأقصى، حيث تم تدمير جزء كبير من لبنان، والخوف من إنهاء الحالة الفلسطينية من خلال الموقف المتطرف الذي تتخذه حركة حماس، بجر الشعب الفلسطيني إلى حرب لا يريدها، وهو ما عبّر عنه الرئيس الفلسطيني في تصريحاته الأيام الماضية”.
وتابع يزبك: “عدم قدرة الفلسطينيين على العودة إلى بلدهم عبر الكفاح المسلح، يؤدي بالنتيجة إلى بقائهم في لبنان، لذلك يجب التخلي عن السلاح وإعطاء السلطة الفلسطينية كل الدعم، لإجراء مفاوضات جديّة لما يعزز الاتفاقات التي قامت منذ اتفاقية أوسلو إلى اليوم وجرى تعطيلها”.
وفي ديسمبر من العام الماضي، تسلّم الجيش اللبناني مواقع فلسطينية تابعة إلى “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة في البقاع” بمناطق بر إلياس وقوسايا وحشمش والسلطان يعقوب، وموقع فتح الانتفاضة في حلوى في راشيا.
وأعاد اجتماع المجلس الأعلى للدفاع اللبناني، الأسبوع الماضي، تركيز الاهتمام على ملف السلاح الفلسطيني، حيث شدد على مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، وطالب بتسليم جميع المطلوبين المتورطين في إطلاق الصواريخ الأخيرة.
وشدد المجلس على أن هذا الملف سيكون “محوراً أساسياً في المباحثات مع القيادة الفلسطينية”، مؤكداً على أن المعالجة الأمنية يجب أن “تراعي خصوصية كل مخيم على حدة”.
وفي هذا الإطار، قال العقيد المتقاعد في الجيش اللبناني محمد حجازي، إن المعطيات تشير بأن الكم الأكبر من السلاح يتركز في 4 مخيمات أساسية هي: (عين الحلوة والرشيدية والبص والبرج الشمالي)، فيما بات مخيم نهر البارد تحت سيطرة كاملة للجيش اللبناني بعد معركة عام 2007.
وأشار حجازي في حديثه لـ”الشرق” إلى أن الأجهزة الأمنية تعمل حالياً على تثبيت سلطة الدولة تدريجياً داخل المخيمات، دون الاصطدام المباشر بالفصائل، في انتظار تسوية شاملة قد تحملها زيارة الرئيس الفلسطيني.
وذكر أن المؤسسة العسكرية، عملت خلال السنوات الماضية على ضبط الفوضى الأمنية من دون مواجهة مفتوحة، ضمن خطة أمنية عبر تعزيز نقاط التفتيش وتسلم مواقع كانت تحت سيطرة الفصائل.
ولفت حجازي إلى أن المشكلة قد لا تكون مع الفصائل الأساسية مثل حركتيْ “فتح” و”حماس”، ولكن مع “التيارات المتشددة” داخل المخيمات وخاصة في عين الحلوة، التي تعتبر في حالة صدام مع بعض الفصائل، وهو ما ظهر خلال السنوات الماضية في صورة اشتباكات داخل المخيم.
حقوق اللاجئين الفلسطينيين
بدوره، لفت الباحث الفلسطيني والناشط في مجال حقوق الإنسان ربيع الصفدي، إلى أن اللاجئ يعيش في ظل ظروف قانونية واقتصادية واجتماعية “قاسية”، تتجسد في حرمان طويل الأمد من الحقوق الأساسية، وسط تعقيدات سياسية تحول دون تحسين أوضاعهم.
وقال الصفدي في تصريح لـ “الشرق” إنه “على الرغم من مرور أكثر من 70 عاماً على تهجيرهم، لا يزال اللاجئون يعامَلون كفئة خارج التصنيفات القانونية المعترف بها، فلا هم مشمولون بالحماية الدولية للاجئين ولا يتمتعون بحقوق الأجانب المقيمين”.
واعتبر أن “الحكومة في لبنان ترفض منحهم كامل حقوقهم المدنية بحجة الحفاظ على حق العودة ورفض التوطين، ما أدّى إلى ترسيخ نظام قانوني هش يقيّد حركتهم ويمنعهم من تملّك العقارات أو ممارسة عشرات المهن، ويُلزمهم بالحصول على تصاريح أمنية للتنقل أو البناء داخل المخيمات”.
وتابع: “رغم دفع معظمهم الضرائب، فإنهم لا يحصلون على أي من الخدمات المقابلة، ويعيش أكثر من ثلثيهم تحت خط الفقر، مع ارتفاع معدلات البطالة وغياب فرص العمل”.
ولفت الصفدي إلى أن “الوضع التعليمي يشهد تراجعاً كبيراً نتيجة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، بينما يعاني القطاع الصحي من نقص في الطواقم والإمكانات، ما يؤدي إلى تدنّي مستوى الخدمات وتزايد أمراض سوء التغذية، خصوصاً بين الأطفال والنساء”.
وأردف: “أما المرأة الفلسطينية، فتواجه تمييزاً مضاعفاً يرتبط بالعادات الاجتماعية المقيدة داخل المخيمات من جهة، والحرمان القانوني والاقتصادي من جهة أخرى، رغم أنها أصبحت معيلة أساسية في آلاف العائلات، خاصة بعد الأزمة المالية التي يشهدها لبنان منذ عام 2019”.
وأشار الصفدي إلى أن المسؤولية عن هذا الواقع “تتوزع بين الدولة اللبنانية التي ترفض الاعتراف الكامل بحقوق اللاجئين، والمجتمع الدولي الذي يكتفي بالدعم اللفظي دون تمويل كافٍ للأونروا، إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي الذي يتهرب من مسؤوليته عن نكبة اللاجئين ويدفع باتجاه تفريغ حق العودة من مضمونه”.
المخيمات في لبنان
وتنتشر المخيمات الفلسطينية في مختلف مناطق لبنان، وخاصة تلك التي كانت تضم أكبر تجمعات للاجئين الفلسطينيين، وتركز معظم المخيمات في جنوب لبنان، منطقة بيروت، وشمال لبنان.
وفي العاصمة اللبنانية بيروت، توجد مخيمات “صبرا وشاتيلا” بالضواحي الجنوبية، ومخيم “برج البراجنة” غربي المدينة، ومخيم “مار إلياس” في قلب العاصمة قرب مقر وزارة التربية.
وفي جنوب لبنان، يقع مخيم “عين الحلوة” قرب مدينة صيدا، وهو أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان من حيث عدد السكان، ويعتبر من أبرز المخيمات التي تعيش فيها فصائل متنوعة، كما يقع مخيم “المية ومية” بالقرب من مدينة صيدا، وتقع مخيمات “الرشيدية” و”البص” و”برج الشمالي” في مناطق قريبة من مدينة صور.
أما في شمال لبنان، فيوجد مخيم “نهر البارد” بالقرب من مدينة طرابلس، ومخيم “البداوي” في شمال طرابلس. وشرقاً في البقاع، هناك مخيمات تعد أصغر حجماً مثل مخيم “الجليل” بمنطقة في البقاع الغربي و”دير الأحمر” بالبقاع الشرقي.