قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك، الاثنين، إن إسرائيل تُفضّل رؤية سوريا “مُفككة ومُقسّمة”، على أن تكون دولة مركزية قوية تُفرض سيطرتها على البلاد، وفي الشأن اللبناني أشار إلى أن واشنطن لا تستطيع إجبار إسرائيل على فعل أي شيء يتعلق ببيروت.
وذكر باراك، وفقاً لمقابلة مع وكالة “أسوشيتد برس” أن “الدول القومية القوية، وخاصةً العربية منها، تُعدّ مصدر تهديد لإسرائيل”، معتقداً أن “جميع الأقليات في سوريا يتمتعون بالقدر الكافي من الذكاء ليقولوا: نحن أفضل حالًا عندما نكون معاً، وموحدين في ظل دولة مركزية”.
وفي ما يتعلّق بالوضع الداخلي في سوريا، قال باراك إن “القتل، والانتقام، والمجازر من كلا الجانبين” باتت “أموراً لا تُحتمل”، لكنه أضاف: “الحكومة السورية الحالية، في رأيي، أدّت ما بوسعها كحكومة ناشئة ذات موارد محدودة للغاية، لمواجهة القضايا المتعددة التي تظهر أثناء محاولتها توحيد المجتمع المُتنوع هناك”.
وخلال مؤتمر صحافي عُقد لاحقاً في العاصمة اللبنانية بيروت، شدّد باراك على أن السُلطات السورية “يجب أن تُحاسَب” على ما وصفها بـ”الانتهاكات”، دون أن يحدد طبيعة تلك الانتهاكات أو الجهات المعنية بالمحاسبة.
وفيما يتعلّق بالضربات الإسرائيلية على سوريا، قال المبعوث الأميركي إن “الولايات المتحدة لم تُستشر، ولم تُشارك في اتخاذ القرار، ولم تكن مسؤولة عن الأمور التي ترى إسرائيل أنها تدخل ضمن إطار دفاعها عن نفسها”.
لكنه أشار إلى أن التدخل الإسرائيلي “خلق فصلًا جديداً مُربكاً للغاية”، و”جاء في توقيت سيئ للغاية”، على حد تعبيره.
واشنطن تتمسك بالحكومة السورية الجديدة
وقبل اندلاع العنف في محافظة السويداء، كانت إسرائيل وسوريا تخوضان محادثات بشأن ملفات أمنية، وذلك في وقتٍ كانت فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تدفع باتجاه تطبيع العلاقات بين الطرفين، وفقاً لـ”أسوشيتد برس”.
واعتبر باراك أن “رؤية إسرائيل كانت أن المنطقة الواقعة جنوب دمشق تُعد منطقة موضع شك، وأن أي تحرك عسكري فيها يجب أن يُناقش معها ويتم الاتفاق عليه”، مضيفاً أن “الحكومة السورية الجديدة لم تكن تتبنى هذا الاعتقاد تماماً”.
وأوضح باراك أن وقف إطلاق النار الذي أُعلن عنه السبت بين سوريا وإسرائيل يُعد “اتفاقاً محدوداً” يقتصر فقط على النزاع في السويداء، مؤكداً أنه “لا يشمل القضايا الأوسع، بما في ذلك مطالبة إسرائيل بجعل المنطقة الواقعة جنوب دمشق منطقة منزوعة السلاح”.
وفي حديثه عن المفاوضات التي سبقت إعلان وقف إطلاق النار، قال باراك إن “الجانبين فعلا ما بوسعهما” للتوصل إلى اتفاق بشأن مسائل محددة تتعلق بتحركات القوات والمعدات العسكرية السورية من دمشق إلى السويداء. وأضاف: “سواء كنت تقبل بتدخل إسرائيل في دولة ذات سيادة أم لا، فهذه مسألة مختلفة”.
وجدد باراك دعم واشنطن للحكومة السورية الجديدة، مؤكداً أنه “لا يوجد بديل” عن العمل معها من أجل توحيد البلاد التي لا تزال تعاني من تبعات الحرب الأهلية والصراعات الطائفية.
