المبادرة العربية وفك عزلة الأسد
لمى قنوت
حظيت مبادرة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في حزيران 2023، الهادفة إلى فك عزلة الأسد، بدعم أمريكي متواصل وثابت، منذ ترجمتها إلى بيان عمان في 1 من أيار 2023، وما تلاها من تشكيل للجنة الاتصال الوزارية العربية، التي كُلفت بمتابعة ما تم إنجازه من تقدم في الأولويات الخمس المحددة وفق سياسة الخطوة بخطوة، وتُوجت المبادرة بعودة الأسد إلى الجامعة العربية، بناء على قاعدة التوافق بين الدول الأعضاء بدلًا عن الإجماع.
مر عام على المبادرة دون أن يتخذ الأسد خطوات ذات معنى باتجاه الأولويات الخمس، بينما خطت، وما زالت تخطو، بعض الدول خطوات جدية باتجاه فك عزلته، مثل تعيين السعودية سفيرًا لها في دمشق، وإجهاض إدارة بايدن مشروع قانون يمنع التطبيع مع الأسد، انسجامًا مع السياسة الأمريكية غير المعلنة رسميًا، ومكافأة له بعد النأي بالنفس عن الجرائم المتواصلة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ تسعة أشهر، وبالطبع يتماشى مشروع فك العزلة هذا مع الرغبة الروسية التي روج لها سابقًا بوتين، وعرضها على بايدن، خلال لقائهما بسويسرا في 16 من حزيران2021، واستبقها بإيفاد وزير خارجيته سيرجي لافروف في جولة على عدد من الدول الخليجية في 14 من آذار من العام نفسه، كان خلالها الملف السوري في مقدمة القضايا المطروحة.
تتخذ السياسة الأمريكية أسلوبًا مواربًا تجاه نظام الأسد، فمن جهة تستخدم العقوبات الأحادية للضغط عليه كما هو مُعلن، ومن جهة أخرى وبشكل مبطن تخفف عزلته، مع العلم أن سياسة فرض العقوبات الأحادية ليست حكرًا على الولايات المتحدة فقط، بل سبق وأن فرضتها دول أو عدة دول ضد دولة أو جماعات وأفراد، ولكن يمكن القول إن العقوبات الأحادية فشلت بغالبيتها في تحقيق أهدافها المعلنة، فعادة تلجأ الدول المُعاقبة في تعاملاتها الاقتصادية إلى دول أخرى حليفة أو دول لا تمارس حربًا اقتصادية عليها، فما بالنا بأنظمة شمولية حاكمة لا تكترث إلا بالحفاظ على سلطتها، كالنظام في سوريا مثلًا، فتتضافر العقوبات مع لامبالاته تجاه إفقار عموم المواطنين والمواطنات، وتبديد أموال الدولة في حرب لإخضاع المتمردين والمتمردات على سلطته منذ عام 2011، ناهيك بنهبها المنظم، بينما أركان النظام ومجرميه وواجهاتهم التجارية والتجار المرتبطين به والمدرجة أسماؤهم في لائحة العقوبات تنعم أموالهم وتجارتهم بملاذات آمنة في عدد من الدول والشركات والمشاريع، كما كشفت، على سبيل المثال، تحقيقات استقصائية أن العقوبات الأمريكية لم تحل دون أن يتملك ويستثمر بعض واجهات النظام التجارية في إمارة دبي، ويستطيعون أيضًا التحايل على العقوبات عبر بناء تحالفات وشراكات مع سياسيين وأقاربهم كما كشفت “وثائق بارادايز” و”وثائق باناما“، بينما، وعلى صعيد الأفراد لا يستطيع المواطن العادي فتح حساب شخصي في لبنان مثلًا أو تحويل مبلغ عبر البنوك بسبب تلك العقوبات، وهو شكل من أشكال أثر العقوبات الهائل على انتهاك حقوق الإنسان لعموم السوريين والسوريات، جراء أثر فرط امتثال الشركات التجارية والمالية وسائر مقدمي ومنتجي الخدمات بجميع أنواعها وابتعادهم عن مخاطر العقوبات.
في تقييم لسياسة التنازلات المتبادلة أو سياسة الخطوة بخطوة، ولواقع الأولويات المطلوبة من نظام الأسد وفق البيان الصادر عن اجتماع لجنة الاتصال الوزارية العربية، الذي عقد منتصف آب 2023، فالعملية الدستورية في جمود منذ منتصف عام 2022، أي بعد أربع سنوات من عمرها، منذ أن رفض النظام عقد اجتماع جولتها التاسعة في جنيف، بسبب اعتراض روسيا على المكان الذي اعتبرته مكانًا غير محايد، وما زال النظام يرتكز في حكمه على الترهيب الأمني، اعتقالًا وإخفاء قسريًا وتعذيبًا وعنفًا جنسيًا، وتلفيق التهم للمعارضة، والاستيلاء على بعض ممتلكات وأراضي من شردوا قسرًا وهاجروا ولجؤوا، أو تقويض حق اللاجئين، رجالًا ونساء بكل تنوعاتهن، من الوصول إلى ممتلكاتهم والتحكم بها، وهي من العوائق الرئيسة التي تحول دون عودتهم إلى سوريا.
وما زال تصنيع وتهريب المخدرات المدعومة والمحمية من قبل النظام تغرق الأسواق، ونقلت سوريا من مركز إقليمي لتجارتها إلى مركز عالمي، دون الاكتراث بترابطها مع الجريمة المنظمة داخل سوريا والعابرة للحدود وأثر تعاطيها على المجتمع وصحة الأفراد وازدياد نسبة الانتحار وارتفاع معدل الجرائم والانتهاكات والاستغلال والعنف الجنسي، وقدّر تقرير نشرته صحيفة “دير شبيغل” الألمانية أن النظام السوري حقق أرباحًا بقيمة 5.7 مليار دولار أمريكي من تجارة المخدرات في عام 2021. أما على صعيد المساعدات، فإن برنامج الغذاء العالمي خفض مساعداته بنسبة تزيد على 40% في تموز 2023، الأمر الذي أدى إلى انخفاض عدد الأشخاص الذين يتلقون مساعدات من 5.5 مليون شخص إلى 3.2 مليون شخص، رغم أن 12.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
لا يتوقع أن تحرز المبادرة العربية، كغيرها من المبادرات والحلول الأممية، أي تقدم جوهري في أولوياتها، بسبب ابتعادها عن ملامسة جوهر وجذر القضية السورية، والمتمثل في بنية النظام الشمولي الذي يحتكر السلطة، ولا يؤمن إلا بالمعالجات الأمنية لإخضاع السوريين والسوريات، وعليه فإن حل مسألة اللجوء وتهريب المخدرات لا يتم دون تغيير جذري في سوريا.
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي