“المركزية” غربًا و”الثامن” شرقًا.. من يحكم درعا
– خالد الجرعتلي
لم تنهِ سيطرة النظام السوري على جنوبي سوريا عام 2018 الحراك الذي انطلق عام 2011، ونادى بإسقاط النظام، ودفع السوريين لحمل السلاح ضد الآلة العسكرية السورية التي حاولت قمع الحراك.
وفي الوقت نفسه، ظهرت حالة جديدة من السيطرة لا يزال النظام خارجها، إذ يحاول السيطرة على المحافظة عبر وكلاء محليين، في الوقت الذي تنشط فيه مجموعات محلية تقف حائلًا أمام تحقيق هذا الهدف.
وفي الوقت الذي قرّب فيه النظام المسافة بالعلاقة مع معارضيه بعد تموز 2018، إذ لم تعد تفصل جبهات القتال بينهما، يرى قياديون سابقون في فصائل المعارضة تواصلت معهم أن المعارضة لا تزال تسيطر على معظم أجزاء محافظة درعا.
تحولات مفصلية
رسمت أحداث متتالية في محافظة درعا على مدار السنوات الخمس الماضية خارطة السيطرة، والقوى الفاعلة، والتحالفات فيها، إذ اعتُبر حصار درعا البلد في تموز 2021، والمعارك التي شهدتها مدينة جاسم شمالي درعا بين متهمين بالانتماء لتنظيم “الدولة” وفصائل محلية في 2022، من العوامل التي أدت إلى تثبيت سيطرة الفصائل المحلية بالمحافظة.
وشهدت المحافظة على مدار السنوات الماضية مواجهة بين ثلاث جهات، الأولى قوات النظام التي تحاول فرض مطالب وتسويات في قرى وبلدات درعا، وتواجه بمقاومة مسلحة من الأهالي.
والثانية مجموعات تُتهم بالتبعية لتنظيم “الدولة” وتنفي ذلك دائمًا، إضافة إلى حلف “اللجان المركزية” و”اللواء الثامن” (فصائل معارضة سابقًا) الذي يواجه اتهامات بالولاء لـ”الأمن العسكري” وهو ما ينفيه دائمًا.
وفي العام الماضي أيضًا، شهدت مدينة درعا البلد مواجهات مسلحة بين مجموعات تُتهم بالتبعية لتنظيم “الدولة” وفصائل محلية مدعومة بـ”اللواء الثامن”، أسهمت بفرض فصائل “المركزية” حضورها على الساحة.
بعد “تسوية” تموز 2018، وهزيمة فصائل المعارضة، شُكلت اللجان المركزية بثلاث مكونات رئيسة، وهي لجنة درعا البلد ولجنة الريف الغربي وفصيل “اللواء الثامن” (“شباب السنة” سابقًا) بقيادة أحمد العودة الذي تبع لـ”الفليق الخامس” المشكّل روسيًا عام 2016 ثم تبع لـ”الأمن العسكري”.
وبقيت بعض المجموعات العسكرية الصغيرة الرافضة لاتفاق “التسوية” في درعا، والمعترضة على التفاوض بين “اللجان المركزية” والنظام السوري، تحت اتهامات بالتبعية لتنظيم “الدولة”، حاول بعضهم نفيها مرارًا.
خلال المعارك التي شهدتها درعا البلد بين الفصائل المحلية نفسها، استُهدفت مجموعة يقودها محمد المسالمة ويلقب بـ”الهفو”، وكانت ذريعة فصائل “اللجان المركزية” و”اللواء الثامن” أن “الهفو” مبايع لتنظيم “الدولة الإسلامية”.
وفي المقابل، قال القيادي “الهفو” في حديث سابق ل، إنه ومقاتلين آخرين برفقته هم من “ثوار عام 2011” ولا صلة لهم بالتنظيم بـ”المطلق”، وسبق أن تعرضوا للتهميش من قبل الفصائل، بسبب عدم إطاعتهم للأوامر الخارجية، حسب “الهفو”.
