اخر الاخبار

المضاربة أبرز أسباب تذبذب الليرة.. ما آلياتها وأدواتها

أرجع كل من الحكومة والخبراء الاقتصاديين قضية تذبذب قيمة الليرة السورية مؤخرًا إلى عدة أسباب، أبرزها ما أسموه بـ”المضاربة”، والتي تهدد حالة استقرار الليرة ومن بعدها الاقتصاد.

لا تعد حالة المضاربة على الليرة السورية جديدة، إذ تعرضت الليرة في أوقات سابقة لمثل هذه الحالة، دون أن تستطيع السلطات النقدية في البلاد القضاء على هذه الحالة من جذورها، إنما كانت تلجأ لحلول مؤقتة ضد المضاربين، الذين كانوا سرعان ما يستغلون أي تغير سياسي أو اقتصادي في البلاد لتحقيق مصالحهم.

وصلت أعلى قيمة لليرة خلال الأيام الماضية إلى 8000 مقابل الدولار الواحد، وبقيت لساعات عند هذا الحد، وهو رقم لم تشهده منذ أعوام، وذلك بعد أن استقرت عند حوالي 11500 ليرة للدولار الواحد، منذ سقوط النظام في 8 من كانون الأول 2024 وحتى نهاية كانون الثاني الماضي.

وسجل سعر الدولار الأمريكي اليوم، الأربعاء 19 من شباط، نحو 10000 ليرة وفق موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار النقد والعملات الأجنبية والذهب في سوريا.

يحمل السوريون العملة بالحقائب مع تدني قيمتها أمام الدولار بينما يحاول المركزي تقييدها (رويترز/ عمار عوض)

يحمل السوريون العملة بالحقائب مع تدني قيمتها أمام الدولار بينما يحاول المركزي تقييدها (رويترز/ عمار عوض)

ما المضاربة؟

تعرّف المضاربة على أنها عملية بيع وشراء العملات بهدف تحقيق أرباح سريعة من تغيّرات أسعار الصرف، دون استخدام هذه العملات في التجارة أو الاستثمار الفعلي، بحسب ما أوضحه الأستاذ والمحاضر في كلية الاقتصاد بجامعة “غازي عينتاب” التركية صلاح الدين الجاسم.

يسعى المضاربون، وفق ما أوضحه الجاسم في حديث إلى، إلى الاستفادة من الفروقات السعرية عبر شراء العملة بسعر منخفض وبيعها بسعر مرتفع، دون الاكتراث بتأثير هذه العمليات على الاقتصاد الحقيقي.

بدوره، أوضح الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، أن المضاربة هي عملية بيع أو شراء لزوج عملات (الليرة السورية، الدولار) بكميات كبيرة خلال فترة قصيرة من قبل أشخاص او شركات أو بنوك، الغاية منها تحقيق ربح سريع.

من الممكن أن تدار هذه العملية من قبل قوى دولية أو إقليمية، وحتى داخلية أي من داخل البلد نفسه، بحسب حديث قضيماتي ل، مضيفًا أن الغاية من هذه العملية قد تكون الضغط على سياسة دولة ما أو فرض سياسات معينة.

وتعتبر المضاربة بالعملة لغاية المضاربة فقط عملية غير شرعية لأي بلد وتكافحها الدول داخليًا وخارجيًا، فهي العدو الأول للاستثمار، فكلما زادت المضاربات على العملية خلال فترة قصيرة يمكن أن تتضاعف الديون للشركات والأفراد وخاصة إذا كانت الدولة لها ارتباطات بالاقتصاد العالمي ولديها ديون خارجية أو داخلية، بحسب الباحث.

صلاح الدين الجاسم أعطى عدة أمثلة على عملية المضاربة في الحالة السورية، منها خلق طلب صناعي، إذ تلجأ بعض شركات الصرافة إلى نشر شائعات حول ارتفاع وشيك في سعر الصرف، ما يدفع الأفراد إلى التهافت على شراء الدولار، فيرتفع الطلب ويزداد السعر، ما يتيح للمضاربين فرصة البيع بسعر أعلى.

