النظارات الذكية.. “رهان” شركات التكنولوجيا في 2025
على مدار الشهور القليلة الماضية، مرت النظارات الذكية بمراحل تطور عديدة على المستويات كافة، وذلك في محاولة من مطوريها لتوسيع انتشارها ضمن قائمة الأجهزة الذكية ذات الاستخدام اليومي، وجذب المزيد من المستخدمين لها، وتشير التقارير إلى أن عام 2025 قد يشهد تحقيق هذا الهدف المرتقب.
وجعل هذا الزخم المستخدم قاب قوسين أو أدنى من الاستفادة بشكل أكبر مما كان يُعتبر “خيالاً” منذ عقد من الزمن تقريباً، ويُقربّه من الاستغناء عن أجهزة ذكية أخرى مثل الحاسوب الشخصي أو الهواتف المحمولة، والاعتماد بدلاً من ذلك على النظارة الذكية كجهاز رئيسي في استخداماته اليومية.
وباتت تجربة النظارات الذكية أفضل خلال الآونة الأخيرة، وخاصة مع استقبال الإشعارات واستهلاك والاستفادة من المحتوى بكل أنواعه من فيديوهات وألعاب وكتابة وتصفح الويب وغيرها، مما يجعلها خياراً فعَّالاً للترفيه والتواصل والعمل.
نظارات الواقع المعزز (AR)
لم تحصل نظارات الواقع المعزز Augmented Reality، التي تٌعرف اختصاراً بـ AR، حتى الآن على فرصة لتقديم تجربة كاملة للمستخدمين، وذلك من خلال الوصول إلى منتج بحجم نظارة تصحيح عيوب الإبصار التقليدية، مع عدسات شفافة، وتصميم عصري وخفيف، إلى جانب تزويدها بشاشة مدمجة يُعرض عليها المحتوى، ومجموعة كبيرة من المستشعرات، التي تجعل المستخدم يتفاعل مع المحتوى الذي يظهر أمامه بحركات اليد والأوامر الصوتية، إضافة إلى إمكانية الاستماع للموسيقى، واستقبال المكالمات.
لا تزال هذه التجربة محدودة، نتيجة لقصور قدرات شركات التكنوولجيا على الوصول إلى تقنيات تسمح بتقديم هذه التجربة.
وحتى العام الماضي لم يتغير وضع نظارات AR كثيراً عن نموذج نظارة “جوجل جلاس” (Google Glass) الذي أطلقته الشركة في 2013، فلم تتطور تقنيات عرض المحتوى أمام عينَي المستخدم بشكل مريح.
وأجبرت العثرات في الطريق نحو الواقع المعزز بعض الشركات على الاعتراف بفشلها في هذه السوق، وفي مقدمتها “مايكروسوفت” التي أوقفت إنتاج نظارتها للواقع المعزز HoloLens VR، والتي كان يُروج لها بأنها بديل لتجربة حاسوبية قوية تضاهي الحواسيب المكتبية، وأيضاً “ماجيك ليب”، والتي كانت من أوائل الشركات الواعدة في سوق الواقع المعزز، حيث أوقفت الدعم بشكل كامل عن نظارتها Magic Leap One مع آخر يوم من 2024، بعد أن تخطى عدد مستخدميها حاجز 6 آلاف شخص فقط، بعد 6 سنوات من طرحها بالأسواق.
لكن ذلك لم يمنع الشركات، سواء الناشئة أو الكبرى، من الإقدام على حل هذه المعضلة، إذ حاولت “ميتا” تقديم تجربة النظارة الذكية، حيث قدمت تجربة تعتمد بشكل أكبر على الصوت لاستقبال المكالمات والاستماع للموسيقى، إلى جانب إمكانية تسجيل مقاطع فيديو والتقاط الصور.
كما أتاحت “ميتا” خدمة البث المباشر عبر حسابات المستخدمين على منصتَي “إنستجرام”، و”فيسبوك” باستخدام النظارة مع وضْع لمسة من الذكاء الاصطناعي عبر Meta AI، والذي أصبح قادراً على الإجابة صوتياً عن استفسارات المستخدم، إذ بات قادراً على “الرؤية” و”الاستماع” عبر كاميرا وميكروفون النظارة.