“المركزية” غربًا و”الثامن” شرقًا
التقت مع قياديين يديرون مجموعات محلية في محافظة درعا، أحدهم يتبع لفصائل “اللجان المركزية” وواحد من “اللواء الثامن”، الأخير عضو فاعل سابقًا في “اللجنة المركزية” لدرعا البلد، كما تحدثت إلى قيادي سابق في أحد الفصائل، إذ اعتبر ثلاثة منهم أن النظام السوري لا يسيطر على الجنوب السوري، ولا يملك تأثيرًا فيه، بينما يرى أحدهم أن “الأمن العسكري” هو من يدير المشهد.
قيادي بارز في “اللواء الثامن” تحدث ل بشرط عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال إن “اللواء الثامن” يدير المنطقة الشرقية من محافظة درعا بشكل محكم، ويتمتع بمركزية جيدة، كما يحظى بشعبية مقبولة لدى شريحة من المنطقة.
وبالنظر إلى ريف محافظة درعا الغربي، تسيطر فصائل “اللجان المركزية” التي صنفها القيادي على أنها أفضل من حيث القبول الشعبي من “اللواء”، ولديها سيطرتها على الجغرافيا التي وصفها بـ”المتينة”.
ولدى فصائل “اللجان المركزية” بريف درعا الغربي سيطرة على أرياف أخرى من المحافظة، وصولًا حتى الريف الشمالي، عبر ارتباطات بين المجموعات المحلية لكل قرية وبلدة ومدينة، كما ترتبط هذه الفصائل جميعها مع “اللواء الثامن” شرقي درعا.
وأضاف القيادي أن شعبية فصائل “المركزية” دفعت النظام للتوجه نحو تصفية قادتها، ومحاولات التخلص منها، خصوصًا أنها صارت مرجعًا بالنسبة للسكان الذين عكفوا على مراجعة حتى المؤسسات القانونية التابعة للنظام، بمقابل لجان شرعية وعشائرية أسستها هذه “اللجان”.
قيادي سابق في فصائل المعارضة، وشغل منصبًا عسكريًا في “اللواء الثامن” تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال ل، إن “اللواء الثامن” يشكل “قوة ضاربة” في الريف الشرقي للمحافظة، وهو حال فصائل “المركزية” في الريف الغربي.
وأضاف أن النقطة المشتركة بين هذه الفصائل أنها تدار من قبل “الأمن العسكري”، وتتحرك بأوامر من رئيس “الأمن العسكري” في درعا، العميد لؤي علي.
القيادي السابق اعتبر أن لؤي العلي “نجح” إلى حد بعيد في “تصفية الثورة” بالجنوب السوري، وحصر الحراك المسلح بمجموعات سبق وروضها، تضاف إليها خلايا تنظيم “الدولة” التي تصب تحركاتها بمصلحة النظام دائمًا، لكن ليس من باب المصادفة.
وأشار إلى أن المجموعات العسكرية التابعة لـ”المخابرات الجوية” في عموم محافظة درعا مثل مجموعة “اللحام” على سبيل المثال لا الحصر، هي عصابات أكثر من كونها مجموعات أمنية وعسكرية، ويمكن حلّها في أي وقت.
وسبق أن هاجم “اللواء الثامن”، في آذار الماضي، مجموعة “اللحام” في بلدة السفيرة شرقي درعا، وطردها من المنطقة، فارضًا سيطرته عليها.
من يدير المشهد
وينظر الباحث المتخصص بالشأن العسكري في مركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني إلى “اللواء الثامن” على أنه اضطر للانخراط في “التسوية” وقبل الانضمام شكليًا لـ”الأمن العسكري”، بعد التخلي الدولي عن دعم المعارضة في الجنوب.
الباحث قال ل، إن “اللواء الثامن” فضّل مسك العصا من المنتصف ليحافظ على تأثيره إلى حد ما، بغية تحقيق “أهداف الثورة” التي كان جزءًا من هياكلها يومًا ما.
وفي الوقت نفسه، يرى حوراني أن للنظام وأجهزته الأمنية اليد الطولى في إدارة المشهد الأمني جنوبي سوريا، ويحاول قدر الإمكان إدارته بتأليب جهات محلية أو توظيفها ضد بعضها، وبالتالي فالخسائر في كل الحالات لا تشمل عناصره.
ورغم تدخلات النظام الأمنية انفضح أمره، وفق الباحث، وباتت الخسائر البشرية تستهدف عناصره المؤثرين، وتعكس الحالة المناهضة المعلنة له من قبل سكان المحافظة.
شُكّل “اللواء الثامن” على أنقاض فصيل “شباب السنة”، أحد فصائل “الجبهة الجنوبية” المعارضة للنظام جنوبي سوريا، بقيادة أحمد العودة، وكان أحد أهم الفصائل المقاتلة والمنظمة.
ومع دخول “تسويات” النظام برعاية روسية حيّز التنفيذ عام 2018، حافظ العودة على تنظيمه العسكري، وانتقل به للانضمام لـ”الفيلق الخامس” الذي أسسته روسيا عام 2016 باعتباره قوات رديفة لقوات النظام، ثم صار منذ مطلع 2022 يتبع لـ”الأمن العسكري” بقوات النظام السوري.
الشيخ فيصل أبازيد، هو عضو فاعل في “اللجنة المركزية” لدرعا البلد سابقًا، ولعب دورًا خلال المفاوضات مع النظام السوري لفك الحصار عن مدينته في تموز 2021، وصف واقع السيطرة في محافظة درعا بعبارة “الطاسة ضايعة”، في إشارة إلى حالة الفوضى والغموض.
وأضاف أبازيد ل أن الوضع الأمني معقّد في درعا، إذ تدير كل مجموعة مصالحها، لكن “الثابت الوحيد” هو أن تنظيم “الدولة” على صلة وثيقة بتجار المخدرات المرتبطين بـ”حزب الله” اللبناني و”الفرقة الرابعة” وميليشيات إيران في الجنوب.
النظام “لن يسيطر”
قيادي “اللواء الثامن” قال ل، إن معظم أرياف محافظة درعا وجزءًا من المدينة لا تزال تحت سيطرة فصائل المعارضة نفسها التي كانت منتشرة في الجنوب قبل عام 2018.
وأشار إلى أن “المركزيات” تسيطر على الريف الغربي بشكل محكم، وتدير درعا البلد أيضًا، بينما يسيطر “اللواء الثامن” على أرياف المحافظة الشرقية، ويدير نفوذه في الريف الشمالي، إلى جانب “المركزية”.
القياديون الذين تواصلت معهم قالوا إن المجموعات التابعة لتنظيم “الدولة” لم تعد تملك سيطرة فعلية في المحافظة بفضل الملاحقة التي تجريها فصائل “المركزية” و”اللواء” لها منذ عامين.
وسبق أن حاول النظام الدخول بدوريات أمنية إلى مناطق تسيطر عليها “اللجان المركزية” في مدن جاسم وطفس، وأخرى شرقي درعا، لكنه اصطدم بمواجهات مسلحة مع فصائل المنطقة كلّفته قتلى وجرحى.
وفي مطلع 2022، داهمت دورية أمنية تابعة لقوات النظام السوري مدينة جاسم بريف درعا الشمالي، واشتبكت مع مقاتلين سابقين في فصائل المعارضة، ما أسفر عن قتيل وعدد من الجرحى.
تبع ذلك بأشهر محاولة دخول للمدينة نفسها بطريقة مشابهة، كلّفت النظام أكثر من عشرة قتلى، وتدمير آليات عسكرية.
وفي كانون الأول 2023، حاصرت قوات النظام مدينة جاسم في ريف درعا الشمالي، وأطلقت مفاوضات مع وجهاء المنطقة والفاعلين فيها، وانتهت بفك الحصار عنها.
وفي تموز 2023، اندلعت اشتباكات بين مقاتلين سابقين بفصائل المعارضة وقوات النظام السوري جنوب مدينة طفس في ريف درعا الغربي، انتهت بمفاوضات مشابهة لتلك التي حصلت في جاسم.
وفي مدينة نوى جنوب غربي درعا، اندلعت توترات في تشرين الثاني 2023، إثر محاولة النظام تثبيت نقطة عسكرية بالمنطقة، انتهت بانسحاب قواته منها، بعد تدخل فصائل “المركزية”.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي