علي عيد

شاهدت مقطعًا على “الإخبارية السورية”، وكان مقدم البرنامج، وهو الزميل معاذ محارب، يطلب من المخرج قطع مشاركة الضيف، وهو الكاتب هوشنك أوسي، وكلاهما صديق أعرفه عزّ المعرفة، وهذا ربما لا يضيف لما أتحدث به شيئًا.

أعادني المشهد إلى ما حصل في آذار عام 2023، عندما طرد مقدم أحد البرامج في قناة “أورينت” السورية أحمد الريحاوي محللًا سياسيًا تركيًا، لأنه استنكر صيغة السؤال الذي وجهه الصحفي حيال قضية قتل “الجندرمة” التركية سوريين حاولوا عبور الحدود، إذ كتبت وقتها رأيًا مهنيًا دون أن أنكر عدالة وصحة السؤال الذي وجهه الصحفي المحاور.

ومن باب الإنصاف، تجب الإشارة إلى أن جميع من يشاركون في البرامج سواء كانوا صحفيين محاورين أو ضيوفًا، هم بشر، يكونون عرضة للانفعال أو الاستفزاز، وعندها يبدأ التمييز بين واجب المحاور ومسؤولياته، وواجب الضيف وحدوده.

كما أن عمليات القطع أو الاستبعاد ليست ولا يجب أن تكون عقوبة بل للحفاظ على الهدف العام من الحوار، كما أن لها دلالاتها وأسبابها وأساليبها ايضًا، فقد يعمد بعض المحاورين إلى استبعاد قاسٍ (طرد) للضيف عندما يتجاوز حدود الأدب أو يتفوه بعبارات غير لائقة (نابية)، مثل الشتم أو خطاب الكراهية أو التلفظ بما يخالف القانون.

وهناك حالات تتعمد فيها قنوات الإعلام أو مقدمو البرامج طرد الضيف، لخلق الضجة والإثارة وتوليد “مقطع فيروسي” يجري استثماره في وسائل التواصل، وهذا لا يتماشى مع المعايير المهنية.

من واجب الصحفي المحاور منذ اللحظة الأولى أن يفكر بطبيعة الضيف وتوجهاته وانحيازاته، وبالتالي عليه أن يكون مهيأ لما يصدر عنه من آراء، وإن لم يتمكن المحاور من استيعاب الضيف، أو لاحظ تجاوزًا للحدود القانونية أو الأخلاقية، فإن عملية الاستبعاد يجب أن تكون بطريقة مهنية، دون استخدام ألفاظ أو لغة جسد تعبر عن موقف انفعالي، وعلى الصحفي أيضًا ألا يترك الأمور تسير دون توضيحات للجمهور، فهو مطالب بشرح أسباب الاستبعاد ومبرراته.

وعندما لا يحقق المحاور الصحفي شروط الاستبعاد المنطقية، تدفع الوسيلة الإعلامية ثمن العملية، وتتعرض الثقة للاهتزاز بين الجمهور والوسيلة، لأن البرامج التلفزيونية ليست نوادي جمهور المؤيدين، بل مكان اشتباك مهني يحقق عرض التواصل وشرح الرسائل والأفكار.

أذكر مثالًا على حالة طرد مهنية، ذلك الذي حصل على قناة “CNN” في تشرين الأول 2024، خلال برنامج “NewsNight”، إذ أطلق أحد الضيوف مخاطبًا ضيفًا آخر عبارة “آمل ألا يرن جهاز البيجر لديك” في إشارة إلى التفجيرات الخاصة بعناصر “حزب الله” اللبناني، عندها رد الضيف الآخر، “هل قال ضيفكم للتو إنه يجب أن أقتل على الهواء”، ما شكّل إحراجًا بسبب مخالفة العبارة لمعايير القناة واضطرت “CNN” للاعتذار على الهواء واستبعاد الضيف صاحب العبارة الشاذة، وتلقت القناة بسبب هذه الحادثة 9000 شكوى عبر الجهة التنظيمية البريطانية (Ofcom).

وسواء في قناة سورية أو بريطانية أو أمريكية، ومهما كان توجه الضيف وموقفنا الشخصي منه، فمن حقه أن يقول، ولكن بشكل منطقي، وإن لم يسمح له بالقول أو جرى استبعاده، فإن الوسيلة الإعلامية تخسر ثقة الجمهور، وإلا ما معنى استدعائه بالأصل.

مقدم البرامج التلفزيونية أو المحاور الصحفي لا يجب أن يكون جزءًا من المحتوى بل جزءًا لإنجاح الحوار لا التأثير فيه.

قلت في مقال سابق، إن الصحفي يمرّن أعصابه وردود فعله مع أنواع الضيوف، فهو يحاور أشخاصًا متعددي الطباع والأمزجة، بعضهم شديد الذكاء ويتمتع بحضور يطغى على الصحفي نفسه، وبعضهم الآخر حساس وعصبي ومتصلب لا يقبل أن يقاطعه الصحفي، وبعضهم مشتت ويحاول تمرير أفكار بعينها، وبعضهم سليط وقد يتهم الصحفي المحاور بعدم الفهم، أو عدم المعرفة والإلمام.

وفي جميع النماذج المذكورة سابقًا، لا يخرج المحاور الصحفي عن وقاره، ولا عن مهمته ودوره، ولا ينبغي أن ينفعل مهما كلّفه الأمر.

كما أن الطرد أو الاستبعاد يجب أن يبقى خارج حسابات المحاور الصحفي، إلا عند الضرورة القصوى، فالوسيلة الإعلامية ليست ملكًا للصحفي، وكل وجهة نظر يطرحها الضيف هناك جمهور يعارضها أو يؤيدها، والصحفي مكلف بضبط الحوار في سياقاته المطلوبة، وترك قناعاته وآرائه ومواقفه خارج الاستوديو.

على الصحفي ألا يفكر بالخروج منتصرًا، فهو ليس سلطة، ولا مطلوبًا منه مبادلة الضيف بعبارات قاسية أو جدل، والجمهور ليس مضطرًا لهذا، ولا أحد يعرف الأثر الذي سينشأ عن هذا الجدل المتبادل بعد انتهاء المقابلة.

أخيرًا، ما حصل أعتقد أنه خلاف لحظي يحصل أحيانًا، معاذ محارب من المحاورين الصحفيين الجيدين، والملتزمين بأخلاق المهنة، وخَبِرتُه منذ بداياته في العمل الصحفي، وهوشنك أوسي، أديب ومناضل لم يستسلم لأهواء “PKK”، وهو الكردي المؤمن بسوريته، و”الإخبارية” قناة تعهد القائمون على الإعلام بأنها تمثل الجميع ولا تنحاز سوى لسوريا الواحدة بكل تلوّنات طيفها، وطالما كان الأمر كذلك، فليكن ما حصل بعضًا من الخلاف الذي لا يجب أن يفسد للود والمهنية قضية.. وللحديث بقية.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.