لا موقف أميركياً من اتفاق سوريا وتركيا
وقال المبعوث الأميركي إنه لا يعتقد أن العنف في السويداء سيُعيق المحادثات الجارية بين دمشق والقوات الكردية التي تسيطر على مناطق واسعة من شمال شرق سوريا، من أجل دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش الوطني السوري الجديد، معرباً عن أمله في أن يتم تحقيق “اختراق خلال الأسابيع المقبلة”.
وفيما يتعلق باحتمال إبرام اتفاق دفاعي بين سوريا وتركيا، قال باراك، الذي يشغل أيضاً منصب السفير الأميركي لدى أنقرة، إن الولايات المتحدة “لا تتخذ موقفاً” من هذا الأمر، مضيفاً: “ليس من شأن أو مصلحة الولايات المتحدة أن تُملي على الدول المجاورة ما يجب أن تفعله”.
لبنان.. “لا تهديدات ولا عقاب”
وفي ما يتعلق بالشأن اللبناني، صرّح المبعوث الأميركي أن واشنطن لا تستطيع إجبار إسرائيل على القيام بأي شيء، وذلك رداً على مطالب لبنانية بأن تكون الولايات المتحدة ضامناً لوقف الهجمات الإسرائيلية.
فيما أعلنت الرئاسة اللبنانية، الاثنين، أن الرئيس ميشال عون سلم باراك مذكرة شاملة لتطبيق تعهدات لبنان الواردة في إعلان 27 نوفمبر 2024.
وذكرت على منصة “إكس”، أن عون استقبل المبعوث الأميركي، بحضور سفيرة واشنطن لدى لبنان، ليزا جونسون، وسلمه باسم الدولة اللبنانية، مشروع المذكرة الشاملة لتطبيق ما تعهد به لبنان، منذ إعلان 27 نوفمبر 2024، حتى البيان الوزاري للحكومة اللبنانية، مروراً بخطاب القسم لرئيس الجمهورية.
ويتمحور الإعلان ( أي منذ سريان وقف طلاق النار بين إسرائيل وحزب الله) على تأكيد الضرورة الملحة لإنقاذ لبنان عبر استعادة الدولة سيادتها الكاملة على أراضيها، وحصر السلاح بيد المؤسسات العسكرية والأمنية الشرعية دون أي جهة أخرى.
وقال باراك خلال مؤتمر صحافي: “لا نجبر لبنان على نزع سلاح حزب الله، ولا نبحث فرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين إذا لم يتم نزع سلاح الحزب”، مضيفاً: “لا عواقب ولا تهديد ولا عقاب”.
ورداً على سؤال بشأن تسلمه ملاحظات من الرئيس عون و رئيس مجلس النواب نبيه بري، حول ملاحظات ضمنية من حزب الله، قال: “لم أطلع على أي ملاحظة من حزب الله حتى الآن”.
باراك: نزع سلاح حزب الله “مسألة لبنانية”
وأشار باراك إلى أن اتفاق وقف الأعمال العدائية دخل حيّز التنفيذ لكنه فشل لأسباب يجري العمل على معالجتها، مشدداً على أن نزع سلاح حزب الله مسألة لبنانية داخلية، لافتاً إلى أن واشنطن تعتبر الحزب “منظمة إرهابية أجنبية”، ولا تتواصل معه، بل تبحث مع الحكومة اللبنانية سبل تقديم الدعم.
واقترحت واشنطن، الشهر الماضي، خريطة طريق على كبار المسؤولين اللبنانيين تتضمن نزع سلاح حزب الله بالكامل خلال 4 أشهر مقابل وقف الغارات الجوية الإسرائيلية وانسحاب إسرائيل من المواقع التي لا تزال تحتلها في جنوب لبنان.
وهذه ثالث زيارة يقوم بها باراك إلى لبنان خلال شهر تقريباً لمناقشة خريطة الطريق الأميركية، التي تشمل نزع سلاح الجماعات المسلحة غير الحكومية والإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها وتحسين العلاقات مع سوريا.
وأكد باراك أن عودته مرة أخرى إلى بيروت، جاءت بتكليف من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في إطار مساع لضمان الاستقرار الإقليمي، مشيراً إلى أن لبنان جزء أساسي من هذه الجهود.