وفضّلت الشركة الأميركية أن تلعب باستراتيجية “العمل بذكاء أفضل من العمل بمجهود” (Work Smarter, not Harder)، إذ أسست لنظاراتها المُعززة للواقع عبر الصوت من خلال شراكة مع RayBan، وبالتالي ضمنت شريحة كبيرة من الجمهور، كما تعمل على تقديم شاشة مدمجة مع نظارتها المستقبلية Orion، والتي رفعت عنها الستار في أكتوبر الماضي.
وتضع بعض الشركات نُصْب أعينها الدخول إلى سوق الواقع المعزز، وذلك من خلال تطوير تقنيات ثورية تزيل عقبات الطريق، فمثلاً شركة Swave Photonics طورت نظام عرض يعتمد على فكرتَي الهولوجرام والبيكسلات النانوية، بحيث يقوم النظام بعرض المحتوى مباشرة على جزيئات ضوء بحجم يقل عن 300 نانومتر، مما يعطي مجال رؤية واسعاً للغاية وتجربة غامرة وغير مستهلكة لبطارية النظارة، ودون الحاجة إلى شاشة من الأساس.
أما شركة Looktech AI التي انطلقت بحملة دعم جماعي عبر موقع Kickstarter، فتحاول منافسة ميتا ونظارتها “ميتا رايبان”، إذ تقدم نظارة تقوم في الأساس على تقديمها لنماذج الذكاء الاصطناعي الأحدث من شركات OpenAI وجوجل وأنثروبيك في قلبها، إلى جانب كاميرا بدقة 13 ميجابكسل تلتقط فيديوهات بدقة 2K ووزن خفيف 37 جرام.
كما تتيح إمكانية تدوين الملاحظات صوتياً، وتلخيص الاجتماعات ومكالمات الهاتف بشكل نصي مرتب، إلى جانب تحكم معتمد على اللمس، وكذلك زر أشبه بـCrown Button في ساعات “أبل ووتش” (Apple Watch).
وعلى الرغم من الاهتمام الكبير بسوق الواقع المعزز، إلا أن مستقبله في 2025 لا يزال ضبابياً؛ لأن المحاولات السابقة لم تكن مبشرة.
كما أن فكرة تطوير نظارة خفيفة الوزن بتصميم مثالي تتضمن جميع أنواع المستشعرات التي تتواجد داخل الهاتف الذكي، ليتم ارتدائها طوال اليوم بحرية وراحة تامة، يشكل تحدياً كبيراً، ولكن قد يحمل هذا العام مفاجأة ويكون بداية لعصر ما بعد الهواتف الذكية.
عالم افتراضي أفضل
أعاد عام 2023 الحياة من جديد في سوق نظارات الواقع الافتراضي VR، بعد أن كشفت أبل وميتا عن نظارتيهما “فيجن برو” (Vision Pro)، و”ميتا كويست 3″ (Meta Quest 3) على الترتيب، إلا أن مسار النظارتين كان مختلفاً بشكل كبير.
عانت نظارة أبل “فيجن برو”، التي يبلغ سعرها 3499 دولاراً، من ضَعْف الإقبال عليها من جانب المستهلكين، نتيجة ارتفاع سعرها والذي يرجع إلى التطور الكبير في التقنيات المستخدمة بها، وكذلك نقص المحتوى الذي يستغل إمكانياتها، بالإضافة إلى إغفال عملاق آيفون استهداف قطاع عشاق الألعاب، وهو ما تحاول تداركه حالياً من خلال التعاون مع “سوني” لتطوير ذراع تحكم للنظارة، بحسب “بلومبرغ”.
على الجانب الآخر، حققت نظارة ميتا كويست 3 نجاحاً كبيراً، وأصبحت تتصدر سوق النظارات الذكية للواقع المختلط Mixed Reality، وهو السوق نفسه الذي تنافس فيه فيجن برو.
استطاعت نظارة ميتا كويست 3 تحقيق ذلك عبر تقديم تسعير مناسب بـ500 دولار، بجانب شراكتها المميزة مع مايكروسوفت، والتي فتحت الباب لمستخدميها على إصدارات من تطبيقات “مايكروسوفت أوفيس” المكتبية (Microsoft Office) المطورة خصيصاً للنظارة، إلى جانب إمكانية بث شاشات حواسيب ويندوز 11 أمام المستخدم داخل النظارة، وكذلك نسخة كاملة من خدمة الألعاب السحابية Xbox Cloud.
يأتي كل هذا بالإضافة إلى مكتبة متنوعة من المحتوى من تطبيقات وتجارب رقمية وألعاب الفيديو المطورة خصيصاً للنظارة، مع ذراع تحكم، وميزة الاندماج في العالم المحيط PassThrough.
وطرحت ميتا في 2024 إصداراً منخفض التكلفة وهو “ميتا كويست 3S”، بسعر يبدأ من 299 دولاراً، وذلك لتعزيز وضعها داخل هذا السوق.
ومن المتوقع أن يكون 2025 عاماً جنونياً لهذه السوق، لأن عشرات الشركات بادرت بالفعل بطرح إصداراتها المتطورة، بعد أن وصلت المبيعات السوقية في 2024 إلى 9.6 مليون وحدة، تبلغ حصة “ميتا” منها 73%، بحسب تقرير من شركة “تريند فورس”.
وتحاول العديد من الشركات الناشئة بالفعل شق طريقها إلى داخل السوق، سواء بالاعتماد على التسعير المنخفض مع تقديم مستوى مناسب من الجودة وتجربة المستخدم، أو من خلال الابتكار في طريقة تصميم التجربة والتطبيقات المقدمة عبر نظاراتها.
تتيح شركة TCL عبر نظارتها RayNeo 2 Air تجربة تركز بشكل رئيسي على استهلاك المحتوى الترفيهي من ألعاب ومشاهدة الفيديوهات، ولكن دون الترويج لها على أنها مناسبة للعمل على سبيل المثال.
كما حاولت “بايت دانس”، مالكة “تيك توك”، الدخول إلى المنافسة عبر إصدار نظارتها الأحدث Pico 4 Ultra، والذي ركز على مختلف التطبيقات التي تستهدفها أبل فيجن برو، وميتا كويست 3، ولكن مع لمسة إضافية للألعاب، إذ قدمت الشركة الصينية إكسسواراً للقدمين يتم ارتداؤه لتتبع حركات القدم بدقة، مما سيغمر المستخدم بكامل جسمه داخل الألعاب والتجارب التفاعلية.
كما تستعد سامسونج في 2025 للكشف عن نظارتها الجديدة للواقع المختلط، تحت اسم Project Moohan، إذ تشوّق العالم منذ مطلع 2024 لهذا المنتج، الذي تشاركت في تطويره مع جوجل، بنظام تشغيل Android XR، وكوالكوم، التي ستعمل على تزويد النظارة الذكية القادمة بشريحة معالج ثوري.
كانت سوق نظارات VR أكثر حظاً بعض الشيء من نظارات الواقع المعزز، لأن الواقع الافتراضي طالما كان حولنا، فالنظارة الذكية ما هي إلا هاتف نضعه مباشرة أمام أعيننا، مع إتاحة القدرة على رؤية العالم المحيط بسهولة أكبر من ذي قبل، بفضل ميزة PassThough التي أصبحت معياراً رئيسياً في هذا القطاع من النظارات، منذ وصول أبل فيجن برو للأسواق.
البحث عن نظام مثالي
ستتطور تجربة مستخدمي النظارات الذكية خلال 2025 على مستوى أنظمة التشغيل أيضاً، وهناك 3 أنظمة تفرض نفسها بقوة على سوق النظارات الذكية، سواء كانت للواقع المعزز AR، أو الافتراضي VR، أو المختلط XR، وهي visionOS لنظارات أبل فيجن برو، وHorizon OS لنظارات ميتا، وAndroid XR من جوجل.
وكعادة أبل، فإن نظام تشغيل visionOS مقفول المصدر، حيث إنه منغلق بالكامل على بيئة عمل أجهزة أبل، وبالتالي تجربته ستكون مألوفة بشكل كبير لمستخدمي أجهزة الشركة الذكية من آيفون وآيباد وماك وأبل ووتش، لكنهم سيحتاجون لبعض الوقت للتعود على التحكم في واجهات الاستخدام بحركات العين والرأس واليدين، لأنها لا تدعم حتى الآن أذرع التحكم.
كما أن تجربة المستخدم مع visionOS مثالية لمستخدمي أبل، لأن نظام التشغيل يتيح الوصول إلى مكتبة متنوعة من التطبيقات عبر متجر الشركة App Store، إلى جانب سلاسة الأداء والتنقل السهل والسريع بين التطبيقات، مع تصميم بسيط ومريح للاستخدام داخل الواجهات المختلفة.
أما على مستوى نظام تشغيل ميتا Horizon OS، فواجهة الاستخدام بسيطة إلى حد كبير، وعملية لأنها تدعم استخدام إيماءات الأيدي وكذلك الإكسسوارات اللاسلكية الخارجية مثل أجهزة الماوس (الفأرة) ولوحات المفاتيح وغيرها، إلى جانب أذرع التحكم الخاصة بها، إلا أنها لا تدعم تتبع حركة العينين، والتي كانت متاحة على متن “ميتا كويست برو” (Meta Quest Pro)، ولكن من المتوقع عودتها من جديد في الإصدار القادم “ميتا كويست 4” (Meta Quest 4)، لتضاهي أداء نظارة أبل.
على مستوى تجربة المستخدم، فإن نظام تشغيل نظارات ميتا كويست يُعتبر عملياً بالنسبة لعشاق الألعاب، لأنه مصمم لتقديم تجربة انسيابية وسريعة مع تشغيل الألعاب ومعالجة وعرض الرسوميات المتطورة، إلا أن متجر كويست ستور يعاني من نقص شديد في التطبيقات، عدا مجموعة من التطبيقات الشهيرة مثل يوتيوب وXbox Cloud Gaming، إلى جانب عدد من تطبيقات مايكروسوفت أوفيس المصممة بأسلوب ثنائي الأبعاد، وبالتالي فإنه يتفوق على أبل في تجربة الألعاب، ولكن يسقط أمام مكتبتها من التطبيقات المختلفة.
حاولت ميتا أن تتميز في المنافسة داخل سوق أنظمة تشغيل النظارات الذكية من خلال فتح نظامها Horizon OS لعموم مطوري النظارات، بحيث يمكن لأي شركة استخدام هذا النظام.
وكان ذلك محاولة من ميتا لتكون “أندرويد النظارات الذكية” من حيث الانتشار الواسع، ولكن الأمر كان سابقاً لإطلاق جوجل نظامها الخاص، إلا أن الخطوة في حد ذاتها جعلت الشركة تضم إلى صفوفها عمالقة من سوق تصنيع الأجهزة، مثل مايكروسوفت، التي أعلنت تعاونها مع ميتا لتطوير نظارة ذكية بصبغة إكس بوكس، وكذلك كلا من “أسوس” و”لينوفو” يتعاونان مع عملاق فيسبوك لتطوير أجهزة واقع معزز تتيح تطبيقات وتجارب للترفيه والعمل والتعليم، وستصل الأسواق خلال الفترة المقبلة.
بينما يأتي الوافد الجديد إلى هذه السوق، وهو نظام تشغيل جوجل Android XR، والذي من المتوقع وصوله بالتزامن مع إطلاق نظام سامسونج المنتظر للواقع المختلط، والذي يحمل الاسم الكودي Project Moohan، وكذلك التي قالت عنها جوجل في بيان إطلاقها النظام الجديد بأنها “ستكون أول نظارة تعمل بأندرويد إكس آر”.
ويعتمد النظام الجديد يعتمد على تقديم تجربة غامرة للمستخدمين داخل عالم أندرويد، فلن يشعر مستخدمو الهواتف والأجهزة العاملة بنظام تشغيل جوجل الشهير بأي غرابة مع النظارات العاملة بـ”أندرويد إكس آر”، لأنهم سيجدون جميع تطبيقات جوجل في إصدارات مطورة خصيصاً للعالم الافتراضي، وكذلك سيحظون بتجربة تغمرهم داخل فيديوهات يوتيوب وكأنهم داخل المحتوى نفسه، وأيضاً سيعيشون تجربة مميزة مع خرائط جوجل ووضع Immersive View، كما سيحصلون مع جوجل كروم على تصفح أكثر متعة للويب.
وكما هو الحال مع متجر أبل، فإن مستخدمي “أندرويد إكس آر” على نظاراتهم الذكية سيستفيدون من ملايين التطبيقات المتاحة على متجر جوجل بلاي ستور، حيث سهلت جوجل مهمة المطورين ليتمكنوا من جعل أي تطبيق متاح على أندرويد، يتوافق بسهولة مع نظارات “أندرويد إكس آر”، ما يفسح المجال أمام وصول عدد ضخم من التجارب والتطبيقات بين أيادي المستخدمين، بمجرد شرائهم لنظارة تعمل بنظام جوجل الجديد.
ولن تكون المنافسة سهلة أبداً داخل سوق النظارات الذكية، سواء على مستوى الأجهزة أو أنظمة التشغيل في 2025.