المواد الكيميائية “المتهم الأول” بانفجار ميناء رجائي بإيران

تسببت مواد كيميائية داخل إحدى الحاويات في انفجار ميناء رجائي بمدينة بندر عباس، جنوبي إيران، السبت الماضي، بحسب تحليل خبراء مفرقعات لأكثر من 90 مقطع فيديو وصور أقمار اصطناعية للحادث الذي أودى بحياة 70 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من ألف آخرين، بحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.
وأظهر مقطع فيديو من كاميرا مراقبة، تم نشره على منصة “إكس” لأول مرة، الثلاثاء، وتحققت منه “واشنطن بوست”، رافعة شوكية تُدخل حاوية ثم تخرج. وعقب ذلك بثوانٍ، تبدأ النيران بالاشتعال داخل الحاوية مع تصاعد الدخان بسرعة. وبعد حوالي 90 ثانية، وقع انفجار كبير ما تسبب في انتشار اللهب والحطام في أرجاء الميناء.
تقييم خاطئ
وقال جاريث كوليت، خبير متفجرات بريطاني متقاعد، إن الفيديو يُظهر على الأرجح تخزيناً لمادة مؤكسدة، وهي مادة خطيرة تحتوي على الأكسجين وتساعد في استمرار الحريق.
كما ذكر عضو البرلمان الإيراني محمد جماليان، لوكالة ILNA المحلية الإيرانية، أن الشركة المستوردة للمواد الكيميائية صرّحت عنها بشكل غير صحيح على أنها “منخفضة الخطورة”، ما جعل سائق الرافعة يتعامل معها دون حذر، وتسبب ذلك في شرارة أدّت إلى الانفجار. وأضاف أن شهوداً مصابين أكدوا نفس الرواية.
وأوضحت “واشنطن بوست” أنها حللت أكثر من 90 مقطع فيديو وصور أقمار اصطناعية، وتحدثت إلى شهود وخبراء، مشيرة إلى أن 4 خبراء متفجرات رجحوا أن الحادث نتج عن تفاعل كيميائي قوي أدى إلى حريق ثم انفجار.
وأضاف الخبراء أن “لون الدخان أشار إلى وجود مركبات نترات أو بيركلورات، وهي مواد تُستخدم في صناعة الأسمدة أو كوقود للصواريخ. هذه المواد تشتعل بسرعة خاصة في الأماكن الحارة والجافة مثل حاويات الشحن”.
ويستقبل ميناء رجائي ما يصل إلى 90% من تجارة الحاويات الإيرانية وأكثر من نصف تجارة البلاد، وسبق أن وقعت فيه 3 حوادث مميتة بين 2021 و2024، بحسب “واشنطن بوست”.
“لون الدخان يشير إلى وجود نترات”
ولفتت الصحيفة إلى أن الحريق اندلع في محطة “سينا” بالميناء حوالي الساعة 12:04 ظهراً، موضحة أن الدخان بدأ بلون أصفر، ثم أصبح برتقالياً، ثم رمادياً، وبعد دقيقة تحوّل إلى حريق أكبر.
وقال خبير أميركي، رفض الإفصاح عن هويته لعدم وجود إذن بالحديث، إن اللون البرتقالي للدخان الذي ظهر في بداية الحريق يشير إلى وجود مواد تحتوي على نترات، وأوضح أن بيركلورات لوحدها لا تنتج عادة هذا اللون، لكنها ربما ساهمت في الانفجار الأكبر لاحقاً.
وفي مقطع فيديو نُشر في قناة “مملكت” على تطبيق “تليجرام”، يقول أحد الأشخاص: “قولوا لشاحنة الغاز تطلع، راح تنفجر”. ثم يظهر الحريق وهو يزداد حجماً ويتجاوز رافعة كبيرة. يهرب الناس، ثم يقع انفجار ضخم، ويتوقف التصوير. وحسب تقارير محلية، الشخص الذي صور الفيديو يُدعى سامان ظريفي، وهو سائق شاحنة توفي بعد الانفجار بقليل.
وقال جورج هربرت، عضو معهد مونتيري للدراسات الدولية، والذي يركز على الدفاع الصاروخي والانفجارات، لصحيفة “واشنطن بوست” إن اللهب الأبيض المائل للأصفر والدخان الأحمر قد يشير إلى وجود بيركلورات الصوديوم، لكنه لم يستبعد أنواعاً أخرى مثل بيركلورات الأمونيوم.
وذكر كوليت أن “البيركلورات” تستخدم بشكل أساسي في الذخائر، وخاصة في تصنيع الوقود الصاروخي المركب، وفي صناعة المتفجرات المستخدمة في التعدين والبناء. وأضاف أن لها “استخدامات حميدة قليلة”، رغم أنها بكميات كبيرة يمكن أن تكون عنصراً في الأسمدة.
وقال فابيان هينز، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية والمتخصص في التحليل الدفاعي والعسكري، إنه في حين أن إيران قادرة على إنتاج بيركلورات الصوديوم محلياً، فمن المعروف أيضاً أن طهران تستورد هذه المادة.
مرور منتظم للمواد الكيميائية
وبيّنت بيانات الجمارك أن مواداً كيميائية قابلة للاشتعال، مثل أسمدة النترات، تمر بشكل منتظم عبر الميناء. وبعضها قد يُسبب انفجارات مماثلة، بحسب كوليت.
على بعد 400 متر تقريباً من موقع الانفجار، تحطمت نوافذ وانهارت مبانٍ، وأظهرت مقاطع فيديو ارتفاع أعمدة من الدخان الأحمر والرمادي من مكان الحادث.
وأوضح كوليت أن الدخان الرمادي يشير إلى الحطام، بينما اللون الأحمر يدل على وجود نترات أو بيركلورات. وأشار إلى أن انفجاراً مشابهاً وقع عام 1988 في مصنع بولاية نيفادا الأمريكية بسبب بيركلورات الأمونيوم، وكان له لون دخان مشابه، لكنه أضاف أنه لا يمكن تحديد المادة الدقيقة من لون الدخان فقط.
بحلول صباح اليوم التالي، كان لا يزال هناك دخان أسود يتصاعد من 3 نقاط مختلفة على الرصيف.
وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية فُوهتين كبيرتين بقطري 32 و25 متراً تقريباً. قال كوليت إن هذا يدل على أن حاويتين على الأقل اشتعلتا ثم انفجرتا بفارق زمني بسيط.
وقدّر الخبراء أن شدة الانفجار تعادل حوالي 50 طناً من مادة TNT، بناءً على حجم الفُوهات وقوة الموجة الانفجارية. وأوضح كوليت أن هذا التقدير قد يختلف بنسبة تصل إلى 30% حسب نوع التربة وعمق الانفجار.