المفاوضات الأميركية الصينية جنيف التوقعات والنتائج المنتظرة

بدأ ممثلون من الولايات المتحدة والصين، السبت، مفاوضات حساسة في مدينة جنيف السويسرية، قد تحدد مستقبل الاقتصاد العالمي الذي تأثر بشدة من جراء حرب الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
والتقى وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت مع نائب رئيس مجلس الدولة الصيني، خه لي فنج، فيما سيتم عقد لقاءات بين مسؤولين بينهم الممثل التجاري الأميركي، جيميسون جرير، مع المسؤولين الصينيين على أن تُعقد جولة ثانية من المحادثات، الأحد.
وفتح ترمب الباب أمام احتمال خفض الرسوم الجمركية، قائلاً هذا الأسبوع إن الرسوم الحالية التي تبلغ 145% “لا يمكن أن ترتفع أكثر من ذلك”، فيما اقترح، الجمعة، خفضها إلى 80%.
وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، إن ترمب ذكر أن 80% قد يبدو رقماً مناسباً بالنسبة له، مشيرة إلى أنه على تواصل دائم مع وزير الخزانة الذي يقود المفاوضات هذا الأسبوع.
ويرى بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية أن هذه النسبة قد تكون بمثابة رسالة علنية من ترمب لتشجيع بيسنت على التوصل إلى اتفاق يخفّض الرسوم إلى نحو 80%، حسبما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
إلا أن وزير التجارة، هاورد لوتنيك، قال في تصريحات تلفزيونية، إنه من المرجح أن يبقي الرئيس على رسوم تبادلية كبيرة مع الصين، لكنه قد يرضى بنسبة تقارب 34%، وهي النسبة التي أعلن عنها في 2 أبريل الماضي.
ما الذي قد تحصل عليه واشنطن من بكين؟
يرغب ترمب في تحقيق “تجارة أكثر عدالة” مع بكين، وقد انتقد مراراً هيمنة الصين الصناعية، كما يريد الحد من دورها في تهريب مادة الفنتانيل المخدرة إلى الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن تطالب واشنطن بتعهدات ملموسة من الصين في هذين المجالين قبل الموافقة على أي خفض للرسوم.
ووفق “وول ستريت جورنال”، فإن المبادرة الصينية السابقة للتواصل مع إدارة ترمب بخصوص أزمة الفنتانيل، ساهمت في تمهيد الطريق لهذه المحادثات.
وسلّمت واشنطن إلى بكين قائمة مقترحات لكيفية التصدي لتجارة المواد الكيميائية التي تُستخدم في تصنيع الفنتانيل، لذا من المتوقع أن يناقش الوفد الصيني في سويسرا هذه المطالب بشكل مباشر.
وحال توصّل الطرفان إلى تفاهم بشأن الفنتانيل، فقد يؤدي ذلك إلى خفض بعض الرسوم الأميركية المفروضة على البضائع الصينية.
وتدرس بكين كذلك اقتراح زيادة مشترياتها من المنتجات الأميركية وتعزيز استثماراتها في الولايات المتحدة، وفقاً لما نقلته “وول ستريت جورنال” عن مصادر قريبة من دوائر صنع القرار الصيني، غير أن هذه المحادثات، على الأرجح، لن تشهد نقاشات معمّقة بشأن اتفاق تجاري شامل.
لماذا ترغب الصين في اتفاق؟
يستعد الرئيس الصيني شي جين بينج، لمنافسة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، إذ أن الحرب التجارية المستمرة أدت إلى توقف العديد من المصانع في الصين عن الإنتاج، وإعطاء العمال إجازات، ما يهدد بزيادة تدهور الاقتصاد الصيني الذي يعاني بالفعل من التباطؤ.
ولتخفيف هذه المعاناة، قرر شي إرسال كبار مساعديه إلى سويسرا، لإجراء محادثات مع الأميركيين، واللافت أن الوفد الصيني يضم، بالإضافة إلى مساعده الاقتصادي الأول، لي فنج، ووزير الأمن العام، وانج شياوهونج.
هل لدى الصين أوراق ضغط؟
تسيطر الصين حالياً على الإمداد العالمي للعديد من المعادن الحيوية، وتتمتع باحتكار شبه كامل لصناعة العناصر الأرضية النادرة، حيث تعد أكبر منتج ومصنع ومكرر للمغناطيسات الأرضية النادرة، وهي مكونات أساسية في العديد من التقنيات العسكرية والمدنية، بما في ذلك السيارات الكهربائية.
ويتوقع المحللون أن تستخدم بكين سيطرتها على هذه المعادن الحيوية، وخاصة العناصر الأرضية النادرة، كورقة ضغط في المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن يقدم الوفد الصيني بقيادة خه لي فنج، الذي يشغل منصب نائب رئيس الوزراء، اقتراحه حول كيفية تهدئة التوترات التجارية بين الجانبين، إذ أكدت بكين أن واشنطن يجب أن تزيل جميع الرسوم الجمركية البالغة 145% على السلع الصينية.
ما دور سويسرا في المحادثات؟
لا تفوت السلطات السويسرية فرصة العمل على صفقات مع الصين والولايات المتحدة في وقت زيارة مستشاري حكومتي البلدين إلى جنيف.
وقالت الرئيسة السويسرية، كارين كيلر سوتر، للصحافيين، الجمعة، في جنيف إن مسؤولين صينيين وآخرين من سويسرا عقدوا محادثات حول اتفاقية تجارة حرة جديدة.
وأضافت أن المسؤولين الأميركيين، أشاروا في اجتماعاتها مع بيسنت وجرير إلى أن اتفاقاً قد يكون في مراحله النهائية، ويظهر خلال أسابيع قليلة.
ما التوقعات والنتائج؟
وفي حين أن الرهانات في الاجتماعات بين ممثلي واشنطن وبكين عالية، إلا أن التوقعات بتحقيق اختراق يؤدي إلى تقليص كبير في الرسوم الجمركية منخفضة، وفق ما أوردته صحيفة “نيويورك تايمز”.
فقد استغرق الأمر أسابيع حتى توافق الصين والولايات المتحدة على بدء المحادثات، ويتوقع العديد من المحللين أن تركز مناقشات هذا الأسبوع على تحديد ما يريده كل طرف وكيفية المضي قدما في المفاوضات.
ومع ذلك، فإن حقيقة أن بكين وواشنطن بدأتا أخيراً في التحدث قد أثارت الآمال في إمكانية تهدئة التوترات بينهما، وأن الرسوم الجمركية قد تُخفض في نهاية المطاف.
فقد بدأت تأثيرات هذه الرسوم بالانتشار عبر الاقتصاد العالمي، ما يعيد تشكيل سلاسل التوريد، ويجبر الشركات على تحميل التكاليف الإضافية للمستهلكين.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه ستتم مراقبة هذه المفاوضات عن كثب من قبل الاقتصاديين والمستثمرين، الذين يخشون أن تؤدي الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين إلى تباطؤ النمو وارتفاع الأسعار في جميع أنحاء العالم.
كما أن الشركات، خاصة تلك التي تعتمد على الواردات من الصين، في حالة تأهب عالية بشأن هذه المحادثات وهي تكافح مع كيفية التكيف مع هذه الرسوم والقلق بشأن ما إذا كانت ستظل قائمة.
وبدأ النزاع التجاري يؤثر على أكبر اقتصادات العالم، إذ أفادت الصين بأن صادراتها إلى الولايات المتحدة في أبريل قد انخفضت بنسبة 21% مقارنة بالعام السابق.
وقال بعض من أكبر الشركات الأميركية، إنها ستضطر إلى رفع الأسعار للتعامل مع الرسوم الجمركية، ما يتعارض مع وعد ترمب بـ”إنهاء التضخم”.
وتجتمع الولايات المتحدة والصين بالقرب من مقر منظمة التجارة العالمية، التي انتقدت بشدة حروب الرسوم الجمركية التي أطلقها ترمب.
وتوقعت المنظمة أن تقسيم الاقتصاد العالمي إلى “كتل متنافسة” قد يقلص الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 7% على المدى الطويل، ما يضر بشكل خاص بأفقر دول العالم.
ما البديل؟
وترى “نيويورك تايمز” أن البديل، وهو عالم لا تتبادل فيه الولايات المتحدة والصين التجارة، قد يكون مؤلماً اقتصادياً ومزعزعاً للاستقرار، فالمستهلكون الأميركيون، الذين أصبحوا يعتمدون على السلع الرخيصة من الصين، قد يواجهون قريباً رفوفاً فارغة في المتاجر وارتفاعاً في الأسعار للمنتجات المتبقية.
وقال الاتحاد الأميركي للبيع بالتجزئة، الجمعة، إن حركة الشحنات الواردة إلى الولايات المتحدة من المتوقع أن تنخفض هذا العام للمرة الأولى منذ عام 2023، عندما كانت مشكلات سلسلة الإمدادات مستمرة، وأرجع الاتحاد هذا التراجع إلى الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب.
كانت إدارة ترمب تسابق الزمن لإبرام اتفاقات تجارية مع 17 شريكاً تجارياً رئيسياً آخرين بعد قرار الرئيس تعليق الرسوم الجمركية المتبادلة التي أعلن عنها في أبريل.