كما يمكن إتمام العملية عبر استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أخبار مضللة حول أزمات اقتصادية وسياسية وشيكة، ما يدفع المواطنين إلى تصريف مدخراتهم من الليرة السورية إلى الدولار، الأمر الذي يعزز التقلبات السعرية ويحقق مكاسب غير مشروعة.

عملة ورقية سورية - 28 شباط 2024 (/ سارة الأحمد)عملة ورقية سورية - 28 شباط 2024 (/ سارة الأحمد)

عملة ورقية سورية – 28 شباط 2024 (/ سارة الأحمد)

ما أدواتها؟

الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، يرى أنه في الحالة السورية من يقوم بالمضاربة على الليرة هم تجار الأزمات والشبكات الموجودة في سوريا الذين استفادوا خلال الـ14 عامًا الماضية، وهناك أيضًا الساعون للربح السريع من قبل الأفراد، في ظل حالة لا يمكن تجاهلها، وهي انتشار “بسطات” الباعة للعملات المختلفة في الشوراع مع وجود صعوبة في ضبط هذه الحالة عقب سقوط النظام.

المحاضر بكلية الاقتصاد في “غازي عينتاب” صلاح الدين الجاسم، أوضح أن للمضاربة التي تعتمدها شركات الصرافة والمضاربين في سوريا عدة أدوات وأساليب، منها التلاعب بالسوق، إذ تتحكم بعض شركات الصرافة الكبرى في كميات ضخمة من العملة المحلية والأجنبية، ما يمنحها القدرة على إحداث تغييرات مصطنعة في العرض والطلب لتحقيق مكاسب مالية.

من بين الأدوات نشر المعلومات المضللة، إذ تستخدم وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر أخبار كاذبة أو مبالغ فيها عن توجهات سوق الصرف، ما يدفع الأفراد والمؤسسات إلى اتخاذ قرارات مالية غير مدروسة، كما يمكن أن يلجأ المضاربون إلى شبكات الصرافة غير الرسمية المنتشرة في الشوارع والأسواق السوداء لتنفيذ عمليات مالية خارج القنوات الرسمية، ما يفاقم أزمة السيولة النقدية.

تعد تحويلات العملات الأجنبية غير المشروعة إحدى أدوات المضاربة، بحسب الجاسم، إذ تُستخدم شبكات مصرفية خارجية لتحويل الأموال بطرق غير شفافة، ما يعقد قدرة السلطات النقدية على ضبط تدفقات النقد الأجنبي، فضلًا عن مسألة التواطؤ مع بعض المسؤولين الفاسدين، ويتم عبرهم تسريب معلومات اقتصادية حساسة إلى المضاربين قبل الإعلان عنها رسميًا، ما يمنحهم ميزة تنافسية ويعزز قدرتهم على استغلال السوق.

أحد الصرافين أمام كلية الحقوق في منطقة البرامكة بدمشق ( 9 شباط، 2025،، عمر علاء الدين)أحد الصرافين أمام كلية الحقوق في منطقة البرامكة بدمشق ( 9 شباط، 2025،، عمر علاء الدين)

أحد الصرافين أمام كلية الحقوق في منطقة البرامكة بدمشق – 9 شباط 2025 (/عمر علاء الدين)

ما دور الحكومة؟

وزير الاقتصاد بحكومة دمشق المؤقتة، باسل عبد الحنان، قال إن التذبذب الحاصل بسعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية هو نتيجة مضاربات التجار، مؤكدًا أن السعر “وهمي”.

الوزير قال إن مصرف سوريا المركزي والجهات المعنية ستتدخل لتثبيت سعر الصرف.

الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، قال إن الحكومة اتخذت مؤخرًا العديد من القرارات، منها منع انتشار بائعي العملات على “البسطات”، وإلزام المؤسسات والشركات المالية بالتسعيرة المقررة من قبل مصرف سوريا، وهي قرارات للقضاء على المضاربة إذا ما تم تطبيقها بشكل فعال، فضلًا عن ضرورة القيام ببعض الإجراءات المتعلقة بحرية السحب والإيداع من المصارف بشكل مطلق.

صلاح الدين الجاسم من جهته أوصى بعدد من الاقتراحات التي يجب على مصرف سوريا المركزي القيام بها، منها سياسات قصيرة الأجل وإجراءات عاجلة تتمثل بتعزيز الاحتياطات الأجنبية، إذ ينبغي زيادة مخزون النقد الأجنبي لتمكين البنك المركزي من التدخل في السوق عند الضرورة بهدف الحد من التقلبات الحادة في سعر الصرف.

كما ينبغي بشكل عاجل مكافحة شركات الصرافة غير القانونية، إذ يجب فرض رقابة صارمة على شركات الصرافة، وإغلاق المكاتب غير المرخصة، والتعاون مع الجهات المختصة لتعقب التدفقات النقدية غير القانونية، وتفكيك الشبكات التي تمارس المضاربة والإضرار بالاقتصاد الوطني، فضلًا عن ضرورة تعزيز الشفافية والاتصال الفعال حيث ينبغي إصدار بيانات دورية واضحة حول السياسات النقدية، بهدف دحض الشائعات والمعلومات المغلوطة التي تستغلها المضاربة.

على سبيل السياسات متوسطة الأجل بهدف تحقيق الاستقرار المستدام، ينبغي التمهيد أو القيام بعدة إجراءات، بحسب ما أوصى صلاح الدين الجاسم، تتمثل بما يلي:

  1. تطوير البنية التحتية المصرفية: يجب تعزيز الخدمات المصرفية الرقمية، وتحفيز المواطنين على استخدام القنوات الرسمية في تحويل الأموال وتداول العملات، للحدّ من الاعتماد على السوق السوداء.
  2. إطلاق أدوات مالية جديدة: ينبغي تقديم بدائل استثمارية آمنة للمواطنين، مثل السندات الحكومية المرتبطة بالتضخم أو حسابات التوفير المدعومة بالذهب، لامتصاص السيولة النقدية الفائضة.
  3. تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي والدولي: يمكن إبرام اتفاقيات تبادل العملات مع الدول الصديقة مثل تركيا والأردن والسعودية ولبنان والعراق، وتأمين دعم مالي يساعد في تحقيق استقرار سوق الصرف.
  4. توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الرقابة المالية: يجب استخدام أنظمة تحليل البيانات المتقدمة للكشف عن أنماط التداول المشبوهة، واتخاذ إجراءات استباقية ضد عمليات المضاربة.
  5. تنشيط الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات: ينبغي تحفيز القطاعات الإنتاجية الوطنية وزيادة الصادرات، بهدف خلق طلب حقيقي على الليرة السورية وتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية.

تفتقد الليرة السورية حدود المقاومة اللازمة للدفاع عن استقرارها، ومن الصعب أن تصمد أمام أي هزة مهما كانت صغيرة، ما يؤكد أنها عُرضة للانخفاض السريع، بحسب ما ذكر تقرير صادر عن مركز “جسور للدراسات” عام 2021.

وأضاف التقرير أنه غالبًا ما يكون أثر التحولات السياسية والاقتصادية في سعر صرف الليرة على شكل موجات ارتفاع واضحة، أي بانخفاض قيمة الليرة، الأمر الذي يجعل من الصعب تحديد المستويات التي يُمكن أن تحققها.

شركة لايت للصرافة في دمشق- 26 كانون الأول 2023 (/سارة الأحمد)شركة لايت للصرافة في دمشق- 26 كانون الأول 2023 (/سارة الأحمد)

شركة “لايت” للصرافة في دمشق- 26 كانون الأول 2023 (/سارة الأحمد)

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *